عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18-09-2020, 02:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي العداوة الأزلية

العداوة الأزلية (1)


أ. د. فؤاد محمد موسى





سلسلة تأملات تربوية في بعض آيات القرآن الكريم

العداوة الأزلية

﴿ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ ﴾ [طه: 117]

"إبليس"


الحلقة الأولى

أخي المسلم، أيُّنا ينكر عداوة الشيطان له، والله يقول: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6]؟! فالعداوة بين المسلم والشيطان حقٌّ، لا مِرية فيها، وهي مِن سنن الله الكونية القدرية، قرَّرها الله عز وجل في قوله: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ [فاطر: 6].


ومِن رحمة الله سبحانه وتعالى بنا أن أعلَمَنا مَن هو الشيطان، وما هي قصةُ عداوته للإنسان، وكيف نشأت؟
وبدايةُ هذه العداوة قديمةٌ وأزلية، بدأت مع بداية خَلْق آدمَ وإعداده للخلافة، وتطورت مع تطوُّر مراحل خَلْق آدم وإعداده للخلافة.






وسوف يتم تناولُ هذا الموضوع على حلقات إن شاء الله.

الحلقة الأولى:
لنبدأِ القصة:
لنَعِشْ لحظات مع قصة البشرية الأولى وما وراءها مِن إيحاءات أصيلة:
ها نحن أولاءِ - بعينِ البصيرة في ومَضات الاستشراف - في ساحة الملأ الأعلى، وها نحن أولاءِ نسمَع ونرى قصةَ البشرية الأولى:
أولًا: مرحلة إعداد مسرح الأحداث (إعداد الملائكة وإبليس لأدوارهم)




بدأت هذه المرحلةُ بعملية إعداد تمثَّلَتْ فيما يلي:
(1) إعلان خَلْق بشَر.
﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ﴾ [ص: 71].
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ﴾ [الحجر: 28].
تبدأ قصةُ البشرية بأحداثها المثيرةِ.
كان هذا أولَ إخبارٍ مِن الله للملائكة بخَلْق مخلوق جديد "بشر"، ومادة تكوينه مِن طين، وقد تم تحوُّل الطين بعد ذلك إلى صلصال.


ولكن ما الهدف مِن هذا الإخبار؟
هل كان إبليس مشمولًا أيضًا بهذا الخبر؟
وإذا كانت الإجابة بالإيجاب، فلماذا؟
لنرجِعْ إلى الأحاديث النبوية الخاصة بخلق آدم، لعلنا نتحسَّس الإجابة.


عن أبي هريرة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن اللهَ خلَق آدم مِن تراب، ثم جعله طينًا، ثم تركه حتى إذا كان حمأً مسنونًا خلَقه الله وصوَّره، ثم تركه حتى إذا كان صلصالًا كالفخَّار، قال: فكان إبليس يمرُّ به فيقول: لقد خُلِقتَ لأمرٍ عظيم))؛ مسند أبي يعلى.


وعن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لما خلق الله آدم، تركه ما شاء أن يدَعَه، فجعل إبليس يطيفُ به، فلما رآه أجوفَ، عرَف أنه خَلْقٌ لا يتمالك))؛(مسلم).


وعن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن اللهَ خلَق آدمَ مِن قبضة قبضها مِن جميع الأرض؛ فجاء بنو آدمَ على قدرِ الأرض؛ جاء منهم الأبيضُ والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيثُ والطيب، والسَّهْل والحزن وبين ذلك))؛ (أحمد).


عن أبي هريرةَ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كان طولُ آدمَ ستين ذراعًا في سبعِ أذرُعٍ عَرْضًا))؛(أحمد).


عن مسلمِ بن يسار الجهني: أن عمرَ بن الخطاب سُئل عن هذه الآية: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ﴾ [الأعراف: 172] الآية، فقال عمرُ بن الخطاب: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُسأَلُ عنها، فقال: ((إن اللهَ خلق آدم - عليه السلام - ثم مسَح ظهره بيمينِه فاستخرج منه ذريةً، قال: خَلقتُ هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون،ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، قال: خلقتُ هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون))،فقال رجلٌ: يا رسول الله، ففيمَ العملُ؟ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا خلَق اللهُ العبدَ للجنة، استعمَله بعمل أهل الجنة، حتى يموتَ على عملٍ مِن أعمال أهل الجنة؛ فيدخُلُ به الجنة،وإذا خلَق الله العبد للنار، استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على عمل أهل النار؛ فيدخُلُ به النار))؛ (مالك، أحمد).


وقد جاء في قَصص الأنبياء للإمام الحافظ ابن كثير: "ذكر السُّديُّ عن أبي مالك وأبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناسٍ مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: فبعث اللهُ عز وجل جبريل في الأرض ليأتيه بطينٍ منها، فقالت الأرض: أعوذُ بالله منك أن تنقص مني أو تَشينني، فرجع ولم يأخذ، وقال: رب، إنها عاذَتْ بك فأعَذْتُها،فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها، فرجع فقال كما قال جبريل،فبعث الله ملَك الموت فعاذت منه، فقال: وأنا أعوذ باللهِ أن أرجعَ ولم أُنفِذْ أمره، فأخذ مِن وجه الأرض وخلطه، ولم يأخذ مِن مكان واحد، وأخذ مِن تربة بيضاء وحمراء وسوداء؛ فلذلك خرج بنو آدم مختلفين،فصعِد به، فبلَّ التراب حتى عاد طينًا لازبًا،واللازب: هو الذي يلزق بعضه ببعض، ثم قال للملائكة: ﴿ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ص: 71، 72]،فخلَقه الله بيدِه؛ لئلا يتكبرَ إبليسُ عنه، فخلَقه بشرًا، فكان جسدًا مِن طين أربعين سنة مِن مقدار يوم الجمعة، فمرت به الملائكة ففزِعوا منه لَمَّا رأوه، وكان أشدَّهم منه فزعًا إبليسُ، فكان يمرُّ به فيضربه، فيصوِّتُ الجسدُ كما يصوِّتُ الفخار يكون له صلصلة، فذلك حين يقول: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14]، ويقول: لأمرٍ ما خُلقتَ، ودخل مِن فِيهِ وخرج مِن دُبُرِه، وقال للملائكة: لا ترهَبوا مِن هذا؛ فإن ربَّكم صمَدٌ، وهذا أجوفُ، لئن سُلِّطْتُ عليه لأُهلِكَنَّهُ.


ومِن هنا ندرك أن إبليسَ كان مَعنيًّا بهذا الإخبار، فكان مهمومًا بهذا المخلوق، وأشد فزعًا مِن الملائكة منه، فيمر عليه ويطوف به ويختبر كينونته ويكتشف خصائصه، فكان يضربه، فيصوِّتُ الجسد كما يصوت الفخَّار، يكون له صلصلة، فلما رآه أجوفَ، دخَل مِن فيه وخرج مِن دُبُرِه، وقال للملائكة: لا ترهَبوا من هذا؛ فإن ربَّكم صمَدٌ، وهذا أجوفُ، لئن سُلِّطتُ عليه لأهلكنَّه،ومِن هنا عرَف أنه خَلْقٌ لا يتمالك.


إن خَلْقَ آدمَ مِن تراب، ثم تحوُّله إلى طين، ثم تحوُّله إلى صلصال لفترات طويلة متتالية من الزمن كما جاء في الأحاديث - أتاح الفرصةَ لإبليس لدراسة هذا المخلوق دراسةً وافية عن تكوينه وخصائصه الطينية داخليًّا وخارجيًّا، كما أتاح له تكوينَ مفاهيمه الشخصية عنه،وهذا ما يَسَّرَ عليه وسوستَه له فيما بعدُ.


إن عِلمَ إبليس بأن تكوين هذا المخلوق مِن طين كان غَوايةً له مِن الله، مما جعله يتعامل معه باحتقار فيضربه، ويدخل مِن فيه ويخرج مِن دُبُره، ويقول للملائكة: هذا أجوفُ، لئن سُلِّطتُ عليه لأهلكنَّه،وظن أنه خيرٌ منه،وهذا ما قاله إبليسُ لله، وما ستبيِّنه الأحداثُ القادمة؛ كما في الآيات: ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12]، ﴿ قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ﴾ [الحجر: 33].


ورغم هذا، كان لدى إبليسَ إحساسٌ بأن هذا المخلوقَ سيكونُ له شأنٌ عظيم، فكان يسأل في نفسِه ويقول: لأمرٍ ما خُلِقْتَ، ثم يقول لنفسه: لقد خُلِقْتَ لأمرٍ عظيم!


وكان لا يذكُرُ ذلك لغيره مِن الملائكة كما يذكر لهم احتقارَه له بقوله: لا ترهَبوا مِن هذا؛ فإن ربَّكم صمَدٌ، وهذا أجوفُ، لئن سُلِّطْتُ عليه لأهلكنَّه!


نعم، لقد خُلِقَ لأمرٍ عظيم! ما هو؟


(2) إعلان خلافةِ آدمَ.
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ... ﴾ [البقرة: 30].
بدأ إعلانُ خلافة آدمَ في احتفال مَهِيب، في رحاب الملأ الأعلى،يُعلنه الله بذاته العليَّة الجليلة، وتحتشد له الملائكة - وفي زمرتهم وإن لم يكن منهم إبليسُ - وتشهَدُه السمواتُ والأرض، وما خلَق الله مِن شيء،إنه أمرٌ هائل، وحدَث عظيمٌ في تاريخِ هذا الوجودِ، ولكن لماذا هذا الإعلانُ؟
ولماذا هذا الحشد المهيب والهائل مِن الملائكة؟
وما الهدف مِن حضور الملائكة وفي زمرتهم إبليسُ؟
وما الهدف مِن إخبار الملائكةِ ومعهم إبليس بأن هذا المخلوقَ سيكون خليفةً؟
ألا يستوجب هذا كلُّه التفكيرَ والتدبُّرَ، ونحن مأمورون مِن الله بالتدبُّر والتفكُّر في كل ما جاء في القرآن؟!


﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].

﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].
إن علم إبليس بأن هذا المخلوق سيكون خليفة؛ لتتولَّد لديه الغَيرةُ مِن هذا المخلوق.


كما أن حضورَ الملائكة بهذا الحشد الهائل في مشهد خَلْق آدمَ كان احتفالًا بخَلْقه، وتكريمًا له، وأمام عينَيْ إبليس؛ ليشاهد ذلك، فتتحركَ في نفسه ضغائنُ طبيعته الحاقدة، وليرى باقي مشاهد التكريم التالية لذلك، ويعبر فيها عن طبيعة نفسه الشريرة.
إن إخبارَ الله مِن قبلُ للملائكة بأن هذا البشرَ مخلوق من طين، وعلمهم السابق بأن المخلوقات التي خُلِقَتْ في الأرض تتصفُ بسَفْك القويِّ منها دماءَ الضعيف - وهو ما نسميه الآن: قانون الغاب - دفَعَهم - بعد إخبار الله لهم الآن بأنه سيكون خليفة - للتساؤل: ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ [البقرة: 30]،وهذا الاستفسارُ كان منطقيًّا مع عدم علمهم حتى الآن أنه سيُنفَخُ فيه مِن رُوح الله،فكيف تجتمع الخلافة وهي تكريمٌ عظيم لهذا المخلوق مع خصائص الطينِ التي فيها الإفساد وسفك الدماء؟! وهذا كلُّه بأمرِ الله.


(3) استفسار الملائكة.
﴿ ... قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30].
لقد دفَع اللهُ الملائكةَ لهذا الاستفسار كما تبيَّن مِن قبل.


ولكن لماذا جاءت صيغةُ الاستفسار بها مقارِنةً بين خصائص الإنسان الذي يُفسِد ويَسفِك الدماء وخصائص الملائكة التي تسبِّح بحمد ربها وتقدِّس له، وقولها ذلك على مسمعٍ مِن إبليسَ؟


إن هذه المقارَنة توضح الفرق الشاسع بين متناقضينِ، بين الأسود والأبيض، بين المعصية التي يقع فيها الإنسان، والطاعة المطلَقة مِن جانب الملائكة.


فقد أراد اللهُ أن يسمَعَ إبليسُ ذلك؛ فيقعَ في ظنه أنه خيرٌ مِن هذا المخلوق الذي يُفسِد في الأرض، ويسفِك الدماء، فتتم غوايته، كما يعرف إبليسُ أيضًا أن تكوينَ آدمَ مِن طين الأرض هو المدخلُ لغوايته وإفساده، وهذا ما تبين في قول إبليسَ فيما بعد: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الحجر: 39]؛ فشهواتُالإنسان الطينيةُ مِن مأكل ومشرب وجنس وحب التملُّك والشهوة -كلُّها مداخلُ الشيطانِ للغَواية.


(4) إجابة الله على الملائكة.
﴿ ... قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30].
لقد كان ردُّ الله على الملائكة بأنه يعلَمُ مِن المصالح ما هو خفيٌّ عليهم، ولحكمة في خَلْق الخليفة لا يعلمونها،نعم إنها إرادةُ الله وتدبيرُه.


ولكن، ما الذي لم تكُنِ الملائكةُ تعلَمه؟
إن اللهَ عز وجل لم يخبِرْ بعدُ الملائكةَ، ومعهم إبليس، بأن هذا المخلوقَ سيكونُ في تكوينه سرُّ تميُّزه بالنفخ فيه مِن رُوحِه.
للنظر في الأحداثِ القادمة لعل فيها الإجابةَ.


(5) صدور الأمر مِن الله للحضور مِن الملائكة وإبليس بالسجود لآدمَ بمجرد نفخ الله الرُّوحَ فيه.
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34].
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الأعراف: 11].
﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 29].
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ﴾ [الإسراء: 61].
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ... ﴾ [الكهف: 50].
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى ﴾ [طه: 116].
﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ص: 72].

لقد صدَر الأمرُ مِن الله للملائكة ومعهم إبليسُ بالسجود لآدمَ بمجرد أن ينفُخَ اللهُ فيه مِن روحه.
ولكن لماذا أخبر اللهُ الملائكة وإبليس أنه سينفُخُ مِن رُوحه في آدم؟
ولماذا أمَر اللهُ الملائكة وإبليسَ بالسجود لآدم؟
ولماذا صدر هذا الأمر قبل نَفْخِ الرُّوح في آدم وليس بعده؟
هنا علِم إبليسُ قدر نفسه بالنسبة لآدم!
وهنا علِم إبليسُ قدر آدم بالنسبة له وللملائكة!


إن لآدمَ شأنًا عظيمًا! إن فيه نفخةً مِن رُوح الله، وهناك أمرٌ بالسجود له على الفور؛ تكريمًا لوجودِ هذه الرُّوح في هذا المخلوق، لقد تفرَّد بهذا التكريم.
لقد تهيَّأتِ الملائكةُ للسجود على الفور، وامتلأ قلبُ إبليسَ بالغيظ، ولكن كيف ستكون استجابتُه لله؟
وهذا يشيرُ إلى أن الإعلانَ عن خَلْق آدم كان مِن أجل حشدِ الملائكة وإبليس للسجود لآدمَ، وإعداد الموقف التعليمي لتدريب آدمَ منذ اللحظة الأولى على مهمَّتِه التي خُلِقَ مِن أجلها؛أي: إن خَلْق آدمَ والإعداد لتدريبه على مهمته تلازَمَا معًا في نفس الوقتِ.


(6) نفخ الرُّوح في آدم.

﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 29].
﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ص: 72].
لقد نفَخ اللهُ مِن رُوحه في آدم،هنا اتضح السرُّ الكبير في عظمةِ وعلوِّ شأن هذا المخلوق، إنها نفخةُ اللهِ عز وجل فيه مِن رُوحِه، إنه ليس مخلوقًا مِن طين فقط، بل أصبح فيه سرُّ تميُّزه الذي خفِيَ مِن قبلُ على الملائكة وعلى إبليس، فما هو المطلوبُ الآن؟







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.94 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.55%)]