عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-08-2020, 03:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي كرامة المؤمن عند الله - تعالى -

كرامة المؤمن عند الله - تعالى -
عبد الله بن علي الغامدي



ما أعظم كرامة المؤمن عند مولاه وخالقه؛ فهو الذي يصلي عليه وملائكته - عليهم صلوات الله وسلامه -، وما ذاك إلاّ لمحبته - سبحانه - لعبدٍ أطاع واتبع الهدى فأناب، فمتى ذكره ذكره، وإن عاداه من الخليقة أحد فالله عدوه، كيف وهو سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وفوق ذلك يجيب سؤله، ويتولى نصرته، سخر له ما في البر والبحر؛ ذاك هو الله الذي من كرامته لعبده أنه - عز وجل - كما صح في الحديث عند مسلم - رحمه الله -: ((إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل فيعطى؟ هل من داع فيستجاب له؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ حتى ينفجر الصبح))[صححه الألباني في صحيح الجامع]، وفي رواية ((هل من مكروب فيفرج عنه))[صححه الألباني في السلسلة الصحيحة].
ألا ما أعظم كرامة المؤمن عند بارئه أن ينزل المولى إلى سمائه الدنيا، نزولاً يليق بجلاله وعظمته، نؤمن بذلك ونسلم، من أجل ماذا؟ إجابة لمسألة سائل قد دعا ربه، وتضرع إليه، وصف قدميه بين يديه؛ ليغفر ذنبه، ليغسل حوبه .. ليقبل توبته .. أليس المصطفى - صلى الله عليه وسلم - هو القائل: ((إن ربكم حيي كريم؛ يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردهما صفراً، أو قال خائبتين))[رواه ابن ماجة وصححه الألباني]، فكيف إذ علم العبد أن الله - سبحانه - ينزل يوم عرفة يباهي بعباده الملائكة.
فيا من إليه جميع الخلق يبتهل *** وكل حي على مولاه يتكل
يا من نأى ورأى ما في القلوب وما *** تحت الثرى وحجاب الليل منسدل
أنت الملاذ إذا ما أزمة شملت *** وأنت ملجأ من ضاقت به الحيل
أنت المنادى به في كل حادثة *** أنت الإله وأنت الذخر والأمل
أنت الغياث لمن سدت مذاهبه *** أنت الدليل لمن ضلت به السبل
إنا قصدناك والآمال واقفة *** عليك والكل ملهوف ومبتهل
تأمل وجل بفسيح عقلك في كرامة الله لعبده العاصي إن أناب، وللمذنب إن تاب!!
لله أشد فرحاً بتوبته منه! يدنيه!.. يقربه!.. يتجاوز عنه يغفر له! فقد صح في الحديث: ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له))[رواه ابن ماجة وحسنه الألباني]، وفي رواية ((للتوبة باب بالمغرب مسيرة سبعين عاماً، لا يزال كذلك حتى يأتي بعض آيات ربك: طلوع الشمس من مغربها))[حسنه الألباني في صحيح الجامع].
ولك أخي الملهم أن تبين أن التائب إن أقلع وندم فإن الله لا يغفر له فحسب، بل هو القائل - سبحانه -: (فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) لك الحمد ربنا على واسع فضلك، وكريم عطائك، وجميل إحسانك.
أما المؤمن القانت فجزاؤه إن عمل حسنة أن تضاعف إلى سبعمائة، ومن جود الكريم على من أطاعه فاهتدى أن يُعدَّ له في جنته نزلاً كلما غدا إلى المسجد أو راح، بل إن العديد من الأعمال الصالحة، أو ما قد ينزله الله لعبده من بلاء كرامة لا جزاء له بها عنده إلاً الجنة فمن ذلك:
((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))[رواه البخاري].
وفيمن أصيب بفقد بصره جاء في الحديث: يقول الرب - سبحانه -: ((ابن آدم إذا أخذت كريمتيك فصبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثواباً دون الجنة))[صححه الألباني في صحيح الجامع].
وهنيئاً لمن رزق برّ والديه ((الزم رجلها فثم الجنة))[رواه ابن ماجة وصححه الألباني].
ويا فوز من مات شهيداً تحت ظلال السيوف، مع أن المبطون والمطعون، والغرق وصاحب الهدم، وصاحب الحريق وصاحب ذات الجنب، والمرأة تموت نفاساً؛ كل هؤلاء شهداء، ومن قتل دون ماله أو دمه، أو دينه أو أهله؛ فهو شهيد، ودونك هذا الحديث: ((من سأل الله الشهادة بصدق؛ بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه))[صححه الألباني في صحيح الجامع]، وفي رواية: ((من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار: اللهم أجره من النار))[صححه الألباني في صحيح الجامع].
هذا عطاؤه، وتلك فواضله، وهاتيك مننه، فهل نقدر الله حق قدره، ونعامله بطاعته، وبلوغ مرضاته.
من إحسان الله على عبده أنه إن ترك شيئاً رغبة فيما عنده، وإنفاذاً لأمره؛ عوضه الله خيراً منه، والجزاء من جنس العمل، ومن حفظ الله حفظه ورعاه وسدده، بل هيأ له من جنوده الذين لا يعلم عدّهم إلا الله من ملائكة وطير، وريح وبراكين، وزلازل ورعب، وهلع ونحو ذلك (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِين).
بل إن من أعظم كرامة المؤمن عند الله أن تصغي بسمعك لهذا الحديث، أُخيَّ المتناهي في بيان رفيع قدر هذا العبد الطائع لربه ومولاه قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق))[صححه الألباني في صحيح الجامع]؛ فكيف لو علمت أن العبد حرمته عند الله أعظم من حرمة الكعبة المشرفة قبلة المصلين، ومطاف الحجاج والمعتمرين، بل قد شرفه وحماه حياً وميتاً فحرمته ميتاً كما صح في الحديث كحرمته حياً، وكسر عظمه ميتاً ككسره وهو حي.
بل وإليك زاوية أخرى من كرامة المؤمن لدى خالقه ألا وهي إجراء الكرامات له مما هي من خوارق العادات، وفي ذلك من القصص والآثار الصحيحة ما يطول هنا ذكره لو ذُكر، بل إن العجب ليتناهى بأحدنا من أن تبلغ كرامة الله لعبده المؤمن أن جعل من بين عباده من أخبر عنهم المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((ربًّ أشعث، مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره))[رواه مسلم].
ومن رحمته بنا - سبحانه عز في علاه - أن أراد بنا اليسر وما أراد بنا العسر، بل من كرامته وعطاياه أنه لم يجعل علينا في الدين من حرج، بل لقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا مرض العبد أو سافر كتب الله - تعالى - له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً))[صحيح الجامع].
أرأيت أخي سوابغ الفضل والجود والإحسان من رب رحيم منان، بل إن الذي يموت وهو مرابط في سبيل الله - تعالى -: ((وقي فتنة القبر، ونما له عمله إلى يوم القيامة))[صحيح الجامع]، وفي رواية: ((وغدي عليه برزقه، وريح من الجنة، ويجري عليه أجر المرابط، حتى يبعثه الله))[صحيح الجامع].
أخي المؤمن:
أما علمت أن الله فرض الصلاة أول ما فرض خمسين، ثم خففها منّاً منه ورحمة إلى خمس صلوات في اليوم والليلة، أما الأجر والمثوبة فأجرها أجر خمسين صلاة.
أما الصدقة فإذا بذلها المؤمن طيبة بها نفسه فإنه كما ورد في الحديث عند البخاري ومسلم: ((إنما يضعها - كرامة من الله - في يد الله - سبحانه - الذي يأخذها بيمينه، وكلتا يديه يمين - عزّ في علاه - فيربيها (بمعنى: يزيدها) كما يربي أحدنا فُلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ (المهر الصغير من الخيل، والفصيل: ولد الناقة) حتى تكون مثل أُحد".
ولك أن تتأمل قوله - تعالى - وهو يستقرض عباده وهو الغنيّ الجواد: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ)، وهنيئاً لمن نال أجر من سنّ سنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، والدال على الخير كفاعله.
ألا إن من كرامة العبد المؤمن عند مولاه أنه إن التمس رضاه في سخط الناس رضي الله عليه، وأرضى عنه الناس، ومن التمس سخط الله برضى الناس سخط الله عليه، وأسخط عليه لا محالة الناس.
انظر أخي - زادني الله وإياك عند الله رفعة، ومنزلة قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلّى الصبح فهو في ذمة الله))[رواه مسلم]، وفي رواية ((ثلاثة في ضمان الله - عز وجل -: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله - عز وجل -، ورجل خرج غازياً في سبيل الله - تعالى -، ورجل خرج حاجاً))[صحيح الجامع]، هذه كلاءة الله لعبده، وحفظه ورعايته، فله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه.
ألا ترى أخي البار بوالديه أن من كرامة الله لعبده المؤمن إن كان أباً و أماً أن جعل رضاه في رضاهما، وسخطه في سخطهما، بل إن الرحم معلقة بالعرش تقول: ((من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله))[رواه مسلم ].
أما بعض عباد الله فقد بلغ علو كرامتهم عند الله أن جعل صنفاً منهم يُدرَأ بهم العذاب عن الأمة كما في قول - تعالى -: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) إنهم الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر؛ فهم صمام الأمان، وبوابة النجاة.
وأما الصنف الثاني: فهم المغمورون الضعفاء، الذين لا يؤبه لهم، ولا يلتفت إليهم؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم - مبيناً كرامتهم وعظم منزلتهم عند الله: ((أبغوني الضعفاء، فإنما ترزقون، وتنصرون بضعفائكم))[رواه أبو داود وصححه الألباني].
أما المؤمن بعد موته فله من الكرامة ما الله به عليم، فهو نزيل الله، وضيفه - عز في علاه -: فمن كرامته له وبه أن يوسع له في قبره حيث الجنادل والتراب، وبيت الوحدة والدود، يوسع له مدّ بصره، ويفرج له فرجة من قبل الجنة يأتيه من روحها وطيبها، وينوّر له فيه، ويفرش له مهاد من الجنة، ويُلبس من لباسها.
أخي في الله:
إن من يُمن الله على عبده أن كتب له أجره تماماً إذا سافر أو مرض كما لو كان صحيحاً مقيماً.
وهنيئاً لهذا العبد المؤمن أن يقف بين يدي ربه يوم العرض والحساب على مولاه الكريم؛ فمن إفضاله عليه، وإحسانه إليه: أنه عز في علاه يُرخي عليه كنفه يوم القيامة، ويستره عن الخلائق يوم يقرره بذنوبه، فما هو إلا أن سترها عليه في الدنيا حتى يكرمه بستره عليه إياها في الآخرة؛ فيؤمر به بعد ذلك إلى الجنة.
وللمؤمنين مع ملائكة الرحمن رفعة ومكانة، ومحبة وعناية؛ فمن ذلك: محبتهم لهم كما مرّ في حديث مناداة الرب - سبحانه - لجبريل - عليه السلام - أنه يحب فلاناً.
وأما صلاتهم عليهم بمعنى الدعاء والاستغفار لهم فمواضع شتى منها:
1- تصلي على من يصلون على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
2- وعلى معلم الناس الخير مع من يصحبهم، كذلك من صلاة كل نملة في جحرها، وكل حوت في مائه.
3- كما تصلي على الذين يؤمون المساجد للصلاة، وعلى الذين يبادرون للصف الأول، وكذا على الذين يمكثون في مصلاهم بعد الصلاة، والذين يسدون الفرج بين الصفوف، والذين يسحّرون حال صيامهم، والذين يعودون المرضى زيارة لهم.
4- كما أنهم من فضل الله يؤمنون على دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب، ويقولون: لك بمثله.
5- كما أن الملائكة - عليهم صلوات الله وسلامه - يشهدون مجالس العلم، وحلق الذكر، وتحفهم بأجنحتها.
6- ومن أعظم ذلك: مقاتلتهم مع المؤمنين، وتثبيتهم في حروبهم (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ).
7- شهودهم جنائزهم، وإظلالهم للشهيد بأجنحتهم.
8- كما يحمون مكة والمدينة من الدجال.
أخي المباركة أنفاسه..
هذا قدرك وعظم كرامتك عند الله، فهل بعد ذلك تعصيه وتخالف أمره .. بل إن أحدنا ليستحي من أن يقع في منكر، وأحد ينظر إليه في الوقت الذي يبارز فيه أحدنا خالقه إذا خلا دون خشية من الله أو مراقبة.
لا يجتمعان، بل لا يتفقان: معصية من العبد، ومخالفة، ورحمة من الله وتوفيق، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
فلنقدر الله حق قدره .. ولنستحي منه حق الحياء، ولنعظم مراقبته سراً وعلانية، وسفراً وحضراً.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.51 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.31%)]