عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 09-09-2020, 01:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,605
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أفضل الكلام وأحبه إلى الله

أفضل الكلام وأحبه إلى الله (6)
أ. محمد خير رمضان يوسف






في أربع أربعينات (6)


(أولًا)
سبحان الله (6/ 6)


(34)
التسبيح عند التعجب
عن علي بن الحسين:
أنَّ صفيَّةَ بنتَ حُييٍّ أخبرته، أنها جاءتْ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَزورهُ وهو معتَكِفٌ في المسجد، في العشرِ الغوابرِ مِن رمضان، فتَحدَّثتْ عندَهُ ساعةً مِنَ العشاء، ثم قامت تَنقَلِب، فقامَ معها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقْلِبُها، حتى إذا بلغتْ بابَ المسجد، الذي عندَ مَسكَنِ أُمِّ سلَمةَ زَوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، مرَّ بهما رجلانِ مِنَ الأنصار، فسَلَّما على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثم نَفَذا، فقال لهما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "على رِسْلِكُما، إنَّما هي صَفيَّةُ بنتُ حُيَيّ".

قالا: سبحانَ اللهِ يا رسولَ الله! وكَبُرَ عليهما ما قال.
قال: "إنَّ الشَّيطانَ يَجري مِن ابنِ آدمَ مَبلَغَ الدَّم، وإنِّي خَشِيتُ أنْ يَقذِفَ في قُلوبِكُما".
صحيح البخاري (5865) واللفظُ له، صحيح مسلم (2175).
يَقلبها: يردُّها إلى منزلها. وكانت بيوتُ أزواجِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ حوالَي أبوابِ المسجد.

وأشارَ ابنُ حجر إلى رواياتٍ أخرى للحديث، وقال:
والمحصَّلُ من هذه الروايات: أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ لم ينسبهما إلى أنهما يظنَّان به سوءًا؛ لما تقرَّرَ عندهُ من صدقِ إيمانهما، ولكنْ خشيَ عليهما أن يوسوسَ لهما الشيطانُ ذلك؛ لأنهما غيرُ معصومين، فقد يُفضي بهما ذلك إلى الهلاك، فبادرَ إلى إعلامهما حسمًا للمادة، وتعليمًا لمن بعدهما إذا وقعَ له مثلُ ذلك، كما قالَهُ الشافعيُّ رحمَهُ الله تعالى، فقد روى الحاكم أن الشافعيَّ كان في مجلسِ ابن عُيينة، فسألَهُ عن هذا الحديث، فقالَ الشافعي: إنما قالَ لهما ذلكَ لأنه خافَ عليهما الكفرَ إنْ ظنَّا به التهمة، فبادرَ إلى إعلامهما نصيحةً لهما قبلَ أن يقذفَ الشيطانُ في نفوسهما شيئًا يَهلكان به.

وفي الحديثِ من الفوائد:
جوازُ اشتغالِ المعتكفِ بالأمورِ المباحة، من تشييعِ زائره، والقيامِ معه، والحديثِ مع غيره.
وإباحةُ خلوةِ المعتكفِ بالزوجة، وزيارةِ المرأةِ للمعتكف.
وبيانُ شفقتهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ على أمته، وإرشادِهم إلى ما يَدفَعُ عنهم الإثم.
وفيه التحرُّزُ من التعرُّضِ لسوءِ الظن، والاحتفاظُ من كيدِ الشيطان، والاعتذار.

قالَ ابنُ دقيق العيد: وهذا متأكدٌ في حقِّ العلماءِ ومَن يُقتدَى به، فلا يجوزُ لهم أن يفعلوا فعلًا يوجبُ سوءَ الظنِّ بهم، وإن كان لهم فيه مَخلَص؛ لأن ذلك سببٌ إلى إبطالِ الانتفاعِ بعلمهم، ومن ثم قالَ بعضُ العلماء: ينبغي للحاكمِ أن يبيِّنَ للمحكومِ عليه وجهَ الحُكمِ إذا كان خافيًا، نفيًا للتهمة. ومن هنا يظهرُ خطأُ من يتظاهرُ بمظاهرِ السوء، ويعتذرُ بأنه يجرِّبُ بذلك على نفسه. وقد عظمَ البلاءُ بهذا الصنف. والله أعلم.

وفيه جوازُ خروجِ المرأةِ ليلًا.
وفيه قولُ: "سبحانَ الله" عند التعجب، قد وقعتْ في الحديثِ لتعظيمِ الأمرِ وتهويله، وللحياءِ من ذكره[1].

(35)
تشديد في الدَّين
عن محمد بن جحش قال:
كنَّا جلوسًا عندَ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فرفعَ رأسَهُ إلى السماء، ثم وضعَ راحتَهُ على جبهتِه، ثم قال: "سُبحانَ الله! ماذانَزلَمِنالتشديد
فسَكتنا، وفَزِعنا، فلمَّا كان مِن الغدِ سألتُه: يا رسولَ اللهِ، ما هذا التشديدُ الذي نزَل؟

فقال: "والذي نفسي بيدِه، لو أنَّ رجلًا قُتِلَ في سبيلِ الله، ثم أُحْيِي، ثم قُتِلَ، ثم أُحْيِي، ثم قُتِلَ، وعليه دَيْنٌ، ما دَخلَ الجنةَ حتى يُقْضَى عنه دَيْنُه".

سنن النسائي الصغرى (4684) وحسَّنه له في صحيح سنن النسائي، السنن الكبرى للبيهقي (10745)، المستدرك على الصحيحين (2212) وصحح إسناده.

قالَ ابنُ عبدالبرِّ القرطبيُّ رحمَهُ الله، بعد إيرادِ أحاديثَ أخرى في التغليظِ في الدَّين:... فكلُّ من ماتَ وقد أدانَ دَينًا في مباحٍ ولم يقدرْ على أدائه، فعلى الإمامِ أن يؤدِّيَ ذلك عنه، من سهمِ الغارمينَ أو من الصدقات..[2].

(36)
القصاص!
عن أنس:
أنَّ أختَ الرَّبيع، أمَّ حارثةَ، جَرحتْ إنسانًا، فاختصموا إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "القصاصَ، القصاصَ".
فقالتْ أمُّ الرَّبيع: يا رسولَ الله، أَيُقتَصُّ مِن فلانة؟ واللهِ لا يُقتَصُّ منها.
فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "سبحانَ اللهِ يا أمَّ الربيعِ! القصاصُ كتابُ الله".
قالت: لا، واللهِ لا يُقتَصُّ منها أبدًا.
قال: فما زالتْ حتى قَبِلوا الدِّيَة.
فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنَّ مِن عبادِ اللهِ مَن لو أقسمَ على اللهِ لأَبرَّهُ".
صحيح مسلم (1675).
كتابُ اللهِ القصاص: أي حكمُ كتابِ الله وجوبُ القصاص..
"إنَّ مِن عبادِ اللهِ مَن لو أقسمَ على اللهِ لأَبرَّهُ": معناهُ لا يحنثهُ؛ لكرامتهِ عليه.
ومن فوائدِ الحديث:
جوازُ الحلفِ فيما يظنُّهُ الإنسانُ.
ومنها جوازُ الثناءِ على من لا يخافُ الفتنةَ بذلك.
واستحبابُ العفو عن القصاص.
واستحبابُ الشفاعةِ في العفو[3].

(37)
فتن
عن أمِّ سلَمةَ قالت:
استيقظَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ ليلةٍ فقال:
"سبحانَ الله! ماذا أُنْزِلَ الليلةَ مِن الفِتَن؟ وماذا فُتِحَ مِن الخزائن؟ أيقِظوا صَواحِباتِ الحُجَر، فرُبَّ كاسِيَةٍ في الدُّنيا عاريةٍ في الآخرة".
صحيح البخاري (115).

صواحباتُ الحُجر: يريدُ أزواجَهُ صلَّى الله عليه وسلَّم، لكي يصلِّين.
ومن معاني كاسية.. عارية: كاسيةٍ بالثيابِ لوجودِ الغنى، عاريةٍ في الآخرةِ من الثوابِ لعدمِ العمل.

وأوردَ ابنُ حجر قولَ ابنِ بطَّال: في هذا الحديثِ أن الفتوحَ في الخزائنِ تَنشأ عنه فتنةُ المال، بأن يُتنافَسَ فيه فيقعُ القتالُ بسببه، وأن يُبخَلَ به فيُمنَعُ الحقّ، أو يَبطرُ صاحبهُ فيُسرف. فأرادَ صلَّى الله عليه وسلَّمَ تحذيرَ أزواجهِ من ذلكَ كلِّه، وكذا غيرَهنَّ ممن بلغَهُ ذلك.

وفي الحديثِ الندبُ إلى الدعاء، والتضرُّعُ عند نزولِ الفتنة، ولا سيَّما في الليل؛ لرجاءِ وقتِ الإجابة، لتُكشَف، أو يَسلَمَ الداعي ومَن دعا له [4].

(38)
غراس الجنة
عن ابنِ مسعود قال:
قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لَقِيتُ إبراهيمَ ليلةَ أُسْرِيَ بي، فقال: يا مُحمَّدُ،أقْرِئْأُمَّتَكمنِّيالسلامَ وأَخبِرْهم أنَّ الجنةَ طيِّبةُ التربَةِ، عَذْبةُ الماءِ، وأنَّها قِيعانٌ، وأنَّ غِراسَها: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلّا اللهُ، واللهُ أكبر".

رواهُ الترمذي في السنن (3462) وقال: حديثٌ حسنٌ غريب. وحسَّنهُ له في صحيحِ الجامعِ الصغير (5152).
قيعان: أرضٌ مستويةٌ خاليةٌ من الشجر.

قال الطيبي: في هذا الحديثِ إشكال؛ لأنه يدلُّ على أن أرضَ الجنةِ خاليةٌ عن الأشجارِ والقصور، ويدلُّ قولهُ تعالَى: ﴿ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [سورة البروج: 11] على أنها غيرُ خاليةٍ عنها؛ لأنها إنما سمِّيتْ جنةً لأشجارها المتكاثفةِ المظلَّةِ بالتفافِ أغصانها.

والجواب: أنها كانت قيعانًا، ثم إن الله تعالَى أوجدَ بفضلهِ فيها أشجارًا وقصورًا بحسبِ أعمالِ العاملين، لكلِّ عاملٍ ما يختصُّ به بسببِ عمله. ثم إنه تعالَى لـمَّا يسَّرَهُ لِما خُلِقَ له من العملِ ليَنالَ بذلك الثواب، جعلَهُ كالغارسِ لتلك الأشجارِ مجازًا، إطلاقًا للسببِ على المسبِّب. انتهى.

قالَ القاري: وأجيبَ أيضًا بأنه لا دلالةَ في الحديثِ على الخلوِّ الكلِّي من الأشجارِ والقصور؛ لأن معنى كونها قيعانًا أن أكثرها مغروس، وما عداهُ منها أمكنةٌ واسعةٌ بلا غرس، لينغرسَ بتلك الكلمات، ويتميَّزَ غرسُها الأصليُّ الذي بلا سبب، وغرسُها المسبَّبُ عن تلك الكلمات[5].

(39)
غراس آخر
عن أبي هريرة:
أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ مرَّ به وهو يَغرِسُ غَرْسًا، فقال: "يا أبا هريرةَ ما الذي تغرسُ
قلتُ: غِراسًا لي.
قال: "ألا أدلُّكَ على غِراسٍ خيرٍ لكَ من هذا
قال: بلَى يا رسولَ الله.
قال: "قل: سُبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ،يُغرَسُلكَ بكلِّ واحدةٍ شجرةٌ في الجنة".
سنن ابن ماجه (3807)، وصححهُ له في صحيح سننه، المستدرك على الصحيحين (1887) وقال: صحيح الإسنادِ ولم يخرجاه، وله شاهدٌ عن جابر.

(40)
نخلة في الجنة
عن جابر:
عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "مَن قالَ سُبحانَ اللهِ العظيمِ وبحمده، غُرِسَتْ له نخلةٌ في الجنَّة".

رواهُ الترمذي في السنن (3464) وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيح غريب، واللفظُ له، وابن حبان في صحيحه (826)، وصححه في صحيح الجامع الصغير (6429).
سبحان الله وبحمده: أي تسبيحًا مقرونًا بحمده.

خُصَّتِ النخلةُ بالذكرِ أو الغرسِ لكثرةِ منفعتها، وطيبِ ثمرتها، ولذلك ضربَ الله تعالَى مثَلَ المؤمنِ وإيمانهِ بها وثمرتها، في قولهِ تعالَى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً ﴾ [إبراهيم: 24] وهي كلمةُ التوحيد ﴿ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ﴾ [إبراهيم: 24] وهي النخلة[6].


[1] ينظر فتح الباري 4/ 280.

[2] الاستذكار 5/ 102.

[3] ينظر شرح النووي على صحيح مسلم 11/ 163.

[4] باختصار من فتح الباري 13/ 23.

[5] تحفة الأحوذي 9/ 303.

[6] تحفة الأحوذي 9/ 304. والآية من سورة الرعد، رقم 24.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.97 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]