عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-04-2020, 03:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أنفلونزا الخنازير

أنفلونزا الخنازير (2/2)





الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل




الحمد لله العلي الأعلى؛ أعطى كلَّ شيء خَلْقَه ثم هدى، وأنزل الشرائع، فمَن تمسَّك بها اهتدى، ومَن ضلَّ عنها فقد غوى، نحمده حمدًا يليق بجلاله وعظيم سُلطانه؛ فله الحمد كلُّه، وبيده الخير كلُّه، وإليه يُرجع الأمرُ كلُّه، علانيتُه وسرُّه، وهو إله الخلق كلِّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له؛ يُرينا من عجائب خَلقِه ما يأخذ بالألباب، ومن مظاهر قدرته ما يُحير العباد؛ {كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 73].

وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله؛ أيَّده ربُّه - سبحانه - بالآيات، وأجرى على يديه المعجزات، وأنزل عليه الكتابَ هُدًى للناس إلى آخر الزَّمان، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه؛ مَن والاهم كان من أولياء الله - تعالى - ومَن عاداهم كان مِن أعدائه - عزَّ وجلَّ - هم نَقَلةُ الدِّين إلينا، فمن طعن فيهم طعن في دِيننا، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعدُ:
فأوصي نفسي وإيَّاكم - عبادَ الله - بتقوى الله - تعالى - وطاعته واجتناب معصيته؛ فإنَّ الفوز في ذلك؛ {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِنْدِ الله وَمَا عِنْدَ الله خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} [آل عمران: 198].

أيُّها الناس:
مِنْ حِفْظِ الله - تعالى - لعباده المؤمنين، وتثبيته لإيمانهم، وزيادة يقينهم بدِينهم: أنَّه - سبحانه وتعالى - يُريهم من آيات عظمته وقدرته، ويُظهِر لهم من إعجاز كتابه المنزَّل عليهم ما يَرْبِطُ على قلوبهم، ويدفع الشُّبَهَ عنهم؛ {وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76]، ولمَّا ذكر - سبحانه وتعالى - ملائكةَ النار - عليهم السلام - وتقَالَّهم المشركون واستخَفُّوا بعددهم، علَّل - سبحانه - ذلك بقوله - عزَّ وجلَّ -: {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا} [المدَّثر: 31].

وكتاب الله - تعالى - فيه من البيان والإعجاز ما يقطع بصدق النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنَّه جاء بالحقِّ من ربِّه - تبارك وتعالى - ولا يبقى أمام المنكرين إلاَّ الاستكبارُ والعِناد، ليس غيرُ.

هل تعلمون - يا أيها المسلمون - أنَّ تحريم الخنزير في القرآن من أبينِ البراهين، وأقوى الأدلة على نُبوَّة المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعلى عالمية الإسلام، وعلى التحدِّي به لأقوى الأديان والأفكار إلى آخِرِ الزَّمان، وليس هذا الكلام من باب المبالغة، أو لأنَّنا نَدين بالإسلام، كلاَّ، بل كلُّ عاقل مُنصفٍ - ولو لم يَدن بالإسلام - لا يملك إلاَّ أن يقول ذلك حين يعلم مكانةَ الخنزير عندَ العرب، مع عِلْمه بآيات تحريمه.

لقد جاء تحريم الخِنزير نصًّا في القرآن؛ {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله} [البقرة: 173]، وكُرِّر هذا التشديدُ فيه في سور المائدة والأنعام والنحل، ومعلومٌ أنَّ تحريمه لمَّا نزل لم تفتح بعدُ بلادُ الرُّوم ولا العجم، وليس في سيرة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما يدلُّ على أنَّه يعرف الخِنزير أو رآه، فيحتمل أنَّه رآه لمَّا هاجر إلى الشام في شبابه، ويحتمل أنَّه لم يرَه، وأمَّا هجرته للمدينة، فإنَّ اليهود يُحرِّمونه فلا يوجد عندهم.

وأمَّا أُمَّة العرب في الجاهلية فكانوا لا يأكلونه؛ استقذارًا له، أو هو ممَّا بقي تحريمُه فيهم من دِين الخليل - عليه السلام - لأنَّ الحنفاء فيهم كانوا يحرِّمونه؛ اتِّباعًا لإبراهيم - عليه السلام - ولم يكن في شِعر العرب، ولا نثرهم، ولا تاريخهم - ذكرٌ له، كما ذُكِر غيرُه من بهيمة الأنعام، إلاَّ أنَّ نصارى العرب - ومنهم تغلب - كانوا يأكلونه، وكانت العرب تُعيِّرهم بذلك، كما هجَا "جرير"ٌ "الأخطل"َ بأنَّه يَشمُّ قفا الخِنزير، وأمَّة العرب كانوا يأكلون السِّباع إن وقعت في أيديهم واحتاجوا إليها، ويركبون الحمر الأهلية ويأكلونها - إن احتاجوا - بدليل أنَّ تحريمها كان في خيْبر.

ومع كلِّ ذلك لا يأتي في القرآن نصٌّ واحد على تحريم الحُمُرِ، ولا كلِّ ذي ناب من السِّباع، ولا كل ذي مِخْلب من الطير، مع انتشار الحُمُر في العرب، وصيدهم لبعض السِّباع والطير، ويأتي تحريم الخِنزير وهم لا يُربُّونه ولا يستخدمونه؛ بل كان أكثرُهم لا يسمعون به ولا يعرفونه، أليس هذا غريبًا؟!

لكنَّ الغرابةَ تزول حين نعلمُ أنَّ الخِنزير الآن هو الطعامُ الأكثر لأهل الأرض عدَا المسلمين واليهود، وهم لا يزيدون على خُمُس الناس، فأربعةُ أخماس البَشر يأكلون الخِنزير.

أليس من أبينِ علامات النبوَّة أن يُبلِّغَ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قرآنًا، يتكرَّر فيه أربع مرَّات تحريمُ حيوان لا يأكله العرب، وأكثرهم لا يعرفونه، ويحتمل أنَّ المبلِّغ بتحريمه رآه، ويحتمل أنَّه لم يَرَه، ولا يأتي تحريم غيرِه من الحيوانات التي يعرفونها إلاَّ في السُّنة النبويَّة؟!

ثم يتبيَّن بعدَ أربعة عشر قرنًا أنَّ تِجارة الخنازير لا يكاد يُضاهيها تجارةٌ أخرى من سائر أنواع الحيوان.

إنَّها علامةٌ بيِّنةٌ من علامات النبوَّة، وإنَّها لَمِن أكبر الأدلة على عالمية الإسلام، وأنَّ الناس مخاطبون به في كلِّ مكانٍ إلى آخر الزَّمان، كما أنَّها آيةٌ عظيمة على أنَّ القرآن ذِكرٌ للعالمين، وأنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - رحمة للناس أجمعين؛ ففي القرآن تحريمُ ما يضرُّهم، وهو كما قال الله - تعالى - {وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [القلم: 52] وفي آية أخرى: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام: 90]، والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنصحُ الناس للناس؛ {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وفي آية أخرى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28].

إنَّها عالمية الإسلام التي تجاوزت حدودَ مكَّة وجزيرة العرب؛ لتصلَ إلى أَكَلةِ الخنازير في كلِّ مكان بالتحريم والبيان والإرشاد؛ {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145]، وتتخطَّى به حدود زمن الرِّسالة، أو الفتوح، أو عزِّ المسلمين؛ لتُظهرَ حقيقةَ ذلك في زمنٍ كان فيه أهلُ الخنزير وأكلتُه أقوى الأُمم وأغناها، وكان المُصرِّون على تحريمه من المسلمين أضعفَ الأمم وأفقرَها، فهل هذا إلاَّ تثبيت من الله - تعالى - للمؤمنين أمامَ غزو الأعادي في الداخل والخارج؛ ليعلموا أنَّ دِين الله - تعالى - حقٌّ فيستمسكوا به، ويزدادوا إيمانًا مع إيمانهم؟! {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ} [الرُّوم: 60]، وهل هو إلاَّ كسرٌ لحضارة العُلوِّ والاستكبار التي رضيت أن يكونَ أخبثُ مخلوق وأحطُّه وأقذره هو شعارَها؟!

وإنَّ العجبَ كلَّ العجب ليتملَّك قلبَ المؤمن حين ينظر لحضارة الخنازير، وهو يقرأ وصفَ الأُمَّة النصرانيَّة بالضلال في كلِّ ركعة يصليها، إنَّها حضارة بلغت من العِلم ما بلغت، حتى حلَّقت مركباتها في السَّماء، وبلغت غوَّاصاتها قعرَ المحيطات، واكتشفوا بأبحاثهم كثيرًا من الأمراض الفتَّاكة في الخنازير، وهم مِن أحرص الشُّعوب على صِحة أبدانهم وقوتها والعناية بها، ومع ذلك يأكلون ما يفتك بهم ويُهلكهم بعلمٍ وإصرار، فأيُّ ضلال أعظم مِن هذا الضلال؟! ولقد صار الخنزير شِعارًا لهذه الأمَّة الضالَّة، يقتله المسيح - عليه السلام - إذا نزل في آخِرِ الزَّمان؛ ردًّا عليهم لَمَّا أحلُّوه وقد حرَّمه الله - تعالى - وإبطالاً لدِينهم المحرَّف.

لقد كان في آيات تحريم الخِنزير تحدِّيًا لأرباب الحضارة المعاصرة وصُنَّاعها وتُجَّارها، وكان هذا التحدِّي قبل أربعة عشر قرنًا؛ ذلك أنَّ الله - تعالى - حرَّم الخنزير تحريمًا قاطعًا، وكان تحريمه في كلِّ الشرائع الربانيِّة السابقة، بما فيها النصرانيَّة التي حرَّفها بولس، فأحلَّ الخِنزير الذي حرَّمه عيسى - عليه السلام - وبيان وجه هذا التحدِّي أنَّ تجارة الخنزير من أعظم التجارات الرابحة؛ لسرعة نموِّه؛ ولتغذيه على كلِّ شيء، ولاكتنازه باللحم والشَّحم، ولاستخدام جميع أجزائه فلا يُرمى منه شيءٌ حتى دمه الخبيث، إضافةً إلى أنَّ أُنثاه تضع سبعةً إلى عشرين في الحمل الواحد، ولا يوجد في بهيمة الأنعام مثل ذلك؛ ممَّا أغرى أصحابَ الحضارة المعاصرة - وهي حضارة ماديَّة - بتربية الخنازير وأكْلها مع علمهم بأضرارها، وكثرة أمراضها؛ بل بلغ من استكبارهم وعنايتهم بها أنَّهم يُصْدرون مجلاَّتٍ دوريةً عالمية متخصِّصة في تربيتها، وكيفية اتِّقاء أمراضها المتكررة.

وكان فعلهم هذا تحدِّيًا لله - تعالى - في شرائعه المنزلة التي حرَّمت الخنزير على لسان الرُّسل - عليهم السلام - ليرتدوا الآن على خنازيرهم بالذَّبح والإفناء، وعزْلِها عن الناس، والبحث عن علاجٍ لفيروسها الجديد الذي بدأ يفتك بالناس، ويتحمَّلوا خسائر عظيمة من جرَّاء ذلك، ولم ينجُ من هذه الخسائر إلاَّ مَن عملوا بشريعة الله - تعالى - فلم يُجاوزوا ما أحلَّ - سبحانه - لهم إلى ما حرَّم - عزَّ وجلَّ - عليهم، مع ابتلائِهم بالخنازير في رُخْص أسعارها، وتوفُّر لحومها وشحومها، ولا سيما في البلاد التي تسمح بها، فكان ذلك من الابتلاء للمؤمنين؛ فمَن ذا الذي يتحدَّى القويَّ القهَّار، العزيزَ الجبار، إلاَّ مَن أهلك نفسَه، وأهلك مَن اتبعه في ضلاله وعتوِّه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا العَزِيزُ الغَفَّارُ} [ص: 66]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية

الحمد لله، حمدًا طيِّبًا كثيرًا مبارَكًا فيه كما يحب ربُّنا ويرضى، وأشهد أنَّ لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهُداهم إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعدُ:
فاتقوا الله - عباد الله - وأطيعوه؛ {وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ الله خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 103].

أيُّها المسلمون:
مَن نظر في القرآن العظيم فإنَّه يجد أنَّ الله - تعالى - لم يحرِّم مشروبًا غير الخمر، ولا حيوانًا باسمه إلاَّ الخنزير، ومَن نظر في الحضارة المعاصرة التي حادتْ عن شريعة الله – تعالى - وجد أنَّ أفراد هذه الحضارة الماديَّة قد وَلِعوا بالخمر وفُتِنوا به فتنةً شديدة، وتجارة الخمر مِن أعظم التجارات الرائجة في الأرض، وفي الغرْب بوجهٍ أخصَّ، كما يجد أنَّ الخنزير أكثرُ الحيوانات أكْلاً وتجارةً واستخدامًا.

إنَّ الحضارة الغربية المعاصرة كان لها منافعُ لا تُنكر في الصناعة والإنتاج، وتطوير كثيرٍ من الأنظمة الإداريَّة، وتوسيع دائرة المعارف الدنيويَّة؛ ولكنْ ضررُها أعظمُ من نفْعها، فهي التي صدَّرت ثقافة الإلحاد الوجوديِّ والشيوعيِّ والليبرالي، وكان فِكرُها الذي بُنيت عليه مقصيًا للدِّين والأخلاق، منتهكًا للمحرَّمات، معارضًا للشرائع الربَّانيَّة.

وهي حضارة تميَّزت برعاية الخنازير والعناية بها، وأكْلها وتسويقها، وإدخال أجزاء الخنزير في أكثرِ الصناعات الغذائيَّة والدوائيَّة، فكان الانتكاس الفِطري العظيم بانعكاس أخلاق الخنزير على كثيرٍ من أفراد تلك الحضارة، حتى صاروا بشرًا يحملون أخلاقَ الخنازير وطباعَها.

وفي دراسةٍ لأخلاق الخنازير منشورة في دائرة المعارف البريطانيَّة، تبيَّن أنَّ الخنازير تختلف عن غيرها من ذوات الأظلاف من الحيوان، من حيثُ إنَّ ذَكَرها لا يَغار على أُنثاه لو نَزَا عليها غيرُه، ولا يُدافع عنها ولا عن صغارِه لو تعرَّضوا لاعتداء؛ بل يُفارقهم بهدوء، ولا يَحمي مسكنَه أو مرعاه لو احتلَّه غيرُه، بل يتركه له؛ ولذا اتصف الخنزير بالحقارةِ وعدم الغَيْرة، وشَتْمُ الإنسان بوصفه خِنزيرًا هو أعظمُ شَتمٍ عند كلِّ الأمم، حتَّى عند مَن يربُّونه ويأكلونه.

ومن خساسةِ الخِنزير أنَّه لا يكتفي بالأنثى؛ بل ينزو الذَّكَرُ على الذَّكَر، وجاء عن التابعي الجليل محمَّد بن سيرين - رحمه الله تعالى - أنَّه قال: "ليس شيءٌ من الدَّوابِّ يعمل عملَ قوم لوط إلاَّ الخنزيرَ والحمار"، وفي بعض الدِّراسات أنَّ الجنس الجماعي لا يُمارِسه من الحيوان إلاَّ الخنازير.

ومَن نظر إلى ما صدَّره الغرب من حضارتِه للأُمم الأخرى، يجد أنَّهم مع تصديرهم لكثيرٍ من الصناعات والأنظمة، قد صدَّروا ثقافةَ الخنزير وأخلاقه وطباعه؛ ابتداءً بتصدير ثقافة تحطيمِ القيود الدِّينيَّة والأخلاقيَّة التي اكتسبوها من الخِنزير، حين حطَّم كلَّ القيود في شهوة بطنه وفرْجه، وخالف سائرَ الحيوان في ذلك، وثقافة إباحة المحرَّمات والنجاسات هي ثقافة خِنزيريَّة؛ فإنَّ الخنزير لا يأنف مِن أكْل وشُرْب أيِّ شيءٍ، مَهْمَا كان نجسًا مستقذرًا يَعافه غيرُه مِن الحيوان.

والثقافة الغربيَّة الجنسيَّة التي أباحوا فيها الزِّنا والسِّحاقَ، وعَمَل قومِ لوط، وممارسة الجِنس الجماعي، وسائر أنواع الشُّذوذ - هي ثقافة خِنزيريَّة؛ فإنَّ كلَّ هذه الفِعال القبيحة هي مِن طبائع الخنزير وأخلاقه.

وفُقدان الغَيْرة على الحرمات، وخيانة الأوطان، وممالأة الأعداء هي أيضًا من الثقافة الخِنزيريَّة؛ ذلك أنَّ الخنزير لا يحمي مرعاه ومسكنه، كما لا يحمي أُنثاه وصِغارَه، والذين خانوا أوطانَهم وسلَّموها للمحتلِّين، ولم يغضبوا للحُرمات التي انتُهِكت، ولا للكرامة التي أُهينت، ولم يأْبَهوا بنساء المسلمين وأطفالهم - هم مُكتسبون لثقافة الخِنزير وطباعِه من الأمَّة الغربيَّة التي صدَّرت هذه الثقافة إليهم.

والذين يدعون إلى الفسادِ والاختلاط في بلاد المسلمين، ويُروِّجون للانحلال والضياع باسم الانفتاح والحُريَّة، والذين يُحاربون الطُّهر والعفاف ويَصِمُونه بالرجعيَّة، ويَدْعون إلى نزْعِ حجاب المرأة وخروجها ورقصها وتمثيلها، ويُريدون نشْرَ الجِنس على أوسع نِطاق، ويُقنِّنون الانحلال والضياع، ويُلزمون الناسَ به بنشر ثقافته تحت دَعاوى التطوير والإصلاح - كلُّ أولئك لم يأخذوا من الغربِ ما ينفع؛ بل اقتصروا على الثقافة الخِنزيريَّة لديه، ويُريدون فرْضَها على الناس، وهل يرضى عاقلٌ أن يُطبع بطباع الخنازير، وأن تُفرض عليه أخلاقُه؟! لا يرضى بذلك عقلاءُ الناس، فكيف بِمَن رضي بالله - تعالى - ربًّا، وبالإسلام دِينًا، وبمحمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - نبيًّا.

فلْيعلموا أنَّ نشْرَ أخلاق الخنزير وطباعه في الناس أشدُّ غِلظةً في التحريم من لحْمِه وشَحْمه، فما بالهم يجرُّون الناس جرًَّا إلى أخلاقه وطباعه، وهم يَدَّعُون أنَّهم يُنزِّهون أنفسَهم عنه؟!

وما بال غيرهم لا يُنكرون ذلك عليهم، وهم يعلمون أنَّهم لا يَنشرون فيهم إلاَّ ثقافةَ الخنازير وطباعَها؟!

{إِنَّ اللهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ} [يونس: 81]، فاحذروهم، وحَذِّروا الناس منهم، كما تَحْذرون أنفلونزا الخنازير وتُحذِّرون منها، كفى الله المسلمين شرَّهم، وردَّهم على أعقابهم.

وصلُّوا وسلِّموا على نبيِّكم...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.33%)]