عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-12-2020, 06:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نور البيان في مقاصد سور القرآن: آل عمران

نور البيان في مقاصد سور القرآن: آل عمران
أحمد الجوهري عبد الجواد
﴿ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ ﴾ [آل عمران: 36]؛ ومعنى (مريم): الخير الكثير؛ أي: هذا المولود أرجو له أنْ يكون خيِّرًا، وهذا من التفاؤل، ولذلك حبب إلينا النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنْ نسمي أولادنا أسماءً حسنة، تسميه حسن، تسميه صالح، تسميها بركة، تسميها كذا؛ رجاء أنْ يكون لهم من اسمهم هذا حظٌ ونصيب؛ تسميه مسعود، تسميه سعداً، تسميه كذا، ذلك ليُرجى فيه الخير، ﴿ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران: 36]؛ الشيطان يستقبل المولود لدى ولادتها فيطعنه طعنة في جنبه بيده الخبيثة، ولذلك شُرع لنا أنْ نؤذن في أذن المولود؛ يعني: عند أذنه، ليس في أذنه مباشرةً؛ وإنما عند رأسه نؤذن له؛ فالشيطان ينصرف بالآذان ولا يطيق سماعه؛ فنرحم الصغير من طعناتِ الشيطان؛ كأنَّه يقول له: أنا في انتظارك، هذا قرينه من الجن، من الشياطين، هذا قرينه الذي يصاحبه طول عمره؛ فيقول له: أنا أستقبلك، أنا في انتظارك، تشوقت إليك، -تعالى- حتَّى أغويك وأدخلك النار؛ فالمولود يصرخ ولا ندري مم؟

لكن علما النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- الذي علمه الله ما لم يكن يعلم، لم ينج من هذه الطعنة إلا مريم وابنها[20] لدعوة أمهما: ﴿ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ... ﴾ [آل عمران: 36، 37] إلى آخرِ الآيات.
أرأيتَ هذه الأسرةَ، أسرة طيبة صالحة، رغم الخبَث الذي يعيش فيه اليهود، رغم العفن الذي يحيا فيه اليهود كالديدان والحشرات القبيحة القميئة كما صورت لنا سورة البقرة، هذه سورة آل عمران تشير وتسلط الأضواء على هذه الأسرة الطيبة الصالحة بين هذه الغشم الكثير.

وكانت مريم وكان أمرها حين تكفّل الله بها؛ فكفل بها زكريا -عليه السلام-، وكان اللهُ يرزقها من عنده، وكان زكريا يأتي لها بما شاء الله له من رزق -أيضًا- ويقضي لها حاجاتها وهكذا.
نشأت نشأةً كريمة، وعاشت عيشة فاضلةً في بيت المقدس، عابدةً متنسكةً خادمةً للبيت العظيم الذي بُني لله في تلك الأرض.

وقيل: هو ثاني بيت بعد البيت الحرام في مكة.
إلى أنْ جاءَها أمر الله، يومٌ من الأيام؛ أرسل الله إليها ملكاً وبشَّرها بعيسى -عليه السلام-؛ حملاً من غير نكاحٍ؛ أي: زواج ولا سِفاح؛ يعني: ولا زنى، فلا نكاح ولا سِفاح، ومع ذلك شاءَ الله لها أنْ تحمل.

كما يعلم اليهود كلهم صلاحَ هذه الأسرة؛ تعلم مريم وغيرها خبثَ بني إسرائيل وخبثَ اليهود، فلذلك لما توقعت ما سيقولون عنها؛ ﴿ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ﴾ [مريم: 23]؛ تمنت الموت ولا تقال كلمةٌ خبيثةٌ على عرضها؛ فلا قيمة للعرض مع خدشها وكسره وشرخه[21]، صان الله وحفظ أعراضنا جميعاً.

اليهود يشهدون بصلاحِ هذه الأسرة؛ والله يسجل ذلك على لسانهم حين جاءتهم مريم تحمل ولدها على يديها: ﴿ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا [مريم: 27]؛ فوقع ما كانت تخشاه، ﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ ﴾ [مريم: 28]؛ انظر إلى كلماتهم التي يحكيها القرآن: ﴿ يَاأُخْتَ هَارُونَ [مريم: 28]؛ يعني: يا أخت هارون الطيب، يا أخت هارون الصالح، كيف تفعلين هذا؟!

كما كان الله يقول لليهود: ﴿ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [البقرة: 40] مع أنهم ليسوا بني إسرائيل مباشرةً؛ إنما هم أحفاد إسرائيل.
وإسرائيل هذا هو سيدنا يعقوب - عليه السلام -، إنَّما كان الله ينادي عليهم بهذا النداء؛ ليذكرهم بجدهم الطيب الصالح، هذا جدكم وهذا نسلكم فلمن تشابهون؟ لماذا تخرجون عن حياة أبيكم يعقوب -عليه السلام- يا بني إسرائيل؟
كما يقول أحدنا لواحد يرى عليه منكرًا: يا ابن الشيخ، يا ابن الحاج الذي حجَّ بيت الله، أبوك رجل طيب، لماذا تفعل هذا؟
فيحتج عليه بأحد آبائه أو إخوانه أو أمهاته أو نحو ذلك.

﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ ﴾ [مريم: 28]؛ الذي هو عمران، ﴿ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾ [مريم: 28] التي هي حنة بنت فاقوذ، أبوك صالحٌ، وأمك صالحة، وأخوك هارون صالح، فمن تشابهين بهذا العمل؟ واتهموها، وإلى اليوم في كتبهم أنَّ عيسى ولد خطيئة؛ لعنهم الله بما قالوا، لكن عيسى -عليه السلام- كلمةَ الله ألقاها إلى مريم، كن فيكون، فكان حملاً بإذن الله -تعالى- من غير نكاحٍ ولا سِفاحٍ.

هذه أسرة آلِ عمران، واختارهم الله -تعالى- لصلاحهم واصطفى منهم نبيه في ختام أمة بني إسرائيل، وهو سيدنا عيسى -عليه السلام- فكان من مريم، وعمران هذا جده، وهكذا ولذلك يقول الله في سورةِ آل عمران التي معنا: ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ﴾ [آل عمران: 75]، وهذا تجده في النصارى ولا تجده في اليهود؛ ربما يقترض منك نصرانيٌ مالاً كثيراً جداً؛ ويرده لك سالماً كاملاً وافياً، أمَّا اليهود؛ فلا يفعلون هذا، ومنهم -أيضًا- من النصارى ومن اليهود من باب الأولى؛ ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ﴾ [آل عمران: 75]؛ لا بُدَّ أنْ تدورَ حوله وتطلب الدرهم الواحد الذي لك عنده؛ حتَّى تأخذه، وربما لا يعطيك -أيضًا-، فمنهم ومنهم؛ أي: منهم صالح، ومنهم غير صالح.

هكذا يبيِّنُ الله لنا الأمور؛ فسورة آل عمران جاءت تقول: ليسوا سواء؛ بنو إسرائيل ليسوا على شكلٍ واحدٍ، ولا طبيعةٍ واحدةٍ؛ ﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾ [آل عمران: 113]؛ هذا فريقٌ منهم، ويقول الله في آية أخرى: ﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ [آل عمران: 78]؛ يعني: يحرفون في كتاب الله، وكلام الله؛ ﴿ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 78].
هكذا كانت سورتنا ونسأل الله -تبارك وتعالى- أنْ يعلمنا ما ينفعنا، وأنْ ينفعنا بما علمنا، ونعوذ به من علم لا ينفع، أقول قولي هذا وأستغفر الله -تعالى- لي ولكم.
♦ ♦ ♦ ♦

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعدُ:
فأوصلكم عباد الله بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، وأحذركم ونفسي عن عصيانه -تعالى- ومخالفة أمره، فهو القائل -سبحانه وتعالى-: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صلِّ على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صلت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد:
إخوة الإسلام عباد الله، ففي هذه السورة وفي حديثها المجمل هذا عِبَرٌ، لكن نأخذ منها ما تيسر، من العِبر المهمة -حسب ما سمعنا من هذا الدرس- عبرةٌ للمؤرخين، عبرةٌ للواصفين، من يؤرخ أو يصف أهل بلد أو أهل زمان، أو أهل مسجد معين، أو أهل حي مخصوص، أو عائلة من العائلات، عادةً لو ظلمني واحدٌ من عائلة أو بلد؛ أقول هذه العائلة ظلمة، مع أنَّ الذي ظلمني واحدٌ فقط، هذه البلد بلد الفلانية، هذه تدخلها وتخرج من غير ملابسك؛ يعني: كلهم لصوص، مع أنَّ الذي سرقني واحد فقط.
وهكذا حكم البشر على البشر يعممونه على الجميع؛ على الظالم وغيره، لا؛ إنِّما ينبغي أنْ نميز.

الله -تعالى- يريدُ مِنَّا أنْ نعطي لكلِّ ذي حقٍّ حقَّه؛ بنو إسرائيل بهذا الوصف القبيحِ الذي قرأتُموه وسمعتُموه في سورةِ البقرةِ، ولكن ليسوا سواء؛ منهم كذا، ومنهم كذا، ومنهم كذا، فيا من تؤرخ، يا من تكتب، يا من تنقل وصفًا عن قوم من الأقوام؛ صغروا أم كبروا، قلَّوا أو كثروا، عليك أن ترعى الأمانة في الوصف؛ والله نزلت على آل فلان؛ عائلة فلان؛ فقام واحد منهم وفعل معي كذا وكذا، ولا أعمم الحكم على الجميع؛ فلم يقوموا جميعًا لسرقتي أو لظلمي أو للاعتداء علي؛ إنَّما قام واحد أو اثنان أو ثلاثة والقوم كثيرون؛ فينبغي أنْ نرعى الأمانة في هذا، هناك عبرةٌ جليلةٌ تنفعُ كل واحد منَّا ونحتاج إليها أمس الحاجة؛ وذلك في وجود هذه الأسرة، كيف احتفظت بصلاحها وتدينها وطهرها وعفتها في وسط هذا الخَبَث الكثير من بني إسرائيل، في وسط هذا النَجس من بني إسرائيل؟ حسب ما قرآنا وسمعنا في سورة البقرة، كيف احتفظت هذه الأسرة بتدينها؟ بعلاقتها الوصيلة والعظيمة بالله رب العالمين؟

امرأة ترجوا الله بقلبها ورُبَّما نطقت ببعض الكلمات تطلب حملاً أن يرزقها الله بنسل، فيرزقها؛ فحينما ترزق تهب هذا الرزق لله؛ أنا لا أريد شيئاً معيناً يا رب ولكن أردت أن أثبت أمومتي؛ أنني أحمل وأضع، فما رزقتني فهو لك، فما رزقتني فهو لك تنذره كله لله، ليسَ كأحدنا في هذه الأيَّام لا ينذر ولده لله؛ لأن يحفظه قرآناً مثلاً أو يدخله الأزهر أو نحو ذلك؛ إلَّا إن كان من المتردية والنطيحة وما أكل السبع، إن كان مشوهاً بتشويهٍ معين أو معوقاً بإعاقة معينة ولا تقبله مدارس اللغات ولا مدارس الراهبات ولا المدارس الحديثة هذه؛ فعند ذلك يقول: هذا وهبناه لله، نذرناه للقرآن؛ إذاً صحَّ فينا قول الله -تعالى-: ﴿ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ [البقرة: 267]؛ ما وهبتموه لله إلَّا بعد أن زهدتهم أنتم فيه؛ تتمنون أن يزول من حياتكم، ولذلك يسبِّق الناس كثيراً اليوم والمرأة حامل وتقلق على نفسها قلقاً لا داعي له وتكشف كلَّ يوم سوناراً؛ حتَّى يقول لها الأطباء: الجنين مشوه، أو يغلب على الظن: أنه سيكون مشوهاً، وينبغي أن تنزليه وتجهضيه، والكثيرات تُقبل على ذلك، كيف أستقبل مولوداً مشوهاً ماذا أصنع به؟ فتعترض على قدر الله، ورُبَّما كانت هي السبب في تشويهه بما تتناول من أطعمة أو أغذية أو أدوية أو في حركاتها لا تراعي أنَّها حامل فيتشوه الجنين، ومع ذلك تعترض عليه وتجهضه من مبكر الوقت، لماذا لا نستقبله؟ ومرحباً بما خلق الله سليماً أو غير سليم؛ ولماذا لا ننذر لله إلَّا ما تزهد فيه النفس ولا يقبله الإنسان؟ إنما ينبغي أنْ ننفق لله أطايب الأشياء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ[البقرة: 267].

وهذا الإجهاض حرام، وحدث معي أكثر من مرة سألتني بعض السائلات عن هذه المسألة؛ فقلت لها: حرامٌ إجهاضه، اتركيه لله كما يأتي به الله -سبحانه وتعالى-.
الأطباء بشر ويُتوقع منهم الخطأ، والأجهزة ليس لها عقل؛ إنِّما تعمل بعقل الإنسان؛ فربما تخطئ هي الأخرى في التقاط الصور، هذا كثيراً ما يحدث فاتركي الأمر لله، ولكن خذي بالأسباب الشرعية؛ من هنا إلى أن تلدي حملك؛ اشتغلي بالدعاء أنْ يحفظ الله حملك، وأن يجعله صالحاً، وأن يجعله سليماً وأنْ يعافيه.. وهكذا.

والحمد لله تبشرني أكثر من واحدة بعد أنْ يكرمها الله؛ وتقول: بحمد الله يا شيخ -جزاك الله خير- لقد وضعت حملي سالماً تماماً؛ لا شيء فيه، وتبارك الله أحسن الخالقين، فلماذا نتعجل ونجهض؟ هذا لا يجوز؛ وليأت مشوهاً نحافظ عليه ونحفظه في الحياة، ويعيش كما أراد الله له -سبحانه وتعالى-؛ لكن لا ننتقيه هذا المعوق، أو هذا المشوه لا ننتقيه لنهبه لله.
أمَّا هذا الصالح؛ فنهبه للغة الأعاجم؛ نعمله في مدرسة أجنبية، أو في مدرسة كذا، لا تعلم الدين، أو كذا من المدارس التي لها الصيت والسمعة، ولا يكون لله فيه حظاً؛ فيتخرج من تعليمه، ولا يعرف أنْ يقرأ كلام الله في المصحف؛ مع أنَّ كل حرف عليه شكله بفتحة أو ضمة أو كسرة؛ يعني: كأنَّ واحداً يأخذ بيده ليقرأ ومع ذلك لا يستطيع القراءة.

كم لله في هذا المولود؛ وإن تخرج وصار أستاذاً كبيراً؛ كم لله فيه! لا حظَّ لله فيه إنِّما وهبنا لغير الله؛ ﴿ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا ﴾ [آل عمران: 35] خالصاً لله -سبحانه وتعالى-.
إذاً علينا -ونستطيع أحبتي الكرام- أنْ نعيش بدين الله ولو كنا في جوٍ كله عصيان، ولو كنا في بيئة كافرة، في بعض البلاد الكافرة يستطيع الإنسان أن يحفظ دينه؛ وهذا من عظمة الدين أنَّه يطبق في الفرد وحده، ويطبق في الأسرة وحدها، ويطبق في المجتمع كله، ويطبق على الدولة كلها، ويطبق على كل الدول كما كانت دولة الإسلام الكبيرة التي عمَّت الأرض كلها، ويحكمها كتاب الله وسنة رسول الله -عليه الصلاة والسلام-؛ وكان المسلمون الأوائل في مكة أفراداً كل يسلم في نفسه، والبيئة كلها كافرة من حوله تضطهده وتحاربه وهو يحيى بدين الله.

وكيف عاشت امرأة فرعون مسلمةً لله؛ بما كان عندها من شريعة، في بيت فرعون! وما أدراك ما فرعون إنه طغى؛ قال: أنا ربكم الأعلى، وعاشت مسلمةً لله، وقالت قولتها العظيمة: ﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11]، ولم تغرَّها القصور الفرعونية كلها، ولا تلك الآثار التي يلهث الناسُ وراءها؛ لم يغرها شيءٌ من ذلك؛ لأنه باطلٌ وزائل؛ لكنها طمعت في بيت عند الله، واختر الجوار قبل الدار؛ ﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ ﴾ [التحريم: 11]، وبعدها ﴿ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11]، وهكذا كانت أسرة عمران وحنَّة -رحمها الله تعالى-، أسرةً صالحة في وسط خَبَثٍ كثير؛ فتستطيع أخي المسلم أنْ تعيش بدينك مهما كان الناس من حولك؛ فلا تقل الذي يسري عليَّ يسري على الناس، والناس هكذا، وهل أخرج على الناس شرعاً؟

نعم عش وحدك بشرع اللهِ؛ لا مانع إنْ كان الأمر يستدعي ذلك، هناك من تتعاون معه ويتعاون معك؛ فلا مانع.
دين الله عظيم، وفي القصة عِبَر، وفي السورة دروسٌ لا تنتهي، ولكن شأننا في هذه الدروس العجالة والإجمال، لنتعرف على السورة من بعيد بنافذة عامة.
نكتفي بهذا القدر ونسأل الله -تعالى- أنْ يجعل فيه الخير.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، انفعنا يا ربنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، ونعوذ بك من علم لا ينفع، ربنا زدنا علماً نافعاً.
اللهم اهدي قلوبنا، واشرح صدورنا، ويسر أمورنا، واقض حوائجنا.
اللهم يا شافي الأمراض، يا شافي الأمراض اشف مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، اشف شيوخنا وعلماءنا ورجال الدين.
اللهم اشفهم يا رب العالمين، واحفظهم لدينهم، واحفظهم للدعوة إليك، واحفظهم لأهليهم يا رب العالمين.
اللهم إنك أنت الكريم الحليم مُنَّ علينا بشفاء عاجل يا رب العالمين، واحفظ علينا علماءنا وأئمتنا وشيوخنا وتراثنا وتاريخنا، واحفظ علينا ديننا كله برحمتك يا أرحم الراحمين.
اغفر اللهم للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريب مجيب الدعوات ورافع الدرجات.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمالنا أواخرها، وأوسع أرزاقنا عند كِبر سننا، وخير أيامنا يوم نلقاك يا أرحم الراحمين.
عباد الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم... وأقم الصلاة.

[1] تقدم أن أسماء السور توقيفية من عند الله، وأنّه هو الرأي الراجح؛ لكن استدلال المصنف بهذه الآية على هذا بعيد.

[2] صحيح، رواه الترمذي: 5/ 175، في باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن ماله من الأجر، من كتاب أبواب فضائل القرآن، برقم (2910) والبيهقي في شعب الإيمان: 3/ 371، برقم (1830)، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

[3] انظر: الروض الأنف، للسهيلي: 5/ 11، وأسباب النزول، للواحدي، ص: 97، ولباب النقول، للسيوطي، ص: 40، والدر المنثور: 2/ 142.

[4] انظر: سيرة ابن هشام: 2/ 559، والروض الأنف: 7/ 382، وسبل الهدى والرشاد: 6/ 254، 260.

[5] حسن، رواه أبو داود: 2/80، في باب الدعاء، من كتاب أبواب الوتر، برقم (1496)، والترمذي: 5/517، في باب من الدعوات، برقم (3478)، عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها.

[6] تقدم تخريجه.

[7] قال ابن الأثير: والمباهلة الملاعنة، وهو أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا لعنة الله على الظالم منا. النهاية في غريب الحديث والأثر: 1/ 167، ولسان العرب، لابن منظور: 11/ 72، مادة: [ب هـ ل].

[8] انظر: التفسير البسيط، للواحدي: 5/ 320، 321، والكشاف، للزمخشري: 1/ 368، وفتوح الغيب، للطيبي: 4/ 129، 130.

[9] اسمه: أبو حارثة بن علقمة. جامع البيان، للطبري: 6/ 151، وتفسير البغوي: 1/ 406، والجامع لأحكام القرآن الكريم، للقرطبي: 4/ 4.

[10] جامع البيان، للطبري: 6/ 328، وتاريخه: 1/ 585، وفيهما: (حَنَّة ابنة فاقوذ بن قتيل)، والمعارف، لابن قتيبة، ص: 52، والدر المنثور: 2/ 180، والإتقان: 2/ 97، ومعترك الأقران، ص: 369.

[11] حسن صحيح، رواه أبو داود: 4/197، في باب شرح السنة، من كتاب السنة، برقم (4596)، وابن ماجه: 2/1322، في باب افتراق الأمم، من كتاب الفتن، برقم (3992)، عن عوف بن مالك رضي الله عنه.

[12] حسن، رواه الترمذي: 5/ 26، في باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، من كتاب أبواب الإيمان، برقم (2641)، والطبراني في الكبير: 13/30، برقم (62)، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[13] انظر: جامع البيان، للطبري: 10/ 508، برقم: (12326)، وابن أبي حاتم في تفسيره: 4/ 1185، برقم: (6680)، والسنن الكبري، للنسائي: 10/ 84، برقم: (11083)، وأسباب النزول، للواحدي، ص: 203، ولباب النقول، ص: 84، والدر المنثور، كلاهما للسيوطي: 3/ 129.

[14] انظر قصة الهجرة إلى الحبشة في سيرة ابن هشام: 1/ 322، وما بعدها، والروض الأنف، للسهيلي: 3/ 120، وما بعدها، وسبل الهدى والرشاد، للصالحي الشامي: 2/ 363، وما بعدها.

[15] توثيقة.

[16] اسمها: أم محجن. السنن الكبرى، للبيهقي: 4/ 80، برقم: (7020)، والخصائص الكبرى، للسيوطي: 2/ 112.

[17] متفق على صحته، ر واه البخاري: 1/99، في باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان، من كتاب الصلاة، برقم (458)، ومسلم: 2/659، في باب الصلاة على القبر، من كتاب الجنائز، برقم (956)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[18] صحيح، رواه ابن ماجه: 1/490، في باب ما جاء في الصلاة على القبر، من كتاب الجنائز، برقم (1530)، وأحمد في مسنده، برقم (15673)، والدارقطني في سننه: 2/444، برقم (1845)، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

[19] ذكر هذه العلة الطيبي على مشكاة المصابيح: 4/ 1395، وقال البخاري: "فحقروا شأنه"، صحيح البخاري: 2/ 89، برقم: (1337)، وذكر العقبي علة أخرى: "أي إجلالا له، وتعظيمًا، لأنه لا يُدرَى ما يحدث له في نومه، من الوحي، أو غيره". ذخيرة العقبي في شرح المجتبى: 19/ 66.

[20] رواه البخاري: 4/125، في باب صفة إبليس وجنوده، من كتاب بدء الخلق، برقم (3286)، عن أبي هريرة، ولفظه: «كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعُنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبَيْهِ بِإِصْبَعِهِ حِينَ يُولَدُ، غَيْرَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذَهَبَ يَطْعُنُ فَطَعَنَ فِي الحِجَابِ».

[21] ومنه قول حسان بن ثابت:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه
لا بارك الله بعد العرض في المال
أحتال للمال إن أودي فأجمعه
ولست للعرض إن أودي بمحتال.

شرح ديوان لحماسة، للمرزوقي الأصفهاني، ص: 1184.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.10 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.54%)]