عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 21-10-2020, 01:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,978
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اللغة العربية وتحديات الازدواجية اللغوية ( الواقع والحلول )

وأما في مالي فتتم دراسة اللغة العربية في التعليم الحكومي بشكل بارز؛ ففي التعليم الابتدائي تدرس العربية من الصف الأول حتى السادس بالمدارس ثنائية اللغة (الفرنسية - العربية)، وهي تدرس مع اللغةِ الفرنسية على حدٍّ سواء، باعتبارهما لغة تعليم.

ويجب أن نشيرَ هنا إلى أنه يتمُّ تدريسُ العربيةِ في هذه المدارس باعتبارها لغةً فقط دون ربطها بالدين الإسلامي؛ وذلك استنادًا إلى المادة التي تنص على عَلمانية الدولة وعَلمانية التعليم في دستور دولة مالي.

ومِن ناحية أخرى يرسل أولياءُ الأمور أطفالَهم إلى هذه المدارس لغرض ديني؛ إذ يعتقدون أن تعليمَهم مبادئ اللغة يساعدُهم على فهم الإسلام، ويُسهِّل عليهم قراءةَ القرآن.

وفي المرحلة الإعدادية (الصف السابع والثامن والتاسع) تتحوَّل العربيةُ لمادة اختيارية من بين اللغات الأجنبية؛ حيث يُترَك للتلميذ حريةُ اختيار اللغة التي يرغبُ في تعلُّمِها، وهذا على المستوى النظري العام فقط، وأما في الواقع العملي فلا يوجَدُ في هذه المرحلة عدا الإنجليزية والعربية، ويخصَّص لهذه المادة الاختيارية ثلاث ساعات أسبوعيًّا.

وفي المرحلةِ الثانوية تستمرُّ العربية كلُغَةٍ اختيارية مع لغة أجنبية أخرى، ويتم اختيار اللغة الأولى وَفْقًا للُّغة التي درسها التلميذ في المرحلة الإعدادية، الإنجليزية أو العربية، وغالبًا ما تبقى اللغات الأخرى دائمًا في الاختيار الثاني.

كذلك للعربية حضورٌ في المعاهد التربوية، وفي التعليم الجامعي بمالي؛ فقد افتُتِح في عام 1997 معهدُ الهجرة التربوي في مدينة تنبكت، وهو معهدٌ حُكومي لتلبية حاجة المدارس العربية من مدرِّسي العربية، سواء في موادِّ اللغة العربية، أو المواد العِلمية؛ كالرِّياضيات والكيمياء والفيزياء، وتُعتَبَر اللغةُ العربية هي لغةَ التدريس في هذا المعهد، وتدرس اللغة الفرنسية كمادة دراسية، كما تستخدم الفرنسية أيضًا كوسيطٍ في تدريس بعض المواد؛ كالفلسفة، والتربية المدنيَّة، والرَّسم.

ونجدُ العربية في التعليم الجامعي تدرس في المدرسة العليا لإعداد المعلمين، كما تدرس أيضًا في شُعبة اللغة العربية بكلية الآداب، التي تضم تخصُّصينِ؛ الأول: في اللغة العربية فقط، والثاني: في اللُّغتين العربية والإنجليزية.

وتدرس اللغة العربية في الجامعةِ بأشكال أخرى، فتدرس كمادةٍ اختيارية في الأقسام والشُّعَب الأخرى، وكذلك تدرس في كليةِ الإدارة والحقوق والعلوم السياسية في السنتين: الثالثة، والرابعة[27].

ومن هنا، نستنتج أن حضورَ اللغة العربية في الدول الإفريقية مرتبطٌ أساسًا بفَهْم تعاليمِ الإسلام، وتطبيقُها في الواقع التعبُّدي مما يحتاج إليه المسلِمُ في هذه الدول الإفريقية.

اللُّغة العربية وسُبُل النهوض بها:
لا شك بأن اللغةَ العربية تحمل في ذاتها وسائلَ قوتها، وعوامل حياتها، بل هي اللغةُ التي حملت معانيَ الكتاب الحكيم، وكانت وسيلةً طَيِّعة في أيدي العلماء الباحثين من أسلاف هذه الأمَّة؛ ولهذا وجَدْنا (رنست رينان) يقول: "اللغةُ العربية بدأت فجأة على غايةِ الكمال، وهذا أغربُ ما وقَع في تاريخ البشر، فليس لها طفولةٌ ولا شيخوخة"[28].

ولا سبيلَ إلى نهضة الأمَّة واسترداد عافيتها ودورها الرسالي إلا إذا بوَّأتِ اللغةَ العربية مكانتَها السامقة في سُلَّم الأولويات المعرفية في التربية والتعليم والإعلام والثقافة والإدارة والشؤون الدولية، وصلاً بين حقيقة الدِّين ونسيج اللغة وحصاد العصر، وبناءً للأجيال الحاضرة والقادمة في ضوءِ تلك المعطيات الثلاث.

وأكبَر الظنِّ أن ذلك ليس أمرًا خارقًا ولا مستحيلاً، رغم العقبات الكؤود التي لا يجوزُها إلا أهلُ البصائر واليقين المبدئي والعِلم الراسخ، ورغم الفتنة الحضارية التي تلبَسُ مُسوحَ "العِلم" و"الحرية" و"العدالة"، ويروج له دعاةُ النظام العالمي الجديد بأُنموذَجِه القطبي الواحد في الثقافة والعولمة، وأنماط الاستهلاك والأسواق الحُرَّة، والقِيَم البرجوازية، وغير ذلك من المفاهيم الدِّعائية، والمصطلحات الفضفاضة.

الخاتمة:
تبيَّن لنا مما سبق أن اللغةَ العربية هي لغةٌ قوية في ذاتها، وفي هذا يقول الألماني فريتاغ: "اللغةُ العربية أغنى لغاتِ العالم"، بل هي لغةٌ تستطيع مواكبةَ العصر؛ لِما تحمِلُه من خصائصَ، مما يدل على ذلك قول وليم ورك: "إن للعربية لِينًا ومرونةً يمكِّنانِها من التكيُّف وَفْقًا لمقتضيات العصر"،ونقَل السيوطي عن ابن فارس أن كلامَ العرب لا يحيط به إلا نبي".

ويعتبر كثيرٌ من المفكرين أن "العربية لغة كاملة محببة عجيبة، تكاد تصوِّر ألفاظُها مشاهد الطبيعة، وتمثل كلماتها خطرات النفوس، وتكاد تتجلى معانيها في أجراس الألفاظ، كأنما كلماتُها خطواتُ الضمير، ونبضات القلوب، ونبرات الحياة"[29].

ويقول مصطفى صادق الرافعي: "إنما القرآن جنسيةٌ لغوية تجمع أطرافَ النسبة إلى العربية، فلا يزال أهلُه مستعربين به، متميزين بهذه الجنسية حقيقةً أو حُكمًا".

ونستنتج في نهاية هذه الورقة، ومن هذه الشهادات السابقة، أنه تأكَّد لنا بكل وضوح أنه لا توجدُ في هذه الدنيا لغاتٌ ميتة، ولغات حية، إنما كل اللغات يمكن أن تصبح حيةً إذا ظل أبناؤها أحياءً، وأصروا على ذلك، مثل الأمم الأخرى، والعكس صحيح، فإذا كان أبناء الأمَّة، أو المنتسبون إليها، ميِّتين أو ضِعافًا، فلا تُحييهم ولا تُقوِّيهم لغاتُهم، مهما تكن راقية، ولا ترفع من شأنهم اللغاتُ الأجنبية التي يتبنَّوْنها ويفرِضونها على الشعوب كلغاتِ تعليمٍ وإدارة وإعلام في أوطانهم، لينافسوا بها لغاتِهم القومية، فهذا قد جربناه في السنوات الخالية، وذُقْنا نتائجه المريرة، أمَا آن لنا أن نعودَ إلى رشدنا، ونتمسَّك بلغتِنا؛ لنبلغ مجدَنا، ونصنعَ سؤددَنا!

وفي تمسُّكنا بلغتنا تمسُّك بكتاب ربنا، يقول مصطفى صادق الرافعي: "إنما القرآن جنسية لغوية، تجمع أطرافَ النسبة إلى العربية، فلا يزال أهلُه مستعربين به، متميِّزين بهذه الجنسية، حقيقةً أو حُكمًا"؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2]، وقال أيضًا ﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 27، 28].

[1] الأستاذ الدكتور فرحان السليم، اللغة العربية ومكانتها بين اللغات، مقال منشور في الشبكة العنكبوتية.

[2] مقولة للفيلسوف الألماني فيخته.

[3] الراهب الفرنسي غريغوار.

[4] مصطفى صادق الرافعي، وحي القلم، اللغة والأمة، ج3.

[5] الدكتور علي القاسمي، مجلة الفوانيس.

[6] شارل ديغول: مذكرات الأمل، منشورات عويدات، بيروت، دون تاريخ، ص.47.

[7] المصدر نفسه، ص 55.

[8] واقع اللغة العربية في البلدان الإفريقية، مقال منشور في الشبكة العنكبوتية.

[9] حافظ إبراهيم، الديوان.

[10] د. أحمد بن نعمان، واقع اللغة العربية في أجهزة الإعلام(عرض تقويمي)، مقال على الشَّبكة العنكبوتية.

[11] المرجع نفسه.

[12] المرجع السابق.

[13] نقلاً عن صحيفة "المجاهد" الجزائرية الصادرة بتاريخ: 24/09/1996م.

[14] الشيخ عبدالحميد بن باديس، قانون الثامن مارس المشؤوم، مجلة البصائر الجزائرية، ع سنة 1939م.

[15] د. أحمد بن نعمان، واقع اللغة العربية في أجهزة الإعلام (عرض تقويمي)، مقال على الشبكة العنكبوتية، بتصرف.

[16] Ahmed Ben bella: op - cit, pp.116 - 117.

[17] محمد المنجي الصيادي: التعريب وتنسيقه في الوطن العربي، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية بيروت: 1980، ص 164.

[18] الدكتور محمد غوري (عضو اتحاد الأطباء العرب)، تعريب الطب واقع اللغات وطموحات.
[19] تشير بعض التقديرات (لعام 2005) إلى أن أعلى نسبة للمسلمين في دول جنوبي إفريقيا تصل إلى 20 % في كل من مالاوي وموزمبيق، تليهما موريشيوس 16.6%، ثم سوازيلاند 10%، فمدغشقر 7%، أما أدنى نسبة للمسلمين فتمثلها بالتساوي كلٌّ من أنجولا وبتسوانا وزامبيا وزيمبابوي، وذلك بنسبة 1%، وبين أعلى نسبة وأدنى نسبة تأتي نامبيا بـ: 3%، وليسوتو بـ: 2%، وجنوب إفريقيا بـ: 1.5% على التوالي.
جاه الله، كمال محمد (2006): "أوضاع المسلمين في الجنوب الإفريقي في العقدين الأخيرين"، أعمال المؤتمر الدولي، الإسلام في إفريقيا، الكتاب العاشر، جامعة إفريقيا العالمية - السودان، ص 113.

[20] عثمان، عبدالرحمن أحمد، مصطفى، أحلام عبدالرحيم أحمد (2006): "تحديات الإسلام والمسلمين في إفريقيا المعاصرة"، أعمال المؤتمر الدولي، الإسلام في إفريقيا، الكتاب العاشر، جامعة إفريقيا العالمية - السودان، ص 302 - 306.
[21] أبو بكر، يوسف الخليفة (2006): "اللغة العربية في إفريقيا"، في "اللغات في إفريقيا مقدمة تعريفية"، جامعة إفريقيا العالمية - السودان، ص 103.

[22] Hailemariam, Chefena, etal.(1999): “Multilingualism and Nation Building: ******** and Education in Eritrea”, Journal of Multilingual and Multicultural Development, Vol.20, No.6, 1999,p.489.

[23] جاه الله، كمال محمد (2006): "وضع اللغة العربية في دول القرن الإفريقي"، أعمال المؤتمر الدولي، الإسلام في إفريقيا، الكتاب الثالث، جامعة إفريقيا العالمية - السودان، ص 234.

[24] سالي، إبراهيم علي (2006): "وَضْع اللغة العربية في المؤسسات التعليمية الحكومية بأوغندا: جامعة ماكيريري أنموذجًا"، أعمال المؤتمر الدولي، الإسلام في إفريقيا، الكتاب الثامن، جامعة إفريقيا العالمية - السودان، ص 172 - 173.
[25] جاه الله، كمال محمد (2006): "وضع اللغة العربية في دول القرن الإفريقي"، ص 243.
[26] زيدي، عيسى الحاج (2006): "تطور التعليم الإسلامي في زنجبار، دور المنظَّمات الإسلامية غير المحلية في إحياء التعليم الإسلامي ما بين 1972م - 2006: تحدياتها وإنجازاتها"، أعمال المؤتمر الدولي، الإسلام في إفريقيا، الكتاب السابع، جامعة إفريقيا العالمية - السودان، ص 422.

[27] سيسي، عبدالرحمن عبدالله (2006): "وَضْع اللغة العربية في جمهورية مالي"، أعمال المؤتمر الدولي، الإسلام في إفريقيا، الكتاب الثامن، جامعة إفريقيا العالمية - السودان، ص 383 - 387 10 -درامي، بكري: "حضور اللغة العربية في بلدان إفريقيا الفرنكفونية جنوب الصحراء الواقعة جنوب الصحراء.

[28] رنست رينان، مفكر غربي.

[29] عبدالله عزام، مفكر عربي.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.96 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.36%)]