عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 14-02-2020, 04:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سياسة الجودة الشرعية في المصرفية الإسلامية

سياسة الجودة الشرعية في المصرفية الإسلامية

د. عبدالعزيز بن سطام بن عبدالعزيز آل سعود


سؤال "متى": متى يكون العمل؟ وجواب السؤال يكون بأن تصدر جهة الإدارة قراراً يوضح متى تبدأ كل خطوة في العمل، ومتى تنتهي، ومن هو المسؤول، وكيف تكون المسؤولية عن الالتزام بالجدول الزمني لإنجاز الأعمال.



ب- تصميم الإجراءات وإصدارها أو تعديلها: تمثل الإجراءات الخطوات التنفيذية الصحيحة التي تم اعتمادها من قِبل جهة الإدارة للأداء الصحيح، فهي تجيب عن السؤال: كيف ومتى أعرف أن الأداء صحيح؟ (قياس الأداء) فيكون الجواب: باتباع الإجراءات المأمور بها من قبل جهة الإدارة، لذا فهي أداة قياس للعامل يقيس بها: هل أدى العمل بالصورة الصحيحة التي تكفل تحقيق المقصود من العمل؟ فأحياناً يكون الإجراء المتبع لا يراعي خصوصية وتميز المنتج الجديد، أو الخدمة عن سابقاتها، ويكون الفرق مؤثراً، بحيث لا تصلح الإجراءات المتبعة لتحصيل المقصود من الأداء المنشود.

ج-توفير الموارد: قد يتطلب تقديم منتج جديد أو خدمة خبرات أو وسائل أو أدوات ليست متوافرة للعامل أو المستهلك، لذا يحسن بجهة الإدارة أن يكون لديها منهجية في تقدير كفاية الموارد اللازمة لتقديم المنتجات والخدمات بالجودة المطلوبة، فالاختلاف في جودة العمل بين المركز الرئيسي لجهة الإدارة، وأبعد فرع مسافةً عن جهة الإدارة، يعود في الغالب إلى فروق في الموارد المتاحة لتحصيل الجودة العالية [45]، وليس الاختلاف في جودة العمل لمجرد فرق المسافة عن المركز الرئيسي، وكذلك هو الأمر بين الفرع الأعلى كثافة من حيث مقدار العمل والفرع الأقل كثافة، فالغالب -وليس شرطاً - أن يعود فرق الجودة إلى فرق الموارد، وليس إلى فرق الكثافة في العمل.

يفترض أن لا تحتاج جهة الإدارة إلى تعديل جميع أو التعليمات والإجراءات أو أغلبها، أو توفير موارد جديدة مع كل منتج جديد، أو خدمة تقدم لأول مرة وذلك لسببين: الأول: وجود عامل مشترك في التعليمات وفي الإجراءات وفي الموارد لا يختلف باختلاف المنتج أو الخدمة المقدمة، ويمثل الحد الأدنى اللازم لوجود جهة الإدارة كشخصية اعتبارية أُنشئت لتحقيق هدف محدد، والعمل بطريقة مخصوصة وفق مواصفات وأدوات معينه. والثاني: وجود درجة من التشابه والتجانس - تزيد وتنقص - بين المنتجات والخدمات المالية، بحيث لا يتطلب الجديد في بعض جوانبه أي تعديل أو تغيير في التعليمات أو الإجراءات أو الموارد المتاحة للعمل.

ومع ذلك يجدر الانتباه إلى الخصوصية المصاحبة لكل منتج أو خدمة، وهي ما يميزه عن غيره من المنتجات والخدمات الأخرى، بحيث ينحصر تصميم الإجراءات وإصدارها أو تعديلها التعليمات وتوفير الموارد اللازمة على هذه الخصوصية، فالتغيير والتعديل يكون على قدر تميز وخصوصية المنتج والخدمة عن سابقاتها.

خامساً: إشكاليات الموظف والعامل:
فالعمل الصحيح أو التطبيق الصحيح مبني على فرضيات ثلاث:
إشكالية فهم التعليمات: وهي مبنية على فرضية أن رغبة جميع الموظفين تطبيق التعليمات بالصورة التي ترفع من جودة العمل بمستوى موحد، وهذا يرتبط بوضوح التعليمات وتساوي المحفزات، لا من حيث مقدارها، وإنما من حيث إرضاؤها لحاجات كل قائم على تنفيذ التعليمات، حسب مستوى الجهد المبذول وأهمية الجزئية التي يقوم بأدائها للعمل بمجمله، والمؤمل من قبل جهة الإدارة أن لا يكون هناك اختلاف يترتب عليه أثر منتج في تغيير حكم العمل نفسه، أو منتج في أن تكون الجودة ضعيفة، وهذا بدوره مبني على تحقيق الفرضية الثانية وهي:

إشكالية العمل بالإجراءات: وهي مبنية على فرضية أن رغبة جميع العاملين في تطبيق التعليمات ستكون بمستوى واحد، وذلك مرتبط إلى حد ما بأن تكون راحة العاملين للإتيان بالإجراءات اللازمة متساوية إلى درجة ترفع من جودة العمل.وهذا بدوره مبني على تحقيق الفرضية الثالثة وهي:


إشكالية استخدام موارد العمل: وهي مبنية على فرضية أن رغبة جميع الموظفين استخدام جميع الإمكانات المتاحة لتحصيل الجودة العالية في العمل واحدة، فقد يكون في الفرع الرئيسي لجهة الإدارة من الإمكانات نفسها الموجودة في أبعد فرع عن المركز، إلا أن الحوافز المؤثرة في الرغبة بالأداء الجيد ليست نفسها بحيث تكون فرص الترقية لمنصب قيادي لعامل متقن لعمله في أبعد فرع عن المركز شبه معدومة، بالمقارنة مع العامل المتقن لعمله في الفرع الرئيسي الذي تكون فرصة ترقيته إلى منصب قيادي شبه مضمونة، ومتى وجد هذا الفرق يكون محبطاً ومؤثراً في ضعف الجودة، كلما بعدت جهة تقديم الخدمة عن دائرة نظر الإدارة العليا وانتباهها.


إشكالية فهم التعليمات: وهي مبنية على فرضية أن رغبة جميع الموظفين تطبيق التعليمات بالصورة التي ترفع من جودة العمل بمستوى موحد، وهذا يرتبط بوضوح التعليمات وتساوي المحفزات، لا من حيث مقدارها، وإنما من حيث إرضاؤها لحاجات كل قائم على تنفيذ التعليمات، حسب مستوى الجهد المبذول وأهمية الجزئية التي يقوم بأدائها للعمل بمجمله، والمؤمل من قبل جهة الإدارة أن لا يكون هناك اختلاف يترتب عليه أثر منتج في تغيير حكم العمل نفسه، أو منتج في أن تكون الجودة ضعيفة، وهذا بدوره مبني على تحقيق الفرضية الثانية وهي:


إشكالية العمل بالإجراءات: وهي مبنية على فرضية أن رغبة جميع العاملين في تطبيق التعليمات ستكون بمستوى واحد، وذلك مرتبط إلى حد ما بأن تكون راحة العاملين للإتيان بالإجراءات اللازمة متساوية إلى درجة ترفع من جودة العمل.وهذا بدوره مبني على تحقيق الفرضية الثالثة وهي:


إشكالية استخدام موارد العمل: وهي مبنية على فرضية أن رغبة جميع الموظفين استخدام جميع الإمكانات المتاحة لتحصيل الجودة العالية في العمل واحدة، فقد يكون في الفرع الرئيسي لجهة الإدارة من الإمكانات نفسها الموجودة في أبعد فرع عن المركز، إلا أن الحوافز المؤثرة في الرغبة بالأداء الجيد ليست نفسها بحيث تكون فرص الترقية لمنصب قيادي لعامل متقن لعمله في أبعد فرع عن المركز شبه معدومة، بالمقارنة مع العامل المتقن لعمله في الفرع الرئيسي الذي تكون فرصة ترقيته إلى منصب قيادي شبه مضمونة، ومتى وجد هذا الفرق يكون محبطاً ومؤثراً في ضعف الجودة، كلما بعدت جهة تقديم الخدمة عن دائرة نظر الإدارة العليا وانتباهها.


سادساً: إشكالية المستهلك أو المستفيد من الخدمة:
لماذا يقدم المستهلك على شراء المنتج والمستفيد على الانتفاع من الخدمة؟ في الغالب يكون ذلك لسببين هما: الأول سبب دنيوي وهو: درجة الانتفاع، وتقاس بمقدار الربح أو مقدار التوفير أو المنفعة، والآخر سبب ديني وهو: درجة الإباحة، وتقاس بمقدار الموافقة، أو مقدار عدم المخالفة لأحكام الشريعة.

ولإدراك دوافع المستهلك في الإقبال على المنتجات والخدمات المالية أهمية كبرى في تسويق الخدمات والمنتجات، ولأجل ذلك فإنه من الضرورة بمكان أن تعرف الجهات الحكومية والخاصة تأثير الدوافع وتراكيبها لضمان تقديم جودة شرعية مرتفعة، وبطريقة عادلة بين الدافع الدنيوي والدافع الديني، ونخلص من ذلك إلى ثلاثة أنواع من الدوافع تؤثر في قرار المستهلك أو المستفيد وهي:
1-الدافع الديني والدنيوي مجتمعان: المستهلك أو المستفيد الذي لا يقدم على المنتج أو الخدمة إلا عند توافر الشرطين: الأعلى نفعاً، والأعلى إباحةً، من كانت هذه حاله فالغالب أنه ستكون فرصه في الإثراء في هذه المرحلة من أقل الفرص في السوق المحلية؛ ويعود سبب ذلك إلى الفراغ النظامي فيما يتعلق بالتصرفات المالية، التي تُوصف بالإسلامية، ويمكن ملاحظة ذلك في خلو بعض التعاملات، وعمل بعض الجهات من الأنظمة من جهة، وتعارض أو تناقض بعض الأنظمة من جهة أخرى، ويتبع ذلك بالضرورة ويترتب عليه الفراغ المهني فيما يتعلق بخلو مجال واسع من العمل من المعايير اللازمة لتحصيل الجودة الشرعية، ويمكن ملاحظة ذلك في عدم مقدرة المستهلك والمستفيد من العلم بأن المنتج أو الخدمة فعلاً مباحة حسب الواقع، وليس بمقدوره سوى التصديق على سبيل الإذعان، وليس التصديق على سبيل العلم بمطابقة الأداء لمقتضى الفتوى بالعمل [46]، ثم ترتب على ذلك ضعف الجودة المالية لضعف المنافسة، ويمكن ملاحظة ذلك في: أن تكلفة التعاملات المالية الإسلامية في الغالب أعلى من نظيراتها، بحيث إذا قُدرت في الربحية قيمة الفرصة الضائعة؛يكون من الصعب على المستهلك أو المستفيد الجمع بين الربحية والإباحة.

2-الدافع الديني المحض: المستهلك أو المستفيد الذي يقدم على المنتج أو الخدمة عند توافر شرط الإباحة فقط، بغض النظر عن الربحية الأفضل، ستكون أمامه فرصة الإثراء والانتفاع من السوق المحلية متوسطة على أحسن تقدير، وسيكون المجال مفتوحًا لتحقيق ربح ليس هو الأفضل، ولكن ستكون قدرته على المنافسة أقل، ولن يجد الرضا النفسي المطلوب؛ لعدم مقدرته من التأكد من مقدار الإباحة، وجميع الأسباب المذكورة في الفقرات السابقة ترد هنا.

3-الدافع الدنيوي المحض: المستهلك أو المستفيد الذي يقدم على المنتج أو الخدمة عند توافر شرط الربحية فقط، وبغض النظر عن الإباحة ستكون فرصه في الإثراء والانتفاع من السوق المحلية هي الأفضل وذلك أنه يمكنه الاستفادة من المنتجات المتوافقة والمنتجات المخالفة على حد سواء، ولكن هذا سيستمر على مدى الوقت الراهن، والمستقبل القريب، فعدم وجود فراغ نظامي أو مهني بالمقارنة مع الفراغ الموجود في قطاع الخدمات المالية الإسلامية، ووجود تاريخ طويل من الممارسات والأعراف التجارية المؤيدة لجميع ذلك، يخدم فرص الإثراء لمن يشترط الربحية فقط، ولكن على المدى الطويل - في الغالب - سيتغير الأمر، وستكون الفرصة هي الأقل، وذلك حسب طبيعة تطور الأنظمة والقضاء والمجتمع والاتفاقيات الدولية كما سيأتي بيان ذلك كالتالي:
1- الأنظمة الحالية: الأنظمة المعمول بها في الشأن المالي والاقتصادي هي نفسها بين الجميع؛ ولأجل ذلك قد يتصور أن الاستفادة من الأنظمة متساوية بين الناس والجهات، ولكن الواقع أن إمكانية الاستفادة المتساوية من الأنظمة من قِبل الجميع، مختلفة وليست واحدة، لذا ففرص الناس في الاستفادة من النظام ليست متساوية، وأقل ما يمكن أن يقال فيها هو ما سبق بيانه في الفقرات السابقة، بالإضافة إلى طبيعة الأمور العائدة إلى طبيعة السلوك البشري، وهي أن التعامل المالي والاقتصادي كلما كان أكبر حجماً، وأعلى مقداراً، قويت الاستفادة من الأنظمة المتاحة، وكلما كان التعامل أصغر حجماً، وأدنى مقداراً، ضعفت الاستفادة من الأنظمة المتاحة، والمقصود هو التنبيه إلى أن توفير المنتجات والخدمات بالتساوي للجميع ووفق نظام موحد، لا يكفل التساوي في المقدرة والإمكانية على الانتفاع، فتساوي الفرص لا علاقة له بتساوي المقدرة على الاستفادة من الفرص.

2- تطور المجتمع: إن معرفة مرحلة التغير التي يمر بها المجتمع السعودي، وإدراك مدى تأثيره على التصرفات المالية المباحة، أمر في بالغ الأهمية لكل من يريد إضافة قيمة تنبؤية تستشرف المستقبل، ويتجاوز بذلك الاعتماد الكامل على التحليل العلمي المجرد الذي يجعل من البحث شارحًا ومفسرًا لما مضى من الأمور، فالمجتمع السعودي يتغير في مسيرته للتقدم والتطور من مجتمع التضامن الآلي إلى مجتمع التضامن العضوي، وفق نظرية تطور المجتمعات عند (إميل دوركهايم) (1858م - 1917م) حيث ميَّز دوركهايم بين نوعين من التضامن الذي تمر به المجتمعات[47] التضامن الآلي المبني على التشابه والتماثل في الوظائف المتكافئة وعدم التخصص، والتضامن العضوي المتحكم في المجتمعات المتطورة والمبني على التباين والتفاوت في الوظائف المتخصصة المتساندة والمتكافلة. وإذ يقع هذان النوعان من التضامن في علاقة زمنية تعاقبية، بمعنى أن النوع الأول يسبق النوع الثاني، وما يلبث حتى يتغير ويتطور دائماً إلى النوع الثاني في نظر دوركهايم، فهو يرى أن تطور مجتمع التضامن الآلي يسير باتجاه أن يصبح مجتمع تضامن عضوي أمراً ثابتاً يأخذ صفة القانون، وأن السمات المذكورة لكل نوع من أنواع التضامن تعد مؤشراتٍ دقيقة على طبيعة المجتمع، وذات دلالة على طبيعة الأنظمة والأقضية فيه، وبناءً على ذلك نستطيع أن نتوقع استمرار التغير على نفس الوتيرة التي نشاهدها اليوم، ووفق عدة محاور هي:
أ- أن التصرفات المالية ستزداد التخصصات فيها، وتتمايز بعضها عن بعض، ولن يكون التمايز بين الإسلامي وغير الإسلامي أو النقي وغير النقي سوى البداية.
ب- أن الأنظمة والمعايير سيزداد التخصص فيها وبينها، وستتمايز عن غيرها بالطبع، وسيتبع ذلك تمايز جهات الإدارة والإشراف والرقابة.
ج- تمايز الأقضية والجهات القضائية، وطبيعة عملها، وزيادة درجة التخصص اللازمة لحسن النظر في القضايا.

3- تطور الأنظمة: تمايز الأنظمة ومعايير العمل وازدياد تخصصها سيجبر الجهات الحكومية على تغطية النقص في الأنظمة والمعايير المهنية؛الأمر الذي سيفقد التصرفات المالية غير الإسلامية أي ميزة نسبية كانت في السابق.

4- تطور القضاء: تمايز الأقضية وازدياد التخصصات القضائية وتطور أنظمتها يؤديان بالضرورة إلى تأثر معيار الربحية بالجدوى القضائية للمنتج أو الخدمة المالية أو الاقتصادية؛بحيث تزيد درجة المخاطرة، وتقل الثقة في الربحية كلما كان المنتج غير قابل للتقاضي الرسمي؛الأمر الذي يزيد من علاقة معيار الإباحة بمعيار الربحية، الذي يتأثر بدرجة المخاطرة القضائية.

جميع هذه الالتزامات وغيرها معا والتي وافقت عليها المملكة العربية السعودية بانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية تمنع من وجود فروق نظامية أو سياسية أو إدارية تميز بين المنتجات والخدمات.

سابعاً: إشكالية العمل الدولي بالفتوى:
تكاد تكون جميع الفتاوى الصادرة عن الهيئات الشرعية والمجامع الفقهية غير قابلة للأداء القانوني الدولي بصورتها الحالية، ما لم يتم تبنيها بشكل رسمي من بعض الدول أو ما لم تتحول إلى معايير عمل ورقابة وتدقيق وفق الإجراءات العلمية والمهنية المعترف بها دولياً(سيأتي توصيف الطريقة التي تصدر بها المعايير) فمعايير التدقيق الدولية تتطلب وجوب تطبيق سياسات وإجراءات الرقابة على الجودة على كل من مستوى عمليات التدقيق الذي تقوم به شركات التدقيق، أو عمليات التدقيق الذي يقوم به الأفراد،وتطبيق سياسات وإجراءات الرقابة على الجودة بموجب معايير التدقيق الدولية أو المعايير أو الممارسات القومية المناسبة، كما أن انضمام المملكة العربية السعودية إلى اتفاقية منظمة التجارة العالمية يتطلب عدم استخدام الأنظمة الحكومية للحد من التنافس [48]- على سبيل المثال بين المنتجات والخدمات الإسلامية وغير الإسلامية - ، ويشمل ذلك الآتي:
1- عدم وجود نصوص قانونية، أو استثناءات تشريعية أو أنظمة حماية تتستر على السلوك موضع الانتقاد، أو عدم نفاذ القانون الموجود.
2- وجود سياسات حكومية أخرى تشجع السلوك غير التنافسي صراحة أو ضمنا.
3- ضمان التطبيق المعقول والموضوعي للوائح المحلية ذات التطبيق العام والتي تؤثر على تجارة الخدمات.
4- إقامة المحاكم التجارية والإدارية وتسهيل إجراءات إعادة النظر في القرارات الإدارية التي تؤثر في تجارة الخدمات.

ولأجل ذلك نجد المختصين وفقهاء المصرفية الإسلامية يحذّرون بأنهم عما قريب سيكونون ملزمين بتطبيق معايير دولية موحدة صادرة عن البنك الدولي، وذلك عقب إعلان البنك الدولي عن وضع معايير دولية ملزمة للصناعة، وبخاصة مع استمرار ابتعاد فقهاء المصرفية الإسلامية عن المعايير الموحدة التي تنظم أعمال تلك الصناعة بشكل عام وتبتعد عن الاختلافات، فإن ترك ذلك ''سيجبرهم خلال الفترة المقبلة على القبول بالمعايير الدولية لتتماشى أعمالهم بالشكل الذي لا يتعارض مع أعمال المؤسسات الأخرى المعتمدة على المعايير العالمية.

ومع أن المصرفية الإسلامية سجلت سبقاً جديداً لدى المؤسسات الدولية باعترافها بالمصرفية الإسلامية كصناعة مستقلة لها خصوصيتها وضوابطها الخاصة في مجال دعم الصناعة المالية الإسلامية وممثلة بالبنك الدولي، وذلك بعد أن تقاعست المؤسسات المالية الإسلامية المحلية أو تأخرت في الأخذ بزمام المبادرة والتحكم بمجريات الأمور، فبعد أن أعلن البنك الدولي أخيراً عزمه دعم الهيئات المعنية من خلال وضع معايير لقطاع التمويل الإسلامي وتحويل معاييره، ومع دخول البنك الدولي بقوة في هذه الصناعة، وتبني التمويل الإسلامي باعتباره أحد الخيارات الجيدة لإدارة المحافظ المالية للدول، يبرز التساؤل عن ماهية هذه المعايير؟ وكيف يمكن للبنك الدولي وضعها ومواءمتها مع الضوابط الشرعية؟ وكيف يمكن أن تصبح هذه المعايير ملزمة للبنوك والمؤسسات المالية الإٍسلامية؟

ويرى الناصر (2009م) المستشار في المصرفية الإسلامية أن البنك الدولي سيستخدم المعايير الموجودة حالياً لدى هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإٍسلامية (الآيوفي)، ومجلس الخدمات المالية الإسلامية الماليزي، وأضاف بأن البنك الدولي سوف يستخدم هذه المعايير بحيث يجعل منها إلزامية عن طريق المؤسسات التابعة التي لها عناية بالقطاع المصرفي مثل بنك التسويات الدولي، وهذه المؤسسات قراراتها ملزمة بحكم العمل؛لأن أي مصرف يريد أن يعمل في هذا القطاع في الغالب لا يستطيع العمل إلا بتطبيق هذه المقررات خارج نطاق دولته، وأغلبية الحكومات تلزم مؤسساتها بالمعايير الدولية حتى لا يحدث تعارض معها، ثم إن هذه المعايير وضعت بعناية من قبل أهل الاختصاص وسيكون فيها حماية أكبر للقطاع المصرفي وهو ما تعيه البنوك المركزية، الأمر الثاني أنه في حال كانت علاقات البنوك المحلية مع البنوك الدولية ضعيفة دل ذلك على ضعف القطاع المالي للدولة، وبالتالي فالدول تتسابق لتطبيق المعايير الدولية، وانتقد الناصر بطء المؤسسات المالية الإسلامية وتأخرها في تبني هذه الصناعة وتقنينها مستشهداً بالسبق الكبير الذي يحققه البنك الدولي والمؤسسات الدولية على المؤسسات الرقابية المحلية في مسألة الاعتراف بالمصرفية الإسلامية كصناعة مستقلة ثم محاولة تقنين أعمالها وجعلها متلائمة مع الصناعات الدولية في مجال المعايير والضوابط وفقاً لخصوصيتها، وبذلك تسجل المؤسسات الدولية سبقاً على المؤسسات المحلية التي كان يفترض أن تسجل هي السبق، لأنها انبثقت من رحم هذه الدول وأن تكون هي صانعة القرار، لكن للأسف نجد أن المؤسسات الدولية هي من تصنع القرار خارج نطاق هذه الدول وبالتالي ستفرض عليها معايير وشروطا ربما لا تتلاءم معه[49]، ويرى حسن ودردي (2010م) في ورقة عمل لهما مقدمة إلى صندوق النقد الدولي أنه بينما الأزمة المالية العالمية أثبتت متانة المصارف الإسلامية، و أدت إلى اعتراف أكبر بالمصرفية الإسلامية ووضعتها في صدارة الأحداث، إلا أنها كشفت عن المخاطر النقدية المؤدية إلى مشاكل في السيولة تعاني منها المصارف بعامه، الأمر الذي يحتم إنشاء إدارة فعالة للاحتراز من وحل مشاكل المخاطر النقدية التي قد تعاني منها البنوك، بالإضافة إلى التأكيد على أهمية إصدار معايير مهنية وتنظيمات لقطاع المصرفية الإسلامية[50].

وهذا يعني أن الجهة التي تبيع المنتج أو تقدم الخدمة على نطاق دولي ستجد صعوبة في الإلزام القانوني الناتج عن العمل بالفتوى سواء كان الإلزام لها أو عليها وهذا أمر مهم جداً، ويمثل مشكلة حقيقية تواجه المصارف الإسلامية وبخاصة فيما يتعلق بالتمويلات التجميعية الدولية.

وتوجد وجهة نظر أخرى ترى أن تأثير سوء الأداء لدى الجهات الحكومية والمهنية في قطاع المصرفية لن يكون حاسماً في إعاقة تطور المصرفية الإسلامية ولا يعدو كونه عملاً مساعداً فقط، ففي ورقة عمل لصندوق النقد الدولي توصل الباحثان (إمام و بودار) (2010)[51] إلى نتائج غير نمطية، وفحواها هو أن ورقة عمل صندوق النقد الدولي والتي اعتنت بدراسة محددات العوامل والعوائق ونشر الخدمات المصرفية الإسلامية والتحقق منها في جميع أنحاء العالم، أثبتت أن المصرفية الإسلامية و في غضون بضعة عقود، انتقلت من سوق متخصصة إلى التيار السائد؛ ونظراً لما يعاينه المسلمون بصفة عامة من نقص في تقديم وجودة الخدمات البنكية، وكذلك للحاجة الهائلة لمشاريع البنية التحتية مثل الطرق والمساكن في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فإنه يمكن لتطور العمل المصرفي الإسلامي أن يحفز النمو في هذه المناطق، ويمكن أن يكون جزءا من الحل لمشكلة التنمية البطيئة.

كما وجدت الدراسة أن تطور وانتشار الخدمات المصرفية الإسلامية يزيد مع ارتفاع دخل الفرد خاصة مع زيادة نسبة السكان المسلمين، وما إذا كان البلد مصدرا للنفط - مع مراعاة الاختلاف بين البلدان، كما أن التجارة مع منطقة الشرق الأوسط والاستقرار الاقتصادي هي أيضا عوامل مساعدة على نشر الخدمات المصرفية الإسلامية، وكذلك القرب من ماليزيا والبحرين، وهما من المراكز المالية الإسلامية.وأن ارتفاع أسعار الفائدة تعوق انتشار الخدمات المصرفية الإسلامية لأنها ترفع تكلفة الفرصة البديلة للأفراد الأقل تديناً أو من غير المسلمين وتعوق وضع أموالهم في البنوك الإسلامية[52].

وكان من أبرز نتائج هذه الدراسة: أنه وعلى عكس ما يقوله العديد من المراقبين، النتائج تشير إلى أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر لم تكن مؤثرة بالنسبة لانتشار الخدمات المصرفية الإسلامية، فالعامل المؤثر الذي تزامن مع هذه الهجمات كان ارتفاع أسعار النفط، ويبدو أنه طغى على أهمية أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

وغالبا ما ينظر العالم الإسلامي بتعجب إلى سبب عدم وجود مؤسسات ذات جودة أو إدارة جيدة (كوران، 1997)، فالنتائج تدل على أن نوعية المؤسسات- مثل البنوك المركزية والجهات الحكومية والتي هي حسب العادة مؤثرة في الأعمال المصرفية التقليدية (غير المتوافقة مع الشريعة) ليست مهمة لنشر الخدمات المصرفية الإسلامية؛ ذلك لأن الخدمات المصرفية الإسلامية توجه من قبل أحكام الشريعة، وهي أحكام لا تتأثر بسوء أداء المؤسسات الحكومية أو المهنية، الأمر الذي جعل المصرفية الإسلامية ذات مناعة كبيرة من تقلبات المؤسسات المالية الحكومية والمهنية، وذات مناعة من القضاء الذي يعمل بالقوانين وليس القضاء الذي يعمل بالشريعة، أو من البيروقراطية الحكومية، وسبب ذلك هو أن الحاجة قليلة للجوء إلى تلك المؤسسات؛فالخلافات المهنية يتم تسويتها داخل إطار الفقه الإسلامي.

ولذلك فإنه يمكن في البلدان الإسلامية بناء نظام مصرفية إسلامية حتى لو كان صلاح المؤسسات في هذا البلد قليلاً أو لا يحرز أيّ تقدم. وهي في هذا تختلف عن النظم المصرفية التقليدية، والتي هي بطبيعتها متشابكة مع البيئة المؤسسية المحلية ومتأثرة بها.

وأخيرا، يبدو أن المصرفية الإسلامية ستكون مكملة للبنوك التقليدية، وليست بديلا عنها. فالمسلمون يريدون المنتجات والخدمات المصرفية الموجودة في المصارف التقليدية ولكن بما لا يخالف أحكام المصرفية الإسلامية، وليست المسألة مجرد إصلاح للنظام المصرفي التقليدي، وإنما يريد المسلمون مكانًا للعمل المصرفي الإسلامي داخل المصرفية التقليدية، وعلى قدم المساواة من خلال تقاسم منصة مشتركة من المعارف ورأس المال البشري، وجميع ذلك يساعد على انتشار المصرفية الإسلامية[53].

ثامناً: إشكالية التصنيف و التحول إلى المصرفية الإسلامية:
تصنيف المصرف الإسلامي:
يؤدي اختلاف المصارف الإسلامية في تصنيف أعمالها عن تصنيف أعمال المصارف الأخرى، إلى جعل المعايير المصرفية المتبعة في تصنيف المصارف غير المتوافقة مع الشريعة (التقليدية) والرقابة عليها غير مجدية، فعند إجراء مقارنة القوانين المنظمة للعمل المصرفي غير المتوافق مع الشريعة (التقليدي) نجدها تصنف المصارف صراحة أو ضمناً إلى مصارف تجارية ومصارف تنمية أو استثمار ومصارف أعمال - وإن كان هذا التصنيف قد تطور في السنوات الأخيرة تحت تأثير ما أصبح يعرف بالبنك الشامل ولم يعد مرجعا ثابتا يعتد به -، أما عندما يتعلق الأمر بالمصرف الإسلامي ،فإننا نجد القوانين موضوع التحليل قد جمعت كل الأصناف المذكورة تقريبا في مصرف واحد.وهكذا يقوم المصرف الإسلامي بفتح الحسابات الجارية وقبول الإيداعات، كما يقوم بتمويل القطاع التجاري والصناعي والزراعي والعقاري والمساهمة في رأسمال الشركات؛ بالتالي يعتبر المصرف الإسلامي مصرفا من نوع خاص ولا يدخل تحت التصنيف التقليدي لأنه يمارس أنشطة تدخل في وظائف المصارف التقليدية بكل أصنافها عدا ما هو مخالف للشريعة الإسلامية، وهذه الخاصية تستلزم الاعتراف للمصرف الإسلامي صفة المصرف المتعدد الوظائف من الناحية القانونية ومن ناحية معايير الممارسة الفعلية للرقابة الرسمية ويتعذر ذلك بكفاءة وفاعلية دون إصدار معايير جودة شرعية[54].


يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.65%)]