8-تحريم سباع البهائم والطير :
ومما حرمه الاسلام السباع من البهائم والطير .
روى مسلم عن ابن عباس قال : نهى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير .
- والسباع جمع سبع وهو المفترس من الحيوان ، والمراد بذي الناب ما يعدو بنابه على الناس وأموالهم مثل الذئب والاسد والكلب والفهد والنمر والهر ، فهذه كلها محرمة عند جمهور العلماء . ويرى أبو حنيفة أن كل ما أكل اللحم فهو سبع وأن من السباع الفيل والضبع واليربوع والهر ، فهي كلها محرمة عنده . ويرى الشافعي أن السباع المحرمة هي التي تعدو على الناس كالاسد والنمر والذئب .
وروى مالك في الموطإ عن أبي هريرة عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " أكل كل ذي ناب من السباع حرام " . وقال مالك بعد هذا الحديث : وعلى ذلك الامر عندنا .
وروى ابن القاسم عنه أنها مكروهة ، وبه أخذ جمهور أصحابه .
وأجاز أكل الثعلب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة . وأجاز ابن حزم الفيل والسمور .
ويحرم أكل القرد ، قال أبو عمر : أجمع المسلمون على أنه لا يجوز أكل القرد لنهي الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، عن أكله .
وأما ذو المخلب من الطير فالمقصود به الطيور التي تعدو بمخالبها مثل الصقر والشاهين والعقاب والنسر والباشق ونحو ذلك ، فهي محرمة عند جمهور العلماء . ويرى مالك أنها مباحة ، ولو كانت جلالة .
9-تحريم الجلالة :
والجلالة هي التي تأكل العذرة (الغائط) من الابل والبقر
والغنم والدجاج والاوز وغيرها حتى يتغير ريحها . وقد ورد النهي عن ركوبها وأكل لحمها وشرب لبنها .
1 - فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " نهى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عن شرب لبن الجلالة " . رواه الخمسة إلا ابن ماجه . وصححه الترمذي . وفي رواية " نهى عن ركوب الجلالة " رواه أبو داود .
2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال : " نهى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عن لحوم الحمر الاهلية وعن الجلالة : عن ركوبها وأكل لحومها " رواه أحمد والنسائي وأبو داود .
فإن حبست بعيدة عن العذرة زمنا وعلفت طاهر فطاب لحمها وذهب اسم الجلالة عنها حلت . لان علة النهي التغيير وقد زالت .
10-تحريم الخبائث :
وبجانب هذا التفصيل وضع القرآن الكريم قاعدة عامة لكل ما هو محرم . بقول الله تعالى : " ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث " ( 1 )
والطيبات ما تستطيبه الناس وتستلذه من غير ورود نص بتحريمه فإن استخبثته فهو حرام .
ويرى الشافعي والحنابلة أن الطيبات ما تستطيبه العرب وتستلذه لا غيرهم . والمقصود بالعرب هم سكان البلاد والقرى ، دون أجلاف البوادي .
وفي كتاب الدراري المضية يرجح القول باستطابة الناس لا العرب وحدهم ، فيقول : " ما استخبثه الناس من الحيوانات لا لعلة ولا لعدم اعتياد بل لمجرد استخباث فهو حرام ، وإن استخبثه البعض دون البعض كان الاعتبار بالاكثر كحشرات الارض وكثير من الحيوانات التي ترك الناس أكلها ولم ينهض على تحريمها دليل يخصها ، فإن تركها لا يكون في الغالب إلا لكونها مستخبثة فتندرج تحت قوله سبحانه : " ويحرم عليهم الخبائث " .
ويدخل في الخبائث كل مستقذر مثل البصاق والمخاط والعرق والمني والروث والقمل والبراغيث ونحو ذلك .
11- تحريم ما أمر الشارع بقتله :
ويرى بعض العلماء تحريم ما أمر الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، بقتله وتحريم ما نهى عن قتله . فما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتله خمس من الدواب ، وهي : الغراب ( 1 ) ) يرى المالكية حل جميع الغربان من غير كراهة تبعا لرأيهم في جميع الطيور .
والحدأة والعقرب والفأر والكلب العقور .
روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن عائشة ، رضي الله عنها ، أن الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، قال " خمس من الدواب كلهن فواسق يقتلن في الحرم : الغراب والحدأة والعقرب والفأر والكلب العقور " .
وما نهى عن قتله من الدواب : النملة والنحلة والهدهد والصرد .
روى أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل أربع من الدواب : النملة والنحلة والهدهد والصرد
وقد ناقش الشوكاني هذا الرأي ونقده فقال : " وقد قيل إن من أسباب التحريم الامر بقتل الشئ كالخمس الفواسق والوزغ ونحو ذلك ، والنهي عن قتله كالنملة والنحلة والهدهد والصرد والضفدع ونحو ذلك ، ولم يأت الشارع ما يفيد تحريم أكل ما أمر بقتله أو نهى عن قتله حتى يكون الامر والنهي دليلين على ذلك ، ولا ملازمة عقلية ولا عرفية ، فلا وجه لجعل ذلك أصلا من أصول التحريم ، بل إن كان المأمور بقتله أو المنهى عن قتله مما يدخل في الخبائث كان تحريمه بالاية الكريمة . وإن لم يكن من ذلك كان حلالا ، عملا بما أسلفنا من أصالة الحل وقيام الادلة الكلية على ذلك " .
12- المسكوت عنه :
أما ما سكت الشارع عنه ولم يرد نص بتحريمه فهو حلال تبعا للقاعدة المتفق عليها ، وهي أن الاصل في الاشياء الاباحة ، وهذه القاعدة أصل من أصول الاسلام . وقد جاءت النصوص الكثيرة تقررها ، فمن ذلك قول الله سبحانه : 1 - " هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا " ( 1 ) .
2 - وروى الدار قطني عن أبي ثعلبة أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها " .
3 - وعن سلمان الفارسي أن الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، سئل عن السمن والجبن والفراء فقال : " الحلال ما أحله الله في كتابه ، والحرام ما حرمه الله في كتابه ، وما سكت عنه فهو مما عفا لكم " . أخرجه ابن
4 - وروى البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما ، من سأل عن شئ لم يحرم على الناس فحرم من أجل مسألته " .
5 - وعن أبي الدرداء أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : " ما أحل الله في كتابه فهو حلال ، وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو ، فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا " . وتلا : " وما كان ربك نسيا " .
13-اللحوم المستوردة :
اللحوم المستوردة من خارج البلاد الاسلامية يحل أكلهابشرطين :
1 - أن تكون من اللحوم التي أحلها الله .
2 - أن تكون قد ذكيت ذكاة شرعية .
فإن لم يتوفر فيها هذا الشرطان بأن كانت من اللحوم المحرمة مثل الخنزير أو كانت ذكاتها غير شرعية فإنها في هذه الحال تكون محظورة لا يحل أكلها .
وقد أصبح من الميسور معرفة هذين الشرطين بواسطة الوسائل الاعلامية التي وفرها العلم الحديث .
وكثيرا ما تكون العلب التي تحتوي على هذه اللحوم مكتوبا عليها ما يعرف بها وبأنواعها ، ويمكن الاكتفاء بهذه المعلومات ، إذ الاصل فيها غالبا الصدق .
وقد أفتى الفقهاء من قبل في مثل هذا ، فجاء في الاقناع من كتب الشافعية للخطيب الشربيني : " لو أخبر فاسق أو كتابي أنه ذبح هذه الشاة مثلا حل أكلها ، لانه من أهل الذبح ، فإذا كان في البلد مجوس ومسلمون وجهل ذابح الحيوان هل هو مسلم أو مجوسي ؟ لم يحل أكله للشك في الذبح المبيح والاصل عدمه .
نعم إن كان المسلمون أغلب كما في بلاد الاسلام فينبغي أن يحل . وفي معنى المجوس كل من لم تحل ذبيحته " .
14-إباحة أكل ما حرم عند الاضطرار :
وللمضطر أن يأكل من الميتة ولحم الخنزير وما لا يحل من الحيوانات (حتى إن الشافعية والزيدية أجازوا اللحم الادمي عند عدم غيره بشروط اشترطوها . وخالف في ذلك الاحناف والظاهرية وقالوا : لا يباح لحم الادمي ولو كان ميتا)
التي لا تؤكل وغيرها مما حرمه الله ، محافظة على الحياة وصيانة للنفس من الموت . والمقصود بالاباحة هنا وجوب الاكل لقوله تعالى : " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما " (سورة النساء آية رقم 29) .
15- حد الاضطرار :
وإنما يكون الانسان مضطرا إذا وصل به الجوع إلى حد الهلاك أو إلى مرض يفضي به إليه سواء أكان طائعا أو عاصيا . يقول الله سبحانه : " فمن اضطر غير باغ ( 3 ) ولا عاد ( 4 ) فلا إثم عليه
الباغي : هو الذي يبغي على غيره عند تناول الميتة فينفرد بها فيهلك غيره من الجوع . - العادي : الذي يتجاوز حد الشبع وقيل : الذي يتجاوز القدر الذي يسد الرمق ويدفع عن نفسه الضرر .
إن الله غفور رحيم ".
- وروى أبو داود عن الفجيع العامري أنه أتى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما يحل لنا من الميتة ؟ قال : ما طعامكم ؟ قلنا : نغتبق (الشرب مساء) ونصطبح (: الشرب صباحا) . قال : " ذاك - وأبي (قسم . أي وحق أبي إن هذا هو الجوع .
) - الجوع " .
فأحل لهم الميتة على هذه الحال .
وقال ابن حزم : " حد الضرورة أن يبقى يوما وليلة لا يجد فيهما ما يأكل أو يشرب ، فإن خشي الضعف المؤذي الذي إن تمادى به أدى إلى الموت أو قطع به عن طريقه وشغله ، جل له من الاكل والشرب ما يدفع به عن نفسه الموت بالجوع أو العطش .
أما تحديدنا ذلك ببقاء يوم وليلة بلا أكل فلتحريم النبي ، صلى الله عليه وسلم ، الوصال يوما وليلة - أي وصل الصيام - .
وأما قولنا إن خاف الموت قبل ذلك فلانه مضطر " .
والمالكية يرون أنه إذا لم يأكل شيئا ثلاثة أيام فله أن يأكل ما حرم الله عليه مما يتيسر له ولو من مال غيره .
16-القدر الذي يؤخذ :
ويتناول المضطر من الميتة القدر الذي يحفظ حياته ويقيم أوده ، وله أن يتزود حسب حاجته ويدفع ضرورته .
وفي رواية عن مالك وأحمد : يجوز له الشبع ، لما رواه أبو داود عن جابر بن سمرة أن رجلا نزل الحرة فنفقت عنده ناقة فقالت له امرأته : اسلخها حتى نقد شحمها ولحمها ونأكله ، فقال : حتى أسأل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . فسأله فقال : هل عندك غناء يغنيك ؟ قال : لا . قال : فكلوها " .
وقال أصحاب أبي حنيفة لا يشبع منه .
وعن الشافعي قولان . لا يكون مضطرا من وجد بمكان به طعام ولو كان للغير : وإنما يكون الانسان مضطرا إذا لم يجد طعاما يأكله ولو كان مملوكا للغير . فإن كان مضطرا ووجد طعاما مملوكا للغير فله أن يأكل منه ولو لم يأذن صاحبه به ولم يختلف في ذلك العلماء . وإنما اختلفوا في الضمان .
فذهب الجمهور منهم إلى أنه إن اضطر في مخمصة ومالك الطعام غير حاضر فله أن يأخذ منه ويضمن له ، لان الاضطرار لا يبطل حق الغير .
وقال الشافعي : لا يضمن ، لان المسئولية تسقط بالاضطرار لوجود الاذن من الشارع ، ولا يجتمع إذن وضمان . فإن كان الطعام موجودا ومنعه صاحبه فللمضطر أن يأخذه بالقوة متى كان قادرا على ذلك .
وقالت المالكية : يجوز في هذه الحال مقاتلة صاحب الطعام بالسلاح بعد الانذار بأن يعلمه المضطر بأنه مضطر وإنه إن لم يعطه قاتله ، فإن قتله بعد ذلك فدمه هدر ، لوجوب بذل طعامه للمضطر . وإن قتله الآخر فعليه القصاص .
وقال ابن حزم : من اضطر إلى شئ من المحرمات ولم يجد مال مسلم ولا ذمي فله أن يأكل حتى يشبع ويتزود حتى يجد حلالا ، فإذا وجده عاد ذلك المحرم حراما كما كان . فإن وجد مال مسلم أو ذمي فقد وجد ما أمر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بإطعامه منه لقوله " أطعموا الجائع " بخارى
فحقه فيه ، فهو غير مضطر إلى الميتة فإن منع ذلك ظلما كان حينئذ مضطرا .
17-هل يباح الخمر للعلاج ؟
وقد اتفق العلماء على إباحة الحرام للمضطر ولم يختلف منهم أحد .
وإنما اختلفوا في التداوي بالخمر ، فمنهم من منعه ومنهم من أباحه ، والظاهر أن المنع هو الراجح ، فقد كان الناس في الجاهلية قبل الاسلام يتناولون الخمر للعلاج . فلما جاء الاسلام نهاهم عن التداوي به وحرمه ، فقد روى الامام أحمد ومسلم وأبو داود و الترمذي عن طارق بن سويد الجعفي أنه سأل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عن الخمر فنهاه عنها فقال : إنما أصنعها للدواء . فقال : " إنه ليس بدواء ، ولكنه داء " . مسلم
وروى أبو داود عن أبي الدرداء أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن الله أنزل الداء والدواء ، فجعل لكل داء دواء ، فتداووا ولا تتداووا بحرام " .
وكانوا يتعاطون الخمر في بعض الاحيان قبل الاسلام اتقاء لبرودة الجو ، فنهاهم الاسلام عن ذلك أيضا .
فقد روى أبو داود أن ديلم الحميري سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إنا بأرض باردة ، نعالج فيها عملا شديدا ، وإنانتخذ شرابا من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا . قال رسول الله : هل يسكر ؟ قال : نعم . قال : فاجتنبوه ، قال : إن الناس غير تاركيه . قال : فإن لم يتركوه فقاتلوهم " .
وبعض أهل العلم أجاز التداوي بالخمر بشرط عدم وجود دواء من الحلال يقوم مقام الحرام ، وأن لا يقصد المتداوي به اللذة والنشوة ، ولا يتجاوز مقدار ما يحدده الطبيب .
كما أجازوا تناول الخمر في حال الضطرار ، ومثل الفقهاء لذلك بمن غص بلقمة فكاد يختنق ولم يجد ما يسيغها به سوى الخمر . أو من أشرف على الهلاك من البرد ، ولم يجد ما يدفع به هذا الهلاك غير كوب أو جرعة من خمر ، أو من أصابته أزمة قلبية وكاد يموت . فعلم أو أخبره الطبيب بأنه لا يجد ما يدفع به الخطر سوى شرب مقدار معين من الخمر . فهذا من باب الضرورات التي تبيح المحظورات .
والحمد لله رب العالمين