عرض مشاركة واحدة
  #62  
قديم 17-04-2024, 02:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,346
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن (66)

إنما جعل الاستئذان من أجل البصر



الإسلام دين كامل، ونظام شامل، يتناول الحقائق الكبرى بالبيان والبرهان؛ فيقرر توحيد الله تعالى بأقوى حجة وأوضح دليل، ويؤكد النبوات والبعث بالدلائل العقلية والشواهد الحسية وأدلة الفطرة والمعجزات الباهرة، وهو مع ذلك لا يهمل أدق تفاصيل الحياة الإنسانية فيما يتعلق بالآداب العامة والخاصة، فيشرع لها أحكاما دقيقة في القرآن والسنة؛ ليكون المجتمع المسلم متميزا في جميع أحواله الإيمانية والأخلاقية والأسرية والمجتمعية.
ومن تلك الآداب الإسلامية الرفيعة أدب الاستئذان في الدخول على بيوت الآخرين، حيث ضرب الإسلام أروع الأمثلة في الرقي الأخلاقي واحترام خصوصية الناس، وأرشد المسلمين إلى أحكام الاستئذان التي تناولتها سورة النور في موضعين منها، الموضع الأول قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}.
والاسْتِئْنَاس المذكور في الآية هُوَ الِاسْتِئْذَان، وهو طلب الإذن في الدخول لمحل لا يملكه المستأذن، قَالَ مَالِك: الِاسْتِئْنَاس فِيمَا نَرَى -وَاَللَّه أَعْلَم-: الِاسْتِئْذَان، قال الجصاص: «وإنما سمي الاستئذان استئناسا؛ لأنهم إذا استأذنوا أو سلموا أنس أهل البيوت بذلك، ولو دخلوا عليهم بغير إذن لاستوحشوا وشق عليهم».
وأما حكم الاستئذان في الدخول على بيوت الغير فهو الوجوب كما دلت عليه الآية، ويحرم على المسلم دخول بيت غيره قبل أن يؤذن له بالاتفاق، سواء أكان باب البيت مفتوحا أم مغلقا، وسواء أكان فيه سكان أم لم يكن؛ لقوله تعالى: {لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا}، ولأن للبيوت حرمتها فلا يجوز أن تنتهك هذه الحرمة، ولأن الاستئذان ليس للسكان أنفسهم خاصة بل لأنفسهم ولأموالهم؛ لأن الإنسان كما يتخذ البيت سترا لنفسه، يتخذه سترا لأمواله، وكما يكره اطلاع الغير على نفسه يكره اطلاعه على أمواله.
ومما يدل على وجوب الاستئذان حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رجلاً اطلع في جحر في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلممدرى -وهي حديدة يسوّى بها الشعر- يحك بها رأسه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلمقال: «لو أعلم أنك تنظرني لطعنت بها في عينك»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الاستئذان من أجل البصر» متفق عليه.
ومما يستثنى من وجوب الاستئذان دخول الإنسان بيته فلا يجب عليه أن يستأذن، قال ابن حجر: «المرءلا يحتاج في دخوله منزله إلى الاستئذان؛ لفقد العلة التي شرع لأجلها الاستئذان».
ويشرع في حق الرجل إذا دخل بيته أمران:
- الأول: السلام؛ لحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم، يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك» أخرجه الترمذي وهو حسن.
- والأمر الثاني: الإعلام فيندب للزوج أن يعلم زوجته بدخوله بسلام أو تنحنح أو طرق نعال ونحو ذلك؛لأنها ربما كانت على حالة لا تريد أن يراها عليها، قالت زينب امرأة ابن مسعود: «كان عبد الله إذا دخل تنحنح وصوت»، وقال الإمام أحمد: «يستحب أن يحرك نعله في استئذانه عند دخوله حتى إلى بيته»، وقال: «إذا دخل على أهله تنحنح».
فَإِنْ كَانَ فِي البيت أُمّه أَوْ أُخْته فيجب عليه أن يستأذن قبل الدخول، لأنهما قَدْ تكُونَان عَلَى حَالَة لَا يحِبّ أَنْ يرَاهُمَا فِيهَا. قَالَ الإمام مَالِك: وَيَسْتَأْذِن الرَّجُل عَلَى أُمّه وَأُخْته إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُل عَلَيْهِمَا. وَقَدْ رَوَى عَطَاء بْن يَسَار أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَسْتَأْذِن عَلَى أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: إِنِّي أَخْدُمهَا؟ قَالَ: «اِسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا» فَعَاوَدَهُ ثَلَاثًا، قَال: «أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَة؟» قَالَ: لا، قَالَ: «فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا». أخرجه مالك.
وفي «الأدب المفرد» للبخاري أن رجلاً سأل حذيفة: أستأذن على أمي؟ قال: إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره. وسأل رجلٌ ابن عباس فقال: أستأذن على أختي؟ قال: نعم، قال: إنها في حجري، قال: أتحب أن تراها عريانة.
ومما يستثنى أيضاً من وجوب الاستئذان إذا كان الدخول للبيت فيه إحياء لنفس أو مال، كما لو دخل لص بيت إنسان واستنجد بالناس أو وقع في البيت حريق وأهله غافلون.
والاستئذان في السابق كان باللفظ وبإلقاء السلام بأن يقول: السلام عليكم، أأدخل؟ لمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ رِبْعِيّ قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُل مِنْ بَنِي عَامِر اِسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلموَهُوَ فِي بَيْت، فَقَالَ: أأَلِج؟ فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلملِخَادِمِهِ: «اُخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَان، فَقَل لَهُ: قُلْ: السَّلام عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟ فَسَمِعَهُ الرَّجُل فَقَالَ: السَّلام عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَل».
فلما اتخذ الناس الأبواب وكبرت المنازل قام قرع الباب مقام الاستئذان باللفظ، سواء أكان الباب مغلقا أم مفتوحا؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي، فدققت الباب، فقال: «من ذا؟» فقلت: أنا، فقال: «أنا، أنا» كأنه كرهها. أخرجه البخاري.
قال ابن حجر: وقد أخرج البخاري في «الأدب المفرد» من حديث أنس أن أبواب النبي صلى الله عليه وسلم انت تقرع بالأظافير، وهذا محمول منهم على المبالغة في الأدب، وهو حسن لمن قرب محله من الباب، أما من بعد عن الباب بحيث لا يبلغه صوت القرع بالظفر فيستحب أن يقرع بما فوق ذلك بحسبه.
وينبغي للمستأذن أن يكرر ذلك ثَلاث مَرَّات لَا يُزَاد عَلَيْهَا، فَإِنْ أُذِنَ لَهُ دَخَلَ، وَإِنْ أُمِرَ بِالرُّجُوعِ اِنْصَرَفَ، وَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ اِسْتَأْذَنَ ثَلاثًا ; ثُمَّ يَنْصَرِف مِنْ بَعْد الثَّلاث.
قال مالك: الاسْتِئْذان ثَلاث، لا أُحِبّ أَنْ يَزِيد أَحَد عَلَيْهَا، إِلَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يسمع، فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَزِيد إِذَا اِسْتَيْقَنَ أَنَّهُ لم يسمع، ودليل ذلك قَوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اِسْتَأْذَنَ أَحَدكُمْ ثَلاثًا فَلَمْ يؤْذن لَهُ فَلْيَرْجِعْ» متفق عليه.
ومن أدب الاستئذان ألاّ يقف قبالة الباب، بل ينحرف ذات اليمين أو ذات الشمال؛ لحديث عبد الله بن بسر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم -وفي رواية: يريد أن يستأذن- لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: «السلام عليكم، السلام عليكم»، وذلك أن الدور لم يكن عليها ستور.أخرجه أبو داود وهو صحيح.
وعن هزيل بن شرحبيل قال: استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقام مستقبل الباب فقال له صلى الله عليه وسلم: «هكذا عنك وهكذا، فإنما الاستئذان من النظر» أخرجه أبو داود وهو صحيح.
ويستحب للمستأذن إذا قيل له: من أنت؟ أن يقول: فلان، فيسمي نفسه بما يعرف به من اسم أو كنية، ويكره أن يقول: أنا؛ فعنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه رضي الله عنه قَالَ: اِسْتَأْذَنْت عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟» فَقُلْت: أَنَا، فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَنَا»! كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ. قال ابن حجر: «وذكر ابن الجوزي أن السبب في كراهة قول (أنا) أن فيها نوعا من الكبر، كأن قائلها يقول: أنا الذي لا أحتاج أذكر اسمي ولا نسبي».
وينبغي للمستأذن أن يحترم رغبة من يريد الدخول عليه وخصوصيته، فإذا اعتذر أخوه عن استقباله لأي سبب فعليه أن يرجع دون غضب أو ضيق؛ لأن ذلك أزكى له كما قال تعالى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ}.
قال القرطبي: «وَعَنْ قَتَادَة قَالَ: قَالَ رَجُل مِنْ الْمُهَاجِرِينَ: لَقَدْ طَلَبْت عُمْرِي هَذِهِ الْآيَة فَمَا أَدْرَكْتهَا أَنْ أَسْتَأْذِن عَلَى بَعْض إِخْوَانِي فَيَقُول لِي اِرْجِعْ، فَأَرْجِع وَأَنَا مُغْتَبِط; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ أَزْكَى لَكُمْ}».
قال الماوردي: «وهنا ينظر، فإن كان -رد المستأذن- بعد الدخول عن إذن لزم الانصراف وحرم اللبث، وإن كان قبل الدخول فهو رد للإذن ومنع من الدخول».
نسأل الله تعالى أن يجملنا بأحسن الأخلاق ويرشدنا لأجمل الآداب إنه سميع مجيب.


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.40 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]