عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 17-10-2020, 03:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المعمرون من الشعراء

ولا بُدَّ أنْ نتذكَّر طلب زُهَير بن مرخة وقد عاش مائةً وسبعين سنة:



كَبِرْتُ وَأَمْسَتْ عِظَامِي رَمَادَا

وَمَا تَأْمُلُ العَيْنُ إِلاَّ رُقَادَا




أَقُولُ لِأَهْلِيَ لاَ تَظْعَنُوا

وَهَاتُوا فِرَاشًا وَطِيئًا وَزَادَا[37]








المعمَّرون ومواجهة الموت:

وهكذا تمضي قافلة العمر بطيئةً بهؤلاء الشعراء، ولا يتبقَّى لهم إلا مواجهة الموت، وقد استطاعت أناملهم المرتعشة أنْ تضيف لونًا عميقًا في شعرنا العربي وإن كان رماديًّا وقاتمًا.



فالجواهري مثلاً يرى أنَّ الموت المجهول سببٌ لتنغيص حياته فيقول:



يُنَغِّصُ العَيْشَ أَنَّ المَوْتَ يُدْرِكُهُ

فَنَحْنُ مِنْ ذَيْنِ بَيْنَ النَّابِ وَالظَّفَرِ[38]








أمَّا زهير بن جناب فهو في شوقٍ للموت ليريحه من هذه الحياة الثقيلة الوطأة فيقول:



لَقَدْ عُمِّرْتُ حَتَّى لاَ أُبَالِي

أَحَتْفِي فِي صَبَاحِي أَمْ مَسَائِي




وَحُقَّ لِمَنْ أَتَتْ مِائَتَانِ عَامًا

عَلَيْهِ أَنْ يَمَلَّ مِنَ الثَّوَاءِ[39]








وكذلك عمرو سليل أبي الجعد الذي يرى الموت مخلِّصًا فيقول:



فَإِنْ أَمُتْ فَالمَوْتُ لِي خِيرَةٌ

مِنْ قَبْلِ أَنْ أَهْذِي وَلاَ أَدْرِي[40]








ولسيف بن وهبٍ أبياتٌ رائعة يصف فيها استعداده لمواجهة الموت ويقول:



أَلاَ إِنَّنِي عَاجِلاً ذَاهِبُ

فَلاَ تَحْسَبُوا أَنَّهُ كَاذِبُ




لَبِسْتُ شَبَابِي فَأَفْنَيْتُهُ

وَأَدْرَكَنِي القَدَرُ الغَالِبُ








وما أشجى وأصدق اعترافه:

وَأَدْرَكَنِي القَدَرُ الغَالِبُ[41]



وبمعادلةٍ منطقيَّة سهلة يرى قسُّ بن ساعدة الإياديُّ أنَّه لا بُدَّ لاحقٌ بالماضين فيقول:



لَمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا

لِلْمَوْتِ لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ




أَيْقَنْتُ أَنِّي لاَ مَحَا

لَةَ حَيْثُ صَارَ القَوْمُ صَائِرْ[42]








وهكذا كان المعمَّرون من الشعراء على استعدادٍ دائمٍ للرحيل، حامِلين معهم ذكريات صبا لاعب، وشباب غالب، وسنوات مشيب خُطاها واهنة وأحمالها ثقيلة، تارِكين لنا قصائد ومقطوعات هي من أصدق ما في ديوان شعرنا العربي، حتى إنَّ بعضهم أراد لحظةَ الموت أنْ يترُك لأبنائه بعض الوصايا، وكأنَّ الشعر يأبى أنْ يفارقه حتى لحظة النهاية، وهي النهاية التي طالَ انتظارها من هؤلاء الشعراء المعمَّرين، وكلهم يُردِّد مع أبي زبيد الطائي:



أَتَانِي رَسُولُ المَوْتِ يَا مَرْحَبًا بِهِ

لَآتِيَهُ وَسَوْفَ وَاللهِ أَفْعَلُ[43]








المصدر


(مجلة الأدب الإسلامي – العدد 69، 1432هـ / 2011م)






[1] "شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري" ص35، حقَّقه وقدَّم له: د. إحسان عباس، سلسلة التراث العربي، الكويت1962.




[2] كتاب "المعمرين من العرب وطرف من أخبارهم"؛ للسجستاني، ص34، عني بتصحيحه وتعليق حواشيه: السيد محمد أمين الخانجي، وقرأه على الشنقيطي، ط1، 1323هـ/1905م، مطبعة السعادة.




[3] المصدر السابق، ص35.




[4] "الشعراء الجاهليون الأوائل"، ص409، د. عادل الفريجات، دار المشرق، ط1، 1994م.




[5] كتاب "المعمرين"، ص29.




[6] "ديوان الجواهري" الأعمال الكاملة، ص855، قصيدة بريد الغربة، دار الحرية، بغداد، ط2، 2000م.




[7] "ديوان الأمير الفارس أسامة بن منقذ"، ص295، دار صادر، بيروت، ط1، 1996م.




[8] المصدر السابق، ص299.




[9] "ديوان زهير بن أبي سُلمى"، ص70، اعتنى به وشرحه: حمدو طماس، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1426هـ/1996م.




[10] "الشاعر القروي"، الأعمال الكاملة، الشعر، ص457، منشورات جروس برس، طرابلس، لبنان، جمعه وبوَّبه وضبطه وقدم له (مكتب التدقيق اللغوي).




[11] كتاب "المعمرين"، ص32.




[12] "شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري"، ص350.




[13] "الشاعر القروي"، الأعمال الكاملة، الشعر، ص456، 457.




[14] "ديوان أبي العتاهية"، ص23، دار الكتب العلمية، بيروت.




[15] "ديوان الأمير الفارس أسامة بن منقذ"، ص210، وفي البيت الرابع إقواء.




[16] المصدر السابق، ص271.




[17] "مختارات الجواهري"، ج2، ص129، قصيدة الغضب الخلاق، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب.




[18] "ديوان البهاء زهير"، ص295، شرح وتحقيق: محمد طاهر الجبلاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، ط2، سلسلة ذخائر العرب 53، دار المعارف، القاهرة.




[19] "شعر علي بن جبلة"، ص19، جمعه وحققه وقدم له: د.حسين عطوان، ط3، سلسلة ذخائر العرب 48، دار المعارف، القاهرة.




[20] كتاب "الأمالي"؛ للقالي، ج1 ص112، تقديم د. محمد مصطفى أبي الشوارب، سلسلة الذخائر العدد 182، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2009، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب الثانية 1344هـ/1926م.




[21] "ديوان المتنبي"، ص36، المكتبة الثقافية، بيروت.




[22] البيت منسوبٌ لأعرابي في عدَّة مصادر، وانظر: "مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي"؛ لأحمد قبش، ص256، ط2، 1423هـ، 1983م، دار الرشيد.




[23] "الحماسة"؛ لأبي عبادة البحتري، ص224، وضع حواشيه: محمد رضوان ديوب، دار الكتب العلمية، بيروت ط1، 1420هـ/1999م.




[24] "ديوان أبي العتاهية"، ص23.




[25] "ديوان دعبل بن علي الخزاعي"، ص53، جمعه وحققه: د.محمد يوسف نجم، دار الثقافة - بيروت.




[26] المصدر السابق، ص117.




[27] "ديوان الشريف المرتضى"، القسم الثاني، ص73، حققه ورتب قوافيه وفسَّر ألفاظه: رشيد الصفار المحامي، دار إحياء الكتب العربية (الحلبي)، 1958.




[28] "قضية الزمن في الشعر العربي"، ص105، د. فاطمة محجوب، مكتبة الدراسات الأدبية 80، دار المعارف، القاهرة.




[29] "العقد الفريد"؛ لابن عبدربِّه، ج3، ص53-54، تحقيق: أحمد أمين وصحبه، القاهرة، 1949، وتعزوها بعض المصادر للعريان بن الهيثم.




[30] "الحماسة"؛ لأبي عبادة البحتري، ص117.




[31] "طبقات الشعراء"؛ لابن المعتز، ص188، تحقيق: عبدالستار فرج، سلسلة ذخائر العرب 20، دار المعارف، القاهرة.




[32] "ديوان محمود سامي باشا البارودي"، ص55، شرح: علي عبدالمقصود عبدالرحيم، دار الجيل، ط1، 1415هـ، 1995م.




[33] "ديوان الأمير الفارس أسامة بن منقذ"، ص210.




[34] المصدر السابق، ص272.




[35] المصدر السابق، ص274.




[36] "الحماسة"؛ لأبي عبادة البحتري، ص238.




[37] كتاب "المعمرين"، ص64.




[38] "ديوان الجواهري"، الأعمال الكاملة، ص890.





[39] "الشعراء الجاهليون الأوائل"، ص395.




[40] كتاب "المعمرين"، ص31.




[41] المصدر السابق، ص41.




[42] "البيان والتبيين"؛ للجاحظ، ج1، ص309، بتحقيق وشرح: عبدالسلام هارون، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط7/1418هـ- 1998م.




[43] كتاب "المعمرين"، ص86.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.66 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.30%)]