عرض مشاركة واحدة
  #49  
قديم 09-03-2024, 07:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,111
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن (52)

من أضاع ساعة من الزمن أضاع سنة



يعجب المتأمل من تفنن بعض الناس في هدر الأوقات، وتضييع الساعات في أمور هامشية، لا تعود عليهم بصلاح دينهم ولا دنياهم.
فتجد كثيرا منهم يجوبون الأسواق بلا حاجة يشترونها ولا مصلحة يقضونها، أو يجلسون ساعات طويلة في المقاهي أو أمام التلفاز أو أجهزة الحاسب الآلي أو أجهزة الاتصال الذكية في غير منفعة دينية ولا دنيوية، إن لم يكن في ذلك تحصيل الآثام أو اكتساب السيئات.
ولعل من أسباب هذه الظاهرة (الوفرة المادية) -ولله الحمد- التي أنعم الله تعالى بها علينا في مجتمعنا، بحيث أصبح الإنسان مكفيا في رزقه، حتى من لا يعمل كالطلبة أو العجزة ونحوهم قد تكفلت الدولة مشكورة بالإنفاق عليهم؛ ولهذا فإن وقت الفراغ متوافر جدا لدى كثير من الناس، فضلاً عن الأمن والشعور بالحرية مما يجعل بال الإنسان هادئا فارغا من الهموم والشواغل؛ لذا فكثير من الناس لا يعرف ما يفعل بوقته فيبادر إلى قتله بسفاسف الأمور.
والسنة المطهرة تؤكد أن تضييع الأوقات من الخسارة الفادحة التي سيندم عليه صاحبها، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ» أخرجه البخاري، قال شراح الحديث: أي: الصحة وفراغ الخاطر بحصول الأمن. والمعنى لا يعرف قدر هاتين النعمتين كثير من الناس؛ حيث لا يكسبون فيهما الأعمال الكافية لما يحتاجون إليه في معادهم، فيندمون على تضييع أعمارهم عند زوالها، ولا ينفعهم الندم، قال تعالى: {ذلك يوم التغابن}، وقال صلى الله عليه وسلم : «ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم ولم يذكروا الله فيها».
وقال ابن حجر مبينا معنى النعمة: «هي الحالة الحسنة»، ثم نقل عن ابن بطال أنه قال: «معنى الحديث أن المرء لا يكون فارغا حتى يكون مكفيا صحيح البدن؛ فمن حصل له ذلك فليحرص على ألا يغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه، ومن شكره امتثال أوامره، واجتناب نواهيه، فمن فرط في ذلك فهو المغبون، وأشار بقوله: «كثير من الناس» إلى أن الذي يوفق لذلك قليل، وقال ابن الجوزي: «قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون؛ لأن الفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم».
فالأوقات ثمينة، والساعات عزيزة، فواجب المسلم أن يملأ وقته بالخيرات، ويبادر بالطاعات كما قال تعالى: {فاستبقوا الخيرات}، وقال صلى الله عليه وسلم : «اغتنم خمسا قبل خمس؛ شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك».
ولا بد من تنظيم الوقت، وترتيب الأولويات، فيعرف المسلم وظيفة كل وقته وحقه، فقد قال أبو بكر رضي الله عنه موصيا عمر رضي الله عنه : «إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل، وحقا بالليل لا يقبله بالنهار»، وقال بعض الصالحين: «أوقات العبد أربعة لا خامس لها: النعمة والبلية والطاعة والمعصية، ولله عليك في كل وقت منها سهم من العبودية، يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية».
ومن ألزم الأمور الحذر من الغفلة وبلادة الحس بأهمية الوقت والحياة، فالله تعالى يحذرنا من الغفلة وأهلها فقال سبحانه: {ولا تكن من الغافلين}، وقال تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا}، وكان من دعاء عمر رضي الله عنه : «اللهم لا تدعنا في غمرة، ولا تأخذنا على غرة، ولا تجعلنا من الغافلين».
وكذلك لابد من الحذر من التأجيل والتسويف ولا سيما في أعمال الخير، قال الحسن: «إياك والتسويف؛ فإنك بيومك ولست بغدك، فإن يكن لك غد فكن في غد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن لك غد لم تندم على ما فرطت في اليوم».
ومن المهم أن يعلم المسلم أنه مسؤول عن وقته وعمره كما أكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه».
وختاما فلا شك أن للزمن قيمته، وللعمر أهميته، والسعيد من حفظ وقته، واستدرك ما فاته، والمغبون من أضاع عمره فيما لا ينفع، وأهدر ساعاته فيما لا يجدي، وتأمل هذه الوصية الذهبية من الإمام ابن القيم رحمه الله في كيفية حفظ الأوقات واستدراك ما فات حيث قال: «إن في وقت بين الوقتين وهو في الحقيقة عمرك وهو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقبل، فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغفار، وذلك شيء لا تعب فيه ولا نصب ولا معاناة عمل شاق إنما هو عمل قلب، وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب، وامتناعك ترك وراحة ليس هو عملا بالجوارح يشق عليك معاناته، وإنما هو عزم ونية جازمة تريح بدنك وقلبك وسرك، فما مضى تصلحه بالتوبة، وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعزم والنية، وليس للجوارح في هذين نصب ولا تعب، ولكن الشأن في عمرك، وهو وقتك الذي بين الوقتين، فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك، وإن أصلحته مع إصلاح الوقتين اللذين قبله وبعده نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم، وحفظه أشق من إصلاح ما قبله وما بعده، فإن حفظه أن تلزم نفسك ما هو أولى بها وأنفع لها، وفي هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت، فهي والله أيامك الخالية التي تجمع فيها الزاد لمعادك، إما إلى الجنة وإما إلى النار».
وكل ما سبق يؤكد حقيقة ذلك المثل السويسري الذي يقول: «من أضاع ساعة من الزمن أضاع سنة»، فمن تعود إضاعة اللحظات هان عليه فوات الساعات،ثم يسهل عليها ضياع الأيام والسنوات، ووقته كان رصيدا له صرفه بلا منفعة دنيوية ولا دينية ولا أخروية، فهو حقا مغبون خاسر، نسأل الله تعالى أن يرزقنا عمارة الأوقات بالطاعات.



اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.56 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.27%)]