عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25-02-2019, 01:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوسائل والذرائع وأثرهما في الاجتهاد السياسي

الوسائل والذرائع وأثرهما في الاجتهاد السياسي
أ.د.علاء الدين الأمين الزاكي*




المبحث الخامس:

أثر استخدام الوسائل في الاجتهاد السياسي
إن أمور السياسة في هذه الأونة قد أصبحت أكثر تعقيداً وتحتاج إلي من يملك الحنكة, والدربة في الشرع ,والواقع ,ويحسن استخدام الوسائل. فعملية صنع القرار السياسي في الرؤية الإسلامية، هي في المقام الأول لون من الاجتهاد, لكن في الحياة العامة لمجابهة المواقف والوقائع المثارة فيها بقصد اختيار أحد البدائل أو الحلول العملية التى تفضي إلى جلب المصلحة ودفع المفسدة .وهذه لا تتم إلاّ بالنظر في الوسائل لما لها من تأثير بالغ في صنع القرار وبالاستقراء يمكن القول إن أي قرار صائب وراءه وسيلة فعّالة.
ولتأثير الوسائل والذرائع في الاجتهاد السياسي انقسم الناس فيها إلى فريقين:ـ
الفريق الأول :الذي توسع في هذا الباب بل وفتحه علي مصراعيه حتي وصل إلى قاعدة اليهود( الغاية تبرر الوسيلة)، ليس له مايقفه من استعمال أي وسيلة ظناً منه أنها تحقق المصلحة محتجاً بأن الدين مبناه علي تحقيق مصالح العباد ولربما تجاوز نصوص الشرع الحكيم وهو يحسب أنه يحسن صنعا ’وبالمقابل فتح باب الذرائع علي مصراعيه بغية الوصول إلي هدفه فأوقع الناس في مفاسد عظيمة.
الفريق الثاني: أغلق باب الوسائل تماماً بدعوى أنها توقيفة فحرّم علي الناس ما أباحه الله، بل وأوقع الأمة في حرج عظيم ,و في الذرائع توسع في سدها لأدني شبهة حتى أنه منع المباحات مع فائدتها للأمة بمجرد رائحة المفسدة.
فأثر الذرائع والوسائل على عملية الاجتهاد السياسي في ايجاد البديل الشرعي والنافع وخطر تضيعهما واضح بيّن ,وزيادة في الوضوح والبيان إليك هذه المطالب:ـ
المطلب الأول :إدراك المقاصد هدف الاجتهاد, عبرالوسائل.
إن هدف الاجتهاد السياسي إدراك المقاصد وهي جلب المصالح ودفع المفاسد وهوهدف الشريعة و المقصد الأساسي لها ،وأي اجتهاد في أي باب لا بد وأن يكون هذا هدفه لأن الشريعة مبناها علي تحقيق مصالح العباد في الدارين. قال العز وَقَدْ عَلِمْنَا مِنْ مَوَارِدِ الشَّرْعِ وَمَصَادِرِهِ أَنَّ مَطْلُوبَ الشَّرْعِ إنَّمَا هُوَ مَصَالِحُ الْعِبَادِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ)[31]وقال ابن القيم الشَّرِيعَةُ شُرِعَتْ لِتَحْصِيلِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ)[32]،وقال الشاطبي والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه الرازي ولا غيره، فإن الله تعالى يقول في بعثه الرسل وهو الأصل قال تعالى:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}[33] وقال تعالى:{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[34] وقال في أصل الخلقة: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[35] وقال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[36].
والذي يدل على أهمية الوسائل للاجتهاد السياسي الذي ذكرنا أن هدفه هو المقاصد مايلي:ـ
أولاً: إن المقاصد لايمكن تحصيلها بدون الوسائل لأنها الطرق المؤدية للمصالح إلا أن يكون الفعل في ذاته مصلحة أو مفسدة , قال القرافي : (وموارد الأحكام على قسمين : مقاصد ، وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها ، ووسائل ، وهي : الطرق المفضية إليها)[37] . والذي يريد أن يصل إلي المقاصد لابد وأن يكون وصوله عبر انتقاء أفضل الوسائل.
ثانياً: ارتبطت الوسائل بالمقاصد ارتباطاً وثيقاً حتي وصفها البعض بأنها من المقاصد بمنزلة الصفة مع الموصوف، قال المقري فالوسائل تسقط بسقوط مقاصدها ؛ إذ هي بالنسبة للأصل كالصفة مع الموصوف ، ولا بقاء للصفة مع ارتفاع الموصوف)[38] . والقاعدة : أنه كلما سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة من حيث هي وسيلة إليه) [39].قال العز: (ولا شك بأن الوسائل تختلف بسقوط المقاصد ؛ فمن فاتته الجمعة والجماعات أو الغزوات سقط عنه السعي إليها ؛ لأنه استفاد الوجوب من وجوبهن ، وكذلك تسقط وسائل المندوبات بسقوطهن ؛ لأنها استفادت الندب منهن)[40] .فالارتباط يدل علي العلاقة الوثيقة بينهما.
ثالثاً:إن الوسائل ليست مقصودة لذاتها ,بل مقصودة من كونها محققة للمقاصد. قال الشاطبي وقد تقرر أن الوسائل من حيث هى وسائل غير مقصودة لأنفسها، وإنما هى تبع للمقاصد )[41].و قال ابن القيم والطرق أسباب ووسائل لا تراد لذواتها وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد)[42].
رابعاً: تعتبر الوسائل أول خطوة في سلم الاجتهاد السياسي,فهي متقدمة من حيث التحصيل والمباشرة ,فلا يمكن للإنسان الصلاة دون السعي إليها.فالدول لايمكنها اتخاذ قررات صائبة تحقق مصلحة الأمة إلاّ بالوسائل ،فتنشئ الدول أجهزة المخابرات لجمع المعلومة المقوية للوسيلة ،وتنشئ مراكز الدراسات الاستراتجية للبحث عن الوسائل ،وتعيّن المستشارين لاقتراح أفضل الوسائل،وتوسع قاعدة الشورى للاستفادة من الآراء والمقترحات من وسائل وغيرها ،والجميع يعلم أن أول خطوة في أي اجتهاد هو الوسيلة،وإلاّ كان الاجتهاد خبط عشواء.
فتبرز أهمية الاجتهاد السياسي للبحث عن أنجع الوسائل لتحقيق المقاصد لأن المقاصد لايمكن تحصيلها إلا بالوسائل.
وبالجملة كلما كانت الوسيلة أنفع وأقوي، كانت أقرب لتحصيل المقصود , قال العز وَكُلَّمَا قَوِيَتْ الْوَسِيلَةُ فِي الْأَدَاءِ إلَى الْمَصْلَحَةِ ، كَانَ أَجْرُهَا أَعْظَمَ مِنْ أَجْرِ مَا نَقَصَ عَنْهَا وَكُلَّمَا قَوِيَتْ الْوَسِيلَةُ فِي الْأَدَاءِ إلَى الْمَفْسَدَةِ كَانَ إثْمُهَا أَعْظَمَ مِنْ إثْمِ مَا نَقَصَ عَنْهَا)[43].فهناك وسائل يمكنها أن توصل الإنسان إلى المقصود بسرعة وبدقة ’ فالمجتهد السياسي لا يمكنه النظر في تحقيق المصالح بعيداً عن النظر في الوسائل و الذرائع، وكما ذكرنا سابقاً فإن الاجتهاد السياسي هدفه طرح البدائل لتحقيق المقاصد والتي هي جلب المصالح ودفع المفاسد, وهذا لايتأتي إلا بالنظر في الوسائل والذرائع فتبرز أهميتها في هذا الباب وتأمل جيدا كلام ابن القيم السابق تجده في هذا الباب.
المطلب الثاني:التوسع في الوسيلة للتوسع في الاجتهاد السياسي
كما قررنا سابقاً فإن المقاصد تحتاج إلى وسائل، والوصول إلى المقاصد التي هي المصالح والمفاسد لابد وأن يكون عبر بوابة الوسائل ؛ لذلك فتح باب الاجتهاد في الوسائل لتشجيع الاجتهاد السياسي بغية الوصول إلى أنجع المصالح وأكملها .ويظهر التوسع في الوسائل والذرائع فيما يلي:ـ
المسألة الأولي:الأصل في الوسائل الإباحة حتى يرد دليل يمنعها, فالمجتهد يجد سعة في حركة فكره للبحث عن الوسائل لطرح البدائل.
والذي يدل علي أن الأصل في الوسائل الإباحة ما يلي:ـ
أولاً: قاعدة(الأصل في الأشياء الإباحة ) [44]والمقصود بالأشياء المعاملات لا مطلق الأشياء، والوسائل من المعاملات, قال ابن تيمية باستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التى أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع، وأما العادات فهي ما اعتاده الناس فى دنياهم مما يحتاجون إليه و الأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه و تعالى و ذلك لأن الأمر و النهي هما شرع الله)[45]. ومعناه أن الوسائل ليست من العبادات بالمعنى الاصطلاحي حتي يكون الأصل فيها التوقف حتي يرد النص بحلها.
قال العلماء إن انتفاعنا بهاـ أي المباحات ـ لايعود علينا بالضرر ولا على غيرنا, وبأن الله عز وجل إنما خلق هذه الأشياء لحكمة لا محالة ولا يجوز أن يكون ذلك لنفع يعود إليه سبحانه , فثبت أنها لنفعنا فيكون مباحاً لنا )[46].وقال البيانونيوالمخ تار هو أن الشيء إذا خلا عن الضرر للنفس وللغير فالأصل فيه الإباحة لما جاء في تأييده من الآيآت والأحاديث)[47].والوسائل من جملة ذلك.
وقد وردت أدلة كثيرة تدل على هذا المعنى فمن ذلك:ـ
أولاً :قوله تعالي:{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[48]قال الحموي أَخْبَرَ بِأَنَّهُ خَلَقَهُ لَنَا عَلَى وَجْهِ الْمِنَّةِ عَلَيْنَا ، وَأَبْلَغُ وُجُوهِ الْمِنَّةِ إطْلَاقُ الِانْتِفَاعِ فَتَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ)[49].
ثانياً:قوله صلي الله عليه وسلم:"ما أحل الله في كتابه فهو حلال و ما حرم فهو حرام و ما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله العافية فإن الله لم يكن نسيا ثم تلا هذه الآية {َ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}[50].
ثالثاً:لم يتوقف السلف في الوسائل في الاجتهاد السياسي إلا إذا ورد الدليل بمنعها ,فمن ذلك جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وسيلة لحفظ القرآن بعد استشهاد الحفظة في اليمامة[51].
وجمعه في عهد عثمان رضي الله عنه خشية الفرقة بين المسلمين[52].
فأكرم بها من سعة مكنت أهل الاجتهاد من التوسع في هذا الباب.وابتكار الوسائل المؤثرة في الاجتهاد السياسي لتكون الثمرة أقرب إلى الصلاح.
وقد نظر الفقهاء في الوسائل بتسامح واسع وتغافر كبيرفخرّجوا على أصلها المباح جملة من القواعد, فمن ذلك أن الوسائل أخفض رتبة من المقاصد )[53] .

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.53 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.50%)]