عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-11-2019, 04:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي كعب بن زهير يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم

كعب بن زهير يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم
طاهر العتباني
(1) تعتبر قصيدة كَعْبِ بن زُهَيْر في مَدْح الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمشهورة بمطلعها "بانت سعاد" مِن طلائع الشِّعر الإسلامي، ومن طلائع ما وعَتْه الذاكرة الأدبيَّةُ في مدح الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - وقد كان من أسباب قولِ كعبٍ لها بين يدَيْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّ بجيرًا أخا كعب بن زهير أسلم قبل كعب، وأرسل إليه أبياتًا يقول فيها:
فَمَنْ مُبْلِغٌ كَعْبًا؟ فَهَلْ لَكَ فِي الَّتِي *** تَلُومُ عَلَيْهَا بَاطِلاً وَهْيَ أَحْزَمُ
إِلَى اللهِ - لاَ العُزَّى وَلاَ اللاَّتِ - وَحْدَهُ *** فَتَنْجُو إِذَا كَانَ النَّجَاءُ وَتَسْلَمُ
لَدَى يَوْمِ لاَ يَنْجُو وَلَيْسَ بِمُفْلِتٍ *** مِنَ النَّاسِ إِلاَّ طَاهِرُ القَلْبِ مُسْلِمُ
فَدِينُ زُهَيْرٍ وَهْوَ لاَ شَيْءَ دِينُهُ *** وَدِينُ أَبِي سُلْمَى عَلَيَّ مُحَرَّمُ
فما كان من كعب بعد أن ضاقت عليه الأرض بما رَحُبت - وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد أهدر دمَه - إلاَّ أن جاء مُسلمًا مستخفيًا حتَّى دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنشدها بين يديه.
وقبل أن نتناول القصيدة بالتَّحليل والعرض، نَعْرِض القصيدة كاملةً بين يدَيْ حديثِنا عنها، ونقسمها إلى مقاطع؛ بحسب موضوعاتها، من خلال رؤيتنا التحليليَّة.
القصيدة:
(1) مقدمة غزلية:
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي اليَوْمَ مَتْبُولُ *** مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ
وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ البَيْنِ إِذْ رَحَلُوا *** إِلاَّ أَغَنُّ غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ
تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إِذَا ابْتَسَمَتْ *** كَأَنَّهُ مُنْهَلٌ بِالرَّاحِ مَعْلُولُ
شُجَّتْ بِذِي شَبَمٍ مِنْ مَاءِ مَحْنِيَةٍ *** صَافٍ بِأَبْطَحَ أَضْحَى وَهْوَ مَشْمُولُ
تَنْفِي الرِّيَاحُ القَذَى عَنْهُ وَأَفْرَطُهُ *** مِنْ صَوْبِ سَارِيَةٍ بِيضٌ يَعَالِيلُ
أَكْرِمْ بِهَا خُلَّةً لَوْ أَنَّهَا صَدَقَتْ *** مَوْعُودَهَا أَوْ لَوَ انَّ النُّصْحَ مَقْبُولُ[1]
لَكِنَّهَا خُلَّةٌ قَدْ سِيطَ مِنْ دَمِهَا *** فَجْعٌ وَوَلْعٌ وَإِخْلاَفٌ وَتَبْدِيلُ
فَمَا تَدُومُ عَلَى حَالٍ تَكُونُ بِهَا *** كَمَا تَلَوَّنُ فِي أَثْوابِهَا الغُولُ
وَلاَ تَمَسَّكُ بِالعَهْدِ الَّذِي زَعَمَتْ *** إِلاَّ كَمَا يُمْسِكُ الْمَاءَ الغَرَابِيلُ
فَلاَ يَغُرَّنْكَ مَا مَنَّتْ وَمَا وَعَدَتْ *** إِنَّ الأَمَانِيَّ وَالأَحْلاَمَ تَضْلِيلُ
كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلاً *** وَمَا مَواعِيدُهَا إِلاَّ الأَبَاطِيلُ
أَرْجُو وَآمُلُ أَنْ تَدْنُو مَوَدَّتُهَا *** وَمَا إِخَالُ لَدَيْنَا مِنْكِ تَنْوِيلُ
أَمْسَتْ سُعَادُ بِأرْضٍ لاَ يُبَلَّغُهَا *** إِلاَّ العِتَاقُ النَّجِيبَاتُ الْمَرَاسِيلُ
(2) في وصف الناقة:
وَلَنْ يُبَلِّغَهَا إِلاَّ غُذَافِرَةٌ *** لَهَا عَلَى الأَيْنِ إِرْقَالٌ وَتَبْغِيلُ
مِنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذِّفْرَى إِذَا عَرِقَتْ *** عُرْضَتُهَا طَامِسُ الأَعْلاَمِ مَجْهُولُ
تَرْمِي الغُيوبَ بِعَيْنَيْ مُفْرَدٍ لَهِقٍ *** إِذَا تَوَقَّدَتِ الْحِزَّانُ وَالْمِيلُ
ضَخْمٌ مُقَلَّدُهَا فَعْمٌ مُقَيَّدُهَا *** فِي خَلْقِهَا عَنْ بَنَاتِ الفَحْلِ تَفْضِيلُ
غَلْبَاءُ وَجْنَاءُ عَلْكُومٌ مُذَكَّرَةٌ *** فِي دَفِّهَا سَعَةٌ قُدَّامُهَا مِيلُ
وَجِلْدُها مِنْ أُطُومٍ لاَ يُؤَيِّسُهُ *** طِلْحٌ بِضَاحِيَةِ الْمَتْنَيْنِ مَهْزُولُ
حَرْفٌ أَخُوهَا أَبُوهَا مِنْ مُهَجَّنَةٍ *** وَعَمُّهَا خَالُهَا قَوْدَاءُ شِمْلِيلُ
يَمْشِي القُرَادُ عَلَيْهَا ثُمَّ يُزْلِقُهُ *** مِنْهَا لَبَانٌ وَأَقْرَابٌ زَهَالِيلُ
عَيْرَانَةٌ قُذِفَتْ بِالنَّحْضِ عَنْ عُرُضٍ *** مِرْفَقُهَا عَنْ بَنَاتِ الزُّورِ مَفْتُولُ
كَأَنَّمَا فَاتَ عَيْنَيْهَا وَمَذْبَحَهَا *** مِنْ خَطْمِهَا وَمِنَ اللَّحْيَيْنِ بِرْطِيلُ
تُمِرُّ مِثْلَ عَسِيبِ النَّخْلِ ذَا خُصَلٍ *** فِي غَارِزٍ لَمْ تُخَوِّنْهُ الأَحَالِيلُ
قَنْوَاءُ فِي حُرَّتَيْهَا لِلبَصِيرِ بِهَا *** عِتْقٌ مُبِينٌ وَفِي الْخَدَّيْنِ تَسْهِيلُ
تُخْدِي عَلَى يَسَرَاتٍ وَهْيَ لاَحِقَةٌ *** ذَوَابِلٌ مَسُّهُنَّ الأَرْضَ تَحْلِيلُ
سُمْرُ العُجَايَاتِ يَتْرُكْنَ الْحَصَى زِيَمًا *** لَمْ يَقِهِنَّ رُؤُوسَ الأُكْمِ تَنْعِيلُ
كَأَنَّ أَوْبَ ذِرَاعَيْها إِذَا عَرِقَتْ *** وَقَدْ تَلَفَّعَ بِالقُورِ العَسَاقِيلُ
يَوْمًا يَظَلُّ بِهِ الْحِرْباءُ مُصْطَخِدًا *** كَأَنَّ ضَاحِيَهُ بِالشَّمْسِ مَمْلُولُ
وَقَالَ لِلقَوْمِ حِادِيهِمْ وَقَدْ جَعَلَتْ *** وُرْقَ الْجَنادِبِ يَرْكُضْنَ الْحَصَى: قِيلُوا
شَدَّ النَّهَارِ، ذِرَاعَا عَيْطَلٍ نَصِفٍ *** قَامَتْ فَجَاوَبَهَا نُكْدٌ مَثَاكِيلُ
نَوَّاحَةٌ رِخْوَةُ الضَّبْعَيْنِ لَيْسَ لَهَا *** لَمَّا نَعَى بِكْرَهَا النَّاعُونَ مَعْقُولُ
تَفْرِي اللُّبَانَ بِكَفَّيْها وَمِدْرَعُها *** مُشَقَّقٌ عَنْ تَرَاقِيهَا رَعَابِيلُ
تَسْعَى الوُشَاةُ جَنابَيْهَا وَقَوْلُهُمُ *** إِنَّكَ يَا بْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ
(3) اعتذار للرسول:
وَقَالَ كُلُّ خَلِيلٍ كُنْتُ آمُلُهُ *** لاَ أُلْفِيَنَّكَ إِنِّي عَنْكَ مَشْغُولُ
فَقُلْتُ خَلُّوا سَبيلِي لاَ أَبَا لَكُمُ *** فَكُلُّ مَا قَدَّرَ الرَّحْمنُ مَفْعُولُ
كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلاَمَتُهُ *** يَوْمًا عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ
أُنْبِئْتُ أنَّ رَسُولَ اللهِ أَوْعَدَنِي *** وَالعَفْوُ عَنْدَ رَسُولِ اللهِ مَأْمُولُ
وَقَدْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ مُعْتَذِرًا *** وَالعُذْرُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ مَقْبُولُ
مَهْلاً هَدَاكَ الَّذِي أَعْطَاكَ نَافِلَةَ الْ *** قُرْآنِ فِيهَا مَوَاعِيظٌ وَتَفْصِيلُ
لاَ تَأْخُذَنِّي بِأَقْوَالِ الوُشَاةِ وَلَمْ *** أُذْنِبْ وَلَوْ كَثُرَتْ فِيَّ الأَقَاوِيلُ
لَقَدْ أَقُومُ مَقَامًا لَوْ يَقُومُ بِهِ *** أَرَى وَأَسْمَعُ مَا لَمْ يَسْمَعِ الفِيلُ
لَظَلَّ يُرْعَدُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ *** مِنَ الرَّسُولِ بِإِذْنِ اللهِ تَنْوِيلُ
(4) مدحٌ للرسول:
حَتَّى وَضَعْتُ يَمِينِي لاَ أُنَازِعُهُ *** فِي كَفِّ ذِي نقِمَاتٍ قِيلُهُ القِيلُ
لَذَاكَ أَهْيَبُ عِنْدِي إِذْ أُكَلِّمُهُ *** وَقِيلَ إنَّكَ مَسْبُورٌ وَمَسْؤُولُ
مِنْ خَادِرٍ مِنْ لُيُوثِ الأُسْدِ مَسْكَنُهُ *** مِنْ بَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ دُونَهُ غِيلُ
يَغْدُو فَيُلْحِمُ ضِرْغَامَيْنِ عَيْشُهُمَا *** لَحْمٌ مَنَ القَوْمِ مَعْفُورٌ خَرَادِيلُ
إِذَا يُسَاوِرُ قِرْنًا لاَ يَحِلُّ لَهُ *** أَنْ يَتْرُكَ القِرْنَ إلاَّ وَهْوَ مَفْلُولُ
مِنْهُ تَظَلُّ سِبَاعُ الْجَوِّ ضَامِزَةً *** وَلاَ تَمَشَّى بِوَادِيهِ الأَرَاجِيلُ
وَلاَ يَزَالُ بِوَادِيهِ أَخُو ثِقَةٍ *** مُطَرَّحُ البَزِّ وَالدِّرْسَانِ مَأْكُولُ
إِنَّ الرَّسُولَ لَسَيْفٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ *** مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ مَسْلُولُ
(5) مدح الصحب الكريم:
فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ *** بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا: زُولُوا
زَالُوا فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلاَ كُشُفٌ *** عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلاَ مِيلٌ مَعَازِيلُ
شُمُّ العَرَانِينِ أَبْطَالٌ لَبُوسُهُمُ *** مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ
بِيضٌ سَوَابِغُ قَدْ شُكَّتْ لَهَا حَلَقٌ *** كَأَنَّهَا حَلَقُ القَفْعَاءِ مَجْدُولُ
يَمْشُونَ مَشْيَ الْجِمَالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمْ *** ضَرْبٌ إِذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ
لاَ يَفْرَحُونَ إِذَا نَالَتْ رِمَاحُهُمُ *** قَوْمًا وَلَيْسُوا مَجَازِيعًا إِذَا نِيلُوا
لاَ يَقَعُ الطَّعْنُ إِلاَّ فِي نُحُورِهِمُ *** وَمَا لَهُمْ عَنْ حِيَاضِ الْمَوْتِ تَهْلِيلُ
(2) كَعْب بن زُهَيْر هو الصحابيُّ الجليل، وأحَدُ فحول الشُّعراء المُخَضرمين المجودين، وأبوه زُهَير بن أبي سُلْمى، الشاعر الجاهليُّ المعروف.
ويتَّفِق الرُّواة على أنَّ الشِّعر لم يتصل في ولَدِ أحدٍ من فحول شعراء الجاهليَّة اتِّصالَه في ولد زهير بن أبي سلمى؛ فكَعبٌ وأبوه زهير وجَدُّه أبو سُلْمى، وعمَّتاه الخنساء وسلمى، وخال أبيه "بشامة بن الغدير"، وابنا عمَّتِه "تماضر" الخنساء، وأخوها صخر، وابنا ابنته سلمى العوثبان، وقريض، وأخوه بجير، وولده عقبة (المضرب)، وحفيده العوام بن عقبة، هؤلاء كلُّهم شعراء.
وقد رَوى قصيدةَ "بانت سعادُ" كثيرٌ من مصادر الشعر الجاهلي؛ فقد رواها "التبريزيُّ" عن الحجَّاج بن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن عقبة بن كعب بن زهير، أحَدِ أحفاد كعب.
وقد اتَّفقَ الرُّواة والنُّقاد على أنَّ كعبًا أحَدُ الفحول المجودين في الشِّعر، ويصِفُون شعره بقوَّة التماسك، وجزالة اللفظ والمعنى، والمعروف عن كعبٍ أنَّه قال الشعر وهو صغير، وكان أبوه ينهاه ويضربه؛ مخافة أن يقول ما لا خير فيه.
قال أبو العباس ثعلب: وتحرَّك كعب بن زهير بن أبي سُلْمى، وهو يتكلَّم بالشعر، فكان زهيرٌ يَنْهاه؛ مخافة أن يكون لم يستَحْكِم شعره، فيُروى له ما لا خير فيه، فكان يضربه في ذلك، ففعل ذلك به مرارًا؛ يضربه ويزبره، فغلبه، فطال ذلك عليه، فأخذه، فحبسَه، ثم قال: والذي أحلف به لا تتكلَّم ببيت شعر، ولا يبلغني أنَّك تريغ الشِّعر - أيْ: تَطْلبه - إلاَّ ضربتُك ضربًا ينكلك عن ذلك، فمكث محبوسًا عدَّة أيام، ثم أخبر أنه يتكلَّم به، فدعاه، فضربه ضربًا شديدًا، ثم أطلقه، وسرحه في بَهْمِه وهو غُليم صغير، فانطلق فرعاها، ثم راح بها عشيَّة، وهو يرتجز:
كَأَنَّمَا أَحْدُو بِبَهْمِي عِيرَا *** مِنَ القُرَى مُوقَرَةً شَعِيرَا
(البَهْم: الصِّغار من ولَدِ الضَّأن).
فخرجَ زُهَير إليه وهو غضبان، فدعا بناقته، وكفلها بكسائه؛ أيْ: كسا سنامَها بكسائه، وقعد عليها، حتى انتهى إلى ابنه كعب، فأخذ بيده، فأردفه خلفه، ثم خرج يضرب ناقته، وهو يريد أن يتعنَّت كعبًا، ويعلم ما عنده، ويطَّلِع على شعره، فقال زهيرٌ حين برَز مِن الحيِّ:
وَإِنِّي لَتُعْدِينِي عَلَى الْهَمِّ جَسْرَةٌ *** تَخُبُّ بِوَصَّالٍ صَرُومٍ وَتُعْنِقُ
ثم ضرب كعبًا، وقال: أَجِز يا لُكَع، فقال كعب:
كَبُنْيَانَةِ القَرْئِيِّ مَوْضِعُ رَحْلِهَا *** وَآثَارُ نِسْعَيْهَا مِنَ الدَّفِّ أَبْلَقُ
فقال زهير:
عَلَى لاَحِبٍ مِثْلِ الْمَجَرَّةِ خِلْتُهُ *** إِذَا مَا عَلاَ نَشْزًا مِنَ الأَرْضِ مُهْرِقُ
ثم ضرب كعبًا، وقال: أجِزْ يا لُكَع، فقال كعب:
مُنِيرٌ هدَاهُ لَيْلُهُ كَنَهَارِهِ *** جَمِيعٌ إِذَا يَعْلُو الْحُزُونَةَ أَخْرَقُ
ثم بدأ زهيرٌ في نعت النَّعام، وترَك نعت الإبل، فقال زهيرٌ يتعسَّف به عمدًا:
وَظَلَّ بِوَعْسَاءِ الكَثِيبِ كَأَنَّهُ *** خِبَاءٌ عَلَى صَقْبَيْ بُوَانٍ مُرَوَّقِ
فقال كعب:
تَرَاخَى بِهِ حُبُّ الضَّحَاءِ وَقَدْ رَأَى *** سَمَاوَةَ قِشْرَاءِ الوَظِيفَيْنِ عَوْهَقُ
سماوة: شخص، قشراء الوظيفين: يعني الساقين. عوهق: طويلة العنق.
فقال زهير:
تَحِنُّ إِلَى مِثْلِ الْحَبَابِيرِ جُثَّمٌ *** لَدَى مُنْتِجٍ مِنْ قَبْضِهَا الْمُتَفَلَّقِ
ثم قال: أجز يا لكع، فقال كعب:
تَحَطَّمَ عَنْهَا قَيْضُهَا عَنْ خَرَاطِمٍ *** وَعَنْ حَدَقٍ كَالنَّبْخِ لَمْ يَتَفَتَّقِ
(النَّبْخ: يعني الجُدَري، شبَّه عين ولد النَّعامة بالجدري، لم يتفتق: لم يتفقَّأ).
فأخذ زهيرٌ بيد ابنه، ثم قال: أذِنتُ لك في قول الشِّعر، فلما نزل كعب، وانتهى إلى أهله - وهو صغير يومئذٍ - قال:
أَبِيتُ فَلاَ أَهْجُو الصَّدِيقَ وَمَنْ يَبِعْ *** بِعِرْضِ أَبِيهِ فِي الْمعَاشِرِ يُنْفقِ[2]
وقد عد ابنُ سلاَّمٍ الجُمحيُّ كعبَ بن زهير - رضي الله عنه - في الطبقة الثانية من الشعراء، وقد امتدَّ به العمر حتى زمن معاوية بن أبي سفيان.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.24 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.10%)]