عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-01-2020, 06:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه بمسألة النهي عن اللعن

الفقه بمسألة النهي عن اللعن
صلاح عامر




جواز لعن الفاسق المسلم المجاهر بفسقه المشتهر به خاصة إذا كان ضرره بينًا وأذاه وظلمه للمسلمين ظاهرًا.
وفي هذا الباب فيه خلاف بين العلماء سواء بالنسبة للكافر المعين، أو المسلم المعين: يقول الإمام النووي - رحمه الله - في " الأذكار ": فصل: اعلم أن المسلم المصون حرام بإجماع المسلمين، ويجوز لعن أصحاب الأوصاف المذمومة كقولك: لعن الله الظالمين، لعن الله الكافرين، لعن الله اليهود والنصارى، ولعن الله الفاسقين، ونحو ذلك مما تقدم في الفصل السابق وأما لعن الإنسان بعينه ممن اتصف بشيء من المعاصي، كيهودي أو نصراني أو ظالم أو زان أو مصور أو سارق أو آكل ربا، فظاهر الأحاديث أنه ليس بحرام، وأشار الغزالي إلى تحريمه إلا في حق من علمنا أنه مات على الكفر كأبي لهب وأبي جهل، وفرعون، وهامان، وأشباههم، قال: لأن اللعن هو الأبعاد عن رحمة الله، وما ندري ما يختم به لهذا الفاسق أو الكافر، قال: وأما الذين لعنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأعيانهم فيجوز أنه - صلى الله عليه وسلم - علم موتهم على الكفر. قال: ويقرب من اللعن الدعاء على الإنسان بالشر حتى الدعاء على الظالم، كقول الإنسان، لا أصح الله جسمه، ولا سلمه الله، وما جرى مجراه، وكل ذلك مذموم، وكذلك لعن جميع الحيوانات والجماد فكله مذموم. (30) وقال الإمام ابن العربي - رحمه الله - فأما العاصي المعين فلا يجوز لعنه اتفاقًا لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جيء به بشارب خمر مرارًا فقال بعض من حضره: ما له، لعنه الله، ما أكثر ما يُؤتى به! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( لا تكونوا أعوانًا للشيطان على أخيكم))، فجعل له حرمة الإخوة، وهذا يوجب الشفقة، وهذا دليل صحيح. (31) وقال الإمام ابن تيمية- رحمه الله - في توجيه الحديث السابق: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لعنة هذا المعين الذي كان يكثر شرب الخمر معلِّلاً ذلك بأنه يحب الله ورسوله مع أنه - صلى الله عليه وسلم - لعن شارب الخمر مطلقًا، فدلَّ ذلك على أنه يجوز أن يُلعن المطلق، ولا يجوز لعنة المعين الذي يحب الله ورسوله، ومن المعلوم أنَّ كل مؤمن لا بدَّ أن يحب الله ورسوله (32) ولا تعارض بين لعن المعين الفاسق وبين حقوقه الإسلامية العامة على المسلمين، من الأخوة والشفقة والنصيحة..
وفي هذا المقام يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومن جوَّز من أهل السنَّة لعن الفاسق المعين، فإنه يقول: يجوز أن أصلّي عليه وأن ألعنه، فإنه مستحقٍّ للثواب، مستحقٍّ للعقاب، فالصلاة عليه لاستحقاقه الثواب، واللعنة له لاستحقاق العقاب، واللعنة: البعد عن الرحمة، والصلاة عليه: سبب للرحمة، فيُرحم من وجه، ويُبعد عنها من وجه" (33) ومَن أقيم عليه حدُّ الله فلا ينبغي لعنه، ومَن لم يُقَم عليه الحدّ فلعنته جائزة سواء سُمِّي أو عُيِّن أم لا؛ لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لا يلعن إلا من تجب عليه اللعنة ما دام على تلك الحالة الموجبة للَّعن، فإذا تاب منها وأقلع وطهَّره الحدُّ فلا لعنة تتوجَّه عليه، وبيَّن هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ )) (34) فدلَّ هذا الحديث مع صحّته على أن التثريب واللعن إنما يكونان قبل أخذ الحد، وقبل التوبة؛ والله أعلم»(35)
وخلاصة القول في مسألة لعن المعين وعلى العموم:
أولاً: يجب على كل مسلم أن يحذر أن يكون من اللعانين؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلاَ اللَّعَّانِ وَلاَ الفَاحِشِ وَلاَ البَذِيءِ))، وأن هذا الأمر منافي لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بقوله: (( أَمْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَََََ ِِِِ)). (36) وبيانه - صلى الله عليه وسلم - أنه أول سبيل للنجاة بعد الاستجابة لما أمر الله به في كتابه وكذا رسوله - صلى الله عليه وسلم - في سنته. والتعدي على الغير باللسان بلعن من غير استحقاق، هذا مما لابد أن يقع فيه من يكثر اللعن، وربما يكون ذلك سببًا في دخوله النار لقوله - تعالى -: ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (الأحزاب: 58). ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه -: (( وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ )) (37) وحتى لا يتعرض بأن يحُرم أن يكون من الشفعاء والشهداء يوم القيامة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، أو ترد دعوته باللعن عليه، لكونه لا يستحقها الذي قصده بذلك، كما جاء معنا.
ثانيًا: إن وقع منه اللعن لمن ظاهره من الإثم ما يستحقه، فليبادر بتقييد ه بما قيده به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يقول: (( إن كان أهلا لذلك )) حتى لا يكون ظالمًا له من وجه لا يعلمه منه على حقيقته؛بأن يكون معذورًا فيه عند الله - تعالى -، ونكون بذلك قد استننا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الأمر وغيره، لقوله - تعالى -: (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)) (الأحزاب: 21)
ثالثًا: التحذير من الدعاء باللعن أو غيره على النفس والأولاد والأموال والخدم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ- تبارك وتعالى- سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ)). (38)
رابعًا: لابد من النظر إلى المصالح والمفاسد في هذه المسألة، وترجيح المصلحة على المفسدة في حال الجهر باللعن على من يستحقه، فلربما أدى ذلك الأمر إلى مفسدة وفتنة، كالدعاء باللعن مثلاً على شرار الأئمة على المنابر، أو في القنوت وغيره، أو الدعاء على طائفة من أهل البدع ممن يكونون من أهل البلدة، فيحدث بينهم وبين أهل السنة مفسدة، كحال إخواننا المستضعفين من أهل السنة والجماعة في إيران، مع الشيعة الروافض المفسدين في الأرض، أو أن المعين المستحق لذلك اللعن ظاهرًا، ولكنه من السفهاء الذين لا يردعهم رادع من الموعظة أو الوعيد، فلربما يكون على كبيرة من الكبائر، فتريد أن تزجره بالجهر بلعنه، فيؤدى ذلك الأمر عياذًا بالله من الكفر، إلى سبه لدين الله، أو الاستهزاء باللحية، أو النقاب لكون من أراد أن يزجره أو يزجرها، ممن التزام بإعفاء لحيته اقتداءًا بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو ممن التزمن من أخواتنا بالأمر الإلهي بالحجاب واقتداءًا بزي أمهات المؤمنين - رضي الله عنهم -، فقد شملهم الأمر وكذلك صفة الحجاب؛ لقوله - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الأحزاب: 59)
وختامًا: لا يجوز لعن أي شيء من الدواب، أو الحيوانات، أو الجمادات، والنهي أيضًا عن لعن الحمى، أو الديك، أو الريح، أو الدهر. وأسال الله السداد والتوفيق.
ـــــــــــــــــــــــ
1- صحيح: رواه أحمد (3948) تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح، والبخاري في " الأدب المفرد (312)، والترمذي(1977) وابن حبان في " صحيحه "(192)، والحاكم في " المستدرك "(29)، وانظر " صحيح الجامع " (5381).
2- مسلم (2589)، وأحمد في"المسند" (27569)، والبخاري في " الأدب المفرد (316) وأبو داود (4907).
3- حسن: أحمد (20187) تعليق شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره ورجال إسناده ثقات رجال الصحيح، إلا أن فيه عنعنة الحسن البصري عن سمرة، والبخاري في " الأدب المفرد " (320)، والترمذي (1967) وانظر " صحيح الجامع" (7443).
4- مسلم (2597)، وأحمد (8428) تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، والبخاري في الأدب المفرد (317).
5- رواه البخاري في " الأدب المفرد " (319)، والطبراني في " الدعاء " (2082).
6- صحيح: أحمد في "مسنده"(20697)، والبخاري في " التاريخ الكبير"، انظر " صحيح الجامع " (2542).
7- البخاري (6105، 6652)، ومسلم (110، 176).
8- "الأذكار" للنووي(ص: 506).
9- "مجموع الفتاوى" لابن تيمية(20/158).
10- البخاري(1330)، ومسلم(529).
11- البخاري(6783)، ومسلم(1687)
12- مسلم (1598)، وأحمد في " المسند" (14302).
13- البخاري(5885)
14-مسلم (1978)، وأحمد (954)، والنسائي (4422).
15-البخاري(4886، 5931)، ومسلم(2125)، و أحمد(4129، 4230)، وأبو داود (4169). (الواشمات) جمع واشمة اسم فاعلة من الوشم وهو غرز إبرة أو نحوها في الجلد حتى يسيل منه الدم ثم يحشى الموضع بكحل أو نحوه فيتلون الجلد ولا يزول بعد ذلك أبدا. (الموتشمات) جمع موتشمة وهي التي يفعل فيها الوشم. (المتنمصات) جمع متنمصة وهي التي تطلب إزالة شعر وجهها ونتفه والتي تزيله وتنتفه تسمى نامصة. (المتفلجات) جمع متفلجة وهي التي تبرد أسنانها لتفترق عن بعضها. (للحسن) لأجل الجمال. (المغيرات خلق الله) بما سبق ذكره لأنه تغيير وتزوير.
16-صحيح: رواه أحمد في " المسند"(16128) تعليق شعيب الأرنؤوط: رجاله ثقات رجال الشيخين. وأخرجه البزار (1623) (زوائد) من طريق عبد الرزاق، بهذا الإسناد، ولفظه: ورَبِّ هذا البيت، لقد لعن الله الحكم وما ولد على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -. وأخرجه الطبراني (299) (قطعة من الجزء13) من طريقين عن إسماعيل ابن أبي خالد به. وأخرجه الطبراني في "الكبير" (289) (قطعة من الجزء13). وانظر طرقه في "الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين " للعلامة مقبل بن هادي الوداعي - رحمه الله - (5/257).
17-البخاري (6780)، وأبي يعلى في " مسنده"(176).
18-انظر " فقه الدعاء " لفضيلة الشيخ مصطفى العدوى - حفظه الله - ط. دار ابن كثير (ص144)
19-مسلم (2600).
20-مسلم (2603).
21حسن: رواه أبو داود (4905)، وحسنه الألباني - رحمه الله - في " صحيح الجامع " (1672).
22-مسلم(2117).
23-البخاري (3237)، ومسلم (1436). 24
-انظر: " الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية" لابن علان(7/61)، و"وفتح الباري "لابن حجر(12/84)ط. دار التقوى مصر.
25-مسلم(2616)، وأحمد في" المسند(4770، 10565)، والترمذي(2162)، وابن حبان(5944، 5947).
26-حسن: رواه الطبراني في "الكبير"انظر " صحيح الجامع" للألباني (5923).
27-حسن: أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"(125)، وذكره السيوطي في الدر المنثور(2/530)؛ وحسنه الألباني في"صحيح الأدب المفرد"
28-منقول من موقع الشيخ الألباني - رحمه الله - عن أرشيف أهل الحديث "المكتبة الشاملة " (1/186).
29-مسلم (1855)
30-"الأذكار" للإمام للنووي - رحمه الله –
31-"أحكام القرآن " (1/92)
32-"منهاج السنة النبوية" لابن تيمية (4/569 ـ 570).
33-"منهاج السنة" لابن تيمية (4/570).
34-البخاري(2234)، و مسلم (1703)، وأحمد(7389)
35-"مجموع الفتاوى" لابن تيمية: 20/158.
36-صحيح: رواه الترمذي في " سننه " (2406)، وصححه الألباني في" الصحيحة "(890)، "صحيح الجامع" (1392)عن عقبة بن عامر.
37-حسن صحيح. رواه ابن ماجه (3973)، والحاكم (3548)، وقال: صحيح على شرط الشيخين. والبيهقي في شعب الإيمان (4225)، والطبراني (292).، وصححه الألباني، انظر " جامع الأحاديث " (17/421).

38-مسلم (3014) دون قوله: " ولا تدعوا على خدمكم"، و الطيالسي (560)، وأحمد (22069)،، وأبو داود (1532) والترمذي (2616) الموضوع من كتابي " أهمية الدعاء في الشدة والرخاء"ط. دار الإيمان بالأسكندرية مصر.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.19 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.34%)]