عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 22-09-2020, 02:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي شرح حديث: أسلمت على ما أسلفت من خير

شرح حديث: أسلمت على ما أسلفت من خير


الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح







عن حَكِيم بن حِزَامٍ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيْ رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ أُمُوراً كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ، أَفِيهَا أَجْرٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ".

وفي رواية: عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَعْتَقَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِائة رَقَبَةٍ. وَحَمَلَ عَلَى مِائَة بَعِيرٍ. ثُمَّ أَعْتَقَ فِي الإِسْلاَمِ مِائَةَ رَقَبَةٍ. وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ.

وفي رواية لمسلم: قال حكيم: قُلْتُ: فَوَالله! لاَ أَدَعُ شَيْئا صَنَعْتُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلاَّ فَعَلْتُ فِي الإِسْلاَمِ مِثْلَهُ.



ترجمة راوي الحديث:

هو حكيم بن حزام بن خويلد القرشي الأسدي رضى الله عنه، ابن أخي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه و سلم، وابن عم الزبير بن العوام، ولد حكيم في جوف الكعبة قبل الفيل بثلاثة عشر سنة على خلاف، وذلك أن أمه دخلت الكعبة في نسوة من قريش وهي حامل، فأخذها الطلق، فولدت حكيماً بها.

كان من أشراف قريش ووجوهها، وكان من العلماء بأنساب قريش وأخبارها، وكان من المؤلفة قلوبهم،

أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم - يومَ حنين - مائة بعير، فحسن إسلامه وكان أسلم عام الفتح، وعاش مائة وعشرين سنة، وأكثر الأقوال أنها ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام، ولم يصنع شيئاً من المعروف في الجاهلية إلا وصنع في الإسلام مثله، كما سيأتي في حديث الباب، شهد حكيم بدراً مع الكفار ونجا منهزماً، وكان إذا اجتهد في اليمين قال:" والذي نجاني يوم بدر"

كان حكيم جواداً حجَّ في الإسلام ومعه مائة بدنة أهداها، ومائة عبد أعتقهم، وأهدى ألف شاة، عمي قبل موته، وتوفي سنة 54 هـ، -رضي الله عنه وأرضاه-. [انظر أسد الغابة (2 /45 )، والإصابة (2 / 97)].



تخريج الحديث:

الحديث أخرجه مسلم حديث (123)، وأخرجه البخاري في "كتاب الزكاة" "باب من تصدق في الشرك ثم أسلم" حديث (1436).



شرح ألفاظ الحديث:

(أَتَحَنَّثُ): قال أهل اللغة: أصل التحنث أن يفعل فعلاً يخرج به من الحنث وهو الإثم. والتحنث هو التعبد، والتبرر أي فعل البر. [انظر شرح مسلم للنووي 2/ 320].

(أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ): أي على ما قدمت من خير.

(وَحَمَلَ عَلَى مِائَة بَعِيرٍ): أي تصدق بها.



فوائد الحديث:

الفائدة الأولى: الحديث دليل على من أسلم وقد كان في الكفر يعمل أعمالاً صالحة، وهذه الفضيلة اختلف العلماء في المراد بها، وهي قول النبي صلى الله عليه و سلم: "أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ"، هل يثاب الكافر إذا أسلم وحسن إسلامه على ما فعله من خير في حال كفره؟

القول الأول: أن الكافر إذا أسلم لا يثاب على ما فعل من خير في حال كفره، وعللوا ذلك: بأن الكافر لا يصح منه التقرب، لأن من شرط المتقرب أن يكون عارفاً بالمتقرب إليه، وهذا الكافر حين فعله للخير لم يحصل له العلم بالله بعد، وعليه فلا يثاب.



وأصحاب هذا القول بعد التقرير السابق ذهبوا إلى تأويل حديث الباب عن ظاهره إلى عدة تأويلات:

فقيل: معنى " أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ " أي اكتسبت طباعاً جميلة وأنت تنتفع بتلك الطباع في الإسلام فتكون معينة لك على فعل الخير.

وقيل: معناه أنك اكتسبت بذلك ثناءً جميلاً فهو باق عليك في الإسلام.

وقيل: معناه أنها تزداد حسناتك التي تفعلها بعد الإسلام.

وقيل: معناه أن الله هداك للإسلام ببركة ما سبق من الخير. [انظر شرح النووي (2/ 321)، والفتح (3/ 381 )، والمفهم (1/ 332)].



والقول الثاني: أن الكافر إذا أسلم يثاب على ما فعل من خير في حال كفره.

واستدلوا: بحديث الباب حيث قال النبي صلى الله عليه و سلم لحكيم رضي الله عنه حينما سأله عن أجر ما فعل حال الكفر من الخير " أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ " أي أسلمت على قبول ما سلف لك من خير.

وأجابوا عن تعليل أصحاب القول الأول: بأن الكافر لا يصح منه الخير ولا يُعتد به في أحكام الدنيا، أما ثواب الآخرة فيما لو حسن إسلامه بعد ذلك فليس لأحد أن يمنع فضل الله تعالى، ورحمته التي وسعت كل شيء، وهذا القول هو الأظهر والله أعلم وهو الأوفق لسعة فضل الله ورحمته.

واختار هذا القول شيخنا ابن عثيمين رحمه الله حيث قال:" الحمد لله هذه نعمة، والإسلام كله بركة، فإذا أسلم الكافر فأعماله السيئة يمحوها الإسلام، كما قال الله عز وجل: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [الأنفال: 38]، وأعماله الصالحة المتعدية من صدقة أو عتق أو صلة رحم تكتب له ولا تضيع، لقوله صلى الله عليه وسلم:" أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سْلَفْ مِنْ خَيْرٍ " في لفظ: " عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ " وهذا مقتضى قوله تعالى:" إن رحمتي سبقت غضبي"...وكذلك المرتد إذا رجع إلى الإسلام، فإنه يرجع إليه عمله الصالح لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 217] فاشترط لحبوط الأعمال الموت على الكفر فإذا رجع إلى الإسلام رجعت إليه أعماله الصالحة". [شرح صحيح البخاري لشيخنا ابن العثيمين (5/ 34- 35)].



وبنحو هذا ذكر شيخنا في تعليقه على مسلم وزاد:" فإن قيل: هل الحسنات التي عملها الكافر في الجاهلية تبقى بمجرد إسلامه، أم يشترط أن يستمر في هذه الحسنات بعد إسلامه؟

فالجواب: ليس بشرط. أما التزام حكيم - رضي الله عنه - فهذا من عند نفسه... وهنا نسأل: إذا كان الكافر قد عمل حسنات في الجاهلية لا يقصد بها وجه الله، فهل تكتب له؟

فالجواب: تكتب؛ لأن الرسول - صلى الله عليه و سلم - قال: " أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ" والخير الذي يفعله نفعه متعدِّ.



وهل يقال هذا الجواب في حق من كان يجمع أموالاً بطرق غير مشروعة؛ كالتمثيل، والغناء، وغيره ثم تاب عن هذا؟

فالجواب: إن كان لا يعلم بأنه حرام، فقد قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾ [البقرة: 275] وعليه فالأموال لهم أما إذا كان يعلم؛ فالواجب عليه أن يتصدق بها تخلصاً منها" [التعليق على صحيح مسلم 1 /400].



وبناءً على ما سبق نقول أن للكافر مع أعمال الخير ثلاث أحوال:

الأولى: أعمال الخير في حال كفره لا تقبل فهي مردودة، قال تعالى: ﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ [التوبة: 54]

الثانية: أعمال الخير بعد موته على الكفر لن تقيه من عذاب الله، بل حبطت أعماله، ويخلد في النار قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39] وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 217].

الثالثة: أعمال الخير إذا أسلم وحسن إسلامه سيكتب له ما عمله من خير قبل الإسلام فضلاً من الله، وهذا القول هو الراجح كما تقدم.




الفائدة الثانية: الحديث فيه نموذج من نماذج حرص الصحابة -رضوان الله عليه- على الخير، وهذا يتضح من قبل حكيم بن حزام -رضى الله عنه- وقوله، فمن حرصه -رضى الله عنه- أنه أراد إدراك الخير السابق واللاحق فهو سأل عن أعمال برّ سابقة هل فيها أجر؟ وهو بعد الإسلام لم يترك شيئاً من الخير صنعه في الجاهلية إلا صنع في الإسلام مثله، ومن ذلك أنه أعتق مائة رقبة وتصدق بمائة بعير، وهذا لا يستطيعه إلا أصحاب الهمم العالية التي عاينت بقلبها سباق الآخرة والمنازل الفاضلة فلم تهنأ أن يفتها شيء من الخير، ولم تهدأ عن مسابقة السائرين.



مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.02 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.27%)]