عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-12-2019, 11:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كيف أكون فاعلا؟




وهذا يأخذنا لأمر هام وهو أهمية الرجل المناسب في المكان المناسب، ولذا فإن توظيف الطاقات في أماكنها المناسبة ووفق الحاجة القائمة، سيجوّد الأثر، ويدفع الأزمات، ويختصر المسافات، وهو منهج نبوي نلحظه في توظيف النبي للطاقات وتغيير البيئات حسب الحاجة البيئية والقدرة البشرية: فبلال مؤذن، ومصعب سفير المدينة، ومعاذ عالم اليمن، وخالد لقيادة الجيش، والإمامة لعمرو بن سلمة على قومه، والإمارة لخباب بن أُسيد بمكة، وكتابة الوحي لزيد وكعب، والأدوار الصعبة لعلي وحذيفة، وخدمته من قبل أنس بن مالك وابن عباس وربيعة بن كعب، ويقاس في ذلك العلماء على الرسل.




ثامنًا: التدرج والتوازن في العطاء فلا يكن اندفاعًا ولا تحت ضغظ حالة معينة؛ ف(اندفاعٌ) بلا تدافع، و(فعلٌ) مبتدأ خير من ردة فعل..

من لي بمثل سيرك المدلل ♦♦♦ تمشي الهوينى وتجيء الأول

الشعور بالهم ورؤية الحاجة الملحة لا يلزم منها الاستعجال وقفز الدرجات والفردية أيضًا.

وهنا ملحظ أيضاَ في ضرورة الاستقرار النفسي والبعد عن الضغوط الداخلية إذ (العمل الذي يتم إنجازه تحت الضغط والإكراه لا يبلغ أبدًا ذروته، والبذل فيه ما يكفي فقط لاستمرار العمل، بالإضافة أنه يرفع من درجة التوتر النفسي، ويولد الحقد والكراهية، والإحجام عن العطاء وتحطيم المعنويات وكسر شوكة النفس. والطريق الآخر لرفع الكفاءة هو العكس تمامًا حيث القدوة الحسنة واستخدام الجذب وتوسيع مساحة الراحة النفسية، وحث الآخرين على رسم أهدافه بأنفسهم)[15].




تاسعًا: تمثل وكأنك في جبهة القتال، (كأنك هناك)[16]:

1- النيل من العدو.

2- العمل الدائم.

3- صلاح أعمال القلوب.

4- التدرب المستمر.




عاشرًا: من لاح له الأجر هانت عليه التكاليف. وقد ذكرنا بعضًا من أسباب العمل لدين الله وثمرات ذلك أيضًا فمن أدرك الفضائل وعلم المغنم بذل وقدم وكان حاله كحال النضر (إني أجد ريح الجنة دون أحد)، روى البخاري عن أنس رضي الله عنه، قال: "غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال: يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئنِ اللهُ أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني أصحابه، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء، يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر، إنِّي أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربةً بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس كنا نرى، أو نظن أنَّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه ï´؟ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ï´¾ إلى آخر الآية".




الحادي عشر: إذا أردت أن تكون إمامي فكن أمامي. نعم من رام الإمام تقدم وكان قدوة فيما يقول وقد قالوا: عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل. قال الأوزاعي: "كنا قبل اليوم نضحك ونلعب، أما إذا صرنا أئمة يقتدى بنا، فلا يرى أنه يسعنا ذلك، وينبغي أن نتحفظ". وكان عبد الواحد بن زياد يقول: "ما بلغ الحسن البصري إلى ما بلغ إلا لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه".



يا أيها الرجل المعلم غيره

هلا لنفسك كان ذا التعليمُ



لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيمُ






قال ابن مسعود رضي الله عنه واصفًا قارئ القرآن الرباني: ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون.

والناظر لرسول الله صلى الله عليه وسلم يجد كيف كان أثره ومنهجه الخفي قائم في أصحابه، فقد عرفوا مشيه وهديه وجلوسه وخلقه كل ذلك من هديه لا أوامره، وهكذا العامل المصلح يكون إمامًا فيما يدعو، قدوة فيما يعتقد فيحذو الناس حذو ويسيروا مساره، فكثير من الأعمال تنكبوا عنها ظنًا باستحالتها حتى يروا الصادقين يثوبون إليها فيتنافسون معهم لها.




الثاني عشر: اختيار رفيقة الدرب المعينة. فقد كانت خديجة رضي الله عنها نعم الزوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرت له كل سبل الدفء المعنوي والأمن المعيشي والاستقرار العاطفي، فبداية من نشأة الدعوة حيث صدح لها "زملوني زملوني"، حتى ماتت رضي الله عنها ولم يتزوج عليها في حياتها إكرامًا لذلكم الكيان الآمن الوفي، كانت نعم المؤازرة ونعم الداعمة ونعم المربية، حتى حادثة الحصار وهي في الستين من عمرها لم تسمح لنفسها بالراحة وترك الرسول محاصرًا هناك، بل شاركته الهم وخدمته وقدمت له ما يريد، حتى قال لعائشة "والله ما أبدلني الله بخير منها"، نعم الخيرية هنا ليست في الحب وفقط بل في المؤازرة والإعانة والتثبيت والمودة، ولقد أتاها رسول الله (جبريل) يبلغها سلام الله وسلامه لها ويبشرها ببيت في الجنة من قصب لا نصب فيه ولا صخب جزاءً وفاقًا لما قدمته لهذه الدعوة، ولم تذهب ذكراها في كل حين من رسول الله لهذا النبل والصمود، وقد أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام بكمال عدد من النساء منهن مريم بنت عمران وآسيا امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد رضي الله عن الجميع، ولعل من الحكم في ذلك أنهن آووا أنبياء وقاموا خير قيام عليهم فمريم آوت ابنها عيسى عليه السلام وآسيا آوت موسى عليه السلام بمالها وجاهها، وخديجة رضي الله عنها قامت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وواسته بمالها، (إن المرأة تلعب في حياة الداعية بل وفي حياة الناس أجمعين دورًا بالغ الأثر فهي إما أن تكون مصدر نعمة أو مبعث نقمة وفي حياة الدعوة صور عديدة لكلا الحالتين فمن الدعاة من حسن بعد الزواج إسلامهم واستقام خطوهم وكثر إنتاجهم ومنهم من تردت بعد الزواج حياتهم فساء إسلامهم وفسدت أخلاقهم ثم أنطوى ذكرهم عن مسرح الدعوة ووجودها )[17].




الثالث عشر: محاسبة النفس دائماً على أبرز مؤشرات الفاعلين، وبحث سبل الوصول إليها وكمالها، ومن أبرز تلك المؤشرات (مظاهر الفاعلين):

1- الشعور بالعزة بهذا الدين.

2- الحركة الدائمة.

3- استغلال السنن الإلهية.

4- البدء بالنفس.

5- لا احتقار لذرة خير وبذلها.

6- الفرح بإنجاز أي مسلم[18].

7- التجرد من المنافع الدنيوية. وفي ذلك قال الحق: "اتبعوا من لا يسألكم أجرًا وهم مهتدون".

8- الحرص على الوفاق والتعاون.





[1] "سير أعلام النبلاء" (8/ 477).




[2] "تربية الشباب الأهداف والوسائل"؛ لمحمد الدويش (ص:112).




[3] "البناء الذاتي وأثره في نهضة الأمة"؛ لعبد العزيز الحسيني.




[4] "تذكرة الحفاظ"، (2/ 567).




[5] "البداية والنهاية" (13/ 5).



[6] "علو الهمة"، لمحمد إسماعيل المقدم؛ وذكره ابن أبي الدنيا في كتاب مجابي الدعاء بقريب من ذلك.


[7] "الزهد للإمام أحمد"،(ص:451).




[8] "العاطفة الإيمانية" لمحمد موسى الشريف، ص17.




[9] "لسان الميزان"، (4/ 279)، "ذيل طبقات الحنابلة"؛ لأبن رجب، (3/ 121).




[10] "ترتيب المدارك"؛ للقاضي عياض، (1/ 131).




[11] انظر أيضاً:" الديباج المذهب"؛ لابن فرحون، ( 1/ 98-99).




[12] "مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي"؛ لعبد الكريم بكار (ص:257).




[13] "في سبيل الدعوة الإسلامية"؛ لمحمد أمين المصري، (ص:39).





[14] عبد الرحمن بن حمود السميط، داعية كويتي مكث 29 سنة في القارة السوداء (1366-1434هـ).




[15] "مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي"؛ لعبد الكريم بكار (ص:256)، بتصرف.




[16] "جند المعالي" لخليل صقر، ص: (80-84).




[17] "مشكلات الدعوة والداعية"؛ لفتحي يكن، (ص:49).




[18] "جند المعالي"؛ لخليل صقر، (ص:63).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.49%)]