عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21-02-2024, 09:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحافظ عبد الغـني المقدسي رحمه- اللــــــــه تاريخ حافل بالعلم والدعوة ومحن قتالي

الحافظ عبد الغـني المقدسي رحمه- اللــــــــه تاريخ حافل بالعلم والدعوة ومحن متتالية (2-2)



تحدثنا في الحلقة السابقة عن جزء من جهود حافظ عبدالغني المقدسي العلمية ومصنفاته فضلاً عن بعض المحن التي تعرض لها الحافظ من قبل أهل البدع ونستكمل ما تبقى من سيرته العطرة رحمه الله، ولمحنة الحافظ عبد الغني فصول ومحطات كل واحدة منها تبين مدى الأذى وقدر المحن التي تعرض لها الحافظ رحمه الله، منها:
1- محنته في أصبهان:
دخل الحافظ عبد الغني أصبهان (وتقع الآن في إيران) لسماع الحديث وإسماعه عدة مرات، وكانت أصبهان من المحطات الرئيسية التي يجب على طالب علم الحديث أن يدخلها، وخلال زياراته المتكررة لأصبهان كثر عليه التلاميذ والطلبة وأحبه الناس، حتى إنه كان إذا مشى في أسواقها اجتمع عليه الناس يسلمون عليه وينظرون إليه.
وكان شيخه الحافظ أبو موسى المديني الأصبهاني (581 هـ) قد أشار عليه أن يتتبع أبا نُعيم الأصبهاني، في كتابه: «معرفة الصحابة». فقد كان يشتهي أن يأخذ هو على أبي نُعيم فما كان يجسر، فأخذ عبد الغني على أبي نُعيم نحواً من مائتين وتسعين موضعاً، في كتاب سمّاه: «تبيين الإصابة لأوهام حصلت لأبي نعيم في معرفة الصحابة». قال الذهبي: «جزءان، تدل على براعته وحفظه». وقد أثار هذا حفيظة بيت الخُجَندي؛ فقد كانوا أشاعرة، وكانوا يتعصبون لأبي نُعيم وكان من الأشاعرة والمتصوفة، وكانوا رؤساء البلد، فطلب الصدر الخُجَندي عبد الغني، وأراد هلاكه، فاختفى وتحايل تلاميذه حتى أخرجوه خفية من أصبهان قبل أن يصل إليه الأشاعرة فيفتكوا به.
وخرج إلى الموصل، وقد أعجب الحافظ أبو موسى بكتاب عبد الغني، وكتب عليه تقريظاً بالغاً.
قال التاج الكندي: لم يكن بعد الدارقطني مثل الحافظ عبد الغني. وقال ـ أيضاً ـ: لم ير الحافظ مثل نفسه.
2- محنته في الموصل:
خلال رحلة الحافظ العلمية دخل مدينة الموصل العراقية وجلس في جامعها الكبير وأخذ في تدريس كتاب «الضعفاء» للعقيلي، وعندما وصل لذكر أبي حنيفة شرح كلام العقيلي عن ضعفه وكلام السلف فيه؛ فثار أهل البلد وكانوا من الأحناف وحبسوه وقرروا قتله، ولكن صديقه الواعظ ابن البرنسي أنقذه بحيلة ذكية فأطلقوا سراحه.
قال رحمه الله: كنَّا بالمَوْصل نُسمع «الجرح والتعديل» للعُقََيلي، فأخذني أهل الموصل وحبسوني، وأرادوا قتلي من أجل ذكر أبي حنيفة فيه. فجاءني رجل طويل معه سيف، فقلت: لعله يقتلني وأستريح. قال: فلم يصنع شيئاً، ثم أُطلقتُ» وسبب خلاصه: أنه كان يُسمع هو وابن البرني. فأخذ ابن البرني الكراس التي فيها ذكر أبي حنيفة ومزقها من الكتاب، ففتشوا الكتاب، فلم يجدوا شيئاً.
3- محنته في دمشق:
وهي المحنة الكبيرة التي لازمته حتى آخر حياته رحمه الله تعالى.
وذلك أنه بعد خروجه من الموصل، دخل دمشق، وبدأ بنشر علمه، فكان رحمه الله يقرأ الحديث يوم الجمعة بجامع دمشق، وليلة الخميس، ويجتمع خلق، وكان يقرأ ويبكي ويُبكي الناس، حتى إن من حضره مرة لا يكاد يتركه، وكان في أثناء ذلك يذكر أحاديث النزول والصفات، ويبين عقيدة السلف ومذهبهم بعبارة جلية واضحة، فثار عليه متعصبة الأشاعرة المعطلة، ورموه بالتجسيم، وهكذا بدأت محنة الحافظ في ظاهر الأمر .. لكن الذين ترجموا للحافظ اتفقوا على أن محنته كانت بسبب (حسد) أولئك إياه: أن اجتمع إليه الناس، وعلا شأنه، وبَعُد صيته، وكثر الانتفاع به. ولا شك أن هناك مناسبة بين الأمرين؛ فإنهم كانوا يعادونه للمنهج السلفي الذي هو عليه، ويحسدونه على ما ظهر عليه من أثره مما هو من جنس: «عاجل بشرى المؤمن». وقد قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} وهكذا شرعوا يعملون لهم وقتاً في الجامع، ويُقرأ عليهم الحديث، ويجمعون الناس، فبعضهم ينام، وبعضهم يحضر وقلبه غير حاضر، فلم يشفِ قلوبهم، فشرعوا في مكيدة: فأمروا الناصح ابن الحنبليّ بأن يعظ بعد الجمعة تحت المنبر، وقت جلوس الحافظ، وأمروه أن يجهر بصوته مهما أمكنه، حتى يشوش عليه، فأخر الحافظ ميعاده إلى العصر.
لقد كان الناصح أبو الفرج عبد الرحمن الأنصاري الحنبلي (634 هـ)، شيخاً «فاضلاً صالحاً» كما وصفه ابن كثير، فلا ندري كيف استطاع الأشاعرة تجنيده لمناوأة الحافظ عبد الغني؟! واختيارهم إياه يدل على ذكائهم، إذ أرادوا من هذا الصراع أن يكون (حنبلياً ـ حنبلياً)، ويلعبوا هم دور المتفرج، ولا شك أن المبتدعة يتقنون صناعة الفتنة، لكن سرعان ما انقلب عليهم الناصح رحمه الله، ووقف مع الحنابلة موقفاً جيداً.
ولما كان في بعض الأيام والناصح قد فرغ، دسُّوا إليه رجلاً ناقص العقل من بيت ابن عساكر، فقال للناصح ـ ما معناه ـ: إنك تقول الكذب على المنبر؟ فضُرب الرجل وهرب، وخُبئ في الكلاسة. وهكذا تحقق لهم ما أرادوا، فمشوا إلى الوالي، وقالوا له: هؤلاء الحنابلة ما قصدهم إلا الفتنة، وهم .. وهم .. واعتقادهم. ثم جمعوا كبراءهم، ومضوا إلى القلعة، وقالوا للوالي: نشتهي أن تحضر الحافظ.
قال الضياء المقدسي: وسمع مشايخنا، فانحدروا إلى المدينة ـ يعني: من سفح جبل قاسيون إلى دمشق ـ : خالي الموفق، وأخي الشمس، والفقهاء. وقالوا: نحن نناظرهم. وقالوا للحافظ: اقعد أنت لا تجئ؛ فإنك حادٌ، ونحن نكفيك. فاتفق أنهم أرسلوا إلى الحافظ فأخذوه، ولم يعلم أصحابنا، فناظروه وكان أجهلهم يغري به، وكانت الغيرة قد أكلت قلوب الأشاعرة أمثال القاضي ابن الزكي والخطيب الدولعي وطلبوا المناظرة منه بين يدي والي البلد واسمه برغش، وفي المناظرة احتد الحافظ عليهم واشتد بعد أن علت حجته حجتهم، فما كان من الأمير برغش إلا أن أمر بنفيه من دمشق، فدعا الحافظ على من ظلمه وشرده، فأصيب ابن الزكي بصرع شديد حتى خولط في عقله، حتى مات على هذه الحالة وكذلك مات معه الدولعي وكلاهما في نفس العام الذي سعوا فيه على الحافظ، وكانوا قد كتبوا شيئاً من اعتقادهم، وكتبوا خطوطهم فيه، قالوا له: اكتب خطَّك، فلم يفعل. فقالوا للوالي: قد اتفق الفقهاء كلهم وهذا يخالفهم، واستأذنوه في رفع منبره، فأرسلوا الأسرى،فرفعوا ما في جامع دمشق من منبرٍ وخزانة. وقالوا: نريد ألا تجعل في الجامع إلا صلاة الشافعية. وكسروا منبر الحافظ، ومنعوه من الجلوس، ومنعوا أصحابنا من الصلاة في مكانهم، ففاتهم الظهر.
ثم إن النَّاصح جمع البنوية وغيرهم وقالوا: إن لم يخلُّونا نصلّي صلينا بغير اختيارهم. فبلغ ذلك القاضي، وكان صاحب الفتنة، فأذن لهم، وخاف أن يصلّوا بغير إذنه. وكان الحنفية حموا مقصوراتهم بجماعة من الجند . وقد تناول ابو المظفَّر سبط ابن الجوزي في: «مرآة الزمان» هذه الفتنة تناولاً يدل على عقيدته الخبيثة، فزعم: «إجماع الفقهاء على الفتيا بتكفير عبد الغني، وأنه مبتدع لا يجوز أن يترك بين المسلمين».
ورد عليه الذهبي رداً يبين موقفه هو الآخر من أمور المعتقد فقال في «السِّير» :
«قد بلوت على أبي المظفر المجازفة، وقلة الورع فيما يؤرخه، والله الموعد، وكان يترفض، رأيت له مصنفاً في ذلك فيه دواهٍ، ولو أجمعت الفقهاء على تكفير الحافظ عبد الغني كما زعم لما وسعهم إبقاؤه حياً، فقد كان على مقالته بدمشق أخوه الشيخ العماد والشيخ موفق الدين، وأخوه القدوة الشيخ أبو عمر، والعلامة شمس الدين البخاري، وسائر الحنابلة، وعدّة من أهل الأثر!!! وكان بالبلد أيضا خلق من العلماء لا يكفرونه!! نعم: ولا يصرّحون بما أطلقه من العبارة لما ضايقوه، ولو كف عن تلك العبارات، وقال بما وردت به النصوص لأجاد ولسلم، فهو الأولى، فما في توسيع العبارات الموهمة خير. وأسوأ شيء قاله: أنه ضلل العلماء الحاضرين، وأنه على الحق!! فقال كلمة فيها شر وفساد وإثارة للبلاء، رحم الله الجميع وغفر لهم، فما قصدهم إلا تعظيم الباري عزوجل من الطرفين!!! ولكن الأكمل!! في التعظيم والتنزيه الوقوف مع ألفاظ الكتاب والسنة، وهذا هو مذهب السلف رضي الله عنهم، وبكل حال فالحافظ عبد الغني من أهل الدين والعلم والتأله والصَّدْع بالحق، ومحاسنه كثيرة، فنعوذ بالله من الهوى والمراء والعصبية والافتراء، ونبرأ من كل مجسِّم!! ومعطِّل.»
4- محنته في مصر:
بعدما حدث للحافظ من محن على يد أشاعرة دمشق، خرج منها إلى بعلبك فأقام بها مدة، فقال له أهلها: إن اشتهيت جئنا معك إلى دمشق نؤذي من آذاك، فرفض الحافظ حرصًا على السلامة وعدم إثارة أدنى فتنة بين المسلمين، ثم توجه الحافظ إلى مصر وأخذ في التحديث والتدريس وذلك سنة 595هـ، فلم يُعجب ذلك أشاعرة دمشق الذين لم يكونوا ليرضوا بأي شيء سوى قتل الحافظ أو نفيه ومنعه من نشر العقيدة الصحيحة، فأرسلوا بالعديد من الفتاوى إلى صاحب مصر وهو الملك عماد الدين بن السلطان صلاح الدين الأيوبي تشنع ضد الحنابلة عمومًا والحافظ عبد الغني المقدسي خصوصًا، وترميهم بالتجسيم والتشبيه والزندقة، وهكذا حتى عزم عماد الدين على طرد الحنابلة من كل أنحاء مصر والتنكيل بهم، فدعا عليه الحافظ ألا يمكنه الله عز وجل من ذلك، فخرج عماد الدين للصيد وفي نيته إصدار منشور الطرد بعد عودته من رحلة الصيد، فكبا به فرسه فسقط عنه فانخشف صدره ومات بعد عدة أيام وهو في السابعة والعشرين من العمر، فعظم الحنابلة في أعين الناس وعدوها كرامة كبيرة للحافظ، الذي أقام في مصر معززًا مكرمًا، فلم ييأس الأشاعرة من محاولاتهم الدؤوبة لإسكات الحافظ، فأخذوا في تأليب الملك العادل وولده الأمير الكامل محمد ضد الحافظ، وبالغ بعض الأشاعرة فأفتوا بكفره وإباحة دمه وكتبوا أوراقاً بذلك، ولكن الله عز وجل نجاه من كل سوء، وحفظه بحفظه لعباده المؤمنين والصالحين.
ولكن الأمر قد ضاق بشدة على الحافظ وتكاثرت عليه الهموم والعلل وهو في كل يوم يترقب من يؤذيه ويسعى فيه، حتى مات رحمه الله في القاهرة في ربيع الأول سنة 600هـ وهو دون الستين.
5- وفاته:
قال الحافظ أبو موسى: مرض والدي - رحمه الله - في ربيع الأول، سنة ستمائة مرضاً شديداً، منعه من الكلام والقيام، واشتد به مدة ستة عشر يوماً، وكنت كثيراً ما أسأله: ما تشتهي؟ فيقول: أشتهي الجنة، أشتهي رحمة الله، لا يزيد على ذلك. فلما كان يوم الاثنين جئت إليه، وكان عادتي أبعث من يأتي كل يوم بكرة بماء حار من الحمام يغسل به أطرافه. فلما جئنا بالماء على العادة مدَّ يده، فعرفت أنه يريد الوضوء، فوضأته وقت صلاة الفجر، ثم قال: يا عبد الله، قم فصل بنا وخفف، فقمت فصليت بالجماعة، وصلَّى معنا جالساً. فلما انصرف الناس جئت، فجلست عند رأسه، وقد استقبل القبلة، فقال لي: اقرأ عند رأسي سورة «يس» فقرأتها، فجعل يدعو الله وأنا أؤمن، فقلت: هاهنا دواء قد عملناه تشربه؟ فقال لي: يا بنيّ ما بقي إلا الموت، فقلت: ما تشتهي شيئاً؟ قال: أشتهي النظر إلى وجه الله تعالى. قلت: ما أنت عني راض؟ قال: بلى والله، أنا عنك راض، وعن إخوتك، وقد أجزت لك ولإخوتك ولابن أخيك إبراهيم.
وكان أبو موسى يقول: أوصاني أبي عند موته: لا تضيعوا هذا العلم الذي تعبنا عليه؛ يعني الحديث. فقلت: ما توصيني بشيء؟ قال: مالي على أحد شيء، ولا لأحد علي شيء.


اعداد: الفرقان




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]