عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 31-10-2020, 03:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قانصوه الغَوري السُّلطان الشاعر

قانصوه الغوري

السلطان الشاعر (2)


السلطان قانصوه الغوري شاعرًا:

إن ما يميز شعر السّلطان الغوري هو تلك النَّزعة الإيمانية المنبثقة مِن حنايا قصائده؛ فهو: عبد الله، متقرب إليه، طالب غفرانه، طالب هداه وعونه في سبيل أن يظل سائرًا في الخطى السَّليمة:
لا تؤاخذْ ثم اِغفرْ
ذنبنا وهو عظيم

وهدى منك ولطفًا
للصِّراط المستقيم[1]



وهو يطلب أيضًا مِن الآخرين أن يدعوا الله له بأن يعفو عنه ويغفر له ويحسن عاقبته، فنراه يطلب هذا مِن القاضي أحمد بن فرفور الّذي تبادل وإياه المراسلة شعراً، قائلاً إنَّ غاية قصده أن ينال الدّعاء من قلب مخلص محب:
فناظمُها الغوري غايةُ قصده
دعاء له مِن مخلص القلب يصعد

بعفوٍ وغفرانٍ وحسن عواقب
وخاتمة بالخير وهو يوحد[2]



ويصر السّلطان على الاستغفار الدَّائر في صفة الدّيمومة الّتي لا ترتبط بوقت معين أو مناسبة معينة:
دائمًا استغفر الله العظيم[3]

وهو في خطاب دعائي راجٍ دائم الطَّلب لغفران خطايا ارتُكبت أو لم ترتكب، عرف ارتكابها أو سهي عنه. والحالان: المعرفة والسّهو، يقتضيان طلب الاستغفار ممَّن يغفِر ويقتضيان اللُّجوء إلى صاحب الحلم العظيم القادر على بعث طمأنينة العفو في قلب مَن أخطأ:
الله الله يا إله يا كريم
يا غفور يا شكور يا حليم

قد صدر منا الخطايا والذُّنوب
ربنا، أستغفرُ الله العظيم[4]




وتتجلى النزعة الإيمانية أيضًا في شعره الّذي يذكر فيه الأيام واللَّيالي المباركة حين يدعو فيها إلى الدّعاء والتَّضرع، فهي أيام مباركات يستجاب فيها للمؤمن الصَّادق الإيمان:
لله في أيامنا نفحات
مِن دهرنا تزكو بها الأوقات

فبها ألا فتعرضوا وتضرعوا
فيها تُجاب لكم بها الدّعوات

هذي مواسمُها لنا قد أقبلَتْ
ودنا بموعدِها لنا ميقات[5]



ومن خلال قصيدته هذه، نرى تمسكه القوي بالإسلام وحفاظه على المظاهر والشّعائر الدّينية. ولا عجب؛ فهو الّذي بنى المساجد والمدارس وقرَّر دروس الدّين. وكان مواظبًا على الصَّلاة، شديد الاهتمام بإحياء الموالد النبويةِ والأعياد الدّينية، كثير الالتجاء إلى الله سبحانه[6].

كما كان السّلطان الغوري شديد المحافظة على الأخلاق، فقد أمر النّاس بالابتعاد عن المعاصي، ومنع حمل السِّلاح بعد المغرب، كما أمر بالمواظبة على الصَّلوات الخمس في الجوامع[7].

ومن السّلطان الصّادق الإيمان، اللاجئ أبدًا إلى الله، القائم على أكمل وجه بواجباته، والخائف أيضًا، مِن تقصيره، إلى صورة الوطن في شعره.

والوطن عنده يوازي الملك، والملك عنده مرتبط بالإيمان ارتباطًا وثيقًا؛ فهو نعمة إلهية يجب الحفاظ عليها بشكر معطيها لتدوم سخية. والسّلطان مؤمن أولاً وحاكم ثانيًا، مُعْطى أولاً ومُعطٍ ثانيًا، وإن كان الوصول إلى رضا الله تعالى وكسب عفوه هدف السّلطان أولاً، فالملك عنده ما كان مطمعًا يصبو إليه[8] ويقاتل في سبيل الاستئثار به، بل هو عطاء إلهي ونعمة مِن كريم مِعطاء:
بالملك أنعمَ ربُّنا الرّحمن
وهو الكريمُ المنعِمُ المنان



فهو أمر خُصَّ به مِن قبل الله تعالى ودُعم بنصرةِ الله تعالى. ولعل إيمان السّلطان الشّديد، جعله مطمئنًّا إلى أن حكمَه ثابت، فهو مدعوم مِن القوة الإلهية المعطاء الكريمة المحقَّة وليس قائمًا على شهوات الحكم الإنسانية وما يحيط بها مِن مؤامرات ودسائس، ما جعله يتجه إلى أن يكون قدر العطاء فينشر الخير والرّخاء:
فبِملك مصر وما حواه خصَّنا
وبنصرِهِ ثُبِتت لنا الأركان[9]



ويؤكد السّلطان على وصوله إلى الحكم بشكل هادئ بعيد عن شهوات الحكم وطرقه الملتوية المتعرجة، فقد تسلّم الحكمَ بنزاهة وبنظافة كفٍّ أو ظلم أناس أو ارتكاب عنف، ما جعل حكمه هذا ناصعًا طاهرًا مشرِّفًا، ولمَ لا يكون كذاك وهو مُعطًى من الله تعالى ومُقَدَّرٌ:
قد كان موهبةً بلا سعي ولا
فيه تجرد صارم وسنان[10]

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.54 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.97%)]