الموضوع: إبراهيم الأسود
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 02-02-2023, 03:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: إبراهيم الأسود

فذاك لا يشعر حتى تُشبعَه

فأخْفِ عنه الجُرْنَ كي لا يبلَعه



وإن تشأ ثَبِّتْ عليه البرذعه




وشاعرٌ سَنَّ الزمانُ مِبْضَعَه

وانتابَهُ بنائباتٍ مُفْظِعَه



لكنه فَرْطَ الأناةِ والسَّعَه

أبدى ثناياهُ وأخفى أدمُعَه



واصطخبت دنياه فاختار الدَّعَه

وانمازَ عن تواضعٍ لا عن ضَعَه



وإن أضاع الوُضَعاءُ مَوْضِعَه

لم يكثرثْ ولم يَعَضَّ إصبعَه



فذاك عَرَّابُ المعاني المُبْدَعَه

وَهْوَ مع الدنيا ولا دنيا معَه



وهل تُعابُ دُرَّةٌ في قوقعَه





لا لا يُعابُ الدرُّ أنَّى وقع، ولا يُنال الصقر إمَّا ارتفع، يجوب فضاء الكَلِم، يتخيَّر منه أحلاه، ليصوغ عقودًا يزدان بها جيدُ الزمان، وتبلغ عند الذائقين درجة الإحسان.
♦ ♦ ♦

وأما الحوار الذي بين يديك أيها القارئ الكريم، فقد رأيتُــني ألتهمُه بنَـهَـمٍ كما يلتهم الجائع طُعْمَتَه، وأعبُّ منه بلذَّةٍ كما يرتوي ظامئٍ من شُربته، وأقرأه بشغف كما يقرأ المحبُّ روايته، وأتابعه بمتعة كما يتابع المشاهد فلمه.

وتندُّ عني بين الفينة والأخرى ضحكات يكاد ينشقُّ لها حلقي حتى أستغْرِب[1]، فترتسم على مَنْ حولي علامات الاستغراب والاستنكار، فأبادر إلى إعادة قراءة ما مرَّ بي من بديع القول ولاذع السخرية ورائع الاستشهاد، بصوت مسموعٍ، دافعًا عن نفسي أيَّ ظنٍّ قد يحيق بي، والله المستعان.

وأصل بقراءتي إلى حقيقةٍ أقرِّرُها هنا فأقول: إن أبا خليل ناثــرًا لا يقلُّ عنه شاعــرًا، وإن نثره الجميل يكاد يرتقي ليلامسَ شعره النبيل إبداعًا وإمتاعًا، وقلَّما سما النثر سموَّ الشعر!

فقد أوتيَ قلمًا مُحْكَمًا، وأسلوبــًا عاليًا، وسردًا مشوِّقًا، وسخريةً لاذعةً، وبيانًا بليغًا، لا يملك القارئ المتذوق للبيان إلا أن يُعجب به.

وإلى ذلك كله جذوة تتوهَّج في قلمه، فتجعل قارئه نُــهْــبَــى لمشاعرَ شتَّى، يختلط فيها الإكبار والتقدير بالإشفاق والحسرة، والاعتزاز بصحبة هذا المبدع بالمشاركة في ظلمه والحيف الذي وقع عليه.

إن أمَّةً لا تقدِّر علماءَها ومبدعيها غيرُ جديرة بحياة كريمة، وسرعان ما تقع في حَــوْبَــة الندامة والحسرة، ولاتَ ساعةَ مَــنْــدَم. وإن من يقف على روائع هذا الرجل ليدرك أي مبدع هو، وأي مكانة مكانته، وأي منزلة منزلته!

أما أنا فقد فرغت من قراءتي وأنا أقول: كم ظلمناك يا أبا خليل نحن الذين عرفنا قدرك وما قدَّرناك قدرَك! وتذوَّقْـنـا أدبَــك وما أنزلناك منزلتَـك! ولا مكَّنَّاك مكانتَــك! وتبًّا ثم تبًّا لورقةٍ لا تشهد لك بعلوِّ كعبك، وعظم شأنِك، وتميُّز أدبك!

فأنت لعمري أكبر من أي شهادة، ومثلك جدير بأن يمنحَ الشهادات ويقوِّمَ الشعراء ويقضي بين الأدباء. ولستَ بدعًا في هذا، فكم من عالمٍ لم يكن يحوز شهادة وكان أستاذًا لأرباب الشهادات، وقبلةً لأولي النهى والألباب! وكم من شاعرٍ ملأ الدنيا وشغل الناس دون أن يدرس في مدرسة أو يتخرَّج في جامعة!

وقد أحسن الأخ الدكتور عبدالله غليس كلَّ الإحسان - وهو أهل للإحسان - حين أجرى هذا الحوار، فأخرج لنا خبيء هذا الشاعر المفنِّ، وأوقفنا على الكثير من أخباره وأسراره، ومتَّعنا بصفحات ناصعات عشنا بها زمنًا رغدًا في زمن عزَّ فيه الأدب وكل الشعر! فله مني ومن كل محبٍّ للأدب أجزل الشكر وأطيبه، زاده المولى عطاءً ومضاءً.
♦ ♦ ♦


وأنت يا أبا خليل دمتَ في عزٍّ وشعر، ولا زال إلهامُك ينفحنا بكل رائع وبديع، رفع الله قدرك كما رفعت قدر الكلمة، وأعلى الله ذكرك كما أعليت ذكر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وصفًا ومدحًا وابتهاجًا، وجعل لسانك حجةً لك وشعرَك زلفى عند ربِّك، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.

والحمد لله ولي النعم.




[*] هذه الكلمة من تقديم الأستاذ الدكتور محمد حسان الطيان للحوار الذي أجراه الدكتور عبدالله غليس مع الشاعر الأستاذ إبراهيم الأسود.



[1] استغرب: أغرق في ضحكه حتى بدت أواخر أسنانه.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.41 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.13%)]