عرض مشاركة واحدة
  #708  
قديم 27-06-2008, 07:31 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع .. من أسرار الإعجاز اللغوي والبياني في سورة المدثِّر

ثم عقَّب الله تعالى على هذا تجهيل سقر، وتهويل أمرها بذكر شيء من صفتها أشد هولاً وأعظم، جوابًا عن السؤال السابق:
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ(المدثر: 27)، فقال سبحانه:
﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ(المدثر: 28)
أي: لا تبقي شيئًا فيها إلا أهلكته، وإذا هلك، لم تذره هالكًا حتى يعاد. أو لا تبقي على شيء، ولا تدعه من الهلاك، حتى تهلكه. فكل شيء يطرح فيها هالك لا محالة، وكأنها تبلعه بلعًا، وتمحوه محوًا.
وللدلالة على هذا المعنى جيء بـ﴿لَا ﴾ مكررة بعد الواو العاطفة؛ لأنه لو قيل: لا تبقي وتذر، احتمل وقوع النفي على أحد الفعلين، دون الآخر.
ثم هي بعد ذلك:﴿لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ(المدثر: 29)
أي: مغيِّرة لهم، أو محرقة، بلغة قريش. يقال: لاحته الشمس، ولوَّحته،إذا غيرته. ويقال: لوحَّت الشيءَ بالنار: أحميته بها. وقال ابن عباس- رضي الله عنهما- وجمهور العلماء: معناه: مغيِّرة للبشرات، ومحرقة للجلود، مسودة لها. فالبشر- على هذا- جمع بشرة.
وقال الحسن وابن كيسان:﴿لَوَّاحَةٌ ﴾ بناء مبالغة من لاح يلوح، إذا ظهر. فالمعنى: أنها تظهر للناس- وهم البشر- من مسيرة خمسمائة عام؛ وذلك لعظمها وهولها وزفيرها. وقرىء:﴿لَوَّاحَةً، بالنصب على الاختصاص، للتهويل.
ثم إن:﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ(المدثر: 30)ملكًا هم خزنة جهنم، المحيطون بها، المدبرون لأمرها، القائمون على تعذيب أهلها، الذين إليهم جماع أمر زبانيتها، باتفاق العلماء جميعهم.
وهكذا تتلاحق الآيات سريعة الجريان، منوعة الفواصل والقوافي، يتئد إيقاعها أحيانًا، ويجري لاهثًا أحيانًا، وبخاصة عند تصوير المشهدين الأخيرين: مشهد هذا المكذب، وهو يفكر، ويقدر، ويعبس، ويبسر.. ومشهد سقر، التي لا تبقي ولا تذر، ملوحة للبشر!
وواضح من ذلك كله أن الغرض من نزول هذه السورة الكريمة هو تكليف محمد صلى الله عليه وسلم بأن يكون نذيرًا للبشر من عذاب الله تعالى. والإنذار يحتاج إلى دليل تقام به الحجة. والدليل- هنا- هو المعجزة. والمعجزة في قوله تعالى:
﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ(المدثر: 30)
وروي أنه لما نزلت هذه الآية، قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم أمهاتكم! أسمع ابنَ أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر، وأنتم الدهر! أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم ؟ فقال أبو الأشدِّ بن أسيد بن كلدة الجُمَحِيِّ، وكان شديد البطش: أنا أكفيكم سبعة عشر، فاكفوني أنتم اثنين. فأنزل الله تعالى قوله:
﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً(المدثر: 31)
وأصحاب النار هم التسعة عشر ملكًا. والجمهور على أن المراد بهم النقباء، الذين إليهم جماع زبانيتها- كما تقدم- وإلا فقد جاء:يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها.
وكان ظاهر الكلام يقتضي أن يقال:﴿وَمَا جَعَلْنَاهم؛ ولكنه وضع الاسم الظاهر موضع الضمير؛ وكأن ذلك لما في هذا الاسم الظاهر من الإشارة إلى أنهم المدبرون لأمرها، القائمون بتعذيب أهلها ما ليس في الضمير. وفي ذلك إيذان بأن المراد بسقر: النار مطلقًا، لا طبقة خاصة منها، وعليه يكون المعنى: وما جعلناهم إلا ملائكة، لا يطاقون، فهم من ذلك الخلق المغيَّب، الذي لا يعلم طبيعته، وقوته إلا الله تعالى، وقد وصفهم الله سبحانه بقوله:
﴿غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾(التحريم: 6)
فقرر سبحانه وتعالى: أنهم غلاظ شداد، يطيعون ما يأمرهم به الله، وأن بهم القدرة على فعل ما يأمرهم؛ فهم- إذًا- مزودون بالقوة، التي يقدرون بها على كل ما يكلفهم الله تعالى به. فإذا كان قد كلفهم القيام على سقر، فهم مزودون من قبله سبحانه بالقوة المطلوبة لهذه المهمة، كما يعلمها الله، فلا مجال لقهرهم، أو مغالبتهم من هؤلاء البشر! وما كان قول الكافرين عن مغالبتهم إلا وليد الجهل الغليظ بحقيقة خلق الله، وتدبيره للأمور.
وقيل: لم يجعلهم الله تعالى بشرًا؛ بل جعلهم ﴿مَلَائِكَةً ﴾؛ ليخالفوا جنس المعذبين من الجن والإنس، فلا يأخذهم ما يأخذ المجانس من الرأفة والرقة، ولا يستروحون إليهم؛ ولأنهم أقوم من البشر بحق الله عز وجل، وبالغضب له تعالى، ولأنهم أشد الخلق بأسًا وأقواهم بطشًا.
وعن عمرو بن دينار:واحد منهم يدفع بالدفعة الواحدة في جهنم أكثر من ربيعة ومضر . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في وصفهم:كأن أعينهم البرق، وكأن أفواهم الصياصي، يجرون أشعارهم، لأحدهم مثل قوة الثقلين، يسوق أحدهم الأمة وعلى رقبته جبل، فيرمي بهم في النار، ويرمي بالجبل عليهم.
ثم أخبر تعالى عن الحكمة التي جعل من أجلها عدتهم تسعة عشر، فقال سبحانه:
﴿وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا(31).
أي: ما جعلنا عددهم تسعة عشر إلا فتنة للذين كفروا، ووسيلة إلى استيقان الذين أوتوا الكتاب، وزيادة في إيمان الذين آمنوا، وحفظًا من ارتياب أهل الكتاب والمؤمنين، وداعيًا إلى تقوُّل أهل الكفر والنفاق:
﴿مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا
فهذه خمس حكم من جعل عددهم: تسعة عشر.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يكون هذا العدد المخصص بـ﴿تِسْعَةَ عَشَرَ ﴾فتنة للذين كفروا، ووسيلة إلى استيقان الذين أوتوا الكتاب، وازدياد الذين آمنوا إيمانًا، وحفظًا من ارتياب أهل الكتاب والمؤمنين، وداعيًا إلى تقول أهل النفاق والكفر ما قالوا ؟!
فأما كون هذا العدد فتنة وابتلاء للذين كفروا فالجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أن الذين كفروا يستهزئون، ويقولون: لمَ لمْ يكونوا عشرين، أو ثمانية عشر مثلاً ؟ وذلك لأن حال هذا العدة الناقصة واحدًا من عقد العشرين أن يفتتن بها من لا يؤمن بالله وبحكمته، ويعترض ويستهزىء، ولا يذعن إذعان المؤمن، وإن خفي عليه وجه الحكمة.
والوجه الثاني: أنهم يقولون: كيف يكون هذا العدد القليل وافيًا بتعذيب أكثر الخلق من الجن والإنس، من أول خلق آدم إلى يوم القيامة ؟
وأما كونه وسيلة إلى استيقان الذين أوتوا الكتاب فلأنه مطابق لما عندهم في التوراة والإنجيل. فإذا سمعوا به في القرآن، استيقنوا أنه منزل من عند الله تعالى، ومصدق لما بين يديهم. وهذا مما يشهد لقومهم على صدق ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم، وما ادعاه لإيمانهم وتصديقهم !
وأما كونه وسيلة إلى ازدياد الذين آمنوا إيمانًا فإن المؤمنين كلما جاءهم أمر عن ربهم، صدقوه، وإن لم يعلموا حقيقته، اكتفاء بأنه من عند الله تعالى؛ لأن قلوبهم مفتوحة موصولة تتلقى الحقائق تلقيًا مباشرًا. وكل حقيقة ترد إليها من عند الله تزيدها أنسًا بالله، وتزيد قلوبهم إيمانًا، فتستشعر بحمكة الله في هذا العدد، وتقديره الدقيق في الخلق .
ولمَّا أثبت الله تعالى بذلك العدد الاستيقان لأهل الكتاب، وزيادة الإيمان للمؤمنين، جعله حفظًا لهم من الوقوع في الريبة، فجمع لهم بذلك: إثبات اليقين، ونفي الريب. وإنما فعل ذلك؛ لأنه آكد وأبلغ لوصفهم بسكون النفس، وثلج الصدر؛ ولأن فيه تعريضًا بحال من عَداهم؛ كأنه قال: ولتخالف حالهم حال الشاكين المرتابين من أهل النفاق والكفر.
وإنما لم ينظم المؤمنين في سلك أهل الكتاب في نفي الارتياب؛ حيث لم يقل: ولا يرتابوا، للتنبيه على تباين النفيين حالاً؛ فان انتفاء الارتياب من أهل الكتاب مقارن لما ينافيه من الجحود، ومن المؤمنين مقارن لما يقتضيه من الإيمان، ولا يخفى ما بينهما من الفرق.
والتعبير عن المؤمنين باسم الفاعل ﴿الْمُؤْمِنُونَ، بعد ذكرهم بالموصول والصلة الفعلية المنبئة عن الحدوث ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا، للإيذان بثباتهم على الإيمان بعد ازدياده ورسوخهم فيه.
وأما كونه داعيًا إلى تقوُّل أهل النفاق والكفر:﴿مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا؟ فإن هذه السورة الكريمة مكية، ولم يكن بمكة يومئذ نفاق؛ وإنما نجم النفاق بالمدينة، فأخبر الله تعالى أن النفاق سيحدث في قلوب هؤلاء في المدينة بعد الهجرة. وعلى هذا تصير هذه الآية الكريمة معجزة؛ لأنها إخبار عن غيب سيقع، وقد وقع على وفق الخبر، فكان معجزًا.
وتعقيبًا على قولهم هذا قال الزمخشري:فإن قلت: قد علل جعلهم تسعة عشر بالاستيقان، وانتفاء الارتياب، وقول المنافقين والكافرين ما قالوا، فهب أن الاستيقان، وانتفاء الريب يصح أن يكونا غرضين، فكيف صح أن يكون قول المنافقين والكافرين غرضًا ؟ قلت: أفادت اللام معنى العلة والسبب، ولا يجب في العلة أن تكون غرضًا؛ ألا ترى إلى قولك: خرجت من البلد مخافة الشر ؟ فقد جعلت المخافة علة لخروجك، وما هي بغرضك .
أراد اللام التي في قوله تعالى:
﴿وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ.
قال الألوسي:وفي الحواشي الشهابية: إنما أعيدت اللام فيه، للفرق بين العلتين؛ إذ مرجِّح الأولى الهداية المقصودة بالذات، ومرجِّح هذه الضلال المقصود بالعرض الناشيء من سوء صنيع الضالين .
وقولهم:﴿مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا؟ إنما سموه مثًُلآ- على ما قال الزمخشري- لأنه استعارة من المثل المضروب؛ لأنه مما غرُب من الكلام وبدُع، استغرابًا منهم لهذا العدد، واستبعادًا له.
وقيل: لمَّا استبعدوه، حسبوه مثلاً مضروبًا؛ كما حسبه كذلك بعض الباحثين المعاصرين، ممن ألفوا في أمثال القرآن. والمعنى: أي شيء أراد الله بهذا العدد العجيب ؟ وأي غرض قصد في أن جعل الملائكة تسعة عشر، لا عشرين سواء ؟ ومرادهم: إنكاره من أصله، وأنه ليس من عند الله، وأنه لو كان من عند الله، لما جاء بهذا العدد الناقص.
وهكذا تترك الحقيقة الواحدة أثرين مختلفين في القلوب المختلفة. فبينما الذين أوتوا الكتاب يستيقنون، والذين آمنوا يزيدون إيمانًا، إذا بضعاف القلوب، والذين كفروا في حيرة يتساءلون:
﴿مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا؟
فهم لا يدركون حكمة هذا الأمر الغريب، ولا يسلمون بحكمة الله المطلقة في تقدير كل خلق، ولا يطمئنون إلى صدق الخبر، والخير الكامن في إخراجه من عالم الغيب إلى عالم الشهادة.
ولهذا أشاروا إليه بقولهم:﴿هَذَااستحقارًا للمشار إليه، واستبعادًا له؛ كقولهم:﴿أهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً(الفرقان:41)
وهذا هو حال القلوب عند ورود الحق المنزل عليها: قلب يفتتن به كفرًا وجحودًا، وقلب يزداد به إيمانًا وتصديقًا.
وهنا يجيئهم الجواب في صورة التهديد والتحذير بما وراء ما سمَّوْه:﴿مَثلاًمن تقدير وتدبير؛ وذلك قوله تعالى:
﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾(المدثر: 31)
وهو إشارة إلى ما قبله من معنى الإضلال والهداية. أي: مثل ذلك المذكور من الإضلال والهداية يضل المنافقين والكافرين حسب مشيئته، ويهدي المؤمنين حسب مشيئته.فكل أمر مرجعه في النهاية إلى مشيئة الله تعالى المطلقة، التي ينتهي إليها كل شيء. ومشيئته سبحانه تابعة لحكمته.
وقد جاء هذا المعنى موضحًا في آيات أخر؛ منها قوله تعالى:
﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ( إبراهيم: 27)
أي: يفعل ما توجبه الحكمة؛ لأن مشيئة الله تعالى تابعة للحكمة من تثبيت الذين آمنوا، وتأييدهم، وعصمتهم عند ثباتهم وعزمهم، ومن إضلال الظالمين وخذلانهم، والتخلية بينهم، وبين شأنهم عند زللهم.
ففعله تعالى كله حسن؛ لأنه مبني على الحكمة والصواب. فأما المؤمنون فيسلمون بحكمة الله تعالى، ويذعنون لمشيئته، لاعتقادهم أن أفعال الله تعالى كلها حسنة وحكمة، فيزيدهم ذلك إيمانًا. وأما الكافرون فينكرون أفعاله سبحانه، ويشكون فيها؛ لأنهم لا يدركون حكمة الله تعالى فيها، فيزيدهم ذلك كفرًا وضلالاً.
وفي وضع الفعلين ﴿يُضِلُّ, ويَهْديموضع المصدر إشعار بالاستمرار التجددي. والمضارع يستعمل له كثيرًا؛ ففي التعبير به- هنا- إشارة إلى أن الإضلال والهداية لا يزالان يتجددان ما تجدد الزمان.
وقال تعالى:﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ(المدثر:31)؛ لأن علم ذلك من الغيب. والمراد: علم حقيقتها، وصفاتها، ووظائفها، وأعدادها. والله تعالى يكشف عما يريد الكشف عنه من أمر جنوده، وقوله هو الفصل في شأنهم.
وليس لقائل بعده أن يجادل، أو يحاول معرفة ما لم يكشف الله تعالى عنه؛ إذ فلا سبيل لأحد إلى معرفة ذلك، ولو إجمالاً، فضلاً عن الاطلاع على تفاصيل أحوالها، من كم وكيف ونسبة !
وروى أن إبراهيم- عليه السلام- لما خرج من النار، أحضره نمرود، وقال له في بعض قوله: يا إبراهيم! أين جنود ربك الذي تزعم ؟ فقال له عليه السلام: سيريك فعل أضعف جنوده. فبعث الله تعالى على نمرود وأصحابه سحابة من بعوض، فأكلتهم عن آخرهم ودوابهم؛ حتى كانت العظام تلوح بيضاء، ودخلت منها بعوضة في رأس نمرود، فكان رأسه يضرب بالعيدان وغيرها، ثم هلك منها.
قال الألوسي:وهذه الآية وأمثالها من الآيات والأخبار تشجع على القول باحتمال أن يكون في الأجرام العلوية جنود من جنود الله تعالى، لا يعلم حقائقها وأحوالها إلا هو عز وجل. ودائرة ملك الله جل جلاله أعظم من أن يحيط بها نطاق الحصر، أو يصل إلى مركزها طائر الفكر .
وقوله تعالى:﴿وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَر(المدثر: 31)
إما أن يعود على:﴿جُنُود رَبِّكَ. أو يعود على:﴿سَقَرَ وَمَنْ عَليْهَا من جنود ربك ﴾. أي: وما جنود ربك، أو: وما سقر، ومن عليها إلا ذكرى للبشر. وذكراها للبشر؛ إنما جاء، للتنبيه والتحذير، لا ليكون موضوعًا للجدل ! والقلوب المؤمنة هي التي تتعظ بالذكرى، أما القلوب الضالة فتتخذها جدلاً.
وقد يكون فيما قاله علماء الإعجاز العددي في تفسير هذه الآية الكريمة ما يكشف عن حقيقة هذا العدد.. والله تعالى أعلم، له الحمد في السموات والأرض، وهو بكل شيء عليم !
الأستاذة: رفاه محمد علي زيتوني
مدرسة لغة عربية- حلــــب
[email protected]
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.04 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.56%)]