عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-08-2020, 03:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي مشاهد من عذاب القبر ونعيمه

مشاهد من عذاب القبر ونعيمه


الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد




إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذني الله وإياكم من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

إخواني في الدين، وفي العقيدة والتوحيد والسنة، تأتينا أحاديثُ عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ثبتت بالأسانيد الصحيحة من العلماء عن العلماء عن العلماء حتى تصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنأخذ بما فيها، وإن كانت ضعيفة لا نأخذ بها؛ لأنها لم تثبت عنه صلى الله عليه وسلم خصوصا في الغيبيات: العقيدة التوحيد، في صفات الله وأسمائه، في القبر: نعيمه وعذابه، في الآخرة في الجنة والنار، هذا لا نصدقه إلا ما ثبت في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

واليوم حديثنا حديثُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبارة عن مشاهدَ رآها عليه الصلاة والسلام، سواء في الإسراء والمعراج بجسده وروحه، أو عبْرَ رؤيا منامية، ورؤيا الأنبياء حق، إذا قال نبي من الأنبياء: [رأيت فيما يرى النائم كذا وكذا]، فقد رأى حقًّا، أما أنت وأنا لو رأينا فنعبِّره، ونسأل الله أن يكون خيرا، نسأل الله أن يكون شيئا طيبا، ربما نحن يأتينا شيطانٌ قد يضحك علينا.

أما الأنبياء فمعصومون لا تأتيهم الشيطان لا في حال اليقظة، ولا في حال المنام، فرؤياهم حق، فهذا الحديث رؤيا للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن! وأي رؤيا، رؤيا تنتقل بها الأمة، فيحسب منها كان يعمل السيئات، السيئات كثيرة وأنواعها كثيرة، ويعمل الحسنات وأنواعها كثيرة، فلنستمع إلى حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه.

[عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلَانِ"، =أي ملكان، جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم= "فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ" =أي عَضُدَيّ، يعني واحد أمسك به من العضد اليمين، والآخر أمسك به من العضد اليسار، ملكان يأتيانه في صورة رجلين، إلى أين يذهبان به؟ فلنستمع= "فَأَتَيَا بِي جَبَلا وَعْرًا"، =ذا ارتفاعٍ شاهق، ووعورة في الجبل= "فَقَالَا: اصْعَدْ"، =والنبي صلى الله عليه وسلم بشر، لولا أن الله يؤيده، لكان بشرا لا يستطيع أن يصعد هذا الجبل، فماذا قال لهما عليه الصلاة والسلام عندما قالا له: اصعد؟= "فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أُطِيقُهُ"، =لا يطيقه لبشريته إن لم يؤيده الله بملائكته= "فَقَالَا: إِنَّا سَنُسَهِّلُهُ لَكَ"، =فهذه الوعورة وهذه الصعوبة سنسهلها عليك= "فَصَعِدْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ"، =الآن صعد إلى قمة الجبل، بمساعدة من الملكين= "إِذَا بِأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ"، =أصواتٍ غريبة، تندفع وتضجّ، ويضجُّ بها المكان، أصوات ما هي معروفة؛ أصوات نساء أم رجال، اختلط الحابل بالنابل، شيءٌ مزعجٌ، أثارَ عند النبي صلى الله عليه وسلم سؤالا فقال:= "فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الْأَصْوَاتُ؟ قَالُوا": هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ"، =نسأل الله السلامة: عواء أهل النار يعوون فيها، كما قال الله عز وجل: ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا ﴾ [فاطر: 37]، صراخ يا عباد الله! ومن صراخهم: [يا رب أرجعنا إلى الحياة الدنيا نعمل الصالحات]، يريد أن يعمل الصالحات بعد فوات الأوان، ما ينفع انقطع العمل، ويبقون يصطرخون فيها إلى يوم القيامة، ويوم القيامة إلى النار والعياذ بالله، أما الآن فهم في البرزخ، تعذَّبُ أرواحُهم، وتحسُّ وتشعر بها أجسادُهم تبعا للأرواح،= "ثُمَّ انْطَلَقَا بِي"، =تركوا قمة الجبل، وذهبوا إلى أمكنة أخرى، حتى يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رأى، فموتوا على الإسلام يا عباد الله! على الإيمانِ والتوحيدِ واتباعِ سنة محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]= "فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ" =العراقيب: جَمْع عُرْقُوب، وهو: عَصَبٌ غَلِيظٌ فَوْقَ عَقِبِ الْإِنْسَان، في مؤخر القدم، يقولون في المثل: [كل شاة معلَّقة من عرقوبها]، فكيف بمن يعلق من البشر بعرقوبه يوم القيامة= "مُشَقَّقَةٍ أَشْدَاقُهُمْ" =هنا تشقَّقت الأشداق من العذاب، تعذبهم الملائكة، فتشقِّق هذه الأماكن، من عند الفم إلى نهاية الحلق، من اليمين واليسار، نسأل الله السلامة= "تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا"، =الشِّدْق: جانب الفم مما يلي الخد=، "فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَا: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ"، =أَيْ: يُفطرون قبل وقت الإفطار. وبيننا وبين رمضان شهرٌ، وبعضُ هذه الأمةِ لا يصوم رمضان، أو يصوم ويفطر قبل الموعد، يستطيل ويستبعد وقت الإفطار؛ لأن الوقت طويل، فيفطر دون عذر شرعي؛ لأن أصحاب الأعذار لا نتكلم عنهم، لكن الأصحاء يوم القيامة سيعذبون من عراقبيهم، إذا رأيتهم يوم القيامة تعرفهم أنهم كانوا يفطرون في رمضان، من سيلان أشداقهم مشققة دما، نسأل الله السلامة، قال:= فَقُلْتُ: خَابَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى -قَالَ سُلَيْمَانُ: مَا أَدْرِي أَسَمِعَهُ أَبُو أُمَامَةَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمْ شَيْءٌ مِنْ رَأْيِهِ؟- "قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقْنَا، فَإِذَا بِقَوْمٍ أَشَدَّ شَيْءٍ انْتِفَاخًا"، =هل مرَّ أحدكم بجيفة حمار أكرمكم الله؟ أو دابة كيف إذا مضت عليها ثلاثة أيام؟ كيف حالها وقد شالت بأرجلها، نسأل الله السلامة= "وَأَنْتَنِهِ رِيحًا"، =تنتشر هذه الروائح الكريهة من هذه الجثث الملقاة= "وَأَسْوَئِهِ مَنْظَرًا"، =منظر قبيح، منظر يثير الاشمئزاز، منظر يقلب المعدة، منظر يأتي بالتقيؤ نسأل الله السلامة= "فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَا: هَؤُلَاءِ قَتْلَى الْكُفَّارِ"، =الذي يقتل من الكفار، هذه حاله يوم القيامة= "ثُمَّ انْطَلَقَا بِي، فَإِذَا بِقَوْمٍ أَشَدَّ شَيْءٍ انْتِفَاخًا"، =أشد من الكفار= "وَأَنْتَنِهِ رِيحًا، كَأَنَّ رِيحَهُمُ الْمَرَاحِيضُ، =نسأل الله السلامة، ريحهم مراحيض دورات= "فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَا" =أي قال الملكان=: "هَؤُلَاءِ الزَّانُونَ وَالزَّوَانِي"، =عافانا الله وإياكم من هتك الأعراض، اللهم احفظنا واحفظ نساءنا واحفظ شبابنا، وفتياننا وفتياتنا من الوقوع في الرذائل يا رب العالمين، احفظنا في الدنيا والآخرة، الزانون والزواني تنبعث منهم الروائح الكريهة، فيهم شبه من قتلى الكفار، نسأل الله السلامة= "ثُمَّ انْطَلَقَا بِي، فَإِذَا أَنَا بِنِسَاءٍ" =معلقات= "تَنْهَشُ ثُدِيَّهُنَّ الْحَيَّاتُ"، =معلقات من الأثداء، من النهود، تصور كلاب الحديد الذي يجعله اللحام في اللحم يعلق اللحم بها، يضع في ثدي المرأة وتعلق، وتأتي الحيات وتنهش في هذا الموضع الحساس، ما السبب يا عباد الله؟ إياك أن تكون زوجتك أو زوجتي، أو أختك أو أختي إنهن المسلمات، فلنسمع الجواب على النبي صلى الله عليه وسلم لهذه العقوبة= "فَقُلْتُ: مَا بَالُ هَؤُلَاءِ؟" =أي ماذا فعلن هؤلاء؟ وما سبب العقوبة؟= "قَالَا: هَؤُلَاءِ يَمْنَعْنَ أَوْلَادَهُنَّ أَلْبَانَهُنَّ"، =تلد ولكنها لا ترضع ولدها، تريد أن تحافظ على قوامها ورشاقتها، تحافظ على جسدها، حتى تبدوَ وكأنها فتاة صغيرة السن لم تتزوج بعد؛ لأن التي ترضع يتدلى ثديها، هي لا تريد هذا، فتستعيض عنه بمرضعات أخر، وتستعيض عنه بالألبان والحليب المصنع، وطفلها يريد الحنان من صدرها وتمنعه، لكن التي عندها عذر لها شأن آخر، المريضة أمر آخر، نتكلم عن الصحيحة السليمة، نتكلم عن [الدلوعة]، إن صحَّ التعبير، التي لا تريد أن ترضع أطفالها، ماذا يحدث لها يوم القيامة؟ النساء تنهش ثديهن الحيات= "ثُمَّ انْطَلَقَا بِي، فَإِذَا أَنَا بِغِلْمَانِ" =أطفال صغار، لم يبلغوا سن الحلم، أقل من خمس عشرة سنة، ماتوا في الطفولة= "يَلْعَبُونَ بَيْنَ نَهْرَيْنِ"، =أي من أنهار الجنة، خرج من النار وما رأى فيها من اختصار لأفعال، وانطلقا به صلى الله عليه وسلم إلى الجنة فرأى بين النهرين أطفال يلعبون= "فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَا: هَؤُلَاءِ ذَرَارِيُّ الْمُؤْمِنِينَ" =أَيْ: أَوْلَادهمْ الصِّغَار، أبشر يا من فقدت ولدا أو أكثر، افتقدته ذكرا أو أنثى، يعني ابنا أو بنتا، ليس شرطا أن يكون الولد ذكرا، إذا كنت فقدت جزءا من فلذة كبدك، أبشر فإنهم سينتظرونك هناك في الجنة، والآن يلعبون بين نهرين، ذراري المؤمنين، أطفال المؤمنين الذين ماتوا قبل سن البلوغ، سيسبقون أهليهم إلى الجنة= "ثُمَّ شَرَفَا بِيَ شَرَفًا" =أي صعدا بي مكانا مرتفعا، أي ارتفع إلى مكان أعلى، فالشرف هو المكان العالي= "فَإِذَا أَنَا بِنَفَرٍ ثَلَاثةٍ" =جاء بأسمائهم صلى الله عليه وسلم، وربما أغلبكم سمع عنهم، يحبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ونحن نحبهم، ثلاثة من أصحابه رضي الله عنهم، استشهدوا في حياته، بكى صلى الله عليه وسلم لاستشهادهم، قال:= "فَإِذَا أَنَا بِنَفَرٍ ثَلَاثةٍ يَشْرَبُونَ مِنْ خَمْرٍ لَهُمْ"، =الذي حرم نفسه من خمر الدنيا، الله يسقيه يوم القيامة من خمر الآخرة في البرزخ، الآن هؤلاء الثلاثة يأتيهم من خمر الجنة فيشربون، خمر الجنة التي لا غول فيها، لا ذهاب عقل، ولا إسكار كما يحدث في خمر الدنيا= "قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَا: هَؤُلَاءِ جَعْفَرٌ، وَزِيدٌ، وَابْنُ رَوَاحَةَ" رضي الله عنهم، =عرفتموهم؟ الذين استشهدوا أين؟ في غزوة مؤتة، واحد تلو الآخر، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم=. "ثُمَّ شَرَفَانِي" =أخذاني فارتفعا بي مكانا أعلى من مكان الصحابة؟ نعم! أعلى من مكان الصحابة، هذه جولة ليلية مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهي آخر جولاته من هذه الرؤيا= "شَرَفًا آخَرَ، فَإِذَا أَنَا بِنَفَرٍ ثَلَاثةٍ"، =لكنهم ليسوا صحابة، إنهم عندما سأل عنهم قال:= "قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَا: هَذَا إِبْرَاهِيمُ، وَمُوسَى، وَعِيسَى" عليه السلام =عليهم الصلاة والسلام= "وَهُمْ يَنْتَظِرُونَك". [خز] [1986]، [حب] [7491]، انظر الصَّحِيحَة: [3951]، وصَحِيح التَّرْغِيبِ [2393]] الجامع الصحيح للسنن والمسانيد لصهيب عبد الجبار [2/ 121].

ينتظرون من؟ ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم، والنبيُّ لحق بهم قبل ألف وأربعمائة عام، لحق بهم صلى الله عليه وسلم، رأى موسى، ورأى إبراهيم الخليل، رأى أبا الأنبياء جميعا الذي تذكرونه في كل تشهد، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، صلوات الله وسلامه عليكم أهل البيت، إبراهيم عليه السلام أخذ من الله الصلوات وبركات، فلذلك أنت تدعو الله أن ينزل الصلوات والبركات على محمد وآل بيته، كما صليت على إبراهيم وآل بيته.

وكذلك موسى عليه السلام الذي كان سببا لكم أيها الأمة؛ أمة محمد صلى الله عليه وسلم في تخفيف الصلاة من خمسين صلاة، اسأل ربك التخفيف في الإسراء والمعراج حتى صارت خمس صلوات، وعندما نزل وقال: كم كتب عليك ربك في اليوم والليلة؟ يسأل موسى عليه السلام محمدا عليه الصلاة والسلام، قال: خمس صلوات، قال: ارجع فاسأل ربك التخفيف، يعني عدة مرات والنبي صلى الله عليه وسلم يصعد إلى ربه سبحانه، وينزل إلى موسى عليه السلام، ويقول: ارجع ويسأله التخفيف، ويقول: خففتها خمسا، ويقول: اسأل ربك التخفيف، فيقول محمد صلى الله عليه وسلم: لقد راجعت ربي حتى استحييت، قال يا محمد: قد تركت الناس أي بني إسرائيل بأقل من ذلك سنيتن ثلاثة قال: ما تحملوها، فنودي النبي صلى الله عليه وسلم هن في الأجر خمسون، وفي العمل خمس، فأبشروا وحافظوا على هذه الصلوات، وكونوا مع الله عز وجل، وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الآخرة
الحمد لله حمد الشاكرين الصابرين، ولا عدوان إلا على الظالمين، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم وأكرم على نبينا محمد وآله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:
وفي أحاديث أخرى غير ذاك الحديث، تذكر مشهدا أو مشهدين لهذه الأمة وطبعا، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ".. رِجَالاً تُقْرَضُ شِفَاهُهمْ" =وفي رواية: ألسنتهم= بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ"، =مقاريض يعني مقصات، ليس مقصا صغيرا من مقصات الشعر، أو للشجر وليس للشعر، مقصّ أكبر من ذلك، توجد مقصات نسأل الله السلامة، ترونها في البلديات أعظم من ذلك، مقص ليس من حديد، بل من نار، مقاريض من نار، تقرض الشفاه، وتقرض الألسنة، عذاب ما السبب؟ لابد أن هذه الشفاه وهذه الألسنة فعلت أمرا فنالت عقوبتها؛ لأن الله إذا حاسب الناس وعاقبهم، لا يعاقبهم كلهم سواء، وإنما العقوبة على قدر الذنب، فكل يأخذ عقوبة تختلف عن عقوبة الآخر، كما سمعنا في الحديث السابق، فهؤلاء الرجال الذين تقرض شفاههم أو ألسنتهم بمقاريض من نار، من هم؟= قال: "مَنْ هَؤُلاءِ يَا جَبْرَئِيلُ؟ قَالَ": =هؤلاء= "خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ"؛ =الخطباء سواء كانوا خطباء جمعة، أو خطباء ميدان أو خطيب ساحة، أو يقف أمام شاشة من الشاشات الفضائية أو غيرها= "الَّذِينَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ، وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا يَعْقِلُونَ"، أخرجه أحمد [3/120 و180 و231 و239]، الصحيحة [291].

فهؤلا الخطباء إنهم خطباء الفتن، ومثيرو الشغب بخطاباتهم الرنانة، وشعاراتهم البراقة؛ وما أكثرهم، فهم يهيجون الأمة ولم يفعلوا شيئا، مصيرهم -نسأل الله السلامة- بمجرد موتهم يوم القيامة هكذا النبي صلى الله عليه وسلم رأى صفتهم.

ومرَّ صلى الله عليه وسلم: "... بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ" =ما هي أظفار عظم أظفار نحاس، تشبه مخالب الأسد أو الثور طويلة، وليست من عظم بل من نحاس= "يَخْمُشُونَ" =بها= "وُجُوهَهُمْ" =نسأل الله السلامة= "وَصُدُورَهُمْ"، =يشققون جلد الوجه، وجلد الصدر، هذا زيادة في التعذيب والألم= فَقال: "مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟! قَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ". سنن أبي داود [4878]، انظر الصحيحة [533].

ما أكثر الدواوين، وما أكثر الجلسات الخاصة والعامة، ما أكثر الاجتماعات بين الشباب أو الرجال أو النساء، وأخوهم الغائب، هتكوا عرضه، أكلوا لحمه، ولا يخافون الله، ولا يخافون ممن يسجل عليهم كل صغيرة وكبيرة، ما حالهم رجالا ونساء يوم القيامة؟ من يفعل ذلك؟ أظافر من نحاس يخمشون وجوههم، ويخمشون صدورهم حتى تقام الساعة، نسأل الله السلامة، لاحظتم من يأكل لحم أخيه ميتا في غيبته، كأنه أكله وهو ميت، نسأل الله السلامة، كما جاء في سورة الحجرات، ﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ [الحجرات: 12]، إنها الغيبة يا عباد الله، يتكلم بما فيه من سيئات، بما فيه من عيوب، والصحابة رضي الله تعالى عنهم يظنون أن ذلك جائز، يقول أحدهم: أنا صادق في كلامي، أرأيت يا رسول الله إن كان في أخي ما أقول، هو فيه عيوب، قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته"، يعني هذه الغيبة، "وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته"، افتريت عليه البهتان، ولاحظتم يا عباد الله أن البهتان جزاؤه يوم القيامة يختلف عن المرأة التي لا ترضع طفلها، يختلف عن آكل الربا، يختلف عن تارك الصلاة، يختلف عن شارب الخمر، وهكذا كل عمل ومعصية في الدنيا عصية الله تعالى بها يا عبد الله لها عقوبة تختلف عن الأخرى، فمن ارتكب سيئة صغيرة تختلف عقوبتها عن من ارتكب كبيرة، لكن من تاب تاب الله عليه، من تاب من الصغيرة والكبيرة، من أقبل على الله قبله الله، من أقدم على الرحمن رحمه الله.

فتوبوا إلى الله يا عباد الله، ونسأل الله أن يغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وأن يثبت أقدامنا، وأن ينصرنا على القوم الكافرين.

اللهم وحد صفوفنا وألف بين قلوبنا، اللهم أزل الغل والحقد، والحسد والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم كن معنا ولا تكن علينا، اللهم أيدنا ولا تخذلنا، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

وأنت يا مؤذن أقم الصلاة، فإن الصلاة تنهى الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.22 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]