عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25-01-2020, 07:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي كيف تربي ولدا كاذبا ؟

كيف تربي ولدا كاذبا ؟
هناء الحمراني


بالطبع لا يرغب الآباء في تربية أبنائهم على الكذب.. وكثيرون منهم حفظوا ووعوا درس "القدوة".. وما لها من أثر في سلوكهم.. فما يفعله الآباء يطبقه الأبناء وينظرون إليهم باعتبارهم المثل الأعلى الذي يتمنون أن يكونوا عليه.. أو يجب أن يكونوا عليه.. أو لا خيار آخر أمامهم إلا أن يكونوا كما كانوا عليه!.
ومع حرص الآباء، إلا أن خلط المفاهيم لدى المربين قد يحفز الطفل على الكذب.. ويصل إلى مرحلة يصطبغ فيها بهذه الصفة والعياذ بالله.
والمشكلة هنا.. أن الوالدين قد لا يكتشفان ذلك إلا بعد أن "يحترف" الابن هذه الخصلة المقيتة.. أو تؤتي ثمارها الفاسدة.. ثم يقولون: "قد عملنا ما علينا.. فكيف صار هكذا؟".
وخلط المفاهيم هنا يعني ألا يفرق الوالدان بين مفهومين منفصلين عن بعضهما انفصالا شديدا.. وهما "الثقة" و"المسئولية"؛ فيضعون الثقة في أبنائهم محل مسئوليتهم تجاههم.. ويتجلى ذلك في الأمور الدينية والدنيوية على السواء.
وبعد أن يكتشف الآباء خيانة أبنائهم للثقة التي أعطوهم إياها يقولون بخيبة: "لم تكونوا أهلا لثقتنا" ويتم نزعها نزعا كاملا.. ليصبح الابن "مشتبها به" مهما فعل.. وكيفما حاول أن يصلح من صورته أمام والديه.
لعل هذا الخلط لا يحدث فقط بين الوالدين والأبناء.. بل أيضا بين المعلمين والطلاب.. وبين كل مسئول ورعيته التي سيسأل عنها يوم القيامة.
وأهم مسئولية يستبدلها الآباء بالثقة.. وبعبارة أوضح أهم مسئولية يحولها الآباء إلى تساهل باسم الثقة.. مسئولية تعويد الأبناء على الصلاة.. فيقوم الأب بقصقصة مسئوليته وحصرها في أمر وسؤال: "قم صل يا ولد".
فيجيب الولد أو البنت بـ"حاضر يا بابا"
وبعد وقت يغيب فيه الأبوان.. يعودان ليسألان: "هل صليت يا ولد؟ ". فيجيب الولد أو البنت بـ"نعم يا بابا"!.
فلا الأب أخذ ابنه معه إلى المسجد.. ولا يدري إن كان رآه في صفوف المصلين أم لا.. ولا الأم تنبهت إن كانت ابنتها قد غادرت مكانها للصلاة.. أو أنها منذ دخول الوقت وإلى خروجه لم تتزحزح قيد أنملة!؛ وبذلك تركن مسئولية "المتابعة" إلى الثقة المعطاة للابن.. فإن قام بها فهو المسئول.. وإن أخل بها فهو الخائن الذي لا يعتمد عليه، ويعيش الوالدان "راحة نفسية" لأنهما قاما بمسئوليتهما تجاه أبنائهما.
في فترة الدراسة.. يحصر الوالدان مسئوليتهما في توفير الأدوات المدرسية.. وفي الأمر: "قم ذاكر" "حل الواجب".
وفي السؤال: "هل ذاكرت؟ " "هل حللت الواجب؟ ".
وفرارا من العقاب.. واطمئنانا بـ"تساهل الأبوين" يكذب.. ويطرز إجاباته بحاضر ونعم.. في نهاية السنة.. يدخل الابن والخيبة من ورائه.. والعقاب من أمامه.. ويعاقب الأبوان ابنهما لأنه مهمل.. ولا مبالي.. ولا عزاء للابن المسكين.. وإذا ما استيقظت ضمائرهما في تلك اللحظة تراشقا الاتهامات بأن "الطرف الآخر" هو السبب و"المسئول".
سيقول الآباء "يا للتنظير.. وأين واجبنا في زرع الثقة في نفوس أبنائنا.. وهل سنقوم بمتابعتهم في كل صغيرة وكبيرة حتى نتأكد من إتمامهم لجميع الأعمال؟ "
فأجيب: "إذا لم يكن هذا واجبنا فواجب من؟ وإذا لم يكن علينا فعل ذلك.. فما هو المطلوب منا لإخراج جيل صالح قادر على تحمل المسئولية بصدق وحقيقة؟ ".
إن زرع الثقة يكون بتحميلهم مسئولية أنفسهم مع المتابعة في الوقت ذاته.. والحرص على عدم حرمانهم مما يحتاجونه من مأكل وملبس ومشرب وحب وتقدير؛ فأما المأكل والملبس فتلك أمور يقدمها كل بحسب قدرته.. وأما الحب والتقدير فتلك من أهم واجباتنا تجاه أبنائنا.
أما أن ننتزع أنفسنا من المسئولية.. ثم نلقي أبناءنا عراة في الماء بلا متابعة.. أو اهتمام.. ونبالغ في حرمانهم.. ثم نقول لهم وبكل اطمئنان: "هل تبللت بالماء؟ ".
فيجيبنا "لا يا بابا".
ثم ينتهي بتخدير ضميره وينام قرير العين.. فذاك واجب من لا يرغب في أن يبذل جهدا في التربية.
ولو تأملنا حالنا في الدوائر الحكومية لوجدنا صورة مؤلمة لواقعنا.. فالمعاملات لا تسير عند إدخال المعاملة إلى الدائرة مباشرة.. بل تحتاج إلى متابعة.. وأن يضع صاحب المعاملة لسانه على مكتب الموظف.. راجيا.. وباكيا.. ساخطا.. أو راضيا.. فكيف نلوم أبناءنا على إهمال متأصل فينا.. ولا ينتزع إلا بتربية مخلصة وواعية.
والتنصل من المسئولية خيار بين أيدينا.. نتيجته لا تعني بالطبع الخلاص من السؤال يوم يجمع الله العباد..
يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان)).
إن في هذا الحديث وغيره من الأدلة المشابهة دليل يؤكد على أن هناك أمورا لا يمكن للمسئولية فيها أن تستبدل بالثقة.. لأن النفس ستضعف لا محالة ما دام الشيطان حاضرا.. والرقابة غائبة.
والثقة مطلب.. وتقديمها إلى الأبناء لا تعني إعفاءنا من مسئولية المتابعة.. وقد كان عمر بن الخطاب يبذل ما في وسعه لإرساء العدل في دولة الإسلام.. ولم يكتف بتعيين الولاة الثقاة والذين هم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. بل تابعهم وأرسل من يسأل عنهم.. وسار في ظلمات الليالي يسأل.. ويرى أحوال رعيته.
إذا قلنا لأبنائنا قوموا إلى الصلاة فلنتابعهم.. ولننظر هل توضئوا.. هل أحسنوا الوضوء.. هل ذهب الولد إلى المسجد.. هل قامت البنت لتصلي؟.. هل أحسنت ارتداء حجابها؟.
ويعم الكلام الدراسة.. والتعامل مع الإنترنت.. واختيار الأصدقاء.. وحتى في خلواتهم.. وفي الأوقات التي يغيبون فيها عن أعيننا.. نحن مسئولون عما يفعلون.
عندها لن نكون بحاجة إلى إجبار أبنائنا على الكذب.. والتغافل بتصديق ما يقولونه في أمور لا يجب الاستهانة بها.. وقد يكونون ضحايا تساهلنا.. وتغافلنا.
ولئن أردنا التفريق بين الأمور التي نحن مسئولون عنها.. والأمور التي لا يد لنا فيها.. فلنتأمل.. "هل سيسألنا الله عن ذلك أم لا؟ "، وسنجد أن المسئولية عظيمة.. والجهد كبير.. وما لا نستطيع إصلاحه بأيدينا فعلينا إصلاحه بالدعاء.. وبذلك نكون نسأل الله أن نكون قد أدينا الأمانة..ونسأله التوفيق والإخلاص والقبول

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.37 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (3.11%)]