عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-11-2019, 02:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,545
الدولة : Egypt
افتراضي تذكرت قول الشاعر..

تذكرت قول الشاعر..
عبدالله بن عبده نعمان العواضي


الشعر العربي الفصيح هو ذلك الفن الجميل الذي ينساب داخل النفوس العربية الأصيلة فيخالط لحمها ودمها، ويبقى في حناياها ما بقيت في أجسادها أرواحُها إما بلفظه وإما بمعناه.



فحينما كانت النفوس خالصة العروبة، عاشقة للقول المنظوم، معروفة بنقاء الأذهان، وصفاء الوجدان، غير متكدرة بأمراض الحياة المادية، ولم يغشَ صفاءها بهرجُ الحياة المعاصرة ومشكلاتها وأشغالها الملهية؛ كان الشعر يرد على أسماعها فيستقر في ذاكرتها ويأبى الهجرة منها؛ لكرامة نُزله لدى قوم يحبهم ويحبونه، ويفتخرون ببقائه على سوح أذهانهم، ويتبارون به في ميادين ألسنتهم.



لقد كانت القصائد والأبيات المفردة تجري على ألسنة أولئك العرب الأقحاح جريان الدماء في العروق، فإذا مرت بها أحوال الحياة تذكرت أقوال شعرائها، ومنظوم حكمائها، وكأنها بذلك تشهد بصدق قول القائل، وتوافقه على ما قال، أو تستعين بقوله على تصوير ما شهدت، وتأكيد ما لاحظت، أو المضي في أمر أو الكف عنه، شاهدةً في بعض ذلك بتنبؤ الشاعر، ودقة حدسه، وسبق خياله.



وبهذا بقي الشعر الرائق باقياً في جبين الدهر ترويه أجيال على إثر أجيال، وتسلمه الأيام لليالي، وكل زمان إلى آخر.



قال علي بن الجهم في سير شعره وخلوده:




وَلَكِنَّ إحْسَانَ الخَلِيْفَةِ جَعْفَرٍ

دَعَانِي إِلَى مَا قُلْتُ فِيْهِ مِنَ الشِّعْرِ


فَسَارَ مَسِيْرَ الشَّمْسِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ

وَهَبَّ هُبُوبَ الرِّيْحِ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ[1].







وقال أبو الطيب:

فسارَ بهِ مَن لا يسيرُ مشمِّراً *** وغنَّى بهِ مَن لا يغنِّي مغرِّدا[2].



وقال أيضًا:

قوافٍ إذا سِرْنَ عَنْ مِقْولي *** وثَبْن الجبال وخُضْنَ البحارا[3].



وقال علي الجارم:

وما الشِّعرُ إلاّ تَرْجُمانٌ مُخلَّدٌ *** يَقُصُّ على الأجيْالِ مَجداً مُخَلَّدا[4].



وفي هذه السطور سنقف مع بعض المواقف التي تذكّر أهلها فيها أقوالَ الشعراء لتصوير ما هم عليه، وتجلية ما مروا به؛ لندرك مدى قدرات تلك الحافظة العربية الواعية، ونستمتع بأفنان هذه الواحة الأدبية الوارفة التي اجتنيناها من حدائق أدبية شتى.



عمر بن الخطاب وشاعر بني تميم:

دخل هشام البختريّ في ناسٍ من بني مخزوم على عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فقال له: يا هشام، أنشدني شعرك في خالد بن الوليد. فأنشده فقال: قصَّرت في البكاء على أبي سليمان رحمه الله، إنْ كان ليحب أن يذلَّ الشرك وأهله، وإن كان الشّامت به لمتعرضاً لمقت الله. ثم قال عمر رضي الله عنه: قاتل الله أخا بني تميم ما أشعره! [5]:




فَقُلْ لِلَّذِي يَبْقَى خِلافَ الَّذِي مَضَى

تَهَيَّأْ لأُخْرَى مِثْلِهَا فَكَأَنْ قَدِ


فَمَا عَيْشُ مَنْ قَدْ عَاشَ بَعْدِي بنافعٍ

وَلا مَوْتُ مَنْ قَدْ مَاتَ يَوْمًا بِمُخْلِدِي[6].







سعد وعدي بن زيد:

لما قدم سعد بن أبي وقاص القادسية أميراً أتته حرقة بنت النعمان بن المنذر في جوار في مثل زيها، تطلب صلته، فلما وقفن بين يديه، قال: أيتكن حرقة؟ قلن: هذه، قال: أنت حرقة؟ قالت: نعم، فما تكرارك استفهامي؟! إن الدنيا دار زوال، وإنها لا تدوم على حال، تنتقل بأهلها انتقالا، وتعقبهم بعد حال حالا، إنا كنا ملوك هذا المصر قبلك، يجبى إلينا خراجه، ويطيعنا أهله، مدة المدة، وزمان الدولة، فلما أدبر الأمر وانقضى، صاح بنا صائح الدهر، فصدع عصانا، وشتت ملأنا، وكذاك الدهر يا سعد، إنه ليس من قوم بحبرة، إلا والدهر معقبهم عَبرة، ثم أنشأت تقول:




فبينا نسوسُ الناسَ والأَمْرُ أَمرُنا

إذا نحنُ فيهم سُوقَةٌ نتنصَّفُ


فأُفٍّ لدنيا لا يدوم نَعيمُها

تَقَلَّبُ حالاتٍ بنا وتَصَرَّفُ






فقال سعد: قاتل الله عدي بن زيد كأنه كان ينظر إليها حيث تقول:




إنَّ للدَّهرِ صولةً فاحْذَروها

لا تبيتنَّ قدْ أمنتَ الدُّهورا


قدْ ينامُ الفتَى صحيحاً فيردَى

ولقدْ باتَ آمناً مسرورا






وأكرمها سعد وأحسن جائزتها، فلما أرادت فراقه، قالت: حتى أحييك تحية أملاكنا بعضهم بعضاً: لا جعل الله لك إلا لئيمٍ حاجة، ولا زال لكريم عندك حاجة، ولا نزع من عبد صالح نعمة إلا جعلك سبباً لردها عليه. فلما خرجت من عنده تلقاها نساء المصر فقلن لها: ما صنع بك الأمير؟ قالت:

حَاطَ لي ذِمّتي وَأكْرم وَجْهي *** إِنَّمَا يُكْرِم الكريمُ الكَريما [7].



عائشة ولبيد:

قال أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن الموحد: أخبرنا القاضي أبو المظفر هناد بن إبراهيم بن نصر النسفي، أخبرنا أبو الفتح أحمد بن عبيد الله بن ودعان الفقيه بالموصل، أخبرنا الخضر بن عبد الوهاب بن يحيى الحراني، حدثنا خيثمة بن سليمان، حدثنا محمد بن عوف الطائي بحمص، حدثنا عثمان بن سعيد، حدثنا محمد بن مهاجر عن الزبيدي عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: رحم الله لبيداً إذ يقول:

ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ في أكْنَافِهِمْ *** وبَقِيتُ في خَلْفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ



فقالت عائشة: كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال عروة: رحم الله عائشة كيف لو أدركت زماننا هذا؟ قال الزهري: رحم الله عروة كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال الزبيدي: رحم الله الزهري كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال ابن مهاجر: رحم الله الزبيدي كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال ابن عوف: رحم الله ابن مهاجر كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال خيثمة: رحم الله ابن عوف كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال الخضر: رحم الله خيثمة كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال ابن ودعان: رحم الله الخضر كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال هناد: رحم الله ابن ودعان كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال أبو الحسن: رحم الله هناداً كيف لو أدرك زماننا هذا؟[8].



معاوية وابن الإطنابة:

قال معاوية: اجعلوا الشعر أكبر همكم، وأكثر آدابكم؛ فإن فيه مآثر أسلافكم، ومواضع إرشادكم؛ فلقد رأيتني يوم الهرير، وقد عزمت على الفرار فما ردني إلا قول ابن الإطنابة، وكان جاهلياً:




أَبَتْ لِي عِفَّتِي وأَبَى بَلائِي

وأَخْذِي الحَمْدَ بالثَّمَنِ الرَّبِيحِ


وإِقْدامِي على المَكْرُوهِ نَفْسِي

وضَرْبِي هامَةَ البَطَلِ المُشِيحِ


وَقَوْلِي كلَّما جَشَأَتْ وجاشَتْ

مَكانَكِ، تُحْمَدِي أَو تَسْتَرِيحِي[9].







أبو بكر بن عياش وذو الرمة:

قال أبو بكر بن عياش: نزلت بي مصيبة أوجعتني، فذكرت قول ذي الرُّمة:

لعلَّ انحدارَ الدَّمعِ يُعقبُ راحةً *** من الوجدِ أو يشفي نجيَّ البلابلِ

فخلوت فبكيت فسلوت [10].



مالك بن دينار وشاعر:

عن مالك بن دينار قال: مات بشر بن مروان فدفن، ثم مات عبد فدفن إلى جنبه، فمررت بقبريهما بعد ثلاثة فلم أعرف قبر أحدهما من الآخر! فذكرت قول الشاعر:

والْعَطِيَّاتُ خِسَاسٌ بَيْنَنَا *** وَسَوَاءٌ قَبْرُ مُثْرٍ وَمُقِلْ![11].



الشافعي ومالك بن القين الخزرجي:

قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: سمعت أشهب بن عبد العزيز يدعو على محمد بن إدريس الشافعي بالموت- أظنه قال في سجوده-[12]، فذكرت ذلك للشافعي رحمه الله، فتثمل:





فَقُلْ للَّذِي يَرْجُو خِلافَ الَّذِي مَضَى

تَهَيَّأ لأُخْرَى مِثْلَهَا فَكَأنْ قَدِ[13].






فمات الشافعي ومات أشهب بعده بثمانية عشر يوماً! [14].



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.34 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.22%)]