عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 21-01-2020, 09:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي كيف أتغلَّب على قسوة القلب والبعد عن الله؟

كيف أتغلَّب على قسوة القلب والبعد عن الله؟
أ. أريج الطباع


السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا - بفضل الله - طالب في الثانوية العامَّة، كنت وقعتُ في ذنوب ومعاصٍ كثيرة، وصاحبتُ رفقة سيِّئة، وكِدت أن أسلك مسلكًا منحرفًا، لولا أنْ منَّ الله عليَّ وهداني، وصِرتُ - بفضل الله وحْدَه - محافظًا على الصَّلوات، مُقبِلاً أكثر على كتاب الله والعمل الصالح، بل وبدأَتْ تعاملاتي مع النَّاس تتغيَّر يومًا بعد يوم، إلا أنَّه ينتابني كثيرٌ من الهموم؛ بسبب أنِّي تغيَّرت ولم تتغيَّر الدنيا من حولي، ولم يتغير الأشخاص، وقلَّ حُبِّي القلبيُّ لهم، كما أني كلَّما استمعتُ إلى آلة موسيقيَّة مهما كانت، أو ذهبتُ إلى المدرسة لأجد الطلاَّب ما زالوا كما هم من مجالس الغيبة والاستهزاء والسُّخرية، والكلمات غير المؤدَّبة، والشذوذ الجنسي، وخلافه، حتَّى أقرب الناس إليَّ سابقًا (ممن كنت أظنُّ أنهم مختلفون)، أشعر بضيقٍ شديد في الصَّدر، وهموم لا تَخْرج بكثيرِ دموع فتريحَني، وإنَّما توجع صدري، وأشعر بضعفٍ في الخشوع في الصَّلاة، وكثرةٍ للوساوس، ومحاولاتٍ كثيرة من الشيطان أن يصدَّني عمَّا أنا فيه، ويرجعني لسابق عهدي، وأسوأ.
حاولت التصرُّف مع موضوع الآلات الموسيقيَّة - التي لا يخلو منها مكان إلاَّ ما رحم ربِّي - بوضع يديَّ على أذُنَيَّ ونحو ذلك؛ مما أدَّى إلى معاتبةٍ من أبي على هذا التصرف المثير لسخرية الناس!
كل ما أتمنَّاه في الحياة أن أعبد الله حقَّ العبادة، وأن أبتعد عن كلِّ الذنوب والمعاصي، وأماكن الفتن والرِّيبة، وأن أكون متعلِّمًا للعلم الشرعي، أو علمٍ أَبتغي به نُصرة الإسلام والمسلمين، لكن ماذا أصنع؟ كيف أتغلَّب على قسوة القلب والبعد عن الله؟ كيف أبتعد عن رفقة السوء؟ هل أحوِّل من المدرسة؟

ربما تكون رسالتي غير منظَّمة ولا منسَّقة، إلا أنِّي حاولتُ التعبير عن مشاعري لأحدٍ أثق به، وأعتذرُ لكم، وفي انتظار الردِّ الكريم.


الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
آمل ألاَّ أكون قد تأخَّرتُ عليك كثيرًا، لكنني أيضًا آمُل أنك خلال هذه الفترة لم تتوقَّف أبدًا، وبقيت تبحث عن حلولٍ لما تمرُّ به من معاناة.

الانتقال من النقيض إلى النَّقيض ليس سهلاً، وبالتأكيد سيستغلُّه الشيطان لِيُقعدك عمَّا وصلت إليه، ليس فقط شيطانَ الجنِّ؛ بل حتَّى شياطين الإنس لن تَحْلو لها توبتُك، وستبقى تحاول؛ لِتُرجعك إلى ماضيك، وإلى الشَّهوات التي يغرقون فيها أيضًا.
لكن ليس ذلك كلَّ شيء؛ فأحيانًا كثيرة يتَزامن حدوثُ مرض الوسواس القهريِّ مع ضغوطٍ نتعرض لها، والتوبة أحدُ هذه الضغوط حينما يكون لك استعدادٌ نفسي لذلك، وأتوقَّع أنَّ هذا ما حصل معك؛ فما تَصِفُه من وساوسَ في الصلاة، ومِن تعَبٍ في التواصل، كلها تدلُّ على أنك أيضًا أُصبت بوسواس واكتئابٍ تَزامنا مع هذا التغيُّر الذي تعيشه، لستَ وحدك مَن يعاني من هذا، كثيرون أيضًا مَرُّوا به، واستطاعوا تجاوزه؛ فلا تقلق، فقط احرص على مساعدة نفسك.
بدايةً أنصحُك بأن تراجع مختصًّا؛ لِتُتابع معه، سيكون أفضل بكثيرٍ من مجرَّد ردٍّ مكتوب أُرسله إليك، وكونك شابًّا يمكنك الخروج وحدك، أو استشارة أحدٍ مقرَّب منك في العائلة؛ ليذهب معك.
لو لم تستطع؛ ابدأ بمساعدة نفسك معرفيًّا، لو استطعت أن تغيِّر بيئتك فذلك سيكون أفضل؛ لتبدأ بداية جديدةً في مكان جديد، وتترك خلْفَك كل الماضي بكلِّ ما حمله من فِتَن وشهوات ومعاصٍ!
دَور الشيطان - سواء كان إنسيًّا أم من الجنِّ - يَكْمن فقط في إلقاء الأفكار المزعجة، لكنَّك قادر على تجاوزها - بإذن الله - وعلى عدم التَّركيز عليها، فلا تجعل ذلك يتحوَّل إلى وسواس يزعجك ويتعبك، وركِّز على الاستمتاع بتوبتك وبعودتك إلى الله.
أمَّا عن سماع الموسيقا، وعن موقفك مع والدك، وعن غيرها من الأمور التي تتعبك، فهوِّن عليك، لا شيء يأتي كاملاً، وإلاَّ لمَا كنَّا على الأرض وفي الدُّنيا! ركِّز على هدفك أنت؛ بأنْ لا تضع شيئًا متعمدًا، وأن تتجنَّب قدر استطاعتك مجالس اللهو والغناء، لكن لو كان في مكان عام، فقط لا تركِّز عليه، ولست بحاجةٍ إلى أن تضع يدك على أذنك.
في الدعوة - يا بُنَي - توجد أولويَّات، نحتاج أن نتمثَّلها؛ لِنُقنِع الناس بدل أن ننفِّرهم، أتَعْرف قصة معاذ بن جبل حينما أمَّ الناس، وأطال بهم في الصَّلاة، وقْتَها أنَّبَه الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - على ذلك، وقال له: ((أفتَّانٌ أنت يا معاذ؟!)).
ذلك لأنَّ الإسلام دينٌ يَسعد الناسُ لو اتَّبعوه بطريقةٍ صحيحة، ويُصلح لهم حياتهم، نحتاج أن نُريَهم الرَّاحة التي نَشعرها بالعودة لله؛ لننقل لهم تلك الرغبة؛ لذلك ابدأ بأن تتلمَّس الراحة بقلبك من عودتك لله، وبعدها تفكِّر بطريقة تدعو بها الناس، وتنقل لهم أثَرَك - بإذن الله.
لا تخَفْ على نفسك كثيرًا؛ فثق أنَّك ما دُمت حرصت على رضا الله، وتقرَّبتَ منه فإنه سيحفظك، ألم يَعِدْنا الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بوصيَّته: ((احفَظ الله يحفَظْك))؟!
اهتمَّ بنفسك، وقاوِمْ وساوسك، واسترخِ، وأَرِ مَن حولك مدى الراحة التي ملأَتْ قلبك بِقُربك من الله، واهتمَّ بأن تحفظ الله وتتقرَّب منه، اجعل لك وردًا من القرآن، وأكثر الاستغفار، وخالِق الناس بِخُلق حسَن، وثِقْ أنَّ الله معك.

وفَّقك الله وحَفِظَك، وجعلَك هاديًا مهديًّا.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.92 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (3.35%)]