عرض مشاركة واحدة
  #352  
قديم 05-12-2020, 06:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (48)
الحلقة (189)

تفسير سورة آل عمران (53)


حرم الله عز وجل على عباده المؤمنين اتخاذ مستشارين من أهل الكفر، وحرم إطلاعهم على أسرار المسلمين ومواطن ضعفهم وقوتهم، لما في ذلك من الضرر الكبير الذي يلحق بالمسلمين، وذلك لفساد الكافرين تجاه المسلمين، وما يحملونه في قلوبهم من إرادة الشر لهم، والفرح بما يصيبهم من العنت والنصب والبلاء، وإنما يظهرون لأهل الإيمان النصح والمحبة ويبطنون في أنفسهم البغض لهذا الدين وأهله.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي والعالم أجمع- صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فهنيئاً لكم معشر المؤمنين والمؤمنات.وها نحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، وهانحن مع هذه الآيات المباركات الثلاث، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:118-120].
مناداة الله لعباده بوصف الإيمان
فهيا نتغنى بهذه الآيات، فنكرر تلاوتها، ونتابع معانيها، وما تهدف إليه، وما تدعو إليه، وما تحققه لنا -معشر المؤمنين-إن كنا مؤمنين صادقين. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:118] نادانا ربنا، فلبيك اللهم لبيك، نادانا بعنوان الإيمان؛ لأن المؤمنين أحياء، والحي يسمع النداء ويجيب، وإن أُمر فعل، وإن نُهي ترك، وإن بُشر استبشر، وإن حُذِّر حَذر، وإن عُلم عَلِم وتعلم، هذا العلم علمناه الله، وأصبحنا أهلاً له، فالحمد لله، وملايين المسلمين لا يخطر ببالهم هذا ولا يعرفونه! فيا معاشر المستمعين! هل أنتم متفاعلون مع هذه الآيات؟مرة أخرى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118]، ربنا لك الحمد، فقد بينت لنا إن كنا نعقل، أما إن فقدنا عقولنا، وتهنا في متاهات الدنيا، وأصبحنا كالمجانين فما ننتفع بهذه الآيات. هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ [آل عمران:119] أي: كالتوراة، أو الإنجيل، أو الزبور، وكل كتب الله، وهم لا يؤمنون بكتابكم. وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا [آل عمران:119] قل: يا رسولنا، قل يا عبد الله المؤمن: مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ [آل عمران:119] فلا يضرنا غيظكم شيئاً، سبحان الله! إنه تعليم مولانا، قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:119]. إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120]، كيف يضرنا كيدهم ونحن أولياء الله، والله محيط علمه بهم؟! الله أكبر! هل هذا القرآن يجوز قراءته على الموتى؟! آه، يا للعجب! يا معشر العرب! هذا القرآن يُقرأ على الموتى وما أفقنا إلى اليوم! وإن قلت: لا يُقرأ القرآن على الموتى، يعجبون، كيف لا يُقرأ على الموتى؟! آلله أنزله ليقرأ على الموتى؟! إن هذه الآيات الثلاث لا يوجد واحد في الألف من مسئولي العالم الإسلامي قرأها وعرفها، ولا دروا ما هي، لعلي واهم؟ من يرد عليّ؟ وبالتالي كيف يسوسون البشرية؟! كيف يقودون أهل: لا إله إلا الله؟! إنهم لا يلامون؛ لأن آباءهم وأمهاتهم لا يعرفون القرآن إلا ليلة الميت، فيقرءونه على الميت سبع ليال، أو إحدى وأربعين ليلة، وكأن القرآن ما نزل إلا للموتى، فعجب هذا أو لا؟ والآن الحمد لله هذا النداء تضمنته نداءات الرحمن، وأصبح الآن يقرأه المسئولون، فقد وِزِّع كثيرٌ منه، واليوم طلبوا منا القوات المسلحة إذناً بطبع هذا الكتاب وتوزيعه على كل أفراد القوات، فالحمد لله، وهذا نداء منها، إذ إنها تسعون نداء.والمفروض أن كل مؤمن يضع هذا النداءات عند رأسه، وقبل أن ينام يستمع إلى نداء من نداءات ربه، فيقول: الحمد لله، الحمد لله، الله يناديني! أية نعمة أعظم من هذه؟! يناديني سيدي ومولاي ليعلمني وليهذبني وليرفعني، وما نصغي ولا نسمع! وهل كل مؤمن ومؤمنة يسمع هذه النداءات يبقى جاهلاً؟! والله ما يبقى جاهلاً، يبقى ضالاً؟ والله ما بقي ضلاله إلا أن يشاء الله، فهو قد عرف أن الضلال لمن فقد الهداية والنور، أما الذي هدايته تقوده والنور أمامه كيف يضل؟! يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:118]، نادانا الله عز وجل -نحن معاشر المؤمنين والمؤمنات- بعنوان الإيمان؛ لأن المؤمن حي؛ لأن الإيمان بمثابة الروح، والأجسام لا تحيا إلا بالأرواح، فإذا خرجت الروح مات الجسم، فكذلك الإيمان والله بمثابة الروح، فلما حيينا بفضله ومنته علينا، وأصبحنا أحياء، نادانا ليعلمنا، ليؤدبنا، لينجينا، ليبعدنا عن المساخط والمهالك.
معنى قوله تعالى: (لا تتخذوا بطانة من دونكم)
ثم قال لنا: لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ [آل عمران:118]، وهنا اللام ناهية، لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ [آل عمران:118]، ما هي هذه البطانة؟ البطانة من تستبطنهم وتطلعهم على بطائن أمورك وخفاياها، فأيها المسئول! سواء كنت قائداً عسكرياً، أو كنت إماماً للمسلمين، أو كنت صاحب متجر، أو مصنع، فمصنعك لا تريد أن تطلع عليه غير المؤمنين الصالحين، كذلك تجارتك ومورد أموالك، لا تريد أن تطلع عليه إلا الخواص، الذين تطمئن إليهم، أما أن تطلع عليه أعداءك فسوف يحرمونك من ذلك. لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ [آل عمران:118] من غيركم، أي: من اليهود والنصارى والبلاشفة الشيوعيين والمجوس والمشركين والكافرين، وقوله: مِنْ دُونِكُمْ [آل عمران:118] فقط، أخْرِج المؤمنين، فلا استثناء إلا للمؤمنين، ومن عداهم هم دوننا، من اليهود والنصارى والمجوس والمشركين والملاحدة، بل كل الكافرين، فقد نهانا مولانا أن نتخذ بطانة من دوننا من الكافرين، فنستبطنهم ونطلعهم على خفايا أمورنا وأسرارنا الحربية والسلمية؛ ليكملنا ويسعدنا ويعزنا.
معنى قوله تعالى: (لا يألونكم خبالاً)
ثم بين وعلل فقال: لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا [آل عمران:118]، والخبْل: الفساد والشر، أي: لا يقصرون في إفساد حياتكم عليكم، وقائل هذا هو الله خالق القلوب، وواهب العقول، والعليم بذات الصدور، فإن قلت: لا، كفرت، كذبت الله، وأعوذ بالله أن تكذب الله، وهل لك قيمة حتى تكذب العليم الخبير؟! فالأعداء لا يقصرون أبداً في إفساد الحياة عليكم، وصدق الله العظيم، إذ إلى الآن لا يريدوا للعالم الإسلامي أو أي بلد إسلامي أن يسمو أو يسعد أو يكمل أبداً؛ لما في نفوسهم من الحقد والغل على الإسلام والمسلمين.
معنى قوله تعالى: (ودوا ما عنتم)
وَدُّوا [آل عمران:118]، أبلغ وأكثر لتأدية المعنى من: (أحبوا)، وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ [آل عمران:118]، العنت: المشقة الشديدة، مثل: الذي كُسِر وجبر، ثم ازداد كسراً بعد الجبر، فهذا معنى العنت، وهو أشد من المشقة، وما قال: ودوا مشقتكم، وإنما عنتكم؛ ليبقى المسلمون دائماً في بلاء وفقر وجدب وضعف وخلاف وهزيمة وشر وهكذا، فهذا الذي يودونه. وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ [آل عمران:118]، احذر أن تقول: لا، يوجد يهود ونصارى لا يحبون لنا إلا الخير! والله ما كان، ولن يكون حتى تطهر تلك القلوب، وتحيا تلك النفوس الميتة، وتتصل بالملكوت الأعلى، وتؤمن بلقاء الله وما عند الله، ثم يحبون كل مؤمن ومؤمنة، ولا يودون له الشقاء ولا التعاسة ولا البلاء، أمَا وهم يعرفون أنهم هم أصحاب النار والجحيم الخالدون فيها، والمسلمون أهل السعادة والكمال، فكيف يحبونهم؟!فإن قيل: يا شيخ! أنت تقول هذا الكلام! إن هذا أمر واقع، فما الذي أنزلنا من علياء السماء إلى الأرض؟ القرآن؟! أولياء الله؟! إذاً فمن؟ والجواب: هم، فقد حولوا قلوبنا إلى قلوب شرك وباطل وأوهام، أبعدونا عن نور الله فعشنا في الظلام، افترقنا وتنازعنا وتناحرنا، وأكل بعضنا بعضاً، وضاعت آدابنا وأخلاقنا، وهبطنا حتى ساسونا وسادونا، وهم يديرون دفة حكمنا، فهل هناك من يرد عليّ من أهل العلم والسياسة؟ أهل السياسة والبصيرة يعرفون هذا، أما الجهال فلا تسأل عنهم.
معنى قوله تعالى: (قد بدت البغضاء من أفواههم...)
ثم يزيدنا ربنا بياناً فيقول: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ [آل عمران:118]، أي: بغضهم الشديد لنا ظهر من ألسنتهم، ومن يجلس إليهم ويستمع منهم والله ما يلبث حتى يسمع كلمات دالة على بغضهم لنا.قوله: وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118]، أي: ما تخفي صدورهم من بغضنا وحسدنا، وحب سقوطنا وضعفنا وعجزنا ومصيبتنا، أعظم مما قد يظهر على ألسنتهم.
معنى قوله تعالى: (قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون)
وأخيراً: يقول لنا ربنا -سامحنا يا رب-: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ [آل عمران:118]، ماذا نقول؟ ربنا لك الحمد، ولا نقول: جزاك الله خيراً، إذ إنه صاحب الخير، فاللهم لك الحمد على ما علمتنا وبينت لنا، ونحن نأسف أننا ما عرفنا بيانك، ولا أخذنا بآياتك، فارتبكنا وهبطنا وتمزقنا، والمنة لك يا رب العالمين. قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118]، وإذا كنتم لا تعقلون فلن تشاهدوا الطريق أبداً، وإلا فإن الله بين الطريق -سبيل النجاة- على أوضح ما يكون، ولكن أين العقول؟ العقول ذهب بها الهوى والدنيا والشهوات، وغطاها الجهل وظلماته، وارتبك العالم الإسلامي وهو الآن في محنة. قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ [آل عمران:118]، فلك الحمد يا ربّ أن بينت لنا، وقلت: إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118]، فالذين لا يعقلون ما ينفعهم البيان أبداً، فالمجنون، والخبل، والبهلول، إذا قلت له: الطريق من هنا، فاسر عن يمينك إلى كذا، ثم يأتيك المحل الفلاني، ثم امش حتى تصل إلى كذا، فإنه لا يفهم؛ لأنه لا يعقل، ما عنده عقل.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.08 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.17%)]