عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-12-2020, 05:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي حكم تقليد المجتهد

حكم تقليد المجتهد
الشيخ وليد بن فهد الودعان





فرض المجتهد هو بذلُ الوسع والطاقة للوصول إلى الأحكام الشرعية، وفرض المقلد هو سؤال أهل العلم وتقليدهم، وإنما كان هذا هو فرضَ المقلد؛ لعدم أهليته وقدرته على استنباط الأحكام الشرعية.
ولما أن كان فرض كل منها مختلفًا، وكان المجتهد متهيِّئًا لإدراك الأحكام الشرعية، وقادرًا على استنباطها بخلاف المقلد، ولما أن كان المقلد لا يجوز له مخالفة فرضه مع عدم أهليته، فإنه ينشأ من هذا سؤال لا بد منه، وهو هل يجوز للمجتهد مخالفة فرضه مع أهليته؟
هذا ما سنبينه في هذا المطلب، ونوضح فيه رأي الشَّاطبي، وقبل أن نبين رأي الشَّاطبي في المسألة لا بد من تحرير محل النزاع فيها.

تحرير محل النزاع:
أولًا: اتفق العلماء على أن المجتهد إذا اجتهد وغلب على ظنه حكم، فلا يجوز له تقليد غيره، بل ما توصل إليه هو الحكم في حقه[1].

ثانيًا: اتفق العلماء على أن المجتهد لا يجب عليه تقليد المجتهد، ولو كان أعلمَ منه[2].
قال أبو الخطاب: "لا أحد قال: يجب على العالم تقليد من هو أعلم منه"[3].
وقال الآمدي: "واتباع المجتهد للمجتهد وإن جاز عند الخصوم فغير واجب بالإجماع"[4].
وتعقب السبكيُّ دعوى الإجماع، وذكر أن الإجماع محل نظر؛ لأن القائل بتجويزه إذا ضاق الوقت لا بد وأن يوجبه عليه والحالة هذه[5]، وهذا ما ذكره ابن أمير الحاج عن ابن سريج من أنه يمنع التقليد إلا إذا تعذر الاجتهاد، فلا يكون التقليد ممنوعًا، بل يتعين[6].

ثالثًا: اتفقوا على أن المجتهد إذا نزلت به حادثة وضاق عليه الوقت، فإنه يجوز له التقليد.
قال الغزالي: "اتفقوا على جواز التقليد عند ضيق الوقت وعُسر الوصول إلى الحكم بالاجتهاد والنظر"[7]. وأشار إلى ذلك الجويني[8]، وقال حلولو: "وما ينبغي أن يختلف في هذا؛ لأنه كالعاجز"[9]، وكذا ذكر ابن الهمام[10]، ورجَّحه المطيعي[11].
وخالف هؤلاء أكثر الأصوليين؛ فصرحوا بالخلاف في هذه المسألة[12]:
قال الشيرازي: "إذا نزلت بالعالم نازلة وخاف فَوْتَ وقتها، لم يجُزْ له تقليد غيره"[13].
وقال أيضًا: "لا حاجة للتقليد حتى إن ضاق الوقت؛ إذ عليه أن يأتي بالفعل؛ كالصلاة مثلًا على حسب حاله، ثم يعيدها إن بان له الحكم، كمن لا يجد ماءً ولا ترابًا يصلي بحسب حاله ويُعيد إذا قدر"[14].

رابعًا: اختلفوا في حكم تقليد المجتهِد لمجتهِد آخر إذا لم يجتهد، ضاق الوقت أو اتسع، وسواء كان أعلم منه أم لا، وهل ذلك جائز له عقلًا وشرعًا، أو هو واجب عليه؟[15]، وهذا هو محل النزاع في المسألة حسبما تبين لي.

رأي الشَّاطبي:
لم يصرح الشَّاطبي برأي له في هذه المسألة، إلا أنه يستشف من كلامه ميله إلى القول بأن المجتهد لا يجوز له التقليد؛ ولذلك فصل الشَّاطبي أحوال السؤال، وقسمها إلى أربعة أقسام، منها: "سؤال العالم للعالم، وذلك في المشروع يقع على وجوه، كتحقيق ما حصل، أو رفع إشكال عنَّ له، أو تذكر ما خشي عليه النسيان، أو تنبيه المسؤول على خطأ يورده مورد الاستفادة، أو نيابة منه عن الحاضرين من المتعلمين، أو تحصيل ما عسى أن يكون فاته من العلم"[16].

ويفيد قوله: "المشروع" أن غير هذه الأنواع من الأسئلة غير مشروع، ويفهم منه أن الأصل هو المنع إلا في مثل هذه المواضع، وعلى هذا فلا يجوز سؤال العالم للعالم وتقليده له إلا في تلك المواضع الخارجة عن اسم التقليد، ومن الأسئلة غير المشروعة سؤاله عن حادثة نزلت به أو بغيره ويؤيد ما ذكرتُ من أنه هو رأي الشَّاطبي: أن الشَّاطبي يجوِّز الاستعانةَ بمجتهد آخر، لا الاعتماد عليه وتقليده[17]، كما قرر أن فرض المجتهد هو الاجتهاد، وعلى هذا فلا ينبغي له التقليد[18].

وقد وافق الشَّاطبيَّ في المنع وعدم الجواز: أكثرُ الحنفية[19]، وأكثر المالكية[20]، وأكثر الشافعية[21]، وأكثر الحنابلة[22]، واختاره أبو الحسين البصري من المعتزلة[23]، وهو رواية عن أبي حنيفة[24]، ونقل عن أبي يوسف[25]، ومحمد بن الحسن[26]، وهو رأي مالك[27]، والشافعي[28]، ونص عليه أحمد في رواية[29]، ونسب لأكثر الفقهاء[30].
كما نسب للأكثرين[31]، ولجمهور العقلاء والعلماء[32].

وخالفه آخرون، فقالوا بجواز التقليد للمجتهد مطلقًا: وهو قول لبعض الحنفية[33]، ورواية لأبي حنيفة[34]، وقال القرطبي: "هو الذي ظهر من تمسُّكات مالك في الموطأ"[35]، وهو رواية لأحمد[36]، أنكرها بعض الأصحاب[37]، وهو قول الثوري[38]، وإسحاق[39]، ونسب لأصحاب أحمد[40]، ولبعض الفقهاء[41].
ونُسب لجماعة من الظاهرية[42]، بل نُقل عن الظاهرية عمومًا[43]، وفيه نظر؛ فهم لا يجيزون التقليد مطلقًا[44]؛ ولذا علق الطوفي في شرح مختصر الروضة على نسبته لهم في البلبل بقوله: "قلت: هذا عن الظاهرية لا أعلم الآن من أين نقلته في المختصر، ولم أره في الروضة، ولا أحسبه إلا وهمًا ممن نقلته عنه، أو في النسخة التي كان فيها الاختصار؛ فإن الظاهرية أشد الناس في منع التقليد لغير ظواهر الشرع"[45].

والقول الثالث في المسألة: يجوز تقليد العالم للأعلم: وهو المشهور عن محمد بن الحسن[46]، واختاره بعض الحنفية؛ كالكرخي[47]، والدبوسي[48]، وصاحب الغنية[49]، والنسفي[50]، واختاره ابن رشد[51] من المالكية، والمزني من أصحاب الشافعي[52]، ونقل عن أبي حنيفة[53]، وحُكي عن أحمد، واستنكره ابن تيمية[54]، ورُوي عن ابن سريج من الشافعية مع اشتراط ضِيق الوقت وتعذُّر الاجتهاد[55].

والقول الرابع: يجوز للمجتهد التقليدُ مع ضيق الوقت: وهو المشهور عن ابن سريج[56]، واختاره الجويني[57]، والغزالي، ونقل عليه الاتفاق[58]، واختاره القاضي عبدالوهاب[59] من المالكية، وقال حلولو: "لا ينبغي أن يختلف فيه"[60]، وتبعه ابن الهُمام[61]، وابن تيمية من الحنابلة، وجعله ابن تيمية ظاهر مذهب الحنابلة؛ لأنه في إحدى الروايتين عن أحمد: لا يعيد الصلاة لمن صلاها في الوقت ولو لم يجتهد[62]، وذكر ذلك في الإنصاف رواية لأحمد[63].

القول الخامس: يجوز التقليد للمجتهد فيما يخصه دون ما يفتي به[64]: وهذا القول نسب لبعض أهل العراق[65]، وحكاه ابن القاص عن ابن سريج، وقيَّد ذلك بما إذا خشي فوت الوقت[66]، وجعل هذا هو مذهب الشافعي؛ لأنه قال في الصلاة: فإن خفِيت عليه الدلائلُ فهو كالأعمى، وقد ثبت أن الأعمى يقلد، وغلَّطه الروياني، وقال ابن دقيق: "هذا قريب"[67].

القول السادس: يجوز التقليد إذا تعذر الاجتهاد: وهو منقول عن ابن سريج[68]، ونُسب لبعض المالكية[69]، واختاره ابن حمدان[70]، وقد خالف ابن النجار بين هذا القول والقول الرابع[71]، ووجهه ابن أمير الحاج بأنه كالقول السابق، فلا ينبغي جعلُهما قولين[72].
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.41 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]