عرض مشاركة واحدة
  #44  
قديم 03-03-2024, 08:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمة ضالة المؤمن ( 47 )

إن خير من استأجرت القوي الأمين



قال عز وجل: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً}. ذكر الشيخ ابن سعدي أن الله -عز وجل- يبين في هذه الآية الكريمة عظم شأن الأمانة التي ائتمن عليها المكلفون؛ حيث عرضها- سبحانه- على المخلوقات العظيمة السموات والأرض والجبال، عرض تخيير لا تحتيم، فأبين أن يحملنها خوفاً ألا يقمن بحقها، وعرضها عز وجل على الإنسان بذلك الشرط، وهو إن قام بها أجر وإن لم يؤدها عوقب فقبلها وحملها مع ظلمه وجهله، فانقسم الناس- بحسب قيامهم بها وعدمه - إلى ثلاثة أقسام: منافقون، أظهروا أنهم قاموا بها ظاهرًا لا باطنًا، ومشركون، تركوها ظاهرًا وباطنًا، ومؤمنون، قائمون بها ظاهرًا وباطنًا، فذكر اللّه تعالى أعمال هؤلاء الأقسام الثلاثة، وما لهم من الثواب والعقاب فقال: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.
والأمانة مفهوم واسع يشمل أمورا كثيرة يغفل عنها بعض الناس، فالأمانة تطلق على الوفاء فهي ضد الخيانة، كما تطلق على الوديعة، والمراد بها هنا كل ما ائتمن عليه الإنسان وأمر بالقيام به، فأمر الله عباده بأدائها كاملة موفرة، لا منقوصة ولا مبخوسة، ولا ممطولاً بها، ويدخل في ذلك أمانات الولايات والأموال والأسرار والمأمورات التي لا يطلع عليها إلا الله.
وفي القرآن الكريم توجيه بديع إلى أمانة اختيار الأكفاء لتولي مصالح المسلمين، وبيان أسس الولاية وقوامها، وذلك فيما قصه الله عز وجل من قصة موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وسقى للمرأتين فقالت إحداهما لأبيها: {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين}.
قال الشيخ ابن سعدي في تفسير الآية الكريمة: «أي: اجعله أجيراً عندك، يرعى الغنم ويسقيها، {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} أي: إن موسى أولى من استؤجر، فإنه جمع القوة والأمانة، وخير أجير استؤجر من جمعهما، أي: القوة والقدرة على ما استؤجر عليه، والأمانة فيه بعدم الخيانة، وهذان الوصفان، ينبغي اعتبارهما في كل من يتولى للإنسان عملاً، بإجارة أو غيرها، فإن الخلل لا يكون إلا بفقدهما أو فقد إحداهما، وأما باجتماعهما، فإن العمل يتم ويكمل، وإنما قالت ذلك؛ لأنها شاهدت من قوة موسى عند السقي لهما ونشاطه، ما عرفت به قوته، وشاهدت من أمانته وديانته، وأنه رحمهما في حالة لا يرجى نفعهما، وإنما قصده بذلك وجه اللّه تعالى».
ويبين الشيخ الطاهر بن عاشور أن هذه الكلمة من تلك المرأة صارت مثلاً سائراً، وقاعدة قرآنية يرجع إليها عند تولي المناصب العامة فيقول: «وجملة {إن خير من استأجرت القوي الأمين} علة للإشارة عليه باستئجاره؛ أي لأن مثله من يستأجر. وجاءت بكلمة جامعة مرسلة مثلاً لما فيها من العموم ومطابقة الحقيقة دون تخلف، فالتعريف باللام في: {القوي الأمين} للجنس مراد به العموم، والخطاب في: {من استأجرت} موجه إلى شعيب، وصالح لأن يعم كل من يصلح للخطاب لتتم صلاحية هذا الكلام لأن يرسل مثلاً».
ويوضح شيخ الإسلام أن الأمانة والقوة أمران نسبيان يختلفان بحسب موضوع الولاية وخطرها، وأنه لا يلزم من صلاحية شخص لمكان أن يصلح لكل مكان، بل لابد من النظر إلى طبيعة الولاية وقدرة الشخص على تحقيق مقاصدها، فيقول رحمه الله في السياسة الشرعية: والقوة في كل ولاية بحسبها، فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب، وإلى الخبرة بالحروب، والمخادعة فيها، والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل الذي دل عليه الكتاب والسنة، وإلى القدرة على تنفيذ الأحكام.
والأمانة ترجع إلى خشية الله، وألاّ يشترى بآياته ثمناً قليلاً، وترك خشية الناس، وهذه الخصال الثلاث التي اتخذها الله على كل حكم على الناس في قوله تعالى: {فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، ولهذا قال النبي [: «القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاض في الجنة، فرجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار، ورجل قضى بين الناس على جهل فهو في النار، ورجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة» رواه أهل السنن.
اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:«اللهم أشكو إليك جلد الفاجر، وعجز الثقة».
فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها، فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة، قدم أنفعهما لتلك الولاية وأقلهما ضرراً فيها، فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع، وإن كان فيه فجور فيها، على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أميناً وإن كان الحاجة في الولاية إلى الأمانة أشد قدم الأمين مثل حفظ الأموال ونحوها».
وهنا لابد من الإخلاص لله تعالى في اختيار من يلي أمور المسلمين، والتجرد عن اتباع الهوى على اختلاف صوره، والنظر إلى كفاءة الإنسان وقدرته على تحقيق مقاصد الولاية التي سيتولاها، فليس كل صالح في نفسه يكون صالحاً في ولايته، كما سئل الإمام أحمد عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو؛ أحدهما قوي فاجر، والآخر صالح ضعيف، مع أيهما يغزى؟ فقال: «أما الفاجر القوي فقوته للمسلمين، وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين، فيغزى مع القوي الفاجر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر».
فالاختيار للقرابة أو للصداقة أو للرشوة أو لغيرها من المعايير غير الموضوعية يوقع الإنسان تحت مظلة الخيانة لله تعالى ولرسوله وللمسلمين كما جاء في الأثر: «من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله» وفي رواية: «من قلـد رجلاً عملاً على عصابة أي: جماعة من الناس وهو يجد في تلك العصابة أرضى منه، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين» رواه الحاكم، وقال عمر رضي الله عنه : «من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمسلمين».



اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.61 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.26%)]