عرض مشاركة واحدة
  #72  
قديم 30-10-2020, 04:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,044
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (57)
- تفسير البغوى
الجزء الثانى
سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ

الاية 26 إلى الاية 30
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي


( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ( 26 ) )

قوله تعالى ( قل اللهم مالك الملك ) قال قتادة ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال ابن عباس رضي الله عنهما وأنس بن مالك رضي الله عنه لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وعد أمته ملك فارس والروم قال المنافقون واليهود : هيهات هيهات من أين لمحمد صلى الله عليه وسلم ملك فارس والروم؟ وهم أعز وأمنع من ذلك ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم؟ فأنزل الله هذه الآية ( قل اللهم ) قيل : معناه يا الله فلما حذف حرف النداء زيد الميم في آخره ، وقال قوم : للميم فيه معنى ، ومعناها يا ألله أمنا بخير أي : اقصدنا ، حذف منه حرف النداء كقولهم : هلم إلينا ، كان أصله هل أم إلينا ، ثم كثرت في الكلام فحذفت الهمزة استخفافا وربما خففوا أيضا فقالوا : لاهم ، قوله ( مالك الملك ) [ يعني يا مالك الملك ] أي مالك العباد وما ملكوا ، وقيل يا مالك السماوات والأرض ، وقال الله تعالى في بعض الكتب : " أنا الله ملك الملوك ، ومالك الملوك ، وقلوب الملوك ونواصيهم بيدي فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رحمة وإن عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسب الملوك ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم " .

قوله تعالى : ( تؤتي الملك من تشاء ) قال مجاهد وسعيد بن جبير : يعني ملك النبوة وقال الكلبي : تؤتي الملك من تشاء محمدا وأصحابه ( وتنزع الملك ممن تشاء ) أبي جهل وصناديد قريش وقيل : تؤتي الملك من تشاء : العرب وتنزع الملك ممن تشاء : فارس والروم ، وقال السدي تؤتي الملك من تشاء ، آتى الله الأنبياء عليهم السلام وأمر العباد بطاعتهم ( وتنزع الملك ممن تشاء ) نزعه من الجبارين وأمر العباد بخلافهم ، وقيل تؤتي من تشاء : آدم وولده وتنزع الملك ممن تشاء إبليس وجنوده

وقوله تعالى : ( وتعز من تشاء وتذل من تشاء ) قال عطاء تعز من تشاء : المهاجرين والأنصار وتذل من تشاء : فارس والروم ، وقيل تعز من تشاء محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى دخلوا مكة في عشرة آلاف ظاهرين عليها ، وتذل من تشاء : أبا جهل وأصحابه حتى حزت رءوسهم وألقوا في القليب ، وقيل تعز من [ ص: 24 ] تشاء بالإيمان والهداية ، وتذل من تشاء بالكفر والضلالة ، وقيل تعز من تشاء بالطاعة وتذل من تشاء بالمعصية ، وقيل تعز من تشاء بالنصر وتذل من تشاء بالقهر ، وقيل تعز من تشاء بالغنى وتذل من تشاء بالفقر ، وقيل تعز من تشاء بالقناعة والرضى وتذل من تشاء بالحرص والطمع ( بيدك الخير ) أي بيدك الخير والشر فاكتفى بذكر أحدهما قال تعالى : " سرابيل تقيكم الحر " ( 81 - النحل ) أي الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما ( إنك على كل شيء قدير ) .
( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب ( 27 ) )

قوله تعالى ( تولج الليل في النهار ) أي تدخل الليل في النهار حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات ( وتولج النهار في الليل ) حتى يكون الليل خمس عشرة ساعة والنهار تسع ساعات ، فما نقص من أحدهما زاد في الآخر ( وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ) قرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم " الميت " بتشديد الياء هاهنا وفي الأنعام ويونس والروم وفي الأعراف " لبلد ميت " وفي فاطر " إلى بلد ميت " زاد نافع " أومن كان ميتا فأحييناه " ( 122 - الأنعام ) و " لحم أخيه ميتا " ( 12 - الحجرات ) و " الأرض الميتة أحييناها " ( 33 - يس ) فشددها ، والآخرون يخففونها ، وشدد يعقوب " يخرج الحي من الميت " " لحم أخيه ميتا " قال ابن مسعود وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة : معنى الآية : يخرج الحيوان من النطفة وهي ميتة ، ويخرج النطفة من الحيوان

وقال عكرمة والكلبي : يخرج الحي من الميت أي الفرخ من البيضة ويخرج البيضة من الطير ، وقال الحسن وعطاء . يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن ، فالمؤمن حي الفؤاد ، والكافر ميت الفؤاد قال الله تعالى : " أومن كان ميتا فأحييناه " ( 122 - الأنعام ) وقال الزجاج : يخرج النبات الغض الطري من الحب اليابس ، ويخرج الحب اليابس من النبات الحي النامي ( وترزق من تشاء بغير حساب ) من غير تضييق [ ولا تقتير ] .

أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد الحنفي ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا أبو جعفر عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي ، أنا محمد بن علي بن زيد الصائغ ، أنا محمد بن أبي الأزهر ، أنا الحارث بن عمير ، أنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال : قال [ ص: 25 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن فاتحة الكتاب وآية الكرسي والآيتين من آل عمران ( شهد الله - إلى قوله - إن الدين عند الله الإسلام - و - قل اللهم مالك الملك - إلى قوله - بغير حساب ) معلقات ، ما بينهن وبين الله عز وجل حجاب ، قلن : يا رب تهبطنا إلى أرضك وإلى من يعصيك؟ قال الله عز وجل : بي حلفت لا يقرؤكن أحد من عبادي دبر كل صلاة إلا جعلت الجنة مثواه على ما كان منه ولأسكننه في حظيرة القدس ولنظرت إليه بعيني المكنونة كل يوم سبعين مرة ولقضيت له كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة ولأعذته من كل عدو وحاسد ونصرته منهم " رواه الحارث عن عمرو وهو ضعيف
( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( 28 ) )

قوله عز وجل : ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ) قال ابن عباس رضي الله عنه : كان الحجاج بن عمرو بن أبي الحقيق وقيس بن زيد ( يظنون ) بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم ، فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعيد بن خيثمة لأولئك النفر : اجتنبوا هؤلاء اليهود لا يفتنونكم عن دينكم ، فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم فأنزل الله تعالى هذه الآية

وقال مقاتل : نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره وكانوا يظهرون المودة لكفار مكة .

وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما نزلت في المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه كانوا يتولون اليهود والمشركين ويأتونهم بالأخبار ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل هذه الآية ، ونهى المؤمنين عن مثل [ فعلهم ] .

قوله تعالى : ( ومن يفعل ذلك ) أي موالاة الكفار في نقل الأخبار إليهم وإظهارهم على عورة المسلمين ( فليس من الله في شيء ) [ أي ليس من دين الله في شيء ] ثم استثنى فقال ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) يعني : إلا أن تخافوا منهم مخافة ، قرأ مجاهد ويعقوب " تقية " على وزن بقية لأنهم كتبوها بالياء ولم يكتبوها بالألف ، مثل حصاة ونواة ، وهي مصدر يقال تقيته تقاة وتقى تقية وتقوى فإذا قلت اتقيت كان المصدر الاتقاء ، وإنما قال تتقوا من الاتقاء ثم قال : تقاة ولم يقل اتقاء لأن معنى اللفظين إذا كان واحدا يجوز إخراج مصدر أحدهما على لفظ الآخر كقوله تعالى : " وتبتل إليه تبتيلا " ( 8 - المزمل ) [ ص: 26 ] ومعنى الآية : أن الله تعالى نهى المؤمنين عن موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم إلا أن يكون الكفار غالبين ظاهرين ، أو يكون المؤمن في قوم كفار يخافهم فيداريهم باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان دفعا عن نفسه من غير أن يستحل دما حراما أو مالا حراما ، أو يظهر الكفار على عورة المسلمين ، والتقية لا تكون إلا مع خوف القتل وسلامة النية ، قال الله تعالى : " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان " ( 106 - النحل ) ثم هذا رخصة ، فلو صبر حتى قتل فله أجر عظيم وأنكر قوم التقية [ اليوم ] قال معاذ بن جبل ومجاهد : كانت التقية في [ بدو ] الإسلام قبل استحكام الدين وقوة المسلمين ، وأما اليوم فقد أعز الله الإسلام فليس ينبغي لأهل الإسلام أن يتقوا من عدوهم ، وقال يحيى البكاء : قلت لسعيد بن جبير في أيام الحجاج : إن الحسن كان يقول لكم التقية باللسان والقلب مطمئن بالإيمان؟ فقال سعيد : ليس في الإسلام تقية إنما التقية في أهل الحرب ( ويحذركم الله نفسه ) أي يخوفكم الله عقوبته على موالاة الكفار وارتكاب المنهي عنه ومخالفة المأمور ( وإلى الله المصير ) .
( قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير ( 29 ) )

( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد ( 30 ) )

( قل إن تخفوا ما في صدوركم ) أي قلوبكم من مودة الكفار ( أو تبدوه ) موالاتهم قولا وفعلا ( يعلمه الله ) وقال الكلبي : إن تسروا ما في قلوبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من التكذيب أو تظهروه ، بحربه وقتاله ، يعلمه الله ويحفظه عليكم حتى يجازيكم به ثم قال : ( ويعلم ) رفع على الاستئناف ( ما في السماوات وما في الأرض ) يعني إذا كان لا يخفى عليه شيء في السماوات ولا في الأرض فكيف تخفى عليه موالاتكم الكفار وميلكم إليهم بالقلب؟ ( والله على كل شيء قدير )

قوله تعالى : ( يوم تجد كل نفس ) نصب يوما بنزع حرف الصفة أي في يوم ، وقيل : بإضمار فعل أي : اذكروا واتقوا يوم تجد كل نفس ( ما عملت من خير محضرا ) لم يبخس منه شيء كما قال الله تعالى : " ووجدوا ما عملوا حاضرا " ( 49 - الكهف ( وما عملت من سوء ) جعله بعضهم خبرا في موضع النصب أي تجد محضرا ما عملت من الخير [ والشر فتسر بما عملت من الخير ] وجعله [ ص: 27 ] بعضهم خبرا مستأنفا ، دليل هذا التأويل : قراءة ابن مسعود رضي الله عنهما " وما عملت من سوء ودت لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا "

قوله تعالى : ( تود لو أن بينها ) أي بين النفس ( وبينه ) يعني وبين السوء ( أمدا بعيدا ) قال السدي : مكانا بعيدا ، وقال مقاتل : كما بين المشرق والمغرب ، والأمد الأجل والغاية التي ينتهى إليها ، وقال الحسن : يسر أحدهم أن لا يلقى عمله أبدا ، وقيل يود أنه لم يعمله ( ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد ) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.52 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.08%)]