عرض مشاركة واحدة
  #30  
قديم 29-12-2012, 08:45 PM
الصورة الرمزية فجر العزة
فجر العزة فجر العزة غير متصل
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Apr 2007
مكان الإقامة: في الدنيا الفانية
الجنس :
المشاركات: 615
الدولة : Palestine
افتراضي رد: روائع كتابات الاخت الكريمة فجر العزة

حروفٌ نَسَجَتْ من خيوط الحُريّة ألمٌ وأمل









جلستُ أتأمّل يوماً في كلمة [ أَسْرْ ] محاولةً الغوص في حروفها والإبحار في عالمها المليء بالخبايا والأسرار ، استشف بعضاً من الأحداث الجارية ، والتي يهبها العالم صمته المهيب عمّا يدور خلفها .. فأضحت الكلمة لديّ ليست حروفاً مجتمعةً تجتمعُ لتُكوّن كلمةً تُضاف إلى قاموس لغتنا العربية ، بل هي حياةٌ بأكملها قد تمتد للبعض 30 عاماً أو يزيد ، وقد تنتهي بالفرج بعد ربع قرنٍ أو أقل من ذلك !



هذه الأحرف اليوم تختزل بداخلها أكثر من 4600 أسيرِ من بينهنً نساءً وفتيات ، وشيوخ رُكّع وأطفال رُضّع ، فكل حرف من حروفها عكس الألم الكامن فيها والذي لا يخلو من بقعة أمل صغيرة تُطل عليها من طاقة صغيرة تكاد تُُبصر النور من بعيد ..





الألف : فأوّل حروفها الألف :

[ أسوارُ وأسلاكُ ] شائكة دامية ، تزجُّ بقوّة وعنجهية البربر والتتار آلاف الأسرى الذي حوّل الاحتلال أرضهم إلى سجونٍ وأقبية للتحقيق ، وزنازينٌ للتعذيب والإذلال موزّعة على خارطة فلسطين المسلمة ، [ فأبواب ] هذه السجون مُتحركة كحركة حرف الألف بالفتح ، فهي تُُفتح كل دقيقة معلنةُ عن ولوج أسيرٍ جديد في حركةٍ لولبية مستمرة نسأل الله أن تنقطع للأبد.
وفي الوقت ذاته تجد فيها [ أملٌ بالله وانتظارٌ للحريّة فانتظار الفرج عبادة ، وارتواء من ينابيع العلوم المختلفة والطاعات القلبية والقولية والفعلية ] .





السين : وثانيها سكون سينها :

الذي له دلالاتٌ و عِبَرفهي تمثِّلُ [ سواد ] الزنزانة ، و[ سرقة ] العمر ، [ سهر ] الليالي ، [ سُهاد ] العين ، [ سجنُ ] الحريّة بسلاسل و قيود بغيضة ، [ سحابة] غيم تُمطر الجسد بالدماء والآلام المتعاقبة بطولها و عرضها ، [سحقٌ ] للعظام ، [ سقمٌ ] للأجسام ، [ سلبٌ ] للأحلام ، وعلى الرغم مما احتواه هذا الحرف من الآلام إلا أنه تضمن [ سكون ] الليل البهيم في دقائق يختطفها الأسير من سجّانه للتواصل مع خالقه ، فتكون [ سلوى ] النفس ، تكتبُ بصمتٍ يسود المكان سيرة العظماء وكبار القادة التي تستكينُ معها كل لحظة عنفٍ و غضب في انسجامٍ رهيب ، تطمئنُ به الروح وتسعدُ به الذات المكبَّلة من كل حركة إلاّ من الروح !.



الراء : وثالثها سكون رائها :

[ رغبةُ ] الأبيّ وإرادته تجتمعان لتفكيك قيده ، [ روحٌ ] لا تفقد الأمل بالله في عزمٍ لا يلين ، و ثقةٌ بالله لا تعرف المستحيل ، [ رنين ] قيده صرخ مُدوياً في صفقة وفاء الأحرار التي أخرجت ألفاً من الثوّار الأبرار ، أما مصطلحات مثل [ رأفة و رحمة ] فإنها غير موجودة في قاموس الاحتلال القولية ولا حتّى الفعلية ، ولكننا وجدناها في قلوب أسرانا وتآلف أرواحهم على اختلاف تنظيماتهم وانتماءاتهم الفكرية والثقافية والوطنية.
تجد عندهم [ رضا ] بقضاء الله و قدره ، حولوا سجونهم إلى [ روضات ] من الشعر والأدب والشريعة والثقافة ، قطفوا منها أزاهير العلوم والفنون ، حفظوا القرآن في صدورهم ولأن بقاء الحال من المُحال ، فإنه تأتي ساعة [ رحيل ] للأحباب والأصحاب داخل القسم الواحد يتقاسمون جدران زنزانة واحدة يتعاهدون فيها الأخوة في الله ، يشتركون فيها الزاد و الزوّاد ...
[ رُوَّادها ] المجاهدين الأخيار أمثال حسن سلامة وعبد الله البرغوثي وإبراهيم حامد ...[ رباطها ] حبل الله و رسوله ...[ رواياتها ] الظلم والدم ، [ رسوماتها ] باقية على جدران الزمن ..
وهكذا نجد أنّ لهذه الكلمة أسراراً في حروفها جمعت بين الألم والأمل في تناغم عجيب ، ولا تجد أسرارها إلا من خلال المجاهد الفلسطيني الصابر المرابط الذي قهر السجّان بإرادته الحُرّة ، فحوّل المحنة إلى منحة ، وقلب النقمة إلى نعمة ...




ولا أجد بعد هذه التأملات إلا هذا الدعاء المقتبس من ذات الحروف
اللهمَّ إنّي :
ألوذ برحمتك مالي سواك في محنتي ، وكشف كربتي ورفع مسألتي إليك ..
أسْعِد الأسرى بتحريرهم من القيد والأسْرِ
اشفِ مريضهم ، أخرج معزولهم ، أطعم جائعهم ، أذقهم برد عفوك ، وأفض عليهم من رحماتك ، وأعطهم سؤلهم ، وأعظم أجرهم على صبرهم ، أزل عنهم همّهم ، أبعد عنهم أذى عدوّهم ، أرح قلوبهم التي أعياها السهر والضنك ...
سُق إليهم عظيم بركاتك وفواتح خيراتك ، سِرْ بهم إلى جنانك راضين مرضيين ، سدّد خطاهم ، سيّر اللهم آلاف المقاتلين في سبيلك فاتحين منتصرين بإذنك .
سقّم أعداءهم بداءٍ ليس له دواء ، سوِّر أياديهم لظىً وسعيراً ..
روّح اللهم على قلوب أسرانا ، رضّهم بقضائك ، رقق قلوب المسلمين لأجلهم ولنُصرتهم ، رحماك رحماك ربي بهم فإنّي فيك أحبهم ، رحماك بمريضهم وبضعيهم وبصغيرهم وبكبيرهم ، بشبابهم ونسائهم وأطفالهم وشيوخهم ، بجريحهم ، بمعزولهم ...


آمين



بقلم أختكم في الله :
فجر العزّة
__________________
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.17 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.88%)]