عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 19-11-2020, 04:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي ترشيد مشاهدة الأطفال أفلام الكارتون الأجنبية

ترشيد مشاهدة الأطفال أفلام الكارتون الأجنبية











نايف عبوش






لعل الكثيرَ منا يَعرِف أن معظم أفلام الكارتون التي تَعرِضها القنواتُ الفضائية للأطفال مستجلَبةٌ من ثقافات مختلفة تمامًا عن عاداتنا العربية والإسلامية، وربما يعرف الكثير منا أيضًا أنها منتجاتُ ثقافةٍ تَستَهدِف الرِّبح بشكل أساسي، ولا تهتم كثيرًا بمحتوى المضامين.





ولأن الطفل الذي يشاهدها في مرحلة النمو المبكرة، وهو لَمَّا يَزَلْ غيرَ قادر على التمييز بين الواقع والخيال، بين العمل الفني الصالح، وبين العمل الفني الطالح؛ فإنه غالبًا ما يُحَاكِي ما يُعرَض منها على الشاشة من شخصيات كارتونية؛ بسب تأثُّره بها، ونزوعه إلى تقليدها في سلوكه، دون وعي منه لمخاطرها على مستقبل بناء شخصيته.





وبغضِّ النظر عن السلبيات الأخرى - التي تتركها عملية المشاهدة المفتوحة - على الطفل، فلا شكَّ أن التداعي الأخطر عليه هو المحاكاة لسلوك أبطال الأفلام التي يشاهدها، ومنعكسات تلك المحاكاة المبكرة على تكوين شخصيته، وتحديد أنماط سلوكه المستقبلي، فمن المعلوم أننا في ثقافتنا التربوية العربية الإسلامية - وفي موروثنا الشعبي - نركِّز على التأسِّي بالأنبياء، والصالحين، والأبطال، والعلماء، والأفاضل من أعلام القوم من السلف والخلف، في استلهام مناقبهم الحميدة، عند بناء الجيل، على قاعدة: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]؛ فنتخذهم قدواتٍ حسنةً في الحياة، وأمثلة بهية للتأسي، في حين نجد أن هذه الأفلام تتخذ أبطالاً أسطوريين قدوة في عروضها، في عملية تحريف للأسوة الحسنة المعروفة في ثقافتنا؛ مما يجعل الأطفالَ يقلِّدون شخصيات كرتونيةً وهمية مخترعة، لا وجودَ لها أصلاً في واقعهم، ناهيك عمَّا قد تعكسه محتويات تلك الأفلام من أفكار بعيدة عن القيم والتقاليد الوطنية؛ حيث يحاول الطفل - بدافع المحاكاة - تقليدها، وما يترتب على ذلك التقليد من غرس قيم سيئة، وعادات سلبية، لا جدال في أن لها مخاطرَ كثيرة على شخصية الطفل، وسلوكه المستقبلي.





لذلك يتطلب الأمر الانتباهَ إلى هذه الظاهرة بشكل جاد، والتعامُل معها باتجاهين متوازيين في نفس الوقت، ينصبُّ الأول منهما على تفعيل دَوْر الأسرة في توعية الأطفال، وإعانتهم على اختيار مشاهدة أفلام الكارتون القريبة من عاداتنا وتقاليدنا، قبل أن يُدمِن على مشاهدة التلفزيون لقنوات بعينها، ويعتاد على محاكاة شخوص كارتونية وهمية مقصودة برسالة الشركات الأجنبية المنتجة لتلك الأفلام، وأن تدلَّه على القنوات الهادفة التي تعرض أفلام كارتون للأطفال بشخصيات تجسِّد ثقافة واقعنا الاجتماعي، وتعكس أخلاقيات تراثنا العربي الإسلامي، وتقوم بتحبيبها لهم؛ لكي تغرس فيهم القيمَ والأخلاقيات المستقاة من صميم واقع مجتمعنا؛ مثل: المروءة، والصدق، والأمانة، والتعاون، والإيثار، وغيرها من القيم الفاضلة، وتغذِّيهم بأفكار هادفة تساعدُهم على الاندماج في المجتمع، والتعايش مع الآخرين بإيجابية؛ بقصد فك العزلة التي يفرضها عليهم اعتيادُ طول المشاهدة.





في حين ينبغي أن ينصبَّ التوجه الثاني على الجهد المجتمعي الجمعي - مؤسسات، وكتَّاب، ودعاة، ومفكرين، وفنانين، وغيرهم ممن يَعْنِيهم الأمر - لوضعِ إستراتيجية مركزية لاختيار الأفلام الموردة المناسبة لبيئتنا، وتوطين صناعة الأفلام، وتطويعها بما ينسجم مع الخصوصيات العربية، لا سيما وأن فترة الطفولة هي فترة حاسمة جدًّا في التربية؛ فهي فترة بناء الشخصية، والتعلمُ في الصغر كالنقش على الحجر، ومن ثَمَّ فلا ينبغي أن نُهمِلها، ونترك الأطفال ضحيَّة مشاهدة أفلام الكارتون الاستلابية العَبَثية، فنخسرهم كجيل مستقبل، نتطلع أن يكونوا مثالاً في الالتزام الأخلاقي، والسمو القيمي، الذي يحافظ على الأصالة من الاستلاب، ويصون الهُوِيَّة من الضياع.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.89 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.39%)]