عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 21-10-2019, 03:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي زادُ الدَّاعية إلى الله

زادُ الدَّاعية إلى الله
سعد العثمان




قرأت هذه الرِّسالة لشيخنا الفاضل المربِّي الوالد: محمَّد بن صالح العثيمين، فألفيتها رسالة قيِّمة ونافعة، فقمت بتلخيص أفكارها ومعلوماتها، وقمت بترتيبها وتنظيمها، بحيث تكون في متناول قرَّاء "موقع المسلم"، فرحم الله شيخنا رحمة واسعة، وجمعنا وإياه في الفردوس الأعلى من الجنَّة، ونفعنا الله بعلمه حيَّاً وميِّتاً...آمين.

قال الله تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ا� �بقرة: 197. فزاد كلِّ مسلم هي تقوى الله – عزَّ وجلَّ – التي كرَّر الله تعالى ذكرها في القرآن أمراً، وثناءً على مَنْ قام بها، وبياناً لثوابه. ربَّما تقولون: ما هي التَّقوى؟. فالجواب: ما أثر عن طلق بن حبيب - رحمه الله - حيث قال: (التَّقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله). فجمع في هذه العبارات بين العلم، والعمل، واحتساب الثَّواب، والخوف من العقاب فهذه هي التَّقوى. وإنَّنا نعلم جميعاً أنَّ الدَّاعية إلى الله – عزَّ وجلَّ – أولى النَّاس بأن يتحلَّ بهذا الخلق " تقوى الله " في السِّرِّ والعلن. وهذه أزواد ينبغي للدَّاعية أن يتزوَّد بها:

الزَّاد الأوَّل: أن يكون الدَّاعية على علم فيما يدعو إليه:
على علم صحيح مرتكز على كتاب الله، وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، لأنَّ كلَّ علم يستقى من سواهما، فإنَّه يجب أن يُعرض عليهما أولاً، وبعد عرضه؛ فإمَّا أن يكون موافقاً أو مخالفاً. فإن كان موافقاً قبل، وإن كان مخالفاً وجب ردُّه على قائله كائناً من كان، فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السَّماء أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر) إذا كان هذا في قول أبي بكر وعمر الذي يعارض به قول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فما بالكم بقول من دونهما في العلم والتَّقوى والصُّحبة والخلافة ؟!. إنَّ ردَّ قوله إذا خالف كتاب الله، وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، من باب أولى، ولقد قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾النور: 63. قال الإمام أحمد رحمه الله: (أتدري ما الفتنة؟. الفتنة الشِّرك، لعلَّه إذا ردَّ بعض قوله، أن يقع في قلبه شيء من الزَّيغ فيهلك).

وإنَّ أوَّل زاد يتزوَّد به الدَّاعية إلى الله عزَّ وجلَّ، أن يكون على علم مستمدٍّ من كتاب الله تعالى، ومن سنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، الصَّحيحة المقبولة، وأمَّا الدَّعوة بدون علم، فإنَّها دعوة على جهل، والدَّعوة على الجهل ضررها أكبر من نفعها، لأنَّ هذا الدَّاعية قد نصب نفسه موجِّهاً ومرشداً، فإذا كان جاهلاً فإنَّه بذلك يكون ضالاً مضلاً والعياذ بالله، ويكون جهله هذا جهلاً مركَّباً، والجهل المركَّب أشدُّ من الجهل البسيط، فالجهل البسيط يمسك صاحبه ولا يتكلَّم، ويمكن رفعه بالتَّعلُّم، ولكن المشكلة كلَّ المشكلة في حال الجاهل المركَّب، إنَّ هذا الجاهل المركَّب لن يسكت بل سيتكلَّم ولو عن جهل، وحينئذ يكون مدمِّراً أكثر ممَّا يكون منوِّراً.

إنَّ الدَّعوة إلى الله على غير علم، خلاف ما كان عليه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ومن اتَّبعه، استمعوا إلى قول الله تعالى آمراً نبيَّه محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم، حيث قال: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ� � يوسف: 108. فقال: ﴿أَدْعُو إلى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾أي: أنَّ من اتَّبعه صلَّى الله عليه وسلَّم، فإنَّه لابدَّ أن يدعو إلى الله على بصيرة لا على جهل.

تأمَّل أيُّها الدَّاعية إلى الله قول الله تعالى: ﴿عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ أي: على بصيرة في ثلاثة أمور:
الأوَّل: على بصيرة فيما يدعو إليه، بأن يكون عالماً بالحكم الشَّرعيِّ فيما يدعو إليه؛ لأنَّه قد يدعو إلى شيء يظنُّه واجباً، وهو في شرع الله غير واجب، فيُلزم عباد الله بما لم يُلزمهم الله به، وقد يدعو إلى ترك شيء يظنُّه محرَّماً، وهو في دين الله غير محرَّم، فيحرِّم على عباد الله ما أحلَّه الله لهم.

الثَّاني: على بصيرة في حال الدَّعوة، ولهذا لما بعث النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم معاذاً إلى اليمن قال له: (إنَّك ستأتي قوماً أهل كتاب)رواه البخاري. ليعرف حالهم، ويستعدَّ لهم. فلابدَّ أن تعلم حال هذا المدعو ما مستواه العلمي؟ وما مستواه الجدلي؟ حتَّى تتأهَّب له فتناقشه وتجادله.

الثَّالث: على بصيرة في كيفيَّة الدَّعوة، قال الله تعالى: ﴿ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن﴾النَّح� �: 125.
بعض النَّاس قد يجد المنكر فيهجم عليه، ولا يفكِّر في العواقب النَّاتجة عن ذلك، لا بالنَّسبة له وحده، ولكن بالنَّسبة له، ولنظرائه من الدُّعاة إلى الحقِّ، لذا يجب على الدَّاعية قبل أن يتحرَّك أن ينظر إلى النَّتائج ويقيس، قد يكون في تلك السَّاعة ما يطفئ لهيب غيرته فيما صنع، لكن سيخمد هذا الفعل نار غيرته وغيرة غيره في المستقبل، قد يكون في المستقبل القريب دون البعيد؛ فعلى الدُّعاة استعمال الحكمة والتَّأني، والأمر وإن تأخر قليلاً لكن العاقبة حميدة بمشيئة الله تعالى.

الزَّاد الثَّاني: تحلِّي الدَّاعية بخلق الصَّبر:
على الدَّاعية أن يكون صابراً على الدَّعوة، أي مثابراً عليها، لا يقطعها، ولا يملُّ، بل يكون مستمراً في دعوته إلى الله بقدر المستطاع، وفي المجالات التي تكون الدَّعوة فيها أنفع وأولى وأبلغ، وليصبر على الدَّعوة ولا يمل، فإنَّ الإنسان إذا طرقه الملل استحسر وترك، ولكن إذا كان مثابراً على دعوته، فإنَّه ينال أجر الصَّابرين من وجه، وتكون له العاقبة من وجه آخر، واستمع إلى قول الله عزَّ وجلَّ مخاطباً نبيَّه: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ� �هود: 49.

ولابدَّ أن يكون الدَّاعية صابراً على ما يعترض دعوته، من معارضات ومجادلات، لأنَّ كلَّ إنسان يقوم داعياً إلى الله عزَّ وجلَّ لابدَّ أن يعارض: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً﴾الف� �قان:31. فكلُّ دعوة حقَّة لابدَّ أن يقوم لها معارض، لابدَّ أن يقوم لها ممانع، ومجادل فيها ومشكِّك، ولكن يجب على الدَّاعية أن يصبر على ما يعترض دعوته، حتَّى لو وصفت تلك الدَّعوة بأنَّها خطأ، أو أنَّها باطل، وهو يدرك أنَّها مقتضى كتاب الله وسنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فليصبر على ذلك.

الزَّاد الثَّالث: تحلِّي الدَّاعية بخلق الحكمة:
الدَّعوة إلى الله تعالى تكون بالحكمة، ثمَّ بالموعظة الحسنة، ثمَّ الجدال بالتي هي أحسن لغير الظَّالم، ثمَّ الجدال بما ليس أحسن للظَّالم، فالمراتب إذن أربع. قال الله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ﴾النحل: 125. وقال تعالى: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ال� �نكبوت: 46.

الحكمة: إتقان الأمور وإحكامها، بأن تنزل الأمور منازلها، وتوضع في مواضعها، ليس من الحكمة أن تتعجَّل، وتريد من النَّاس أن ينقلبوا عن حالهم التي هم عليها إلى الحال التي كان عليها الصَّحابة بين عشية وضحاها. ومن أراد ذلك فهو سفيه في عقله بعيد عن الحكمة. المهمُّ أنَّه يجب على الدَّاعية أن يدعو إلى الله عزَّ وجلَّ بالحكمة، فليس الجاهل كالعالم، وليس المعاند كالمستسلم، فلكلِّ مقام مقال، ولكلِّ منزلة حال.

الزَّاد الرَّابع: أن يتخلق الدَّاعية بالأخلاق الفاضلة، بحيث يظهر عليه أثر العلم في معتقده، وفي عبادته، وفي هيئته، وفي جميع مسلكه، حتَّى يمثِّل دور الدَّاعية إلى الله، أمَّا أن يكون على العكس من ذلك، فإنَّ دعوته سوف تفشل، وإن نجحت فإنَّما نجاحها قليل، فعلى الدَّاعية أن يكون متخلِّقاً بما يدعو إليه من عبادات، أو معاملات، أو أخلاق وسلوك، حتَّى تكون دعوته مقبولة، وحتَّى لا يكون من أوَّل من تسعَّر بهم النَّار.

الزَّاد الخامس: أن يكسر الدَّاعية الحواجز التي بينه وبين النَّاس، لأنَّ كثيراً من إخواننا الدُّعاة إذا رأى قوماً على منكر، قد تحمله الغيرة وكراهة هذا المنكر، على ألا يذهب إلى هؤلاء ولا ينصحهم، وهذا خطأ وليس من الحكمة أبدأ؛ بل الحكمة أن تذهب وتدعو، وتبلِّغ وترغِّب وترهِّب، ولا تقل هؤلاء فسقة، لا يمكن أن أمشي حولهم. إذا كنت أنت أيُّها الدَّاعية المسلم لا يمكن أن تمشي حول هؤلاء، ولا أن تذهب إليهم لدعوتهم إلى الله، فمن الذي يتولاهم؟ أيتولاهم أحد مثلهم؟! أيتولاهم قوم لا يعلمون؟ أبداً، ولهذا ينبغي للداعية أن يصبر.

الزَّاد السَّادس: أن يكون قلب الداعية منشرحاً لمن خالفه، لاسيَّما إذا علم أنَّ الذي خالفه حسن النِّية، وأنَّه لم يخالفه إلا بمقتضى قيام الدَّليل عنده، فإنَّه ينبغي للإنسان أن يكون مرناً في هذه الأمور، وألا يجعل من هذا الخلاف مثاراً للعداوة والبغضاء، اللهمَّ إلا رجل خالف معانداً، بحيث يبيَّن له الحقَّ، ولكن يصرُّ على باطله، فإنَّ هذا يجب أن يعامل بما يستحقُّ، أن يعامل به، التَّنفير عنه، وتحذير النَّاس منه؛ لأنَّه تبينت عداوته، حيث بُيِّن له الحقُّ فلم يمتثل.

ختاماً: قال الله تعالى: ﴿أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾الشورى: 13. هذا توجيه من الله عزَّ وجلَّ لنا، فالواجب علينا أن نأخذ بهذا التَّوجيه، وأن نجتمع على بساط البحث، وأن يناقش بعضنا بعضاً على سبيل الإصلاح، لا على سبيل الانتقاد أو الانتقام، فإنَّ أيَّ إنسان يجادل غيره، ويحاجُّ بقصد الانتصار لرأيه، واحتقار رأيِّ غيره، أو لقصد الانتقاد دون الإصلاح، فإنَّ الغالب أن يخرجوا على وجه لا يرضي الله ورسوله، فالواجب علينا في مثل هذا الأمر أن نكون أمَّة واحدة، وكلُّنا يخطئ، ويصيب، ولكن الكلام في الطَّريق إلى إصلاح هذا الخطأ، الطَّريق إلى إصلاحه، أن أجتمع به، وأناقشه، فإذا تبيَّن بعد ذلك، أنَّ الرَّجل مصرٌّ على عناده، وعلى ما هو عليه من باطل، فحينئذ لي العذر، ولي الحقُّ، بل يجب عليَّ أن أبيِّن خطأه، وأن أحذِّر النَّاس من خطئه، وبهذا تصلح الأمور، أمَّا التَّفرُّق والتَّحزُّب فإنَّ هذا لا تَقَرُّ به عين أحد، إلا من كان عدواً للإسلام والمسلمين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.24 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.75%)]