عرض مشاركة واحدة
  #26  
قديم 07-07-2020, 04:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,934
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (26)

صـــــ180 إلى صــ188

قوله رحمه الله: [والنّيةُ شَرْطٌ]: الشرط في اللغة: العلامة.
وأما في اصطلاح العلماء: (فما يلزم من عَدمِه العدمُ، ولا يلزم من وجُوده الوجود).
مثال ذلك: الوضوء شرط لصحة الصلاة يلزم من عدم الوضوء عدم صحة الصلاة، لأننا نقول إنه شرط لصحة الصلاة، ولا يلزم من وجود الوضوء وجود الصلاة؛ فإن الإنسان قد يتوضأ،
ولا يصلي هذا معنى قولهم:
[ما يلزمُ من عدمِه العدمُ، ولا يلزم من وجودِه الوجود].
وقوله:
[شَرْطٌ لطهارةِ الأحْداثِ كُلِّها]: فيه عموم،
وذلك في قوله:
[كلّها]، فشمل الأحداث الصغرى والكبرى، فكلّها تشترط النية فيها، وهذه مسألة خلافية إختلف فيها جمهور العلماء مع الإمام أبي حنيفة، وأصحابه رحمة الله على الجميع؛ فالجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة،
والظاهرية يرون:
أن الوضوء، والغسل لا يصحّ إلا بالنية، فمن توضأ بنية التَّبرد، وكان عليه حدث أصغر؛ فإنه لا يجزيه، وهكذا لو إِغتسل تبرداً، أو نظافة، وعليه جنابة.
وذهب الإمام أبو حنيفة،
وأصحابه إلى:
أن الوضوء، والغسل يصحّ كلٌ منهما بدون نية، فإذا توضأ، أو اغتسل بدون نية رفع الحدث، أو كان قاصداً النظافة؛ فإنه يجزيه، ويصحُّ منه.
واحتج الجمهور بدليل الكتاب، والسُّنة، والعقل.
أما دليل الكتاب فقوله تعالى:
{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} وجه الدلالة: أن الوضوء عبادة، فلا يصح إلا بنية،
وكذلك قوله سبحانه:
{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (1)، والدليل على كونه عبادة أنه غَسْل للأعضاء على صفة مخصوصة، ولذلك أمر بغسل بعض الأعضاء ومسح بعضها، ولو كان عبادة معقولة المعنى لما جاء على هذا الوجه.
وأما دليل السُّنة:
فحديث عمر رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال:
[إنما الأعْمالُ بالنِّيات، وإنما لِكُلِّ إمْرئٍ مَا نَوى] ووجه الدلالة: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيّن في هذا الحديث أن صحة الأعمال موقوفة على النية، والوضوء عمل، فلا يصح إلا بنية.
كذلك إستدلوا بما ثبت في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام:
[الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمانِ] فوصف الطهور، (وهو الطهارة من الحدث بنوعيها الوضوء، والغسل) بكونه شطر الإيمان، والمراد به الصلاة،
لأن الله سمى الصلاة إيماناً كما في قوله سبحانه:
{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أي: صلاتكم التي توجهتم فيها إلى بيت المقدس.
فإذا ثبت بدليل السنة أنّ كُلاًّ من الوضوء، والغسل شطرَ الصّلاة؛ فإن الصّلاة بالإجماع تُشترط لها النِّية فلزمت النية في شطرها،
وهو الطُّهورُ أعني:
الوضوء، والغسل.
وأما دليلهم من العقل؛
فالقياس حيث قالوا:
تجب النِّية في الوضوء، والغسل كما تجب في التيمُّم؛ بجامع كون كل منهما طهارة تُسْتَباح بها الصلاة.
هذا حاصل ما استدل به الجمهور من دليل النّقل، والعقل.
أما الإمام أبو حنيفة -رحمة الله عليه-،
وأصحابه فدليلهم العقل حيث قالوا:
إن الوضوء، والغسل كلٌّ منهما عبادة معقولة المعنى، وهو وسيلة، وليس بمقصد، والوسائل لا تشترط لها النية إجماعاً، ولذلك قالوا يصح الوضوء بدون نية،
وقولهم وسيلة أي: أنه يتوصل به إلى فعل العبادة لا أنه عبادة بذاته فيكون حينئذ مثل ما لو ركب دابة ليصل إلى المسجد لم تجب عليه النية، ولم تلزمه كذا هنا.
والذي يترجح في نظري والعلم عند الله: هو القول باشتراط النية لصحة الوضوء، والغسل لِصِحَّة دلالة النقل، والعقل على ذلك، وما ذكروه غير مسلم، وقد بيّنا دلالة النقل على اعتبار الوضوء، والغسل عبادةً لا وسيلة معقولة المعنى والله أعلم.
(1) البينة، آية: 5.
*****************************
ثم هذه النية لها ضوابط:
أولاً:
أنه ينبغي أن تقع قبل البداءة بالعبادة، دون فاصل مؤثر، أو عند البداءة بها مصاحبة دون سبق من أول الفعل المفروض في أول الطهارة،
وذلك لقوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (1) أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم والأمر بغسل الوجه لا يتأتى إلا بعد نيته، وتكون مُصاحبةً لأول مفروضٍ، أو واجب فإذا قام الإنسان من النوم تكون نيته عند غسله لكفيه فتكون النية عند إرادته لغسل الكفين، وإن كان في نهاره تلزمه النية عند غسله لوجهه فلو عزبت عنه قبل ذلك صحَّ وضوءه؛ لأنها تجب عند أول مفروض، ولكن بالنسبة لما قبل المفروض الأول لا يتحقق فيه الثواب كما قرره العلماء -رحمة الله عليهم- إلا بالنّية.
ثانيًا: النّية في الوضوء إما أن ينوي النية العامة، أو الخاصة؛
فالأول:
نيّته لرفع الحدث،
والثاني:
نيّته لاستباحة محظور على المحدث مثل: الصلاة، والطواف، ونحوهما، فإذا نوى رفع الحدث؛ فلا إشكال في جواز فعله لجميع ما تشترط لها الطهارة، دون تفصيل؛ لأن حدثه إرتفع فزال الحاظر عن الجميع.
وأما إذا نوى إستباحة المحظور؛ فإنه يختلف بحسب اختلافه، فإما أن يكون أعلى؛ كالصلاة المفروضة.
وإما أن يكون أدنى؛ كلمس المصحف، وعليه فإمّا أن ينوي الأعلى، ويندرج تحته الأدنى، أو ينوي الأدنى ولا يندرج تحته الأعلى، وإما أن ينوي المساوي، وفيه تفصيل.
فأما إذا نوى الأعلى فمثاله: الصلاة المفروضة فإنها أعلى من غيرها، وهو النافلة، وصلاة الجنائز، والطواف، ومس المصحف، وسجود التلاوة.
فإذا نواها (أي الفريضة) صح له أن يصلي جميع ما دونها، كراتبتها القبلية، والبعدية، وغيرها من النوافل، وهكذا الطواف، ولمس المصحف، وبقية ما تشترط له الطهارة.
وأما إذا نوى الأدنى: فإنه لا يجوز له أن يستبيح به ما هو أعلى مثل: أن ينويه لنافلة لم يصحّ أن يصلي به فرضاً.
وأما إذا نوى المساوي: فيصح في حال يكون فيها مساوياً في مطلق الوصف مثل الفريضة المقضِيّة فلو دخل وقت فريضة الظهر، وكان عند وضوئه قد نواها، ثم تذكّر أنه لم يصلّ الفجر صحَّ له أن يصلي بذلك الوضوء الفجر، والظهر، وهكذا الحال في النوافل.
واستدل من قال بهذا التفصيل بحديث عمر رضي الله عنه في الصحيحين، والذي تقدمت الإشارة إليه وإلى دلالته على المسألة.
وقد أشار بعضهم إلى هذه الأحوال في النِّية بقوله:
ولْيَنْوِ رَفْعَ حَدَثٍ أَوْ مُفْتَرَضْ ... أَوْ إِسْتِبَاحةً لِممْنُوعٍ عَرَضْ وذهب آخرون إلى أنه إذا توضأ للمسنون، والمستحب، والمفروض فإنه لا فرق وتجزيه هذه النيّة عن الكلّ، لأن الحدث عندهم يرتفع بالطهارة، بِغضِّ النظر عن نوعية النية،
ويشهد لذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
[لا يَقْبلُ الله صَلاةَ أَحدِكُم إِذَا أَحْدَثَ حَتّى يَتَوضأ] فإذا توضأ للمسنون، أو المستحب، ناسياً رفع الحدث؛ فإنه يُحكم بإرتفاع حدثه،
وهذا ما مشى عليه المصنف رحمه الله وذلك بقوله:
[فَإِنْ نَوى ما تُسَنُّ لَهُ الطهارةُ، أو تَجْدِيداً مَسْنُوناً؛ نَاسِياً رَفعَ حَدثِه؛ إِرْتَفَعَ، وإِنْ نَوى غُسْلاً مَسْنُوناً أَجْزَأَ عَنْ وَاجِبٍ]، والقول الأول مذهب المالكية، والشافعية، وهو الأقوى من حيث الدليل؛ الذي دلّ على إعتبار النيّة،
والقول الثاني الذي مشى عليه المصنف هو مذهب الحنابلة رحمهم الله، وأما الحنفية فلا إشكال عندهم، لأن النية ليست واجبة في الوضوء، والغسل، فلا فرق عندهم.
ومذهب القائلين بالتفصيل ألزم للأصل، وأقوى من حيث الدليل،
لأن حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
[لا يَقْبلُ الله صلاةَ أَحدِكُم إِذَا أَحْدَثَ حتّى يتوضّأ] إذا أخذ بظاهره قد يستدل به على إسقاط النية أيضاً، فإذاً لا وجه للأخذ بعمومه في نية الطهارة، وحديث النية وهو حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه مقدّم عليه، في اعتبار النية في الطهارة، وكذلك مقدّم عليه في تعيين النية، وهي مسألتنا،
وقوله عليه الصلاة والسلام:
[وإِنما لِكلّ امرئٍ مَا نوى] دالّ على أن من نوى الأدنى لم يجز له أن يستبيح الأعلى على التفصيل الذي قدمناه، والله أعلم.
قوله رحمه الله: [وإن نوى غُسْلاً مسْنوناً أجزأ عن واجب]: وإن نوى غسلاً مسنوناً كغسل العيدين أجزأ عن واجب كالحدث وتقدم وجهه أن الحدث يرتفع بالمسنون، وهكذا المستحب بناء على وجود النية التي تصلح لرفع الحدث بغضِّ النّظر عن وصفها.
قوله رحمه الله: [وكَذا عَكْسُه]: يعني لو نوى الأعلى لاندرج الأدنى، وهذا صحيح قولاً واحداً عند العلماء -رحمة الله عليهم-، والخلاف إذا نوى الأدنى هل يرفع الحدث فيستبيح الأعلى، أو لا؟
قلنا الصحيح: أنه لا يستبيح.
وإن نوى الأعلى إِندرج تحته الأدنى، وصح له أن يصلي ما دونه كأن ينوي صلاة الظهر جاز له أن يوقع النوافل قبلها، وبعدها.
قوله رحمه الله:
[وإِنْ إِجْتَمعتْ أحداث تُوجِبُ وضوءاً، أو غُسْلاً؛ فَنَوى بطهارته أحدهما إرتفع سائرها]: معناه أن من أحدث أكثر من حدث أصغر أو أكبر إندرج بعضها تحت بعض، وأجزأت عنها طهارة واحدة، سواءً نوى رفعها كلها، أو نوى رفع بعضها،
فمثاله في الحدث الأصغر:
إذا بال، وتغوّط، وخرج منه الريح، فتوضأ ناوياً رفع حدث البول إرتفع الحدث عن الجميع، لأنه بنيته لرفع الحدث إرتفع حدثه في الكلّ.
وهكذا الحال في الطّهارة الكُبرى مثل: أن يحتلم، ثم يجامع أهله، أو العكس، فإنه إذا اغتسل ناوياً رفع حدث الجنابة إرتفع الحدث الأكبر كلّه، ولم يتبعض، وفي هذه المسألة وجد الأصل الموجب لارتفاع الحدث، فأجزأ عن الكل، واعتبرت للجميع النية الواحدة، من باب الحكم الوضعي.
قوله رحمه الله: [ويَجِبُ الإِتْيانُ بها عِنْد أَوّلِ وَاجباتِ الطهارةِ]: بعد أن بيّن لنا مضمون النية في الطهارة شرع -رحمه الله- في بيان موضع النية، ومكانها.
فقال رحمه الله: [ويجب الإتيان بها عند أوّل واجباتِ الطهارة]: يجب الإتيان بالنّية عند أوّلِ واجبات الطهارة،
فأوّل واجبات الوضوء إن كان مستيقظاً من النوم:
أن يغسل كفّيه ثلاثاً؛ فيجب عليه أن يأتي بالنية عند أول هذا الواجب.
وإن قلنا بوجوب المضمضة، والإستنشاق: فإنه في حالة ما إذا كان في غير الإستيقاظ من النوم تكون نيّته عند إرادته المضمضة، والإستنشاق، وإن قلنا بعدم وجوب المضمضة، والإستنشاق، فإن أول مفروض بالإجماع هو الوجه، فتكون نيته عند غسله للوجه، فإن سبقت النية هذا الواجب،
فلا يخلو سبقها:
إما أن يكون بالزمن اليسير، أو الكثير، فإن كان سبقها بفاصل يسير، فإنه لا يؤثر قياساً على الصلاة،
وسائر العبادات مثل:
أن ينوي رفع الحدث، ثم يحرك الإناء، أو يفتح الصنبور، ثم يشرع في طهارته، فهذا الفاصل بالزمن اليسير مغتفر.
وأما إن كان الفاصل بالزمن الكثير؛ فإنه يعتبر مؤثراً، مثل: أن ينوي الطهارة، ثم يتحدّث مع غيره ساعة، ثم يتوضأ، دون تجديدٍ للنِّية فإن هذا الفاصل موجب لعدم الإعتداد بنيته الأولى؛ لأن مُضِي هذا القدر من الزمان المؤثر يوجب إلغاء النّية؛ كالحال في الصلاة، والعبادات.
قوله رحمه الله: [وهو التَّسْمِيةُ]: المصنف إختار وجوبها، وبناء على القول بوجوب التسمية تكون النية عند التسمية وهناك قول في وجوب التسمية يفصّل بين نسيانها، وعدم نسيانها فإنْ نسيها، ونوى عند غسله لكفّيه صحَّ وضوءه على القول بأن النسيان يسقط المطالبة، والمؤاخذة كما سبق بيانه عند ذكر مسألة التسمية.

(1) المائدة، آية: 6.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.09 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.35%)]