عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 24-04-2011, 07:39 PM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

الحلقة العاشرة بعنوان:
صمام الأمان
رن الجرس معلنا بداية اليوم الدراسي، فقطع على مريم وريم حديثهما. انطلقت الفتاتان إلى صفهما ولم تكف ريم عن التأفف ساخطة، فما زال مزاجها سيئا منذ الحادثة الأخيرة.
وبينما هما في الصف تنتظران مجيء أستاذ التربية الإسلامية، اقترب منهما أحد الزملاء وهو ينفث دخان سيجارته، وقد بدا مزهوا بنفسه لحرصه على أن يلبس آخر صيحات الموضة حتى لو كان مصممها ألد أعداء أمته...
ثم قال وهو يهتز فخرا وعجبا: صباح الخير يا بنات.. ومد يده لريم فصافحته وابتسمت ابتسامة مجاملة. وقالت: أهلا يا زيزو، صباح النور. ثم اختلست النظر لمريم لترى ردة فعلها.
قالت مريم بصوت خافت: صباح الخير، وأخفت برفق يدها خلفها ليفهم زميلها أنها لا تصافح الرجال. فهم زيزو الأمر، فأحب أن يستفزها وأصر على مصافحتها.
لكنها قالت: آسفة أخي، لا أصافح الشباب...
فتسمر في مكانه من أثر الحرج، خصوصا وأن الجميع التفت ينتظر ما سيحدث، لعلمهم بطبيعة مريم التي تفرض احترامها بأخلاقها وسلوكياتها الطاهرة.
لكنه سرعان ما سخر قائلا: أخي؟ ها ها ها، لست أخاك يا جارية.. ويحك يا بنت العرب.. آآآ أقصد يا أختي، والتفت إلى زملائه وضحك حتى بدت نواجذه.
ثم أكمل وكأنه يقدم عرضا فكاهيا: لكن ما دمت لا تصافحين الشباب، إذن لا حرج من مصافحة الشيوخ، ها ها ها يا أختي ...
وضغط على الكلمة الأخيرة ثم انفجر ضاحكا.
فتوالت ضحكات الجميع وقهقهتهم، وكأنها سيمفونية مزعجة.
رفعت مريم رأسها في حزم ممتزج بلين وقالت: لست من أخذ قرار أخوتك، إنما الله من آخى بين المؤمنين بقوله تعالى في سورة الحجرات:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) }
ثم أردفت قائلة:
- أما بالنسبة للمصافحة، فتحية السلام عليكم تكفي ولا أرى أي داع للمصافحة...
-
طرقت الآيات أسماع حمزة "زيزو" وكأنه يسمعها لأول مرة، فكانت ردا قويا من مريم أفحمه، فما كان منه إلا أن انسحب في صمت.
بينما عاد اللغط يعم المكان، والكل يدلي بدلوه حول ما حدث، وبعد لحظات وصل الأستاذ، فأخذ كل واحد مكانه ليبدأ الدرس.
انتبه الجميع لما يقول الأستاذ محمد عن الإرث وأنواعه، وعن عدل الإسلام في تقسيم التركة، وإعطاء كل ذي حق حقه...
كانت طريقته في الشرح سلسة وبسيطة مما يجعل الطلبة يتابعون باهتمام، خصوصا مع وقفات المزاح الخفيفة والتعامل الأبوي المفعم بالحنان والمحبة الصادقة والنصح اللين الذكي، حتى زيزو وميزو اللذان يجلسان دائما في أقصى الصف منعزلين عن جو الحصة للتهكم ومضايقة زملائهم، يحترمان هذا الأستاذ، وينتبهان للدرس، فسبحان من القلوب بين أصبعيه...
فتح الأستاذ محمد باب الأسئلة كعادته في نهاية الحصة ليستوعب الطلبة الدرس جيدا، فسألته إحدى الطالبات عن قوله تعالى في الإرث:
{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ }
[سورة النساء الآية: 11]
فأجابها مبتسما: لا تخافي يا ابنتي، فالله عز وجل عدل سبحانه، وحفظ حقوق المرأة وهو الأعلم بها - ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير-
المرأة يا ابنتي في شرعنا الحنيف ليس عليها الإنفاق، بل هي معززة ومكرمة في بيتها، والرجل هو من يجب عليه الإنفاق عليها. سواء كان زوجا أو أبا أو أخا، وليس عليها أن تنفق من مالها شيء إلا إذا أرادت ذلك على عكس الرجل الذي يجب عليه الإنفاق، لهذا كان هذا التقسيم منه سبحانه والله أعلم...
مرت الحصة بسرعة كعادتها، فالأشياء الجميلة تمر بسرعة، ورن الجرس فخرج الطلبة وعم الضجيج الأرجاء، لكن ريم لازال يشغلها حادث البارحة، وتركيزها كله فيه.
وبشكل عفوي بحثت عن مريم في الساحة حتى وجدتها تحدث أخاها يوسف، فاقتربت منهما ثم نادتها بصوت خافت فاستدارت مريم واستأذنت من أخيها ثم استأنفا الحديث في موضوع البارحة الذي زلزل كيان ريم، مما جعلها متلهفة فوق العادة لمعرفة الحلول الناجعة والحاسمة في هذا الأمر.
فقالت بتلهف جلي: ألن تخبريني يا مريم عن الحلول؟ أود أن أرتاح من هذا الكابوس المزعج.
ابتسمت مريم وقالت: طبعا يا ريم سأخبرك ..
ريم في جدية: تفضلي، كلي آذان صاغية..
مريم: لكي نصل لحل مشكلة ما نحتاج لبذل أسباب روحية وأسباب مادية ثم نتوكل على الله عز وجل أليس كذلك؟
ريم: ممم كيف؟
مريم: أي أننا نحن فقط أسباب بين يدي الله، لا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا، والمطلوب منا كبشر عند أي مشكلة تواجهنا أن نلجأ إلى الله أولا وأخيرا لأن الأمر بيده وحده، وكذلك مطالبون بأن نبذل الأسباب البشرية مع الاعتماد الكلي على الله عز وجل.
ريم محاولة الاستيعاب: مثلا؟؟
مريم: مثلا في مشكلتنا هذه وهي مشكلة تهدد عفة المسلمين وأمن المجتمع عامة.
الرجال فطرهم الله على الميل للنساء والعكس صحيح. لهذا وضع لنا ضوابط لنحافظ على أنفسنا من جهة ونحافظ على الاستقرار النفسي للرجال من جهة ثانية، فحين نسير في الشارع ملتزمات بما أمرنا الله، سنحمي أنفسنا من مرضى القلوب وأيضا نقي أي رجل شر الفتنة، وبالتالي يأمن الناس ويعم الطهر والنقاء، أليس كذلك؟
ريم بملل: نعم وماذا بعد؟
مريم: هذا أهم سبب بشري يمكننا بذله، ولكي نقي أنفسنا شر النفوس المريضة علينا باللجوء إلى الله بالدعاء دائما وبالتحصن بأذكار الصباح والمساء وذكر الخروج من البيت من جهة والالتزام في الشارع بضوابط الشرع، فاللباس جزء من منظومة متكاملة: الغض من البصر، لأن النظرة سهم من سهام إبليس، والقصد في المشي، واجتناب الضحك في الشارع مع البنات بصوت عال، وعدم الخضوع بالقول، والتعامل مع الرجال بما يرضي الله وفي حدود الضرورة، وعدم الخروج ليلا ..
أتظنين بعد كل هذا ستعانين من أي مشكل من هذا النوع؟ مستحيل طبعا.
ريم: هذا كثير يا مريم، كأنك تطلبين مني أن أدفن نفسي حية، هذا لا يرضي أحدا.
ثم استطردت مازحة: هكذا لن أتزوج يا مريم ولو بعد قرن، وساعتها ذنبي في رقبتك.
ابتسمت مريم ضاحكة وقالت: هنا الخلل يا صديقتي، الزواج رزق بيد الله، فهل نطلبه بغير ما يرضيه؟
فكري مليا في كلامي هذا، وأسأل الله عز وجل أن يكفينا شر الفتن ما ظهر منها وبطن.
أجابت ريم وقد تنبهت لشيء مهم جدا: مريم أواثقة أن سنك خمسة عشر عاما؟
مريم في تساؤل: نعم ولم؟
ريم: لأن هذا الكلام أكبر من سنك يا صديقتي العزيزة...
خفضت مريم رأسها وقالت: هذا بفضل الله الذي أنعم علي بوالدين نشأنا بينهما على تبسيط الأمور وإرجاعها لشرع الله على علم. وأن من كان مع الله فحياته طيبة وهنيئة بإذنه تعالى.
ريم والحزن قد أطل من محياها: طوبى لكم والله، لستم مثلي أعيش في بيئة مختلفة..
مريم: نحن من نغير بيئتنا يا ريم وليس العكس،
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }
[سورة الرعد الآية: 11]
ريم: هذا كلام كتب يا مريم، ليس السامع كالمجرب..
مريم: هذا ما جعلنا أوهن أمة، دائما نتحجج بالظروف وأنها أقوى منا وأن الإنسان ابن بيئته...
ريم وقد تذكرت: دعينا من كل هذا الآن نكمل فيما بعد، نسينا حصة اللغة العربية، لقد تأخرنا هيا...
وبينما هما في الساحة مسرعتان، إذ "ميزو" في الشرفة يتأمل مريم وكأنه يراها لأول مرة...
يتبع بإذن الله
__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.93 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.04%)]