عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 28-10-2020, 04:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المُرُوءَةُ في ظلالِ الشِّعِْر

المُرُوءَةُ في ظلالِ الشِّعِْر


د. أسامة عثمان


القناعة والرضا:



ويقال: إن أبدع بيت قالته العرب قولُ أبي ذُؤيب الهُذَليّ:
والنفسُ راغبةٌ إذا رَغَّبتها وإذا تُردُّ إلى قَليلٍ تَقْنعُ
أَلم تَرَ أَنَّ الفَقْرَ يُرجى له الغِنَى وأَنَ الغِنى يُخشى عليه من الفقرِ
إِنّي اِمرُؤٌ سَمحُ الخَليقَةِ ماجِدٌ لا أُتبِعُ النَفسَ اللَجوجَ هَواها

ولحاتم الطائي:

فإِنَّك إنْ أَعْطَيْتَ بَطْنَكَ سُؤْلَهُ وفَرْجَكَ نَالاَ مُنْتَهَى الذَّمّ أَجْمَعَا


وللشنفرى:
وَإِن مُدَّتِ الأَيدي إِلى الزادِ لَم أَكنُ بِأَعجَلِهِم إِذ أَجشَعُ القَومِ أَعجَلُ


في بعث الثبات والشجاعة والإقدام والنجدة:
وكان عليٌ -رضي الله عنه- إذا أراد المُبارزة في الحرب أنشأ يقول:
أيّ يوميّ من المَوتِ أفرّ يومَ لا يُقدر أم يوم قُدِرْ
يومَ لا يُقدر لا أَرْهَبُه ومِن المَقدور لا يَنجو الحَذِرْ


قالت عائشة: وكان عامر بن فُهيرة يقول:
وقد رأيتُ الموتَ قبل ذَوْقه إنّ الجَبان حَتْفه مِن فَوْقه


ولزهير:
ولَأَنْتَ أَشْجَعُ من أُسَامَةَ إِذْ دُعِيَ النزَالُ ولُجَّ في الذُّعْرِ


قال عمرو بن برَّاقة الهَمْداني:
متى تجمع القلبَ الذكيّ وصارما وأنفاً حمِيّا تجتنبْكَ المظالمُ


ولطَرَفَةَ:
إِذا القَومُ قالوا مَن فَتىً خِلتُ أَنَّني عُنيتُ فَلَم أَكسَل وَلَم أَتَبَلَّدِ


في الشكر:
لزُهير بن جناب:
ارفَعْ ضعيفَك لا يَحُر بك ضعْفهُ يوماً فتُدركَه عواقبُ ما جَنَى
يَجزيك أو يثني عليك فإنّ مَن أثنى عليك بما فعلتَ كمن جَزَى

وفي حفظ السر:

لقيس بن الخطيم:
وإنْ ضيَّع الإخوانُ سرّاً فإنَّني كتومٌ لأسرارِ العشيرِ أمينُ


في الهيبة:
للفرزدق:
في كَفِّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهُ عَبقٌ مِنْ كَفِّ أَرْوَعَ في عرْنينه شممُ
يُغْضِى حَيَاءً ويُغْضَى مِنْ مَهَابَتِةِ فَما يُكلَّمُ إلا حِينَ يَبْتَسِمُ

قالوا:لم يُقل في الهيبة شيءٌ أحسن منه.

[ابن قتيبة- الشعر والشعراء]

في الحياء:

قال عبيد السلاميّ:
وأعرضُ عن أشياء لو شئتُ نلتُها حياءً إذا ما كانَ فيها مقادِعُ


في الصبر وعدم الجزع:
قول أوس بن حجر:
أيَّتُهَا النَّفْسُ أَجْمِلى جَزَعَا إنَّ الَّذِي تَحْذرِينَ قَدْ وَقَعَا


في حفظ اللسان:
قال امرؤ القيس:
إِذَا المَرْءُ لم يَخْزُنْ عليه لِسَانَهُ فلَيْسَ على شَيْءٍ سِوَاهُ بِخَزَّانِ


وقال أيضا:
وَلَو عَن نَثاً غَيرِهِ جاءَني وَجُرحُ اللِسانِ كَجُرحِ اليَدِ


وقال طرفة:
وإنَّ لِسَانَ المَرْءِ ما لم تَكُنْ له حَصاةٌ على عَوْراتِهِ لَدَلِيلُ


في اصطناع البر:
قال امرؤ القيس:
واللهُ أَنْجَحُ ما طَلَبْتَ بِهِ والبِرُّ خَيْرُ حَقِيبَةِ الرَّحْلِ


وللحطيئة:
مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَهُ لا يَذهَبُ العُرفُ بَينَ اللهِ وَالناسِ


وفي الكرم:
قال عبد الملك لقومٍ من الشعراء: أي بيت أمدح؟ فاتفقوا على بيت زهيرٍ:
تَرَاهُ إذَا ما جِئْتَهُ مُتَهَلَّلاً كأَنَّكَ تُعْطِيهِ الِّذِي أَنْتَ سائِلُهْ


وقال حاتم الطائي:
أَماوِىَّ إِنَّ المالَ غادٍ ورائِحٌ ويَبْقَى من المالِ الأَحادِيثُ والذّكْرُ
أَماوِىّ إني لا أَقُولُ لسائِلٍ إِذَا جاءَ يَوْماً حَلَّ في مالِنا نَذْرُ
أَماوِىَّ إِمَّا مانِعٌ فمُبَيِّنُ وإِمَّا عَطاءٌ لا يُنَهْنِهُهُ الزَّجْرُ
أَماوِىَّ ما يُغْني الثَّرَاءُ عنِ الفَتَى إِذا حَشْرَجَتْ يَوْماً وضاقَ بها الصَّدْرُ
أَماوِىَّ إنْ يُصْبِحْ صَدايَ بِقَفْرَةٍ من الأَرضِ لا ماءٌ لَدَيَّ ولا خَمْرُ
تَرَىْ أَنَّ ما أَنْفَقْتُ لم يَكُ ضَرَّنِي وأَنَّ يَدِي ممَّا بَخلْتُ به صِفْرُ
وقد عَلِمَ الأَقْوَامُ لَوْ أَنَّ حاتِماً أَرَادَ ثَرَاءَ المالِ كان له وَفْرُ

وفي التسامح:

قول زهير في مدح هرم بن سنان:
هُوَ الجَوَادُ الَّذِي يُعطِيكَ نَائِلَهُ عَفْواً ويُظْلَمُ أَحْيَاناً فَيَظَّلِمُ


قد سبق زهيرٌ إلى هذا المعنى، لا ينازعه فيه أحدٌ غير كُثيِّر، فإنه قال يمدح عبد العزيز بن مروان:
رَأَيْتُ ابنَ لَيْلَى يَعتَرِي صُلْبَ مالِهِ مَسَائِلُ شَتَّى من غَنِىٍّ ومُصْرم


[الشعر والشعراء]
وفي العفة:
إِذا أَنْتَ لم تُعْرِضْ عنِ الجَهْلِ والخَنَا أَصَبْتَ حَلِيماً أَو أَصابكَ جاهِلُ


ولعنترة:
وَأَغَضُّ طَرفي ما بَدَت لي جارَتي حَتّى يُواري جارَتي مَأواها


وللشنفرى:
لَقَد أَعجَبَتني لا سَقوطاً قِناعُها إِذا ما مَشَت وَلا بِذاتِ تَلَفُّتِ
تَبيتُ بُعَيدَ النَومِ تُهدي غَبوقَها لِجارَتِها إِذا الهَدِيَّةُ قَلَّتِ
تَحُلُّ بِمَنجاةٍ مِنَ اللَومِ بَيتها إِذا ما بُيوتٌ بِالمَذَمَّةِ حُلَّتِ
كَأَنَّ لَها في الأَرضِ نِسياً تَقُصُّهُ عَلى أَمِّها وَإِن تُكَلِّمْكَ تَبْلَتِ
أُمَيمَةُ لا يُخزي نَثاها حَليلَها إِذا ذُكَرِ النِسوانُ عَفَّت وَجَلَّتِ

ويستوقفنا البيتُ الرابع:

إذ "يقول كأنها من شدة حيائها إذا مشت تطلب شيئاً ضاع لا ترفع رأسها، والنسي الشيء المنسي. وتبلت أي تقطع كلامها ولا تطيله من فرط حيائها..." [شرح أدب الكاتب – ابن الجواليقي]

وفي الجرأة واقتحام الخطر:

قول زهير:
ولَيْسَ لِمَنْ لم يَرْكَبِ الهَوْلَ بُغْيَةٌ ولَيْسَ لرَحْل حَطَّهُ اللهُ حامِل


في العزة وعدم المبيت على الضيم:
قول النابغة، وهو مما يتمثل به من شعره:
ومَنْ عَصاك فعاقِبهْ مُعاقَبَةً تَنْهَى الظَّلُومَ ولا تَقْعُدْ على ضَمَدِ


وعليه قول الشنفرى:
وَفي الأَرضِ مَنأى لِلكَريمِ عَنِ الأَذى وَفيها لِمَن خافَ القِلى مُتَعَزَّلُ


في سيادة الأخيار:
قول الأفوه الأودى:
لاَ يَصْلُحُ القَومُ فَوْضَى لاَ سَرَاةَ لَهُمْ ولا سَرَاةَ إِذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا
تُهْدَى الأُمُورُ بِأَهل الرَّأي مَا صَلَحَتْ فإنْ تَوَلَّتْ فَبِالأَشْرَارِ تَنْقَادُ

في حسن التصرف بحسب المواقف واختلاف الناس:

قال أبو دؤاد الإيادي:
مِنْ رجال من الأَقارِبِ فَادُوا من حُذَاق هُمُ الرُّؤُوس العظامُ
فهُمُ لِلْمُلاَيِنِينَ أَنَاةٌ وعُرَامٌ إِذَا يُرَادُ العُرَامُ


وقريبٌ منه قولُ المتنبي:
وَوَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالعُلا مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ في مَوْضِعِ النَّدَى


في الحفاظ على العهد و الجوار والقرابة:
قال امرؤ القيس:
عَلَيها فَتىً لَم تَحمِلِ الأَرضُ مِثلَهُ أَبَرَّ بِميثاقٍ وَأَوفى وَأَصبَرا


أبو دؤاد الإيادي:
تَرَى جارنَا آمِناً وَسْطَنا يَرُوحُ بعَقْدِ وَثيقٍ السَّبَبْ
إِذَا ما عَقَدنا له ذِمَّةً شَدَدْنا العِنَاجَ وعَقْدَ الكَرَبْ

البحتري:

إذا احْتربَتْ يوماً ففاضت دماؤها تذكَّرتِ القربى ففاضت دموعُها


الثراء والغنى:
عدَّه بعضُهم من لوازم المروءة، ولا سيما في المجتمع الجاهلي؛ قال النَّمِر بن تولب:
فَالمالُ فيهِ تَجِلَّةٌ وَمَهابَةٌ وَالفَقرُ فيهِ مَذَلَّةٌ وَقُبوحُ


ورأى مالك بن حريم الهمداني بأن الفقير، أو قليل المال:
يَرى دَرَجاتِ المَجدِ لا يَستَطيعُها وَيَقعُدُ وَسْطَ القَومِ لا يَتَكَلَّمُ


خاتـمة:
وليست تلك المحاسنُ والأخلاق الكريمة مما يُعفِّيه الزمانُ أو تنقص من قيمته التطوراتُ المادية؛ لأنها ثابتة في الخَيْرية والرِّفعة، فالصدق والأمانة والاستقامة في المعاملات والعلاقات، مثلا، كانت ممدوحةً في الجاهلية، وفي الإسلام، وهي كذلك في هذا الزمان، وحتى قيام الساعة، عند جميع العقلاء والأسوياء. لا تتغير صفتها بالتقادم. وينبغي أن لا يختلف عليها البشر.

ومن المعلوم أن التشريع الإسلامي حين نزل، ثم اكتمل قد أقرّ في العرب أخلاقًا وسجايا كانت تتحلى بها وتقدرها، كالكرم والحفاظ على العهد والشجاعة والشهامة، ونفى أخرى كانت العرب متورطة فيها؛ كالحمية الجاهلية، والغزو للنهب والسلب، والمفاخرة بالقبيلة وغيرها. فبعد نزول الشريعة صارت هي الميزان والحكم على أخلاق العرب ومفاخرهم، فَحُكْمُ الله قاضٍ على تلك الصفات، قبولا أو رفضا، وتهذيبا أو تكميلا.


قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: "إنما بعثت لأتمم صالحي الأخلاق".




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.94%)]