عرض مشاركة واحدة
  #25  
قديم 08-04-2024, 02:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية السيد مراد سلامة

الدرس الخامس والعشرون: موانع قبول العمل العشر

السيد مراد سلامة


الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، مقدِّر الأقدار، مصرِّف الأمور مكوِّر الليل على النهار، تبصرة لأولى القلوب والأبصار، الذي أيقظ من خلقه مَن اصطفاه، فأدخله في جملة الأخيار، ووفَّق من اختار من عبيده، فجعله من الأبرار، وبصَّر مَن أحبَّه للحقائق فزهِدوا في هذه الدار، فاجتهدوا في مرضاته والتأهب لدار القرار، واجتناب ما يسخطه والحذر من عذاب النار.

وأشهد أن لا إله إلا الله إقرارًا بوحدانيته، واعترافًا بما يجب على الخلق كافة من الإذعان لربوبيته.

يا رب إن ذنوبي في الورى كثُرت
وليس لي عمل في الحشر ينجيني
وقد أتيتك بالتوحيد يصحبه
حبُّ النبي وذاك القدر يكفيني


وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه....

أما بعد: فحياكم الله أيها الأخوة الأفاضل، وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوَّأتم جميعًا من الجنة منزلًا، وأسأل الله الحليم الكريم جل وعلا الذي جمعني مع حضراتكم في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

حديثنا اليوم عن أمر خطير ألا وهو موانع قبول الأعمال، فهناك موانع كثيرة أذكر منها في هذا اليوم عشرة، فأعيروني القلوب والأسماع.

المانع الأول: ألا يكون صاحب العمل مؤمنًا بالله عز وجل:
معاشر الموحدين، هذا هو المانع الذي يقبل لصاحبه عمل، فلو تقرب العبد إلى الله عز وجل بقربات كثيرة من صلاة وصيام وغيرها، وهو مشرك بالله عز وجل الشرك الأكبر، وذلك بصرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله عز وجل، فإنه بذلك لا ينتفع بأي عمل صالح عند الله عز وجل؛ لأن توحيد الله عز وجل والبراءة من الشرك وأهله، يُعَدُّ الشرطَ الأعظم في الانتفاع من بقية الأعمال والأقوال، وبدون ذلك تُحبط جميع الأعمال؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام:88].

قال: محمد رشيد- رحمه الله -: أَيْ وَلَوْ فُرِضَ أَنْ أَشْرَكَ بِاللهِ أُولَئِكَ الْمَهْدِيُّونَ الْمُجْتَبَوْنَ، لَحَبِطَ - أَيْ بَطَلَ - وَسَقَطَ عَنْهُمْ ثَوَابُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ بِزَوَالِ أَفْضَلِ آثَارِ أَعْمَالِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمُ الَّذِي هُوَ الْأَسَاسُ لِمَا رُفِعَ مِنْ دَرَجَاتِهِمْ؛ لِأَنَّ تَوْحِيدَ اللهِ تَعَالَى لَمَّا كَانَ مُنْتَهَى الْكَمَالِ الْمُزَكِّي لِلْأَنْفُسِ، كَانَ ضِدُّهُ وَهُوَ الشِّرْكُ مُنْتَهَى النَّقْصِ وَالْفَسَادِ الْمُدَسِّي لَهَا، وَالْمُفْسِدِ لِفِطْرَتِهَا، فَلَا يَبْقَى مَعَهُ تَأْثِيرٌ نَافِعٌ لِعَمَلٍ آخَرَ فِيهَا - يُمْكِنُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ نَجَاتُهَا وَفَلَاحُهَا[1].

وقوله تعالى: ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ﴾ [الأنبياء:94].

إن الشرك بالله تعالى من أخطر الأعمال التي تُقصي العبد عن رحمة الكبير المتعال، وتجعل الأعمال كسراب يحسبه الظمآن ماءً؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39].

المانع الثاني: إرادة العبد بعمله الدنيا وليس الآخرة:
أمة الإسلام، قد يكون العبد مؤمنًا بالله تعالى، ولكنه يقع في الشرك الخفي، ألا وهو الرياء من حيث لا يشعر، والنبي صلى الله عليه وسلم حذرنا منه، وأخبرنا أنه أخفى من دبيب النمل؛ كما في حديث أبي علي - رجلٍ من بني كاهلٍ - قال: خطبَنا أبو موسى الأشعريُّ، فقال: يا أيها الناسُ، اتَّقوا هذا الشركَ، فإنه أخفى من دبيبِ النملِ، فقام إليه عبدُ الله بن حَزَن وقيسُ بن المُضارِب فقالا: والله لَتخْرُجَنَّ مما قلتَ، أو لنأتينَّ عُمَرَ مأذونًا لنا أو غيرَ مأذونٍ، فقال: بل أخرجُ مما قُلتُ، خطبنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ، فقال: "يا أيها الناسُ، اتّقُوا هذا الشركَ، فإنه أخفى من دبيبِ النَّملِ"، فقال له من شاءَ اللهُ أن يقولَ: وكيف نَتَّقيه وهو أخفى من دبيبِ النملِ يا رسول الله، قال: "قولوا: اللهمَّ إنّا نَعوذُ بك من أنْ نُشركَ بك شيئًا نَعلمُه، ونستغفرُكَ لما لا نعلمُه"[2].

ذلك هو محض الرياء والسعي وراء الشهرة والأنا، وهذا مانع كبير يحول بين العبد وبين أن ينتفع بعمله يوم القيامة، وهذا يكثُر في عمل المرائين والمريدين بأعمالهم شهرة أو منصبًا أو مالًا، أو أي عرض من أعراض الدنيا الفانية، فهؤلاء لا خلاق لهم في الآخرة من تلك الأعمال الملوَّثة؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ ﴾ [هود: 15].

قال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية: إن أهل الرياء يعطون بحسناتهم في الدنيا، وذلك أنهم لا يُظلمون نقيرًا، يقول: من عمل صالحًا التماس الدنيا، صومًا أو صلاة أو تهجدًا بالليل، لا يعمله إلا التماس الدنيا، يقول الله: أُوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة، وحبط عمله الذي كان يعمله التماس الدنيا، وهو في الآخرة من الخاسرين.

وهكذا روي عن مجاهد، والضحاك، وغير واحد.

وقال أنس بن مالك، والحسن: نزلت في اليهود والنصارى. وقال مجاهد وغيره: نزلت في أهل الرياء.

وقال قتادة: من كانت الدنيا همه وَسَدَمه[3]، وطَلِبَته ونيته، جازاه الله بحسناته في الدنيا، ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يُعطى بها جزاءً، وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا، ويثاب عليها في الآخرة، وقد ورد في الحديث المرفوع نحو من هذا[4].

وها هم بين يدي الله تعالى؛ ليحاسبهم على أعمالهم وليجازيهم على نياتهم؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ لَهُ نَاتِلٌ الشَّامِيُّ: أَيُّهَا الشَّيْخُ، حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "‌إِنَّ ‌أَوَّلَ ‌النَّاسِ ‌يُقْضَى ‌فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى قُتِلْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ فِيكَ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، فَقَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ لِيُقَالَ هُوَ عَالِمٌ، فَقَدْ قِيلَ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَّادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ"[5].

عبدِ الله بنِ عمرٍو قال: قلتُ: يا رسول الله، أخبرني عن الجهاد والغزو، فقال: ((إنْ قاتلت صابرًا محتسبًا، بعثك الله صابرًا محتسبًا، وإنْ قاتلتَ مُرائيًا مُكاثرًا، بعثَك الله مُرائيًا مُكاثرًا، على أيِّ حالٍ قَاتَلْتَ أو قُتِلْتَ، بعثكَ الله على تِيك الحالِ))[6].

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (يقولُ الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشُّركاءِ عن الشِّرك، مَنْ عَمِل عملًا أشركَ فيه معي غيري، تركته وشريكَه)[7]، وخرَّجه ابنُ ماجه، ولفظه: ((فأنا منه بريءٌ، وهوَ للَّذي أشركَ))[8].

وخرَّج الإمام أحمد عن شدَّاد بن أوسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ صَلَّى يُرائِي، فقد أشرَكَ، ومنْ صَامَ يُرائِي فقد أشرَكَ، ومن تَصدَّقَ يُرائِي فقد أشرك، وإنَّ الله - عز وجل - يقولُ: أنا خيرُ قسيمٍ لِمَنْ أشرَكَ بي شيئًا، فإنَّ جُدَّةَ عَمَلِهِ قليله وكثيره لشريكِهِ الذي أشركَ به، أنا عنه غنيٌّ))[9].

المانع الثالث: أن يكون سعيه وعمله مخالفًا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم:
أحبيتي في الله، اعلموا أن من شروط الانتفاع بالسعي والعمل أن يكون موافقًا لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير مبتدع ولا مبدِّلٍ، وهذا هو الذي أشار إليه الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى عند تفسيره لآية الإسراء؛ حيث قال: ﴿ ‌وَسَعَى ‌لَهَا سَعْيَهَا ﴾ [الإسراء: 19]؛ أي: طلب ذلك من طريقه وهو متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أوضح الأدلة في أن تخلف المتابعة عن العمل يمنع من الانتفاع به عند الله عز وجل؛ عن عَائِشَةَ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "‌مَنْ ‌عَمِلَ ‌عَمَلًا ‌لَيْسَ ‌عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَأَمْرُهُ رَدٌّ"[10].

ومن هنا وجب الحذر من الابتداع والتعبد لله عز وجل بما لم يأذَن به سبحانه، أو يُشرِّعه رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن التفريط في ذلك يضيِّع على العبد سعيه وعمله، ولو كان صاحبه مخلصًا لله فيه مريدًا منه الدار الآخرة؛ لأن قبول العمل عند الله عز وجل مقيد بالشروط السالفة الذكر مجتمعةً كلها في العمل، فلو تخلف واحدٌ منها بطل العمل وحِيلَ بين صاحبه وبين الانتفاع منه.

المانع الرابع: حقوق العباد ومظالِمُهم:
من موانع الانتفاع بالأعمال مظالم الناس والتعدي على حقوقهم وأعراضهم؛ يقول الله عز وجل: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴾ [الزمر:30-31]، والخصومة تكون فيما بين العباد من مظالم؛ فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: لما أُنزلت هذه الآية قال: أيْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم! أيكرَّر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب؟ قال: «نعم ليُكررنَّ عليكم حتى يؤدَّى إلى كل ذي حقٍّ حقَّه»[11]، قال الزبير: والله إن الأمر شديد.

ومن الأحاديث المشهورة في ذلك حديث المفلس وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ((أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟))، قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: ((إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)[12].

المانع الخامس: النفاق:
أيها الكرام، إن من موانع قبول الأعمال النفاق، والنفاق مأخوذ من النفق، وهو السرب في الأرض الذي يُستَتَر فيه، سُمِّي النفاق بذلك؛ لأنَّ المنافق يستر كفرَه، وبهذا قال أبو عبيد.


النفاق شرعًا: هو إظهار الإسلام وإبطان الكفر.


وهو اسم إسلامي لم تعرفه العرب بهذا المعنى الخاص، وإن كان أصله الذي أُخذ منه في اللغة معروفًا.


العبادات لا تقبل من المنافقين:
بيَّن الله لنا أن من موانع قبول الأعمال النفاق، وأن أعمالهم مردودة عليهم في عليهم حسرة يوم القيامة، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء:142]، الآية قد أخبر الله فيها عن المنافقين أنهم يُصلون ويزكون، وأنه لا يقبل ذلك منهم، ومثلها قوله تعالى: ﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ [التوبة:54].

إن من أوصاف المنافقين أنهم ارتضوا الخداع والكسل عند الصلاة والمراءاة بها، وهذه أوصاف مشينة، وفيه تحذيرٌ للمؤمن من هذه الأوصاف، فلا ينبغي للمؤمن أن يخادع، بل يجب أن يكون أمره واضحًا، وكذلك على المؤمن أن يقوم إلى الصلاة برغبة ولا يقوم بكسلٍ وتثاقل، وكذلك يحذر المؤمن من الرياء، ويُخلص عمله لله، فإن الرياء من صفات المنافقين، وعدم ذكر الله عز وجل كثيرًا من صفاتهم أيضًا، فهذه أربعة أوصاف من أوصاف المنافقين: الخداع، والكسل عند إقامة الصلاة، والرياء، وقلة ذكر الله.

سبب عدم قبول عبادات المنافقين:
بيَّن الله سبحانه وتعالى أن المنافقين لا تُقبل منهم نفقاتهم، ولا تُقبل صلاتهم، وبين العلة، وهي كفرهم بالله ورسوله، فقال تعالى: ﴿ مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ [التوبة: 54].

[1] تفسير المنار، (7 / 492).

[2] مسند أحمد، 4/408، وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (716) «صحيح الترغيب والترهيب» (1/ 121): «حسن لغيره»

[3] السَّدَم: اللَّهَجُ والوُلوعُ بالشيء (في الدر النثير: قال الفارسي: هو همّ في ندم) النهاية في غريب الأثر (2/ 899).

[4] تفسير ابن كثير - (4 / 310).

[5] أخرجه أحمد ح 8260 رواه مسلم في صحيحه كتاب الإمارة باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار ورقم (1905).

[6] أخرجه أبو داود ح (2519)، وأخرجه أيضًا الحاكم 2/ 85 و112، والبيهقي 9 /168 من حديث عبد الله بن عمرو به، وإسناده ضعيف؛ فإنَّ العلاء بن عبد الله مقبول حيث يتابع ولم يتابع.

[7] أخرجه مسلم، ح 2985.

[8] أخرجه ابن ماجه ح (4202)، وأخرجه الطيالسي (2559)، وأحمد 2/301 و435، وأبو يعلى (6552).

[9] أخرجه أحمد 4/126، وأخرجه الطيالسي (1120)، والطبراني في " الكبير " (7139)، والحاكم 4/329.

[10] رواه مسلم، ح/3243.

[11] الترمذي، 9/11، وقال حسن صحيح، ورواه الإمام أحمد، 1/ 167.

[12] خرجه أحمد ح 8016 مسلم، كتاب البر والصلة، ح/ 2581.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.78 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.07%)]