الموضوع: مادية مقيتة..!!
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-06-2020, 11:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي مادية مقيتة..!!

مادية مقيتة..!!


لبنى شرف



عجبت مرة وأنا أتابع أحد البرامج من سؤال إحدى المشاهدات عن الحور العين، نسيت ماذا كان السؤال بالضبط، ولكن الذي أذكره تلك المادية والدنيوية التي سيطرت على تفكير هذه المرأة، حتى إن ضيف البرنامج قال لها: دعينا نسمو ونترفَّع عن هذه الدنيوية!

شيء عجيب هذا التفكير المادي الذي استشرى فينا حتى في أمور الآخرة! كل شيء أصبحنا نقيسه بموازين دنيوية نفعية، وحتى العبادات لم تسلم من هذا التفسير المادي! فقد تحدَّثَتْ إحداهن مرة في جهاز "الرائي" - التلفاز - عن حركات الصلاة وما فيها من طاقة وفائدة، وتأسَّفت على المسلمين الذين لا يعطون الصلاة حقَّها من الخشوع ويقضونها على عجل، دون أن يستفيدوا من هذه الطاقة التي في الصلاة على الأقل!

مصيبة وأية مصيبة أن ينتشر هذا التفكير بين المسلمين، فيشوِّه وينخر في صفاء إيمانهم ويقين قلوبهم، حتى صار الذي لا يصلي يصلي، ليس امتثالاً لأمر الله الذي فرض عليه الصلاة، وإنما ليحصل على هذه الطاقة وهذه الفائدة! صارت الصلاة بنِيَّة المنفعة! وهل ستسعد الروح وترتاح وترتقي في ظل هذه المادية المقيتة؟! وهل سيصلح حال الأمة بهذه الأفكار وهذه الأساليب التي تعكر صفاء الفطرة ونقاء الإيمان؟!

لقد كان - عليه الصلاة والسلام - يقول لبلال - رضي الله عنه -: ((أَرِحْنا بها يا بلال))، إن المسلم لترتاح روحُه عندما يقف بين يدي ربه في الصلاة، ترتاح من هموم وأكدار هذه الدنيا التي يركض فيها ليل نهار.

دعوا المسلمين يرتاحوا في صلاتهم وهم يناجون ربهم، لا تعكِّروا عليهم هذه المتعة بتفكيركم المادي الذي استوردتموه ممن لا روح لديهم، ممن طلَّقوا الدين من قرون، فعاشوا مطموسي الفِطَر!

لماذا لم يستسلم المسلمون لأوامر ربهم كما استسلموا لمثل هذه الأبحاث والدراسات؟! هل يريدون أدلة تثبت وتُظْهِر لهم الحكمة والمنفعة من كل شعيرة وكل أمر وكل نهي حتى يأتمروا وينتهوا ويتبعوا شرع ربهم؟!

هذا هو الفرق بيننا وبين الصحابة - رضي الله عنهم - والسلف الصالح، كانوا يأتمرون ويطيعون دون أن يبحثوا أو يسألوا عن سبب هذا أو حكمة ذاك، لكن المسلمين اليوم بضعف يقينهم صاروا إلى ما صاروا إليه!

يقول الشيخ سفر الحوالي: "اليقين يكون في حالين: اليقين في خبر الله، واليقين في أمر الله؛ والمراد بخبر الله: ما كان من الأمور العلمية الاعتقادية التي حسْب المؤمن أن يؤمن بها، وأن يصدق وأن يوقن، وليست أمرًا عمليًّا مطلوبًا منه، واليقين في أمر الله: هو العمل المطلوب من العبد، فيوقن العبد بأمر الله - تبارك وتعالى - فيستقيم عليه، ويقوم بأداء هذا العمل الذي افترضه الله - تبارك وتعالى - عليه".

ثم ذكر أمثلة من اليقين في الأخبار، ثم قال: "فإذًا علينا أن نؤمن بكل ما أخبر به الله أو أخبر به رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيمانًا لا يتزعزع ولا يتزحزح أبدًا، وبذلك نصل إلى درجة أو مرتبة اليقين، فنكون موقنين بذلك، وعلينا أن نؤمن بما هو من أمر الغيب، لكن يمكن أن يكون غيبًا عند البعض وليس غيبًا عند البعض الآخر، ومن أمثلتها حديث الذبابة؛ فالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم ليُلْقِه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء))، فهذا بالنسبة لنا نحن الذين ليسوا من أهل الدراسة أو الاطلاع الكيميائي والبحث التجريبي وغير ذلك، فنحن عن طريق الغيب نؤمن بذلك، ولكن لو أن أحدًا حلَّل ورأى ودقَّق حتى عرف الداء وعرف الدواء، فهذا أصبح بحقه من عالم الشهادة لا من عالم الغيب، لكن نحن نؤمن بذلك وبما قاله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سواء جرَّبوا أو لم يجرِّبوا، والإيمان بالغيب أفضل؛ لأنا إذا جربنا ورأينا لم يعد ذلك إيمانًا بالغيب، وإن كان إيماننا وتصديقنا للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يزيد، وأكثر الناس لا يزيد إيمانه إلا إذا رأى، لكن المؤمن ينبغي له أن يوقن وأن يصدق بذلك دون أن يحتاج إلى تجريب وامتحان؛ لأن الذي أخبر بذلك هو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى.

ننتقل إلى القسم الآخر، وهو مهمٌّ؛ لأننا نحتاجه كثيرًا - نحن المسلمين - في هذه الأمة، وهو اليقين في أمر الله: فإذا أمر الله - تبارك وتعالى - بأمر فعلينا أن نوقن به مثلما نوقن أيضًا في خبر الله، وهذا يكون في الأمور العملية، فكما أنه في الحالة الأولى لا شكَّ في خبره، فكذلك لا بُدُّ من اليقين فيما أمر به من الأعمال مثل توحيد الله وعبادة الله، فنوحد الله ونعبده، بالصلاة، والزكاة، والصيام، وكل أنواع العبادات، وأن يكون العبد من اليقين بحيث إذا علم أن الله - تعالى - حرَّم ذلك فلا بُدَّ أن يقف ممتثلاً ومذعنًا قائلاً في نفسه: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم} [الزمر: 13]، فهكذا لا يمكن أن يقدم العبد على محارم الله ولا أن ينتهكها، وكل ما أمر الله - تبارك وتعالى - به من أمر فإنه يقدم عليه ويفعله موقنًا أن الله أمر به وشرعه، وموقنًا أن الله - تبارك وتعالى - يجازي مَن فعله بالجزاء الذي وعد به، فيكون موقنًا بالوعد وموقنًا بالوعيد، ممتثلاً للأعمال التي يترتب عليها الوعد والوعيد، فما كان مأمورًا به فعله وما كان منهيًّا عنه تركه، وهذه حقيقة التقوى.

ولو تأمَّلنا أفضل جيل وأعظم جيل وأروع أمة ضربت المثل الأعلى في اليقين، وهم الجيل الذي ربَّاه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لرأيتم العَجَب العُجَاب في الحالين، في حال اليقين بأمر الله، وفي حال اليقين بخبر الله - عز وجل - فمثلاً يقول عامر بن عبد القي س - رضي الله عنه - في القول المأثور عنه: لو كُشِف الغطاء ما ازددت يقينًا، وكذلك ما رُوِي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: لو رأيت الجنة والنار ما ازددت يقينًا؛ لأني رأيتهما بعيني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم".




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.16 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.34%)]