عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 25-11-2019, 08:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ومضات تربوية وسلوكية


ومضات تربوية وسلوكية (10)


خالد سعد النجار





تَزْخَرُ بطونُ الكتب بالعديد من الأفكار الذهبيَّة، والعبارات المحوريَّة، الجديرة برصدها وتدوينها؛ للوقوف على كنوزِ مُفكِّرينا وكُتَّابنا العِظام، وللانتفاع بالفائدةِ المرجوَّة منها؛ ولذلك حَرَصْتُ خلالَ جولتي بينَ دُفُوفِ الكتبِ أن أَرصُدَ هذه الثَّروات الفكريَّة والتربويَّة والتحليليَّة، وأنقُلَها بنصِّها كما وردت فيها، أو باختصار طفيفٍ في بعض الأحيان؛ هذا كي يستفيدَ منها القاصي والدَّاني، سائلًا المولى عزَّ وجل أن يَنْفَعَ بها الكبير والصغير، وأن يكتب لكاتبها وجامعها وقارئها الأجرَ والمثوبةَ، إنه نِعْمَ المَولى ونعْم النَّصيرُ.


(السطحية)
ولقد سَرَتِ السطحية إلى العبادات؛ ففقَدت رُوحَها وحقيقتها، كما سَرَت إلى النواحي الخُلُقية؛ ففقدت أيضًا حقيقتها، وكان من نتيجة ذلك أنْ تدنَّى الفرد المسلم إلى دركات دون المستوى الإسلاميِّ الصحيح.
ويقترن بالسطحية سرعةُ تقبُّل الأفكار التي تُلقى وإن كانت مغلوطةً أو منحرفةً، وهكذا يتقبَّل طلاب الجامعة كلَّ ما يُلقى إليهم وإن كان غامضًا؛ لأن غرضهم من المعلومات ما يكفل لهم النجاح.

وكذلك تقترن السطحية بالأفكار الغامضة، فتقبل الأفكار الغامضة دون تمحيصٍ لها ودون شعور بغموضها؛ لأن الاستزادة من البحث والتعمُّق فيه والإحاطة بأسبابه، كلُّ هذه تزيد الموضوع بسطًا وتزيده وضوحًا.
ويسهل أيضًا مع السطحية تَقبُّل الأفكار الخاطئة والدعايات الكاذبة، وقد دخل الأعداء من هذا الباب، وافتنُّوا باللعب بسياسة المسلمين وتدمير مجتمعاتهم، والمؤسف أن المسلمين لا يعلمون شيئًا مما يجري بهم.
ومن هذا ما فعله يهود الدونمة في تركيا حين أعلنوا إسلامهم في ظلِّ سيطرة الدولة العثمانية على البلقان، واستطاعوا الوصول إلى المراكز الحسَّاسة في قصر الخلافة، واستطاعوا أن يُقوِّضوا بنيانالخلافة؛ [المسؤولية؛ د. محمد أمين المصري، دار الأرقم - برمنجهام - بريطانيا، ص 22].



(الطموح)
قال الدكتور جوستاف لوبون: "ليس التاريخ إلا رواية الأحداث والأفعال التي قام بها الناس سعيًا وراء المطمح، ولولا هذا لظلَّ الإنسان على بربريَّتِه، ولما كان له من المدنيَّة نصيب، وإن انحطاط الأُمَّة يبتدئ يوم لا يكون للأمة مطمح تحترمه بجملتها، فيجاهد كلُّ فرد منها بنفسه في سبيل حمايته والذود عنه".

(الدعوة الإسلامية المعاصرة)
الدعوة الإسلامية المعاصرة، وهي تسعى لاستئناف حياةٍ إسلامية، وأن يكون الدين كلُّه لله - مدعوَّةٌ لأن تختار أفرادها، وخاصة في مرحلة التأسيس والبناء، ممن هو أقرب للفطرة والخير، وأبعد عن التَّرف والانغماس في المَدَنيَّة ومظاهرها، وأبعد عن النسب الوضيع.
إن رجل الفطرة يختلف عن الذي عاش حياته ذليلًا يشعر بالضآلة أمام آلة الدولة التي تطحن الجميع، فمثل هذا لا يستطيع القيام بإنجازٍ كبير، فهو دائمًا رجل (النصف)، الذي يقدم نصف جهد، ونصف اجتهاد، ونصف فكرة.

إن هذا الدين لا يقوم به إلا أهلُ الاستقلال في الفكر والرأي، وأهلُ الشجاعة والذكاء وقوة البأس، وأهلُ البعد عن مخازي الاستبداد، ولا يستطيع أن يحوطه من جميع جوانبه إلا مَن بعُد عن أخلاق السَّفِلَةِ وأخلاق الجدل والأنانية، وعلى المسلمين أن يُعرِّبوا حياتهم؛ وذلك بأن يرجعوا إلى نموذج الفطرة والبساطة في حياتهم، ذلك النموذج الذي طلبه الخليفة الراشد عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه وألحَّ عليه حين قال: "تمعددوا، واخشوشنوا، وانزوا على الخيل"؛ أي: كونوا كجَدِّكم معد بن عدنان في خشونته وجَلَده، وتدرَّبوا على ركوب الخيل والقفز عليها.

لقد كان رضي الله عنه يخشى من الإخلاد إلى الأرض، والتخلُّق بأخلاق الشعوب الأخرى، الذين تأسِرهم المظاهرُ الفارغة، ويخلدون إلى الرفه والدَّعَة، ولا يعني هذا أن لا بد من العيش في البادية وترك المُدن، ولكن أن ينتزع المسلم نفسه من بيئته ليعيش حياةً تساعده على حمل الرسالة ومشاقِّها، في حين أن مَن حوله يعبدون المال والرياش؛ [وقفات تربوية في فقه السيرة؛ د. محمد العبدة، دار الصفوة، القاهرة ص 25-26].


(غربة الدين)
ومن غربة الدين غربة الفَهم الشامل للإسلام؛ فالكثير أصبح الإسلامُ في نظره هو الصلاة والصيام والحج فقط، ولا بأس عليه بعد ذلك أن تكون معاملاته مبنيةً على الحرام والمظالم، أو لا بأس عليه أن يعتنق فكرةً هدَّامة جاهلية فيجمع بين الإسلام والجاهلية في آنٍ واحد... جاء بَشيرُ بنُ الخَصَاصِيَّةِ يسأل عن الإسلام حتى يبايع عليه، فقال له الرسول: ((الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، والجهاد))، فقال: يا رسول الله، كلها أطيق إلا الصدقة والجهاد، فقبض رسول الله عن البيعة وقال: ((يا بشير، لا صدقة ولا جهاد، فبمَ تدخل الجنةَ؟)) فقال: يا رسول الله، مُدَّ يدك أبايعك عليهن، فمَدَّ رسولُ الله يده.

فعلى المسلم الحقِّ أن يعتزَّ بغربته؛ فإنها محمودةٌ؛ يشابه فيها الأنبياء، فالزم جماعةَ المسلمين؛ للحديث: ((فالزم جماعة المسلمين وإمامَهم، لا تزال طائفة من أُمَّتي ظاهرين على الحقِّ لا يضرُّهم مَن خالفهم حتى يأتي أمر الله))، وألا ينخدع بكلِّ مظهر أو فعل جاهليٍّ، فإنما هي دنيا، وفي الحديث: ((الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر))، ((ما لي وللدنيا؛ إنما أنا كراكبٍ استظلَّ تحت شجرةٍ ثم راح وتركها))، وللحديث: ((سيظهر شرار أمتي على خيارها، حتى يتخفَّى المؤمن كما يتخفَّى المنافق فينا اليوم)).

ولله در الشاعر إذ يقول:
قل للذي بصروف الدهر عيَّرني
هل حارب الدهرُ إلا مَن له خَطَرُ

أمَا ترى البحر تطفو فوقه جِيَفٌ

وتستقرُّ بأقصى قعرِه الدررُ

وكم على الأرض مِن خضراءَ مورقة
وليس يُرجَم إلا ما له ثمرُ
[مقال/ غربة المسلم..هل حانت؟؟ مريم المحمد، مجلة التقوى اللبنانية، عدد 204/ 2010].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.95%)]