عرض مشاركة واحدة
  #62  
قديم 07-10-2020, 06:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (47)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 265 إلى الاية 268
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي

( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( 265 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ) أَيْ طَلَبَ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى ( وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) [ ص: 328 ] قَالَ قَتَادَةُ : احْتِسَابًا وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْكَلْبِيُّ : تَصْدِيقًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَيْ يُخْرِجُونَ الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُهُمْ عَلَى يَقِينٍ بِالثَّوَابِ وَتَصْدِيقٍ بِوَعْدِ اللَّهِ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا أَخْرَجُوا خَيْرٌ لَهُمْ مِمَّا تَرَكُوا وَقِيلَ عَلَى يَقِينٍ بِإِخْلَافِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ .

وَقَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ : يُثْبِتُونَ أَيْ يَضَعُونَ أَمْوَالَهُمْ قَالَ الْحَسَنُ : كَانَ الرَّجُلُ إِذَا هَمَّ بِصَدَقَةٍ تَثَبَّتَ فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ أَمْضَى وَإِنْ كَانَ يُخَالِطُهُ شَكٌّ أَمْسَكَ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ التَّثْبِيتُ بِمَعْنَى التَّثَبُّتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ( 8 - الْمُزَّمِّلِ ) أَيْ تَبَتُّلًا ( كَمَثَلِ جَنَّةٍ ) أَيْ بُسْتَانٍ قَالَ ( الْمُبَرِّدُ ) وَالْفَرَّاءُ : إِذَا كَانَ فِي الْبُسْتَانِ نَخْلٌ فَهُوَ جَنَّةٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ كَرْمٌ فَهُوَ فِرْدَوْسٌ ( بِرَبْوَةٍ ) قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ بِرَبْوَةٍ وَإِلَى رَبْوَةٍ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَرَأَ الْأَخَرُونَ بِضَمِّهَا وَهِيَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ الْمُسْتَوِي الَّذِي تَجْرِي فِيهِ الْأَنْهَارُ فَلَا يَعْلُوهُ الْمَاءُ وَلَا يَعْلُو عَنِ الْمَاءِ وَإِنَّمَا جَعَلَهَا بِرَبْوَةٍ لِأَنَّ النَّبَاتَ عَلَيْهَا أَحْسَنُ وَأَزْكَى ( أَصَابَهَا وَابِلٌ ) مَطَرٌ شَدِيدٌ كَثِيرٌ ( فَآتَتْ أُكُلَهَا ) ثَمَرَهَا قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّثْقِيلِ وَزَادَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ تَخْفِيفَ أُكُلِهِ وَالْأُكُلِ وَخَفَّفَ أَبُو عَمْرٍو رُسُلَنَا وَرُسُلَكُمْ وَرُسُلَهُمْ وَسُبُلَنَا .

( ضِعْفَيْنِ ) أَيْ أَضْعَفَتْ فِي الْحَمْلِ قَالَ عَطَاءٌ : حَمَلَتْ فِي السَّنَةِ مِنَ الرِّيعِ مَا يَحْمِلُ غَيْرُهَا فِي سَنَتَيْنِ وَقَالَ عِكْرِمَةُ : حَمَلَتْ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ ( فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ) أَيْ فَطَشٌّ وَهُوَ الْمَطَرُ الضَّعِيفُ الْخَفِيفُ وَيَكُونُ دَائِمًا .

قَالَ السُّدِّيُّ : هُوَ النَّدَى وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِعَمَلِ الْمُؤْمِنَ الْمُخْلِصِ فَيَقُولُ : كَمَا أَنَّ هَذِهِ الْجَنَّةَ تَرِيعُ فِي كُلِّ حَالٍ وَلَا تَخَلَّفُ سَوَاءٌ قَلَّ الْمَطَرُ أَوْ كَثُرَ كَذَلِكَ يُضْعِفُ اللَّهُ صَدَقَةَ الْمُؤْمِنَ الْمُخْلِصِ الَّذِي لَا يَمُنُّ وَلَا يُؤْذِي سَوَاءٌ قَلَّتْ نَفَقَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلَّ إِذَا كَانَ يَدُومُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْوَابِلِ الشَّدِيدِ . [ ص: 329 ] ( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) .
( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ( 266 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ( 267 ) )

( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) هَذِهِ الْآيَةُ مُتَّصِلَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى " [ قَوْلُهُ أَيَوَدُّ يَعْنِي : أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ أَيْ بُسْتَانٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ] .

( لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ ) أَوْلَادٌ صِغَارٌ ضِعَافٌ عَجَزَةٌ ( فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ ) الرِّيحُ الْعَاصِفُ الَّتِي تَرْتَفِعُ إِلَى السَّمَاءِ كَأَنَّهَا عَمُودٌ وَجَمْعُهُ أَعَاصِيرُ ( فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ) هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِعَمَلِ الْمُنَافِقِ وَالْمُرَائِي يَقُولُ : عَمَلُهُ فِي حُسْنِهِ كَحُسْنِ الْجَنَّةِ يَنْتَفِعُ بِهِ كَمَا يَنْتَفِعُ صَاحِبُ الْجَنَّةِ بِالْجَنَّةِ فَإِذَا كَبِرَ أَوْ ضَعُفَ وَصَارَ لَهُ أَوْلَادٌ ضِعَافٌ وَأَصَابَ جَنَّتَهُ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ فَصَارَ أَحْوَجَ مَا يَكُونُ إِلَيْهَا وَضَعُفَ عَنْ إِصْلَاحِهَا لِكِبَرِهِ وَضَعْفِ أَوْلَادِهِ عَنْ إِصْلَاحِهَا لِصِغَرِهِمْ وَلَمْ يَجِدْ هُوَ مَا يَعُودُ بِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَا أَوْلَادُهُ مَا يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْهِ فَبَقُوا جَمِيعًا مُتَحَيِّرِينَ عَجَزَةً لَا حِيلَةَ بِأَيْدِيهِمْ كَذَلِكَ يُبْطِلُ اللَّهُ عَمَلَ هَذَا الْمُنَافِقِ وَالْمُرَائِي حِينَ لَا مُغِيثَ لَهُمَا وَلَا تَوْبَةَ وَلَا إِقَالَةَ .

قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ : قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فِيمَنْ تَرَوْنَ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ ) قَالُوا : اللَّهُ أَعْلَمُ فَغَضِبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لَا نَعْلَمُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ابْنُ أَخِي قُلْ وَلَا تُحَقِّرْ نَفْسَكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ضَرَبْتَ مَثَلًا لِعَمَلٍ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَيُّ عَمَلٍ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : لِعَمَلِ الْمُرَائِي قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ . . . "
( كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ )

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ ) خِيَارِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُجَاهِدٌ : مِنْ حَلَالَاتِ ( مَا كَسَبْتُمْ ) بِالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى إِبَاحَةِ الْكَسْبِ وَأَنَّهُ يَنْقَسِمُ إِلَى طِيِّبٍ وَخَبِيثٍ .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ ، أَخْبَرَنَا أَبُو [ ص: 330 ] جَعْفَرٍ الرَّيَانِيُّ ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ ، أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ ، أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ أَطْيَبَ مَا يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ " .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَانِيُّ ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ بْنُ صَالِحٍ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَكَانَ دَاوُدُ لَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدَيْهِ " .

أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُشْمِيهَنِي ُّ ، أَخْبَرَنَا نَجَاحُ بْنُ يَزِيدَ الْمُحَارِبِيُّ بِالْكُوفَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدٍ ، أَخْبَرَنَا أَبَانُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الصَّبَّاحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَكْتَسِبُ عَبْدٌ مَالًا حَرَامًا فَيَتَصَدَّقُ مِنْهُ فَيَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ وَلَا يُنْفِقُ مِنْهُ فَيُبَارِكُ لَهُ فِيهِ وَلَا يَتْرُكُهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَّا كَانَ زَادُهُ إِلَى النَّارِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيثَ " .

وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ التِّجَارَةِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَبَعْدَ الْحَوْلِ يُقَوِّمُ الْعُرُوضَ فَيُخْرِجُ مِنْ قِيمَتِهَا رُبْعَ الْعُشْرِ إِذَا كَانَ قِيمَتُهَا عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ قَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نَعُدُّهُ لِلْبَيْعِ " .

وَعَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ : مَرَرْتُ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَى عُنُقِي أَدَمَةٌ [ ص: 331 ] أَحْمِلُهَا فَقَالَ عُمَرُ : أَلَا تُؤَدِّي زَكَاتَكَ يَا حِمَاسُ؟ فَقُلْتُ : مَا لِي غَيْرُ هَذَا وَأَهَبُ فِي الْقَرَظِ ، فَقَالَ ذَاكَ مَالٌ فَضَعْ فَوَضَعْتُهَا فَحَسَبَهَا فَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) قِيلَ هَذَا بِإِخْرَاجِ الْعُشُورِ مِنَ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إِيجَابِ الْعُشْرِ فِي النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ وَفِيمَا يُقْتَاتُ مِنَ الْحُبُوبِ إِنْ كَانَ مَسْقِيًّا بِمَاءِ السَّمَاءِ أَوْ مِنْ نَهْرٍ يَجْرِي الْمَاءُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُؤْنَةٍ وَإِنْ كَانَ مَسْقِيًّا بِسَاقِيَةٍ أَوْ بِنَضْحٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ " .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ التَّمَّارِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي زَكَاةِ الْكَرْمِ يُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا " . [ ص: 332 ]

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا سِوَى النَّخْلِ وَالْكُرُومِ وَفِيمَا سِوَى مَا يُقْتَاتُ بِهِ مِنَ الْحُبُوبِ ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا عُشْرَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِي ُّ وَمَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : يَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَجِبُ الْعُشْرُ فِي جَمِيعِ الْبُقُولِ وَالْخَضْرَوَات ِ كَالثِّمَارِ إِلَّا الْحَشِيشَ وَالْحَطَبِ وَكُلُّ ثَمَرَةٍ أَوْجَبْنَا فِيهَا الزَّكَاةَ فَإِنَّمَا يَجِبُ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ وَوَقْتُ الْإِخْرَاجِ بَعْدَ الِاجْتِنَاءِ وَالْجَفَافِ وَكُلُّ حَبٍّ أَوْجَبْنَا فِيهِ الْعُشْرَ فَوَقْتُ وُجُوبِهِ اشْتِدَادُ الْحَبِّ وَوَقْتُ الْإِخْرَاجِ بَعْدَ الدِّيَاسَةِ وَالتَّنْقِيَةِ وَلَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مِنْهَا وَاحْتَجَّ مَنْ شَرَطَ النِّصَابَ بِمَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ " .

وَرَوَى يَحْيَى بْنُ عُبَادَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ " ، وَقَالَ قَوْمٌ الْآيَةَ فِي صَدَقَاتِ التَّطَوُّعِ .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَانِيُّ ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ أَوْ طَيْرٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ " .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلَا تَيَمَّمُوا ) قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِرِوَايَةِ الْبَزِّيِّ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ فِي الْوَصْلِ فِيهَا وَفِي أَخَوَاتِهَا وَهِيَ وَاحِدٌ وَثَلَاثُونَ مَوْضِعًا فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ تَاءَانِ أُسْقِطَتْ إِحْدَاهُمَا فَرَدَّ هُوَ السَّاقِطَةَ وَأَدْغَمَ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَمَعْنَاهُ لَا تَقْصِدُوا ( الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ )

رُوِيَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : كَانَتِ الْأَنْصَارُ تُخْرِجُ إِذَا كَانَ جُذَاذُ النَّخْلِ [ ص: 333 ] أَقْنَاءً مِنَ التَّمْرِ وَالْبُسْرِ فَيُعَلِّقُونَه ُ عَلَى حَبْلٍ بَيْنَ الْأُسْطُوَانَت َيْنِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْكُلُ مِنْهُ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَعْمِدُ فَيُدْخِلُ قِنْوَ الْحَشَفِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ جَائِزٌ عَنْهُ فِي كَثْرَةِ مَا يُوضَعُ مِنَ الْأَقْنَاءِ فَنَزَلَ فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ( وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ ) أَيِ الْحَشَفَ وَالرَّدِيءَ وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ : كَانُوا يَتَصَدَّقُونَ بِشَرَارِ ثِمَارِهِمْ وَرَذَالَةِ أَمْوَالِهِمْ وَيَعْزِلُونَ الْجَيِّدَ نَاحِيَةً لِأَنْفُسِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ ) الرَّدِيءَ ( مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ ) يَعْنِي الْخَبِيثَ ( إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ) الْإِغْمَاضُ غَضُّ الْبَصَرِ وَأَرَادَ هَاهُنَا التَّجَوُّزَ وَالْمُسَاهَلَة َ مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ لِأَحَدِكُمْ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَجَاءَهُ بِهَذَا لَمْ يَأْخُذْهُ إِلَّا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَغْمَضَ لَهُ عَنْ حَقِّهِ وَتَرَكَهُ . وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ : لَوْ وَجَدْتُمُوهُ يُبَاعُ فِي السُّوقِ مَا أَخَذْتُمُوهُ بِسِعْرِ الْجَيِّدِ .

وَرُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ : لَوْ أُهْدِيَ ذَلِكَ لَكُمْ مَا أَخَذْتُمُوهُ إِلَّا عَلَى اسْتِحْيَاءٍ مِنْ صَاحِبِهِ وَغَيْظٍ فَكَيْفَ تَرْضَوْنَ مَا لَا تَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ؟ هَذَا إِذَا كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ جَيِّدًا فَلَيْسَ لَهُ إِعْطَاءُ الرَّدِيءِ لِأَنَّ أَهْلَ السُّهْمَانِ شُرَكَاؤُهُ فِيمَا عِنْدَهُ فَإِنْ كَانَ كُلُّ مَالِهِ رَدِيئًا فَلَا بَأْسَ بِإِعْطَاءِ الرَّدِيءِ ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ ) عَنْ صَدَقَاتِكُمْ ( حَمِيدٌ ) مَحْمُودٌ فِي أَفْعَالِهِ .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.48 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.69%)]