عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25-02-2020, 04:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رأي الإمام الشاطبي في تعريف الاجتهاد وشرحه




خامسًا: قيْد الحكم في التعريف: قال الشَّاطبي في تعريفه: بالحكم:

وقد وافق الشَّاطبي في إطلاق هذا اللفظ وعدم تقييده: ابن السبكي، فقال: لتحصيل ظن بحكم، وتبعه البرماوي في أحد تعريفيه، إلا أنهما خالفاه في عدم تعريف الحكم.




ومن الأصوليين من قيده بالحكم الشرعي، ولم يطلقه:

وهؤلاء اختلفوا: فمنهم من قال: بأحكام الشريعة، أو بأحكام الشرع، أو من الأحكام الشرعية، كالغزالي، وابن قدامة، والتاج الأرموي، والبيضاوي، والآمدي، وابن جزي.

ومنهم من قال: بحكم شرعي، أو نحو ذلك: كابن الحاجب، وابن مفلح، والتفتازاني، والزركشي، والمرداوي، والبرماوي في أحد تعريفيه، وابن الهمام، وابن النجار.

ومنهم من قال: الأحكام الفروعية التي هي مجاري الظنون، وهو التبريزي، وقال القرافي: الأحكام الفروعية الكلية.

ومنهم من قال: بالحكم الشرعي، كالطوفي.

وأما الرازي فقال: فيما لا يلحقه فيه لوم، وهو يريد بذلك الحكم الظني، فيخرج بهذا القيد الأحكام العقدية والأصولية، أما القرافي فقال: فيما يلحقه فيه لوم شرعي.




ومما سبق يلاحظ ما يلي:

أولًا: أن من قيد التعريف بالأحكام الشرعية أو بأحكام الشريعة مراده المأخوذة من أدلة الشرع، وقد اعترض على هذه الجملة باعتراضات:

الاعتراض الأول: أن التقييد بها غير مانع، وبيان ذلك أن من قيد بها عمم الاجتهاد في أحكام الشريعة، فيشمل ذلك الاجتهاد في العقائد والأصول، وهي ليست داخلة في الاجتهاد في عرف الأصوليين، إلا إن أريد بالحكم خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع[75].




الاعتراض الثاني: أن هذا اللفظ يدخل في التعريف ما أخذ من أدلة الشرع مباشرة.

نعم، قد يجاب: بأن ذلك يخرج باستفراغ الوسع، أو ببذل الوسع، ولكن قد يقال: بذل وسعه لتحصيل النص الذي يأخذ منه الحكم مباشرة، والبحث عن النص المتضمن للحكم بحث عن الحكم؛ إذ هو المقصود به.




الاعتراض الثالث: اعترض على هذا اللفظ باستفراغ الفقيه وسعه في بعض الأحكام دون بعض إن قلنا بعدم تجزؤ الاجتهاد، وإن قيل بتجزؤ الاجتهاد، فيخرج اجتهاد من لم يكن مجتهدًا في الجميع؛ لأن الألف واللام في قولهم: "الشريعة"، أو في "الأحكام الشرعية" للجنس، وهي تفيد العموم.

وأجيب: بأنه على القول بعدم تجزؤ الاجتهاد، فلا يلزم ألا يكون استفراغ الفقيه في بعض الأحكام دون بعض اجتهادًا؛ لأن عدم التجزؤ شرط لصحة الاجتهاد، وليس داخلًا في ماهيته، والتعريف إنما يخص الماهية، وعلى القول بجواز تجزؤ الاجتهاد لا نسلم خروج اجتهاد من لم يكن مجتهدًا في الجميع؛ فإن العارف ببعض الأحكام يدعى فقيهًا[76].

وهذا محل نظر؛ فقد علم مما سبق من هو الفقيه في عرف القوم، إلا أن يكون اصطلاحًا خاصًّا لا عرفًا عامًّا.




الاعتراض الرابع: أنه يتوجه عليه الاعتراض باندراج الاجتهاد في قيم المتلفات، وأروش[77] الجنايات، وجهة القِبلة، وطهارة الأواني والثياب في الاجتهاد المعرف، وكل ذلك لا يسمى الناظر فيه مجتهدًا بالعرف الفقهي، وإن كان يطلق عليه ذلك لغة[78].

وقد يناقش: بأن بعض الأصوليين يرى أن الناظر في ذلك يسمى مجتهدًا؛ إذ هذا النظر من باب تحقيق المناط، وهو في الجملة من أضرب الاجتهاد في العلة[79].




الاعتراض الخامس: اعترض ابن السبكي على ذلك بأنه تقييد للعلم بأنه من أحكام الشريعة، وهذا غير مفيد؛ لأن المجتهد لا يبحث إلا في أحكام الشريعة[80].

وأجيب عن الاعتراض: بأن هذا أيضًا متوجه على قوله هو في تعريفه: بحكم، وقوله: لتحصيل ظن؛ لأن المجتهد لا يبحث إلا في الحكم الظني، لكن يمكن أن يجاب بأن ذكرهما مع الاستغناء عنهما للتنبيه على أن الحاصل ظن الحكم لا العلم به كما يتوهم[81].

وهذا يتوجه في الجواب عن ذكر الظن لا الحكم، وما ذكره ابن السبكي موضع نظر؛ إذ لا غرابة أن يجتهد في بحث حكم غير فقهي، إلا أن يقال: الكلام في الاجتهاد الفقهي دون غيره، فيكون مقيدًا بالعرف الأصولي.




ثانيًا: من قيد التعريف بالأحكام الفروعية، أراد بقوله: الأحكام الفروعية، إخراج أحكام العقائد والأصول، وقد اعترض عليه القرافي بأنه غير مانع من دخول ما ليس من الاجتهاد عرفًا، كالاجتهاد في قيم المتلفات، وأروش الجنايات، والأواني والثياب، ونصب الأئمة ونواب الحكم، ونحو ذلك، مما يسمى اجتهادًا لغة لا عرفًا[82]؛ ولذا أضاف القرافي قيد: "الكلية": وأراد بذلك إخراج قيم المتلفات ونحوها؛ فإنها أمور جزئية لا تتعدى تلك الصور المعينة بخلاف الفتاوى؛ فإنها عامة على الخَلْق إلى يوم القيامة.




ومع ذلك يمكن أن يعترض على تعريف القرافي بأنه لا يتلاءم مع من يرى جواز تجزؤ الاجتهاد؛ لأن الألف واللام في قوله الفروعية تفيد العموم.




كما يمكن أن يعترض عليه أيضًا بأنه يشمل ما أخذ من النص مباشرة؛ ولهذا استفاد الزركشي من تعريف القرافي تقييده بـ: "الفروعية"، وأضاف إليه ما ينفي الاعتراض السابق، فقال: بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط[83].




فتقييده بـ: عملي: يخرج العلمي، وهو علم الكلام، فالمجتهد فيه لا يسمى مجتهدًا في عرف الأصوليين، وإن كان يطلق عليه ذلك في عرف المتكلمين، وقوله: بطريق الاستنباط: يخرج بذل الوسع في نيل تلك الأحكام من النصوص ظاهرًا، أو بحفظ المسائل واستعلامها من المعنى أو بالكشف عنها من الكتب؛ فإنه لا يسمى مجتهدًا في العرف[84].




ثالثًا: أما قول الرازي: فيما لا يلحقه فيه لوم، فاعترض عليه بأنه غير مانع؛ لأنه يندرج فيه الاجتهاد في العلوم العرفية، والعقلية، والحسية، وفي مثل قيم المتلفات، وأروش الجنايات، ونحو ذلك، مما لا يسمى الناظر فيه مجتهدًا عرفًا[85].




أما تعريف القرافي المختصر من تعريف الرازي فقد فسر الشوشاوي قوله: فيما يلحقه لوم شرعي: بأنه يعني أن يلحقه لوم شرعي على تقدير تركه لتحصيل ذلك الظن إذا تعين عليه، واعترض عليه: بأنه إما أن يريد يلحقه اللوم بترك الاجتهاد فيه، أو يلحقه بترك العمل به بعد حصول الاجتهاد فيه.




فإن أراد بترك الاجتهاد فيه فيكون الحد غير مانع؛ لأنه يندرج فيه كل ما يجتهد فيه من أصول الديانات، وقيم المتلفات، وأروش الجنايات، ونحو ذلك، وإن أريد بترك العمل فيكون الحد غير جامع؛ لأنه لم يتناول على هذا إلا الواجبات؛ لأن الحكم الذي يلحق فيه اللوم الشرعي بترك العمل به هو الواجب دون غيره، فلا يلحق اللوم بترك المحرمات، والمكروهات، والمندوبات، والمباحات[86].




رابعًا: أما من قال: بحكم، أو قال: بالحكم، فيمكن أن يتوجه عليه بعض الاعتراضات السابقة، وهي:

الاعتراض الأول: أن التقييد بذلك غير مانع من دخول الاجتهاد في العقائد والأصول، وهي ليست من الاجتهاد المعرف.

وقد يجاب عن ذلك بأن هذا مفهوم من التعريف؛ لأن الحكم هنا هو الحكم باصطلاح الأصوليين.

ولكن هذا فيه اعتماد على المفهوم، والأولى في التعاريف الوضوح والبيان، لا سيما وأن ذلك المفهوم مما يخفى.

الاعتراض الثاني: أنه يندرج في التعريف ما أخذ من الأدلة مباشرة.

الاعتراض الثالث: أنه يتوجه عليه اندراج الاجتهاد في مثل قيم المتلفات، وأروش الجنايات، وجهة القبلة، ونحو ذلك، وذلك ليس من الاجتهاد في العرف.

ويمكن الجواب عنه بأن بعض الأصوليين يرى اندراجها في مسمى الاجتهاد العام، والشَّاطبي ممن يرى ذلك، وحينئذ يكون تعريفه للاجتهاد ليس بمعناه الخاص عرفًا.




ومما سبق يمكن أن نلخص ما يمكن أن يعترض به على تعريف الشَّاطبي بما يلي:

أولًا: أنه لم يذكر في التعريف من يقوم بعملية الاجتهاد.

وذكر فيما سبق ما يمكن أن يجاب به عن هذا الاعتراض، وهو أن الشَّاطبي حذف ذلك؛ لأن مفهوم التعريف وسياقه يدل عليه، ونعني بذلك أن من قام بعملية الاجتهاد واستوفى شروطه في أي مسألة فقهية فقد اجتهد، ولا يشترط كونه مجتهدًا مطلقًا.




ثانيًا: أنه عمم الحكم ولم يقيده؛ ولذا يدخل في التعريف الاجتهاد في الأحكام العقلية والحسية والعرفية، وأحكام العقائد وأصول الفقه، والاجتهاد في مثل قيم المتلفات، وأروش الجنايات، وجهة القبلة، ونحو ذلك، مما لا يسمى اجتهادًا عرفًا.

وذكر أنه يمكن الجواب بأن الحكم المذكور في التعريف المراد به الحكم في عرف الأصوليين، وهو: خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، وأما اندراج قيم المتلفات، ونحو ذلك، فيمكن أن يجاب عنه بأن الشَّاطبي يعرف الاجتهاد الشرعي بالعرف العام، وهو ممن يرى جواز إطلاق الاجتهاد على تحقيق المناط العام[87].




ثالثًا: أنه أدخل في الاجتهاد ما أخذ من الأدلة مباشرة.




رابعًا: أنه أدخل فيه اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم، واجتهاد المقلد والعامي.

ويمكن أن يجاب عن هذا الاعتراض بأن الشَّاطبي يرى جواز اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو ممن يرى دخوله في المعرف.

أما العامي فيمكن أن يقال بأن الشَّاطبي يعرف هنا الاجتهاد بمعناه العام، أما إن كان المراد هنا تعريف الاجتهاد بمعناه الخاص في عرف الأصوليين، فيمكن أن يقال: إن مفهوم التعريف يفيد ذلك، وإن كان الأنسب هو إيضاح ذلك، وعدم الاكتفاء بالمفهوم في التعريف، إلا أن يكون واضحًا تمام الوضوح.




خامسًا: ومما يمكن أن يعترض به على تعريف الشَّاطبي ما اعترض به بعضهم على تعريف ابن الحاجب بأنه لم يذكر الوسيلة الموصلة إلى معرفة الحكم، وهي الدليل؛ لأن الأدلة هي مجال علم الأصول ودعامة المجتهدين، من حيث إن الأدلة هي التي يستقي منها المجتهد الأحكام؛ ولذا كان الأولى زيادة: مِن دليل تفصيلي، في التعريف[88].




وقد يجاب عن ذلك بأن هذا مفهوم من السياق، ومن قول ابن الحاجب: بحكم شرعي، وقول الشَّاطبي: بالحكم؛ لأن الحكم الشرعي لا ينتج من دليل إجمالي.



التعريف المختار:

وبعد هذا فأرى أن التعريف المختار للاجتهاد الفقهي هو:

استفراغ الوسع المعتبر لدرك حكم شرعي فروعي بالاستنباط.

فقولي: استفراغ الوسع: كالجنس في التعريف، فيشمل استفراغ الفقيه أو غير الفقيه وسعه، وهو مخرج للاجتهاد الناقص الذي لم يستفرغ فيه صاحبه تمام وسعه.

وقولي: المعتبر: يشمل كل اجتهاد استوفى شرطه، كاجتهاد من اتصف بصفة الاجتهاد في غالب أحكام الشرع، أو اتصف بصفة الاجتهاد في أحكام معينة من أحكام الشرع، وهو مخرج للاجتهاد غير المعتبر، كاجتهاد العامي والمقلد.

وقولي: لدرك: يشمل الإدراك القطعي والظني، وهو شامل لإدراك الذوات، والصفات، والأفعال، والأحكام.

وقولي: حكم: مخرج لإدراك غيره، كالذوات، والصفات، والأفعال.

وقولي: شرعي: مخرج للأحكام العقلية، والحسية، والعرفية.

وقولي: فروعي: مخرج لأحكام العقائد، وأصول الفقه، وغيرها.

وقولي: بالاستنباط: مخرج لأخذ الأحكام من النصوص مباشرة، أو بحفظ المسائل أو استعلامها من المعنى، أو بالكشف عنها من الكتب.

وهو شامل لاستنباط الفروع القياسية من الأحكام، أو استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة الدالة عليها.





[1] الموافقات 5/ 51.




[2] انظر: معجم مقاييس اللغة 4/ 493 مادة: "فرغ".




[3] انظر: معجم مقاييس اللغة 6/ 109 القاموس المحيط 995 مادة: "وسع"، الدرر المبثثة في الغرر المثلثة 206.




[4] انظر: المصباح المنير 470 القاموس 1015 مادة: "فرغ".




[5] الجنس: هو الكلي المقول على الكثرة المختلفة الحقيقة، والحقيقة هي الماهية، وعرف أيضًا بأنه جزء الماهية الذي هو أعم منها بصدقه عليها وعلى غيرها كالحيوان، فهو جزء من ماهية الإنسان؛ لأن الإنسان عندهم مركب من حيوان وناطق، فالحيوان جزء ماهيته الصادق بها وبالفرس والبغل وغيرهما، وقيل: "كالجنس" بناءً على أن تعريف الماهية الاعتبارية - أي الكائنة بحسب اعتبار العقل كالمصطلحات مثل الأصل والفقه والأصول والنوع ونحوها - هو تعريف اسمي لا حقيقي، يفيد تبيين ما وضع الاسم بإزائه؛ لأنها مفهومات لا حقائق لها خارج الذهن، فما وقع فيها من الأجناس فهي ليست حقيقية، وإنما هي كالجنس؛ لوقوعها موقعه؛ انظر لذلك شرح التلويح 1/ 18، وأشار إليه في سلم الوصول 1/ 18، ولتعريف الجنس انظر: معيار العلم 70، 77 التعريفات 107 شرح التلويح المرجع السابق، تسهيل القطبي 53 - 54 وأدب البحث والمناظرة 1/ 33 تسهيل المنطق 27.




[6] انظر: التقرير والتحبير 3/ 291.




[7] انظر: الإحكام 4/ 162 البحر المحيط 6/ 197 مناهج العقول 3/ 260 شرح الكوكب المنير 4/ 458.




[8] انظر: الإحكام 4/ 162 التقرير والتحبير 3/ 291.




[9] انظر: معجم مقاييس اللغة 2/ 68 مادة: "حصل".




[10] انظر: معجم مقاييس اللغة 4/ 162 أساس البلاغة 312 المصباح المنير 427 القاموس المحيط 1471 المعجم الوسيط 624 كلها مادة: "علم".




[11] أصول الدين 22 وانظر: المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين 35.




[12] انظر: الإبهاج 1/ 28، 30 أصول الفقه لأبي النور 1/ 19 وانظر: لتعريفه: العدة 1/ 76 التلخيص 1/ 108 إحكام الفصول 1/ 174 التمهيد 1/ 36 الإحكام 1/ 11 المسودة 555، 575 ولاحظ كتاب آداب البحث والمناظرة 1/ 45.




[13] انظر: معجم مقاييس اللغة 3/ 462 لسان العرب 8/ 271 المصباح المنير 386 مادة: "ظن".


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.55%)]