عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-04-2019, 09:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي من مشاهير علماء الكيمياء المسلمين

من مشاهير علماء الكيمياء المسلمين


د. عبدالله حجازي



لا يَخفى أن إقبال المسلمين على العلوم الطبيعية - وبخاصة التجريبية منها - يرجع إلى القرن الأول، وقد برز عددٌ كبير من الذين اشتغلوا بالكيمياء على امتداد عددٍ من القرون، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: خالدَ بن يزيد بن معاوية (ت ٩٠هـ/ ٧٠٨م)، ورائدَ الكيمياء الأول: جابر بن حيان الكوفي (ت٢٠٠هـ/ ٨١٥م)، وأبا بكر الرازي (ت٣١٣هـ/ ٩٢٥م)، وأبا مسلمة محمد بن إبراهيم المجريطي (ت بعد ٤٤٠هـ/ ١٠٤٩م)، ومحمَّد بن بشرون المجروطي (ت بعد٤٥٠هـ/ ١٠٨٥م)، وعلي بن موسى الأنصاري المعروف بابن أرفع رأس (ت٥٩٣هـ/ ١١٩٧م)، وغيرهم كثير ممن اشتهر وخلَّف مؤلَّفات كثيرة في الكيمياء، إلا أننا نقتصر على ترجمة الجلدكي؛ لِما امتازت به كتبُه وشروحه؛ فلقد جمع فيها آراء وأقوالَ وأفكار مَن سبقه ممن صنَّف وألَّف في الكيمياء، حتى كان المصدرَ الموثوق المحمود لكل من أرَّخ للكيمياء عند المسلمين.



الجِلْدكَي (ت٧٤٣هـ/ ١٣٤٣م)

علي بن محمَّد بن أيدمر الجلدكي، عز الدين، اختلفت المصادر في اسمه واسم أبيه، نسبته إلى "جِلْدَك" من قرى خراسان على فرسخين من مشهد الرِّضا، نزل دمشق وصنَّف فيها - كما يذكر حاجي خليفة - كتابه "البدر المنير في ينبوع الإكسير"، وذلك عام ٧٤٠هـ/ ١٣٣٩م، ورحل منها إلى القاهرة، حيث صنف فيها كتابًا آخر في أوائل شهر شوال من عام ٧٤٢هـ/ ١٣٤٢م بعنوان: "نتائج الفكر في الفحص عن الحجر".



يُعَد الجِلدكي من أعظم المؤلِّفين معرفةً بتاريخ الكيمياء وما كتبه السابقون؛ فقد كان مغرَمًا بجمع المؤلَّفات الكيميائية وتفسيرها، قضى معظم حياته في جمع كتب الكيمياء، التي استطاع الحصول عليها، وعمل على تفسيرها، أو التعليق عليها.



وكان ينقل عمَّن تقدَّمه من الأعلام من أمثال جابر بن حيَّان، وأبي بكر الرازي، وابن أرفع رأس، وأبي القاسم العراقي، وغيرهم، كان ينقل عنهم فقراتٍ كاملة، وبهذا الفعل أدى لتاريخ الكيمياء في الإسلام خدمةً جليلة؛ إذ دوَّن في مصنَّفاته التي خلَّفها كثيرًا مما اندثر وضاع من كتب سابقيه.



وقد وُجِدَ أن نُقُولَه كانت حقًّا لا ادعاءً؛ إذ عثر مؤخرًا على بعض الكتب التي نَقَلَ عنها، وكان يُظَن أنها ضاعت، ووجد التطابق بين ما ذكره الجِلدكي نقلاً عنها، وما تتضمَّنه هذه الكتب، الأمر الذي دفع هولميارد أن يصرِّح أن الجلدكي يستحق "أطيب الشُّكر والعِرفان بالجميل من كل أولئك الذين يهمهم دراسة تاريخ الكيمياء"[1].



وقد عدد له حاجي خليفة صاحب كشف الظنون - جملةً من المؤلَّفات، التي شرح فيها آراء غيره ممن سبقه من الكيميائيين، أهمها شرح شذور الذهب في الإكسير لأبي الحسن[2] علي بن موسى بن أبي القاسم علي الأنصاري الأندلسي، المعروف بابن أرفع رأس (ت ٥٩٣هـ/ ١١٩٧م)، وهو كتاب شِعر يتضمن قصائدَ في الشعر مرتبة على الحروف، شرحه الجلدكي، وسماه: "غاية السرور"، قال فيه: "استوعب - يقصد: ابن أرفع رأس - فيه جميعَ الحكمة المطلوبة، والنِّعمة المرغوبة".



وقد شدَّ انتباهي لدى اطلاعي في برلين على مخطوطة كتاب "شذور الذهب"، قصيدة نظمها ابن أرفع رأس على قافية الزاي، وردت فيها الأبيات التالية، التي يمكن اعتبارها وكأنها قيلت في وصف الذَّرَّة في الربع الأول من القرن الميلادي العشرين، أو لكأنها ترجمة ناطقة للنظرية الذرية الحديثة التي ابتكرها الفيزيائي الدنماركي بور (Bohr) عام ١٣٣٢هـ/ ١٩١٣م، وحصل إثرها على جائزة نوبل في الفيزياء:



فشتَّانَ بين اثنينِ، هذا مكوكب

يدورُ، وهذا مركزٌ للمراكزِ



وإنهما عند الحكيمِ لواحدٌ

لأنهما من واحدٍ متمايزِ



فهذا على هذا يدورُ، وهذه

لها مركزٌ راسٍ بقدرةِ راكزِ



وبينهما ضدانِ، عالٍ وسافلٌ

بقاؤُهما فردينِ ليس بجائزِ



وبينهما جسمٌ مشفٌّ كأنه

من اللُّطفِ فيما بينهم غيرُ حاجزِ



فأعجِبْ بها من أربعٍ حال بعضها

إلى بعضها عن نسبةٍ في الغرائزِ



فراسِبُها السُّفليُّ كوَّن جسمَه

لنا من غليظِ الصاعدِ المتمايزِ






وقد توهم الأستاذ الدكتور عزة مريدان (انظر كتابة دراسات وتأملات في العلم والطب والحياة) أن الأبياتَ للجِلدكي؛ لأنه - والله أعلم - عثر عليها لدى اطلاعه على كتاب الجلدكي "غاية السرور"، الذي هو شرح لكتاب "شذور الذهب" في ثلاثة مجلدات.



وكتاب "المكتسب في زراعة الذهب" يرجع إلى أبي القاسم محمد بن أحمد العراقي، وله كتاب "كنز الاختصاص في معرفة الخواص"، وكتاب "البدر المنير في معرفة أسرار الإكسير"، وهو الذي ألفه في دمشق، وله كتاب "المصباح في علم المفتاح" جعله خلاصة لكتبه الخمسة، وهي: نهاية الطلب، وكنز الاختصاص، وغاية السرور، والبرهان في أسرار علم الميزان، وكتاب "التقريب في أسباب التركيب"، وهو كتاب ضخم أشبه ما يكون بموسوعة.



ومن الجدير بالذكر أن كتاب المصباح طُبع في بمباي، وأن الجزء الأول منه يتناول الكيمياء، وللجلدكي كتاب بعنوان "نتائج الفكر في الفحص عن الحجر"، وهو الذي ألَّفه بالقاهرة.



ومع أن شروحه لا تزيد عباراتِ الكتب التي شرحها إيضاحًا، إلا أنها ذاتُ قيمة تاريخية؛ لما اشتملت على أقوال من سبق، من أمثال: خالد بن يزيد، وجابر بن حيان، وأبي بكر الرازي، وغيرهم.



ومن المفيد أن نذكر أخيرًا أن فيدمان wiedemann - وهو من أشهر المستشرقين الذين خدموا تراثنا العلمي الكوني - قسَّم المصنَّفات والمؤلَّفات الكيميائية صِنفين:

صِنف يكتنهُه طابعٌ صوفي، ويكتنهه الغموضُ والإبهام كذلك، وصِنف آخر يختلف عن الأول اختلافًا بيِّنًا، يقوم في جملته على التجريب بشكل عامٍّ، وعلى هذه الكتب من الصِّنف الآخر قامت - كما يقرر فيدمان - الكيمياء الأوربية، ومن ثَم الكيمياء الحديثة، وقد عَدَّ فيدمان مؤلَّفات الجِلدكي من الصنف الأول، وهذا يتفق وما أفصح عنه الجِلدكي حين ذكر رأيه في التأليف: "ومن شروط العالم ألا يكتمَ ما علَّمه اللهُ تعالى، من مصالحَ يعود نفعُها على الخاص والعام، إلا هذه الموهبة - يقصد الكيمياء - فإن الشرط فيها ألا يظهرها بصريح اللفظِ أبدًا".





[1] هولميارد. أ. ج: "صانعو علم الكيمياء" أوكسفورد عام ١٩٦٤م، صفحة٨٢، (نقلاً عن كتاب "الكيمياء عند العرب"، لمصطفى لبيب عبدالغني).




[2] (لأبي الحسين) في صورة المخطوطة التي حظيت بها في برلين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.11 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.74%)]