عرض مشاركة واحدة
  #389  
قديم 04-04-2020, 04:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (388)
تفسير السعدى
سورة النمل
من الأية(40) الى الأية(47)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة النمل



" قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم " (40)
" أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ " بأن يدعو الله بذلك الاسم, فيحضر حالا, وأنه دعا الله فحضر.
فالله أعلم, هل هذا هو المراد, أم أن عنده علما من الكتاب, يقتدر به على جلب البعيد, وتحصيل الشديد؟.
" فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ " حمد الله تعالى على إقداره وملكه, وتسير الأمور له, و " قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ " أي: ليختبرني بذلك.
فلم يغتر عليه السلام, بملكه, وسلطانه, وقدرته, كما هو دأب الملوك الجاهلين.
بل علم أن ذلك اختبار من ربه, فخاف أن لا يقوم بشكر هذه النعمة.
ثم بين أن هذا الشكر, لا ينتفع الله به, وإنما يرجع نفعه إلى صاحبه, فقال: " وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ " غني عن أعماله, كريم, كثير الخير, يعم به الشاكر والكافر.
إلا أن شكر نعمه, داع للمزيد منها, وكفرها, داع لزوالها.
ثم قال لمن عنده " نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا " أي: غيروه بزيادة ونقص.
ونحن في ذلك " نَنْظُرْ " مختبرين لعقلها " أَتَهْتَدِي " للصواب, ويكون عندها ذكاء وفطنة تليق بملكها " أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ " .

" فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين " (42)
" فَلَمَّا جَاءَتْ " قادمة على سليمان, عرض عليها عرشها, وكان عهدها به, قد خلفته في بلدها.
و " قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ " أي: أنه استقر عدنا, أن لك عرشا عظيما, فهل هو كهذا العرش, الذي أحضرناه لك؟ " قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ " وهذا من ذكائها وفطنتها, لم تقل " هو " لوجود التغيير فيه والتنكير, ولم تنف أنه هو, لأنها عرفته.
فأتت بلفظ محتمل للأمرين, صادق على الحالين.
فقال سليم ن متعجبا من هدايتها وعقلها, وشاكرا لله, أن أعطاه أعظم منها.
" وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا " أي: الهداية, والعقل, والحزم, من قبل هذه الملكة.
" وَكُنَّا مُسْلِمِينَ " وهي الهداية النافعة الأصلية.
ويحتمل أن هذا من قول ملكة سبأ " وأوتينا العلم عن ملك سليمان وسلطانه, فزيادة اقتداره, من قبل هذه الحالة, التي رأينا فيها قدرته, على إحضار العرش, من المسافة البعيدة, فأذعنا له, وجئنا مسلمين له خاضعين لسلطانه " .

" وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين " (43)

قال الله تعالى: " وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ " أي عن الإسلام وإلا فلها من الذكاء والفطنة, ما به تعرف الحق من الباطل, ولكن العقائد الباطلة, تذهب بصيرة القلب " إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ " فاستمرت على دينهم.
وانفراد الواحد عن أهل الدين, والعادة المستمرة بأمر, يراه بعقله من ضلالهم وخطأهم, من أندر ما يكون, فلهذا لا يستغرب بقاؤها على الكفر.
ثم إن سليمان أراد, أن ترى من سلطانه, ما يبهر العقول, فأمرها أن تدخل الصرح, وهو المجلس المرتفع المتسع, وكان مجلسا من قوارير, تجري تحته الأنهار.

" قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين " (44)
" قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً " ماء, لأن القوارير شفافة, يرى الماء الذي تحتها, كأنه بذاته, يجري, ليس دونه شيء.
" وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا " لتخوضه, وهذا أيضا من عقلها, وأدبها.
فإنها لم تمتنع من الدخول للمحل, الذي أمرت بدخوله, لعلمها أنها لم تستدع إلا للإكرام وأن ملك سليمان وتنظيمه, قد بناه على الحكمة, ولم يكن, في قلبها أدنى شك, من حالة السوء بعد ما رأت, ما رأت.
فلما استعدت للخوض قيل لها " إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ " أي: مجلس " مِنْ قَوَارِيرَ " فلا حاجة منك لكشف الساقين.
فحينئذ لما وصلت إلى سليمان, وشاهدت ما شاهدت, وعلمت نبوته ورسالته, ثابت ورجعت عن كفرها, و " قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " .
فهذا ما قصه الله علينا, من قصة ملكة سبأ, وما جرى لها مع سليمان.
وما عدا ذلك من الفروع المولدة, والقصص الإسرائيلية, فإنه لا يتعلق بالتفسير لكلام الله, وهو من الأمور, التي يتوقف الجزم بها, على الدليل المعلوم عن المعصوم.
والمنقولات في هذا الباب كلها, أو أكثرها, ليس كذلك.
قالحزم كل الحزم, الإعراض عنها, وعدم إدخالها في التفاسير.
والله أعلم.

" ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون " (45)
يخبر تعالى أنه أرسل إلى ثمود, القبيلة المعروفة, أخاهم في النسب, صالحا, وأنه أمرهم, أن يعبدوا الله وحده, ويتركوا الأنداد والأوثان.
" فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ " منهم المؤمن, ومنهم الكافر, وهم معظمهم.

" قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون " (46)
" قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ " أي: لم تبادرون فعل السيئات, وتحرصون عليها, قبل فعل الحسنات, التي بها تحسن أحوالكم وتصلح أموركم الدينية والدنيوية؟ والحال أنه لا موجب لكم, إلى الذهاب لفعل السيئات؟.
" لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ " بأن تتوبوا من شرككم وعصيانكم, وتدعوا أن يغفر لكم.
" لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " فإن رحمة الله قريب من المحسنين, والتائب من الذنوب, هو من المحسنين.

" قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون " (47)
" قَالُوا " لنبيهم صالح, مكذبين ومعارضين: " اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ " .
زعموا - قبحهم الله - أنهم لم يروا على وجه صالح خيرا, وأنه, هو ومن معه, من المؤمنين, صاروا سببا لمنع مطالبهم الدنيوية.
فقال لهم صالح: " طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ " أي: ما أصابكم الله, بذنوبكم.
" بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ " بالسراء والضراء, والخير والشر, لينظر هل تقلعون وتتوبون, أم لا؟ فهذا دأبهم في تكذيب نبيهم, وما قابلوه به.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.96 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]