عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 17-10-2011, 06:22 PM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

الحلقة الثانية عشرة بعنوان:

وبدأ التغيير

كانت صدمة الجميع بالغة من هول الخبر، فلهجت الألسنة بالدعاء لله عز وجل وتسارعت دقات القلوب، وهي تحاول أن تدفع شبح التفكير في حدوث نهاية مؤسفة لذلك العم الصامت، الذي تحدث أخيرا بطريقته، لكن هل يا ترى فات الأوان؟

سارع أحمد ونور إلى المستشفى بعدما تمكنا بصعوبة بالغة أن يقنعا أولادهما بالذهاب إلى مدارسهم، وان أخبار عمهم ستصلهم أولا بأول، وأنهما إن احتاجا لأي مساعدة، سيتصلان بهم على الفور.

وصل الزوجان إلى المستشفى بعد نصف ساعة، فوجد أحمد والده في غرفة الاستقبال يذرعها جيئة وذهابا، أما والدته فما كانت رجلاها الضعيفتان تقويان على حملها، فلاذت بأقرب كرسي وجدته لدى وصولها، وكلما استجمعت قواها وجففت دموعها إلا وانهارت من جديد. أكب أحمد ونور على يديهما يقبلانها ثم سأل أحمد والده في لهفة عما جرى.

أبو أحمد: لم نعرف شيئا إلى الآن يا بني ما علينا إلا الدعاء، وأجهش بالبكاء -وقلبه يتمزق من الألم، ومشاعر متضاربة تنتابه...أما أم أحمد فتارة تبكي وتارة تشرد بذهنها وكأنها في عالم بعيد..مر الوقت بطيئا والساعات طوالا... والكل يضرع إلى الله بالدعاء وقلوبهم تخفق بذكره رجاء في رحمته.

خرج الطبيب بعد طول انتظار وطمأن الأسرة أن أدهم قد اجتاز مرحلة الخطر وبعون الله سيعافى بعد أيام معدودات.
تهللت أسارير الحاضرين وحمدوا الله على نعمه وأفضاله...

وبعد أيام قضاها بجانب أخيه في المستشفى، ذهب أحمد إلى بيت أهله للاطمئنان على والديه، فوجدهما يشربان الشاي في بهو المنزل ويتجاذبان أطراف الحديث فقابلاه كالعادة ببشر وسعادة وكذا هو، استأذن بعد دقائق ليدخل إلى غرفة أدهم، وفكرة واحدة تسيطر عليه وهي لماذا؟ لماذا أقدم أدهم على الانتحار وهو يأس من رحمة الله في الدنيا وعذاب يوم القيامة والعياذ بالله.

دخل الغرفة ففوجئ بالفوضى التي تعمها، والصور الغريبة المعلقة على الحائط، فبدأ يدرك حجم تقصيره في حق أخيه والدليل أنه لم يدخل غرفته منذ زمن بعيد ولم يهتم بمعرفة أحواله أو حتى السؤال عنها بعمق." واغفلتاه، أين كنتَ يا أحمد؟ أتدعو الناس وتترك أخاك؟ ماذا ستقول لربك حين يسألك عنه؟ الويل لك كل الويل" هكذا خاطب أحمد نفسه لشدة صدمته.

ثم بدأ يبحث بين كتب أخيه عله يجد خواطر أو مذكرات تفسر له سبب ما جرى، لكنه ما لبث أن وجد ورقة على الطاولة فالتقطها بسرعة وكأنها طوق النجاة من حيرته.

ثم بدأ يقرأ :

" ارتاحوا الآن، ها أنذا ذهبت فانعموا يا موتى القلوب وعمي الأبصار، لم أكن أحتاج منكم سوى أن تحسوا بي فشكرا جزيلا على إحساسكم الميت.إلى اللقاء في نار الجحيم. "

امتقع وجه أحمد لوقع كلمات لم يتخيل يوما أن يقرأ مثلها، فضلا عن أن تصدر عن أخيه ابن أمه وأبيه، وخرج على الفور إلى البهو فاستأذن للذهاب وفكره تتنازعه أسئلة كثيرة تبحث عن جواب.حتى أنه رد على والدته باقتضاب، حين لاطفته وهي تطلب منه أن لا يطيل الغياب، قائلا: إن شاء الله إن شاء الله.

ثم خرج بسرعة منطلقا إلى بيته...وصل فوجد نور في المطبخ تجهز الطعام وتنتظره لمرافقة الأولاد وزيارة أدهم في المستشفى..التفتت إليه فرأت وجهه قد علاه الشحوب، فعلمت بفراستها وطول عشرتها له، أن هنالك أمرا جللا يشغله، فمسحت على شعره برفق وحنان وأحجمت عن السؤال والكلام حتى لا تزيد الضغط عليه، لعلمها أن من طبيعة الرجل أنه يفضل عدم الإفصاح عن حزنه حتى يستعيد توازنه.

ثم ابتسمت قائلة: اذهب لترتاح قليلا ريثما أنهي تجهيز الطعام، فالأولاد على وشك الوصول، ثم نذهب إن شاء الله معا للغداء مع أدهم...

في هذه الأثناء كان محل أحمد مفتوحا والعمل يسير على ما يرام والمصمم محمود يحل محل أحمد في القيام بمهامه.وقبل صلاة الظهر بنصف ساعة، دخلت المحل امرأة اعتادت رجلاها ارتياد المكان بحجة الشراء وكلها أمل أن تجد ضالتها فيه.إنها فاتن، تلك الأرملة الشابة التي أعجبت بأحمد وأخلاقه من أول يوم، ولم تفتأ تزور المحل بين الفينة والأخرى. خصوصا بعد أن علمت من أحد العمال بنبإ إصابته، فانشغل بالها عليه ولم يقر لها قرار إلا بعد أن اطمأنت على نجاته وتحسن صحته.

دخلت المحل وقد خفت نضارتها، ذابلة العينين شاحبة الوجه منهكة القوى وقد عزمت في قرارة نفسها أن تحسم أمرها وليكن ما يكون، طلبت من العامل مقابلة رب العمل لأمر هام، فأخبرها أنه غير متواجد بالمحل وأن المصمم محمود يحل محله.فطلبت مقابلته على وجه السرعة، اهتم محمود للأمر وطلب منها الانتظار قليلا، ريثما يتصل بأحمد. ثم أخبرها قائلا :يمكنك الحضور يا سيدتي لمقابلة السيد أحمد على الساعة العاشرة في صباح الغد إن شاء الله. فرحت أيما فرح لهذه المقابلة التي انتظرتها طويلا، وقفلت راجعة إلى بيتها وقد وطنت نفسها وأعدت حوارا في مخيلتها حسب ما سولت لها أحلامها.

اجتمعت الأسرة وانطلقت إلى المستشفى وأدهم لا يعلم بالمفاجأة، فدخل الجميع مسرورين برؤيته واجتمعوا حوله يضحكون ويمرحون، وهو لا يفهم شيئا لكنه بعد هنيهة استساغ الجو غير المعتاد بالنسبة له، واندمج فيه وتناسى كل جروحه وآلامه ودفنها بين أضلعه ليحس بطعم المتعة الحقيقي بعيدا عن هواجسه وشكل جسمه...

تجاذب زواره أطراف الحديث وأدهم ينصت فقط كعادته، لأنه لا يجرؤ أن يتفوه بأي كلام ليقينه أنه سيواجه بالتحقير أو التسفيه أو أنه لا يعلم شيئا... لكن أحمد نظر إليه نظرة تشجيع، بعد أن فتح موضوعا متعمدا في تخصص أدهم وهو الأدب العربي. ثم طلبوا منه أن ينشدهم شعرا مما يحفظه، فامتنع بشدة لكنهم أصروا وبدؤوا بالتصفيق والتشجيع وهم يصرون على أنهم متأكدون من براعته ولكنه يخفيها...

فقال ضاحكا: لابد لي من "ميكروفون" فأنا أكبر من إنشاد الشعر على سرير... فأمسكت فاطمة بمشط طويل وكأنه ميكروفون وقالت له: تفضل يا عمي، اعتبره ميكروفونا تقليديا وشنف أسماعنا فضحك الجميع. والعجيب أن أدهم لم يعتبرها إهانة في حقه بل تقبلها بصدر رحب، لأنها فعلا كانت مداعبة بريئة، الهدف منها الترويح عنه وإدخال السرور على قلبه، فوافق وأمسك بالمشط ورفع رأسه كأنه في أمسية شعرية وتنحنح والكل يصغي باهتمام ثم أنشد:


جَـمَالُ الـرُّوحِ ذَاكَ هُوَ الْجَمَالُ *** تَـطِيبُ بِـهِ الـشَّمَائِـلُ وَالْخِلالُ

وَلَا تُـغْنِي إِذَا حَـسُنَتْ وُجُـــوهٌ*** وَفِـي الْأجـْسَادِ أرْواحٌ ثِـقالُ

وَلَا الْأخْـلاقُ لَـيْسَ لَهَا جُذورٌ *** مِـنَ الإِيمَانِ تَـوَّجَهَا الْكَمَالُ

زُهُـورُ الـشَّمْعِ فـَاتِنَةٌ وَلـَكِنْ*** زُهُـورُ الرَّوْضِ لَيْسَ لَهَا مِثَالُ

حـِبَالُ الـْوُدِّ بِالْإِخْلَاصِ تَقْوَى*** فـَإِنْ يـَذْهَبْ فَلَنْ تَقْوَى الْحِبَالُ

حَـذارِ مـِنَ الْجِدَالِ فكَمْ صَدِيقٍ*** يـُعَـادِيهِ إِذا احْتَدَمَ الْـجِدَالُ

بِأرْضِ الْخِصْبِ إمَّا شِئْتَ فَازْرَعْ ***وَلَا تُـجْدِي إذا زَرَعَـتْ رِمَالُ

صفق الجميع له بحرارة لأنه فعلا أتقن إنشاده وقاله بإحساس عارم لا سيما أنه يمسه بعمق...فرح أدهم جدا فهذا ما كان يبحث عنه أن يحس به الآخرون وأن يرفعوا معنوياته ويصوبوا أخطاءه برفق وذكاء وليس بقسوة وجفاء...استمرت الجلسة الرائعة في جو مميز لم ينهه إلا الممرضة التي جاءت تخبرهم بنهاية وقت الزيارة، فسلم الجميع عليه بحرارةوطلبوا منه أن يدعو لهم.

وبينما همَّ الجميع بالخروج من الغرفة، نادى أدهم أخاه أحمد فالتفت أحمد بسرعة: نعم يا شقيقي العزيز.فنظر إليه نظرة الغريق المستنجد به دون أن ينبس ببنت شفة، أراد أحمد أن يستفسر منه، لكن فوجئ بابنه عمر يخبره أن سيدة تنتظره بالخارج.

يتبع بإذن الله

__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.76 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.66%)]