عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 19-01-2020, 06:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي أميل للزهد وأحب النقاب

أميل للزهد وأحب النقاب


الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي






السؤال
السلام عليكم

شكرًا على هذا الموقع الجميل, وأعتذر عن كثرة أسئلتي:

أولاً - أنا أميل كثيرًا للزُّهد, ودومًا أُحِسُّ بالذَّنب؛ فمِن جهةٍ أخاف أن يضيع زوجي منِّي، ومن جهة أخرى أخاف أن تكون حياتي ونِعَمُ ربي سببًا في هَلاكي يوم القيامة؛ فأريد أن أعرف: هل إذا أنا امتلكتُ أشياء كثيرة؛ يعني: ملابس لزوجي, وأكلات أتعلمها... إلخ، مع العلم أنِّي ما أفعل ذلك إلاَّ لزوجي، هل يُحاسَب المرء على ذلك.



ثانيًا - أمِّي - هداها الله - لا تصلي الصلاة في وقتها، وسامحها الله أوقعَتْ بين أبي وعائلته, حاوَلَتْ كذلِكَ معي, وعندما أنصَحُها، تَغْضَبُ, حتى إنِّي ناقشتُها يومًا فكادت تبكي, ماذا أفعل مَعَها? فهي لا تقبل النصيحة، وتغضب لأتفه الأسباب.



ثالثًا - النِّقاب؛ فنحن نعيش في الغرب، وتعلمون مدى العنصريَّة هناك, فمنذ أن لبستُ حجابي - وهو شبيه بالنقاب مع تعرية الوجه واليدين - صارت تنهال الانتقادات عليَّ حتى من أهلي، وأهل زوجي, وبِحُكم سكننا في الغرب، وعدم امتلاكنا بيتًا خاصًّا؛ لا أستطيع لبس النقاب حاليًّا, فهل عليَّ وِزْرٌ? شكرًا لكم، وجزاكم الله خيرًا على هذا الموقع الرائع.


الجواب
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فالزُّهد إنما يكون فيما زاد عن حاجتك الشخصيَّة؛ أيْ: في الفُضول من الأموال والمساكن والملابس، إلاَّ أنَّ مَن كانت الفضول الكثيرة في يَدِه، ولم يتعلق قلبه بها، فهو زاهدٌ أيضًا؛ فالزهد ليس خلوَّ اليد من المال، ولا هو لبس الخشن من الثياب، أو أكل اليابس من الطعام؛ ولكن الزهد الصحيح هو قِصَرُ الأمل.



يقول شيخ الإسلام: "إذا سَلِمَ القلبُ من الهَلَعِ، واليدُ من العُدوان، كان صاحبُهُ محمودًا؛ وإن كان معه مالٌ عظيمٌ، بل قد يكون مع هذا زاهدًا أزهد من فقيرٍ هَلُوعٍ.



والحاصل: أنك إن سَلِمْتِ من الحرص على الجمع، وطَلَبِ التكاثُرِ من المال الذي يَشْغَلُ عن الآخرة، فَأَنتِ زاهدةٌ - إن شاء الله - وهذا لا ينافي التمتُّعَ بما أباحَهُ الله - تعالى - من الطيبات من الرِّزق، وَأَمَرَ بأخْذِ الزينة، وهي اللباس، فإن عدم المباهاة بالمظهر، والبُروز في صورة دنيئة تلفت الأنظار - مِمَّا يستنكر - فالأَوْلَى التوسُّطُ في اللباس؛ فلا إسراف وتبذير، ولا بخل وتقتير.



أمَّا ما يجب عليكِ تُجاهَ أُمِّكِ: فالاجتهادُ في نصحِهَا، وإرشادُها إلى وجوب أداء الصلاة في أوقاتها، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذا من أعظم البِرِّ بها، وعليكِ بالصبر عليها، واحتمال الأذى منها، والاجتهاد في الدُّعاء لها بالهداية.



وتذكَّري قصة إبراهيم - عليه السَّلام - مع أبيه الذي يدعوه إلى الشِّرك، وكيف كان تلطُّفُه معه في الخطاب، وكذلك حِرْص أبي هريرة على هداية أمِّهِ، ودعوتها للحق حتَّى آمنت في نهاية الأمر، بعد أن كانت مشركةً تسبُّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ودعا لها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولابنها أبي هريرة أن يحبِّبَهُمَا لعباده المؤمنين، ويحبِّبَهُمْ إليهما؛ فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((اللهم حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا - يعني: أبا هريرة - وأمَّهُ إلى عبادك المؤمنين، وحبِّب إليهم المؤمنين))، قال أبو هريرة: "فما خُلِقَ مؤمِنٌ يسمع بي، ولا يراني، إلا أَحَبَّنِي"؛ رواه مسلم.



أما النِّقاب: فقد اختلف العُلَماء في حكمه - قديمًا وحديثًا - على قولين:

الأول: يجب على المرأة سَتْرُ وجهِها أمام الرجال الأجانب؛ لأن الوجه عورةٌ، وهو مذهب الإمام أحمد، والصحيح من مذهب الشافعي.



والثاني: استحباب النِّقاب، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، لكنْ أفتى علماء الحنفيَّة والمالكية - منذ زمنٍ بعيد - أنه يجب على المرأة ستر وجهها عند خوف الفتنة بها، أو عليها، والمراد بالفتنة بها: أن تكون المرأةُ ذاتَ جَمَالٍ فائق، والمراد بخوف الفتنة عليها أن يَفْسُدَ الزمان، بكثرة الفساد وانتشار الفُسَّاق؛ قال ابن عابدين الحنفيُّ في "ردّ المحتار على الدُّر المختار": "وتمنع المرأة الشابَّة من كشف الوجه بين رجال، لا لأنه عورة؛ بل لخوف الفتنة، كَمَسِّهِ وإن أمن الشهوة؛ لأنه أغلظ"؛ والمعنى: تُمْنَعُ من الكشف؛ لخوف أن يَرَى الرجالُ وَجْهَها؛ فتقع الفتنة؛ لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة.



وقال الحطَّاب - المالكيُّ - في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل": "واعلم أنَّه إنْ خُشِيَ من المرأة الفتنةُ، يَجِبُ عليها سترُ الوجه والكفين؛ قاله القاضي عبدالوهَّاب، ونَقَلَهُ عنه الشيخ أحمد زروق في شرح الرسالة، وهو ظاهر التوضيح، هذا ما يجب عليها"، وقال في "مِنَح الجليل": "وإن علِمَتْ أو ظَنَّتْ الافْتِتانَ بكشف وجهها، وجبَ عليها سترُهُ؛ لصيرورته عورةً حينئذ، فلا يُقال: كيف تترك الواجب - وهو كشف وجهها - يعني: في الحجِّ - وتفعل المحرَّم - وهو ستره - لأجل أمرٍ لا يُطلب منها؛ إذ وَجْهُها ليس عورة؟ على أنها متى قصدت الستر عن الرجال، فلا يحرم، ولا يجب الكشف؛ كما يفيده الاستثناء".



فإنْ تعذَّر عليكِ لبس النِّقاب - كما تقولين - ودعَتْك الحاجة للإقامة في بلاد الغرب، جاز لك خلعُهُ؛ لقاعدة: "الضروراتُ تبيح المحظوراتِ"، و"الضرورةُ تُقَدَّرُ بقَدْرها"؛ ولا سيَّما إن كان من لم تَسْتَجِبْ لِكَشْفِ الوجه، تتَعَرَّضُ للضرر، أو للتضييق عليها؛ وقد صحَّ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ))؛ رواه أحمد وابن ماجه من حديث عُبادةَ بنِ الصامت - رضي الله عنه.



ولكن عليكِ - في تلك الحال - التقليلُ من خُروجِكِ قَدْرَ الإمكان إلا عند الحاجة.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.63 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (3.23%)]