عرض مشاركة واحدة
  #253  
قديم 17-10-2020, 07:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

ضرر تبديل العبد نعمة الله تعالى عليه

إذاً: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ [البقرة:211] ويبددها، أعطاك الله مالاً فأنفقته في الحشيشة، أنفقته في العهر، أنفقته في أكل الحرام، هذا بدل نعمة الله كفراً أم لا؟ ويعاقبه الله، ويذله ويهينه إلا أن يتوب عليه، أعطاك نعمة السمع والبصر والعقل وأنت البشر المسلم؛ إذا لم تشكر الله على هذه النعمة فإن عقاب الله شديد، وهكذا كل ذي نعمة إذا لم يشكر الله تعالى ولم يعترف بها لله خالقها وواهبها؛ هذا الذي كفر نعمة الله وجحدها وغطاها وسترها يتوقع له عذاب شديد لا يطاق، وأبرز نعمة وأظهرها هي الإسلام، هل هناك نعمة أعظم من الإسلام؟ الكفار حيوانات وبهائم إلى جهنم، فما هذه الحياة؟ والمسلمون بحق سادات الكون في هذه الحياة، طهر وصفاء وآداب وأخلاق وعز وكرامة، قل ما شئت من الكمالات، لا خوف ولا حزن ولا هم ولا كرب، إنه الإسلام.ومع الأسف قد بدل المسلمون نعمة الإسلام بالكفر، من إندونيسيا إلى موريتانيا، باستثناء هذه البقعة، لا يلتفتون إلى الشريعة، القوانين الغربية المستوردة المستوحاة درَّسوها ودرَسوها، بعثوا أولادهم فتعلموا في إيطاليا وأوروبا والإسلام مسكوت عنه، ومن تكلم خافوا منه وقالوا: اسكت لا تزعجنا، اعبد الله إن شئت.

الوعيد بالعذاب لمن بدل نعمة الله تعالى

إذاً: صدق الله العظيم: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:211]، دول الخليج كانوا شحاتين فقراء لاصقين بالأرض، يصيدون السمك في البحر، لا عنب ولا زرع، فأغدق الله علينا نعمة المال، فهل سنشكر أم لا؟ والله! إننا لتحت النظارة، ومن يعش سيرى ومن يمت سيسمع أيضاً ويبلغه، إما أن يشكروا وإما أن تسلب هذه النعمة، ما لهم ميزة على باقي البشرية أبداً، كلهم عبيد الله، من كفر نعمة الله سلبها منه وإن كان ابن الرسول. وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ [البقرة:211] ما هذا العذاب؟ ما يقادر قدره فيطاق، يكفي فيه قوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:211]، والعقاب سمي كذلك لأن الإنسان يؤخذ من عقبه وهو هالك.معاشر المستمعين! من أوتي نعمة فليشكر الله، على الأقل يقول: الحمد لله .. الحمد لله، ربنا لك الحمد، أنعمت وأفضلت وأحسنت، اللهم لك الحمد، فالله يحب هذا، هيا نتملقه، ثلاثة أرباعنا لا يقولون: الحمد لله عند الطعام والشراب ولا اللباس ولا الركوب، كأنهم هم خالقو النعمة وموجدوها، فهذا كفران للنعمة، أينعم الله علينا بهذه النعم ثم ما نذكرها له، ولا نشكره من أجلها، ولا نحاول أن نرد إفضاله بشكر فنصلي بين يديه ركعتين على الأقل شكراً له على نعمته؟آية عجب: وَمَنْ [البقرة:211] من أبيض وأسود، في الأولين وفي الآخرين، في أي جنس، وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ [البقرة:211] وأصبحت بين يديه وأكلها أو شربها، أو لبسها وعمل فيها، فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:211].هذه الآية الأولى واضحة، فهل استفدنا شيئاً؟ الآن أصبحنا ننظر إلى العالم بين أيدينا، وأنه يتوقع له الإبادة والدمار.

تفسير قوله تعالى: (زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا ...)

ثم يقول تعالى: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [البقرة:212]، من الذي زينها لهم؟ ما قال: زين الشيطان لهم، ولا قال: زينا لهم، قال: (زُيِّن)، من الذي يزين الحياة الدنيا؟ إبليس أبو مرة العدو، يزين للكفار الذين هم كالأموات، الذين يعيشون في الظلماء، الذين فقدوا الحواس وأصبحوا كالبهائم لانقطاع النور عن قلوبهم لكفرهم بالله وكتابه ولقائه، هؤلاء يزين لهم الشيطان الحياة الدنيا، امش إلى إيطاليا.. إلى بلجيكا.. إلى هولندا.. إلى أمريكا.. إلى روسيا، إلى أي بلد كافر وانظر إلى الكفار ماذا يفعلون؟ همه الدنيا، لا هم له سوى أن يأكل ويشرب ويلبس وينكح، لا هم له أبداً إلا كيف يتجمل.. كيف يتحسن.. كيف يحسن لباسه طعامه شرابه منزله فراشه مركوبه، كل طاقاته مسخرة هنا، زينت لهم الحياة الدنيا، فجروا وراءها، يجرون من الساعة السابعة أو الثامنة وهم في العمل النساء والرجال، فإذا انتهى العمل أقبلوا على الأكل والشرب والنكاح واللهو والباطل، وهكذا، من فعل بهم هذا؟ الشيطان؛ لأنهم رضوا به موجهاً وسائساً وقائداً ورائداً، دعاهم فاستجابوا، ناداهم فقالوا: لبيك أبا مرة لبيك، عرض عليهم الإيمان والإسلام وشرائع الله فرفضوها وقبحها لهم الشيطان وحسن لهم الشرك والمعاصي والجرائم.أزيدكم وضوحاً: كل من يأتي كبيرة من كبائر الذنوب فوالله! إن الشيطان هو الذي زين له، وهل الله يزين الفواحش؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، هل الملائكة تحسن اللواط والجرائم؟ والله! ما كان، فهذه الجرائم المنتنة القبيحة من يزينها للناس؟ الشيطان، زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ [آل عمران:14]، من يزين؟ العدو. ‏

نماذج من إقبال الناس على زينة الدنيا ونسيان الآخرة

يقول تعالى: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [البقرة:212] لا يرون الآخرة، ولا يريدون أن يسمعوها، ولا أن يتحدثوا عنها، ويشمئزون، ومن يذكر الآخرة أو ما يتم فيها يقولون: أنت تريد أن تنغص علينا معيشتنا أو حياتنا، اترك الآخرة.لعلكم شاهدتم هذا، إذا جرى حديث عن الآخرة في جماعة من هذا النوع يغضبون، يجتمعون على اللعب: الكيرم.. الدمنو، ويضحكون ويدخنون ويكفرون ويسب بعضهم بعضاً وكأنهم ما عرفوا لا إله إلا الله، والله! لهذا هو الواقع، ويجلس الرجل مع بناته وامرأته وشاشة التلفاز أمامه أو الفيديو، وعاهرة ترقص وتلوح بيديها وبرأسها وثديها بارز والحمرة في وجهها وشفتيها وهم يضحكون، كأنهم أموات لا يشعرون، أما يستحي أحدهم؟ لو كان فيه إيمان لذاب بين يدي الله، هل هذا هو الطريق الموصل إلى الله؟ أليس هذا المميت للقلوب والمهيج للشهوات والنزعات؟ آهٍ! وامصيبتاه.ما هي مصيبتنا يا مسلمون؟ أعرضنا عن ذكر الله، أعرضنا عن القرآن، وأصبحنا لا نجتمع عليه إلا ليلة الموت، من منكم يقول: أنا قلت مرة لأخ لي ونحن في العمل وتعبنا وجلسنا لنستريح تحت ظل شجرة أو كذا: اقرأ علي شيئاً من القرآن أتدبره؟ هل حصل هذا؟ أو جلس ثلاثة يتحدثون عن أمور دنياهم أو ينتظرون الأكل فيقول أحدهم: أي فلان! أسمعنا شيئاً من القرآن؟ هذا ما عرفناه إلا عند باز هذه الأمة، عند الشيخ عبد العزيز بن باز ، إذا جلسوا للأكل ينتظرون يقول: من منكم يسمعنا شيئاً من كلام الله؟ وعرفت مؤمناً وأنا صبي أحفظ القرآن قبل البلوغ يأتي يقول: أبا بكر ! أسمعني شيئاً من القرآن. والله! ليعمل هكذا ويصغي وهو أمي ما يفرق بين الباء والتاء، لكنه تلميذ خريج هذه المدينة، يجيء يقول لي: أسمعني، اقرأ علي. أما غيره في ذلك العالم فما واحد يقول: أسمعني شيئاً من كلام ربي أبداً، كل ما في الأمر إذا مات الميت ادعوا طلبة القرآن فيحضرون، فإن كان غنياً فسبع ليال، وإذا كان فقيراً فثلاث ليال، وعندهم الأربعين أيضاً عند الأغنياء.وفي سورية بالذات عملوا نقابة، فبالتلفون تقول: ألو! نريد عشرة من طلبة القرآن، مات عندنا ميت، فيقول النقيب: من فئة المائة ليرة أو الخمسين؟ فإن كان غنياً فمن فئة مائة، وإذا كان فقيراً فمن فئة خمسين، هذا القرآن من إندونيسيا إلى موريتانيا لا يجتمع عليه اثنان ولا يتدبرون ولا يتفكرون فيما خاطبهم الله به ودعاهم إليه أو نهاهم عنه أبداً، ومن كذبني فليقل لي: هل استعمرت بلاد العالم الإسلامي من قبل الكفار أم لا؟ إذاً: انقطع الكلام، لو كانوا أهل قرآن فهل سيستغلون ويستعمرون؟ معاذ الله.

تولي الشيطان تزيين الحياة الدنيا

زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [البقرة:212]، ولم -ونحن مؤمنون- نقبل تزيين الشيطان لنا ونتنافس فيها؟ وأعظم ما حدث عندنا البنوك، كم من بنك في المدينة يرحمكم الله؟ لتكن عشرة، فهل بالمدينة يهود؟ هل هناك يهود ساكنون هنا؟ هل فيها نصارى أو مجوس؟ كلا أبداً، بل مسلمون، إذاً: مسلمون ويقلدون اليهود ويفتحون البنوك، ومن يعمرها؟ أتظن أنه تأتي الأموال من الخارج وتوضع فيها؟ والله! لمن جيوبنا نحن المواطنين؟ من زين هذا لنا؟ الشيطان، والله! إنه للشيطان، ما جاءنا أبداً عالم من علمائنا ولا سيد من ساداتنا وخطب فينا وقال: اسمعوا: ساهموا، فالبنوك ترفع مقاماتكم وتعزكم، هل فعل هذا أحد؟ إذاً: لم نعمرها؟ الشيطان هو الذي زين. وهو الذي زين اللواط وهو أخبث خبث عرفته البشرية، وأصبحت له أندية في العالم، هو الذي يزين هذه الجرائم والموبقات.وقولوا صدق الله العظيم: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة:212]، ما الذي زين لهم؟ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [البقرة:212]، عشقوها أحبوها جروا وراءها فنسوا الآخرة نسياناً كاملاً، لم يخطر ببالهم شيء اسمه الدار الآخرة، همهم الدنيا والدرهم؛ لأجل الفحش والإقبال على الشهوات، فقولوا: صدق الله العظيم.

معنى قوله تعالى: (ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة)

زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:212] يستهزئون، رأيناهم بأعيننا، يسخرون من المؤمنين، يقولون: هؤلاء متأخرون متخلفون، أو رجعيون، أو أصوليون! سخرية كاملة، هذا أصولي، هذا رجعي متخلف، هذا من القرون الوسطى. وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:212] في هذه الدنيا ويستهزئون بهم، ويحتقرونهم ويذلونهم ويهينونهم، يرهبون أصحاب المال والسلطان، أصحاب الدنيا يجرون وراءهم، أما المؤمنون فسخرون منهم، لأنهم فقراء ضعفاء معرضون عن الشهوات والأطماع والأهواء.وأخيراً اسمع خاتم الله: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212] بكم هذه الفوقية تقدرونها؟ كم هي مليون كيلو متر؟ إذا كانت دار السلام الجنة التي ارتادها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم بإذن الله وعاش فيها ساعة من الزمن ورأى قصورها وحورها وأنهارها، إذا كانت المسافة إليها سبعة آلاف وخمسمائة عام لو قدر لك أن تعيش سبعة آلاف سنة وخمسمائة عام، فهل هناك من يعيش هذه الفترة؟ مستحيل! ولا عاشها أحد، أطول من عاش عاش ستمائة سنة وسبعمائة وألف سنة، من آدم إلى اليوم، تحتاج إلى سبعة آلاف وخمسمائة عام وأنت طائر حتى تدخل الجنة، والهبوط كذلك: ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ [التين:5] في سجين. إذاً: الذين اتقوا فوق الكافرين يوم القيامة.

حكمة ذكر وصف التقوى في الآية الكريمة

وهنا القرآن كما علمتم -زادكم الله علماً- كتاب هداية، كتاب تربية وإصلاح، كتاب تنمية للمعارف والآداب والأخلاق، فلاحظوا هنا أنه ما قال: والذين آمنوا فوقهم يوم القيامة، كان المفروض هو هذا، اسمع: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:212] فهل قال: والذين آمنوا فوقهم يوم القيامة؟ كلا. قال: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا [البقرة:212] آمنا بالله، ما قال: والذين آمنوا، لو أراد مجرد الإيمان لقال: زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا وهم فوقهم يوم القيامة، ولكن الآية: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212]، دعوة إلى التقوى أم لا؟ إي ورب الكعبة، فما التقوى هذه؟ التقوى: أن لا سرقة ولا خيانة ولا غش ولا خداع ولا كبر ولا سخرية ولا استهزاء ولا نفاق ولا كفر، إذا اتقى أهل الإقليم أو البلد أو القرية ربهم سموا وأصبحوا كالملائكة في السماء، بخلاف الإيمان.وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا [البقرة:212] اتقوا ربهم، بم يتقونه وبيديه كل شيء يقول للشيء:كن فيكون؟ كيف يتقى الجبار الذي يكور الليل على النهار والنهار على الليل؟ كيف يتقى يا عباد الله؟الجواب: يتقى بالخوف منه، خوف من شأنه أن يجعلك ما تفكر في معصيته ولا يخطر ببالك الخروج عن طاعته، فهذا الخائف من جلال الله وسلطانه وجبروته أنه يحيي ويميت، هذا الخائف يبحث طول حياته عما يقربه من الله ويدنيه منه، دلوني عما يحب ربي حتى أفعله له، دلوني على ما يكره مولاي حتى أبتعد عنه وأجتنبه، فيطلب محاب الله ويرحل من إقليم إلى إقليم من قرية إلى قرية من بلد إلى بلد يسأل عن محاب الله ليفعلها تقرباً إليه وتزلفاً، وليعلم مساخط الله ومكارهه ليتجنبها، ليرحل من ساحتها، ليبتعد من دورها وأهلها، هذا هو المتقي، فأين يسكن المتقون؟ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14]، تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63]، إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34].

التقوى وسيلة الولاية

المتقون هم الأطهار الأصفياء اليوم، المتقون هم العلماء العارفون الربانيون اليوم، هيهات هيهات أن يكون جاهل ولياً لله يحبه الله ويحب الله.قد تقول: يا شيخ! بالغت في هذا الكلام! فأقول: عندنا كلمة حفظناها عن أهل العلم، وهي: ما اتخذ الله ولياً جاهلاً، إذ لا يتخذه ولياً وهو جاهل، الجاهل بما يحب الله وبما يكره يعاكس أمر الله أم لا؟ الله يحب كذا وهو يكرهه، فهل يغضب الله أو لا يغضبه؟ الله يحب الذكر، وهو يحب الأغاني وكلام العاهرات، هل عاكس مراد الله أم لا؟ كيف يكون ولياً؟ فلهذا من شرط الولاية: الموافقة، وهذه كلمة تزن مليارات الدولارات، ما هي ولاية الله؟ الموافقة، وافقه فأنت وليه وهو وليك، وخالفه فوالله! لأنت عدوه، والموافقة فيما يحب، أي: أحبب ما يحب واكره ما يكره فأنت وليه، فإن كنت لا تعرف ما يحب ولا ما يكره فمستحيل أن تكون وليه.وكيف نعرف ما يحب الله وما يكره؟ اسأل أهل القرآن ليعلموك، اقرع أبواب العلماء كل يوم: علموني مسألة يحبها ربي لأحبها من الآن وأحققها له، علموني ما يكره مولاي وسيدي من الكلام أو الأعمال أو الصفات حتى أتجنبها، فلهذا إياك أن تفهم أن جاهلاً يصبح ولي الله، وليس المقصود من العالم أن يقرأ ويكتب، أكثر الصحابة ما كانوا يقرءون ولا يكتبون، فقط سأل أهل العلم وجالسهم ورحل إليهم فتعلم محاب الله وكيف يفعلها، وتعلم مكاره الله وكيف يتجنبها، فأحب ما أحب الله وكره ما كره الله، وقدم المحبوب لله تقرباً وتزلفاً إليه، وابتعد عن المكروه وأبعده، فهو ولي الله، لو رفع كفيه إلى الله ما ردهما صفراً ولا خائبتين.قال تعالى: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212]، وهل يستطيعون أن يشاهدوهم؟ أنت في علياء السماء وعدوك مشرك في قعر الجحيم، فهل ممكن أن تتصل به؟ قبل اليوم كان المسلمون يقولون: آمنا بالله، ما يقولون: مستحيل، أما اليوم فالذي ينكر هذا أحمق ومجنون لا قيمة له، لم؟ أنت الآن تشاهد أمريكا في الشاشة أم لا؟ فحافظوا على البقية الباقية من الإيمان، وإلا فسيأتي يوم قريب ما يقبل فيه الإيمان، ما بقي غيباً أبداً.اسمع هذه الصورة العجيبة ما قال فيها تعالى فيها: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ [الصافات:50]، لما جلسوا على الأرائك والأسرة الحريرية الذهبية في دار السلام إذ الأكل والشرب والنكاح وذكر الله، لا مسحاة ولا آله ولا عمل ولا شغل ولا عرق، عرقك طيب وأطيب من الطيب، لا خرء ولا بول ولا غائط، كله جشاء أطيب من ريح المسك، هذا عالم الخلد ما هو عالم الفناء، اسمع: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ [الصافات:50-51] أيام كنا في الحزب الشيوعي أو الاشتراكي، في الجامعة البريطانية، كان لي قرين يسخر مني ويستهزئ بي ويقول: أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ [الصافات:52]، جماعة تقول: إنك لمن المصلين، هذا من المصلين، جماعة العلم المطاوعة.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.40 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.09%)]