عرض مشاركة واحدة
  #649  
قديم 12-05-2008, 04:32 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع .... تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ


هل الإعجاز في المعنى، أم في بناء الجملة، أم في النحو، أم البلاغة، أم إنه في جميعها ؟ وهل هو خاص بالعربية وأهلها فقط، أم إنه أيضًا قائم في حال الترجمة ؟.
وقلت تعقيبًا على ذلك: هذه الأسئلة، التي يثيرها هذا الملحد- وهو محقٌّ في إثارتها وإن كان غرضه خبيثًا- هي مبنية في حقيقتها على ما دار، وما زال يدور، من خلاف بين المفسرين في تحديد المراد من هذه المثلية .
وأقول هنا: هذه المثلية، التي تحدَّى الله تعالى بها الناس جميعهم، ولم يستطع أحد منهم أن يقاوم ذلك التحدي إما أن يكون المراد منها معلومًا. أو يكون مجهولاً. والثاني باطل حكمًا؛ لأن الله تعالى لا يمكن أن يتحدى خلقه بشيء لا يعلمون عنه شيئًا، فلم يبق إلا أن يكون المراد من هذه المثلية معلومًا.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: إذا كان المراد من هذه المثلية معلومًا، فلمَ اختلف المفسرون، وما زالوا يختلفون في تحديد المراد منها ؟
هذا ما ينبغي الإجابة عنه.. وسأكتفي هنا بأن أذكر قول الخطابي، الذي ردَّ به على الجمهور، الذين يرون أن الله تحدى الناس بأن يأتوا بسورة من مثل القرآن تماثله في البلاغة، فقال في مقدمة كتابه ( إعجاز القرآن ) تعقيبًا على القول السابق بعد أن ردَّ غيره من الأقوال:
وهذا لا يقنِع في مثل هذا العلم، ولا يشفي من داء الجهل به، وإنما هو إشكال أُحيل به على إبهام.
وأعود بعد هذا إلى الآيات الثلاثة السابقة، فأقول: من تدبَّر هذه الآيات حق التدبُّر، وجد أن المراد بقوله تعالى:
﴿ قُلْ فَأْتُوابِسُورَةٍ مِثْلِهِ ﴾
كما سبق أن ذكرنا: أن يأتوا بكلام، أو بقرآن، من غير تحديد الجهة التي يأتون به منها، يكون مماثلاً للقرآن في حقيقة وماهيَّته، لا في صفاته، وإن كان مفترى على حد زعمهم. فإن كانت لديهم القدرة على ذلك، استطاعوا أن يثبتوا أن هذا القرآن مفترى، وإلا فهو كما وصفه الله تعالى بقوله في الآية، التي سبقت هذه الآية، وهي قوله تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾(يونس: 37)
ولما ظهر عجزهم عن ذلك طالبهم الله تعالى أن يأتوا:
﴿ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ﴾
أي: مختلقات، إن صح عندهم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم اختلقه من عنده، وكذب به على ربه. و﴿ مُفْتَرَيَاتٍ ﴾لـ﴿ عَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ ﴾، وكان حقها أن تتقدم على ﴿ مِثْلِهِ ﴾، فيقال: بعشر سور مفتريات مثله. ولكنها أخرِّرت عن ﴿ مِثْلِهِ ﴾؛ لأن المثل هو المقصود بالتكليف، وأنه لو قدِّمت عليه، لتوهم أن القرآن مفترى، تنزه عن ذلك.
ولما ادعوا أنمحمدًا صلى الله عليه وسلم تقوَّل القرآن على ربه جل وعلا، قالتعالى:
﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ ﴾، ولم يقل:
﴿فَلْيَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ
لأن لفظ ( الحديث ) يطلق على الكلام تارة، وعلى القصة والخبر تارة أخرى. وقد يكون ذلك صحيحًا، وقد يكون متقوَّلاً، فناسب المجيء به- هنا- ما تقدم من قوله تعالى:﴿تَقَوَّلَهُ ﴾؛ لأن التقول- على ما تقدم- هو الكذب المخصوص.
بقي أن نشير إلى وجه الإعجاز في قوله تعالى:﴿فَأْتُوا ﴾، وقوله:﴿ فَلْيَأْتُواْ ﴾، وكان يمكن أن يقال:{ فقولوا }،{ فليقولوا }. أو:{ فجيئوا }،{ فليجيئوا }، أو نحو ذلك من صيغ الطلب؛ ولكن جاء التعبير عن ذلك بالإتيان؛ لأن الإتيان- كما سبق أن ذكرت- يعني المجيء بالشيء، وجلبه بسهولة، إما بالاسترفاد من الغير، أو بالاختراع من الجالب، وليس كذلك القول.
ولهذا طلب الله تعالى منهم في آيتي ( يونس وهود ) أن يستعينوا بمن استطاعوا من خلق الله، لنصرتهم وإعانتهم على الإتيان بما تحداهم به، فقال سبحانه:
﴿ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾
والدعاء هنا هو طلب الغوث. إي: استغيثوا بمن استطعتم.
أما قوله تعالى:
﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ، ﴿إِن كَانُواْ صَـادِقِينَ ﴾
فالمراد به: إن كانوا صادقين في قولهم:﴿ افْتَرَاهُو﴿ تَقَوَّلَهُ ﴾؛ وذلك راجع إلى ما سبق من قولهم: إنه كاهن، وإنه مجنون، وإنه شاعر، وإنه مفترى، ومتقوِّل. ولو كانوا صادقين في شيء من ذلك، لهان عليهم الإتيان بكلام مثله، أو بعشر سور مثله مفتريات، أو بحديث مثله متقوَّل.
وأكرر، فأقول: مثله في حقيقته وماهيَّته، لا في صفاته. وحقيقته وماهيته، لا يعلم كنهها أحد؛ لأنه كلام الله جل وعلا، وكلام الله جل وعلا مغاير لكلام البشر في الحقيقة والماهية والجنس، كما أن ذاته الشريفة مغايرة لذوات البشر في الحقيقة والماهية والجنس. ومن هنا يأتي عجزهم عن الإتيان بشيء مما طلب منهم، قليلاً كان، أو كثيرًا. ولما ظهر عجزهم، علم أنهم كاذبون، وأن هذا القرآن الكريم:
﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
﴿ وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ * وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾
والحمد لله رب العالمين !
بقلم الأستاذ الباحث
محمد إسماعيل عتوك

 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.21 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]