عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 14-04-2009, 10:46 AM
الصورة الرمزية وليد نوح
وليد نوح وليد نوح غير متصل
مشرف ملتقى اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2007
مكان الإقامة: الرياض
الجنس :
المشاركات: 1,482
الدولة : Syria
افتراضي

صرخة قيد..


هاأنذا أحث الخطى إلى منزلي الصغير بعد عناء اليوم الطويل... ترتسم في مخيلتي صورة ابنتي الصغيرة ... تسنيم... فهي بدون شك تنتظرني بابتسامتها الساحرة كي تبدأ فصلاً جديداً من الدلال....


كل شيء ساكن.... إلا صوت اصطكاك مفاتيحي بعضها بالآخر و أنا أحرك سلسلتها لأفتح باب البيت، و ثمة صوت حبيب آخر يتلوه دائماً ..."بابا ... جاء بابا..."



دخلت البيت و عانقت ابنتي المسرعة إلى حضني لشدة شوقها بعد فراق يوم كامل... و ما كان ليصرفني عن صغيرتي شيء إلا صوت آخر ... يبدو أنه مصدره التلفاز... سجون... أسرى...آلاف... ثم فلسطين.. آه، لا بد أنها الحكاية المرّة، حكاية أسرى فلسطين.... تذكرت حديث جارتنا التي قالت أنها زارت بيت أحد الأسرى في إجازة الصيف، تتفقد أحوالهم، و قد نوت أن تعطيهم جزءاً مما في محفظتها، فرأت العائلة تجلس على الأرض، و لا شيء في البيت، لا شيء في البيت إطلاقاً، لا طعام و لا تدفئة... لا شيء، فلم تشعر الجارة إلا و هي تفرغ محفظتها لهذه العائلة، و قد اغرورقت عيناها بالدموع... كيف لا يفطن الناس لهؤلاء.... إنها الجريمة المزدوجة، لا يسالون عن الأسير، و لا يخلفونه في عياله، أي حساب عسير سيكون حساب هذه الأمة...




قطعت ابنتي سلسلة الذكريات هذه بقولها مرة أخرى "بابا" زخرَفتْها بشفتيها الرائعتين، بعد أن رسمت بهما أجمل لوحة لابتسامة.... فضممتها مرة أخرى، فضحِكَت و قالت "ماء" ..لا من عطش... و لكنه دلال الفتاة الصغيرة على والدها...و قبل أن أحضر لها ما طلبت تخيلت ابنة رجل آخر... هو مثلي... لا بل أفضل مني.. إلا أنه أسير.... على من تَدَلَّلُ ابنتُه؟ أليس من حقها أن تعيش طفولتها، أن تشعر بحنان الأب، و حبه، و حمايته، أليس من حقه أن يملأ عينيه كما أفعل من جمال ابنته، ليرى فيها مستقبلاً أفضل، و ليرى في بريق عينيها جمال الحياة....


كيف يلهو الناس على الشاشات في البرامج السخيفة، و كيف يتابعون كرة من المطاط و كل همهم أن تدخل بين عارضتين؟ أليس لديهم هدف يعيشون لأجله؟ أليست لديهم قضية يبكون لأجلها؟ أليست لديهم بقايا من نخوة المعتصم التي اضمحلت؟




مرة أخرى تقاطعني فتاتي و تقول "ماء" و أعلم أن ما بها من عطش... فضاحكتها، فَجَرتْ تهرب مني.... فتبِعْتُها، لكن قدمها الصغيرة لم تكن لتثبت على الأرض كما ينبغي فتعثرَتْ ، و صاحت "بابا" و قبل أن تصاب بأذى، وجدت يداً حانية تمسك بها... آه ما أوسع الخيال و ما أضيق الحقيقة... هاهو خيالي عاد بي إلى بيت الأسير، فيه ألف كلمة بابا ... لكن دون صدى، و فيه ألف آهة ألم وجوع لا تجد لها يداً حانية تمتد بخير....


كيف يطيب لهذه الأمة المأكل و المشرب، و هناك آلاف من العائلات لا تجد ما تسد به الرمق .... كيف يطيب لهذه الأمة الرقاد و ثمة مئات المرضى في بيوت الأسرى سلبها المرض و الأسى معاً طيب المنام.... آه يا أمة المسلمين.... ما أقساك.... و آه يا أمة المسلمين .... ما أقسى حسابك.




نظرت إلى ابنتي ... نظرت إلى طعامي ... إلى أثاث بيتي ... وتخيلت نفسي مكان الأسير... يعيش آلاماً فوق آلام...، و فقْداً بعد فقْد...، شوقه لعائلته، وقلقه عليها، و مرضه، و حره، و قره، و هو صامد صمود الجبال في وجه أعتى العواصف..، فأنكرت نفسي... لله درك يا أسير...ما أعزكَ في أَسْرك... و ما أذلنا في حريتنا..، ما أبلغكَ في صمتك... و ما أبشع عجمة فصاحتنا، ما أعظمك في صبرك... وما أصغرنا.



كفرْتُ بكم معشرَ المسلمين .................و يالك من معشرٍ قصَّرا




أين أصحاب القرار من مآسي عائلات الأسرى ؟!


أين هم من معاناة و ظلم هؤلاء الأسرى؟!


ألم يأن لهم أن يتوقفوا عن زخرفة الكراسي، و يلتفتوا إلى قضية الأمة الأولى التفاتة صادقة؟!



ليسألنهم الله عن فعلهم.... عن كلامهم... عن صمتهم....عن سمعهم و أبصارهم...


ليسألنهم كيف استطاعوا سماع ألف ناعق.... و كيف أصموا أسماعهم عن..... صرخة قيد....
__________________
***************************
غائب... ولعلّي أعود ...

قبضتُ على الطفيلية التي تـُفسدُ موضوعاتِك سرًا...أدخل لتعرفها

***********
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.57%)]