عرض مشاركة واحدة
  #648  
قديم 12-05-2008, 04:31 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع .... تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ


رابعًا- وقداحتج الله تعالى على صحة هذا القرآن، وأنه ليس بمفترى، بأن أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يجيب الكافرين عن دعوى الافتراء بتعجيزهم، وأن يقطع الاستدلال عليهم، ويبطل بذلك دعواهم بافترائه، فقال سبحانه:
﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ﴾(يونس: 38)
ثم قال سبحانه:
﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ﴾(هود: 13)
فتحداهم أن يأتوا﴿بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ﴾. ثم تحداهم أن يأتوا﴿بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ﴾
وطلب منهم في الموضعين أن يستعينوا بمن أمكنهم الاستعانة به من المخلوقين من دون الله، إن كانوا صادقين، فقال سبحانه:
﴿ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾
ومن المحال أن يأتيَ واحد منهم بكلام، يفتعله ويختلقه من تلقاء نفسه، ثم يطالبهم أن يأتوا بسورة مثله، أو بعشر سور مثله مفتريات، ثم يعجزون جميعهم عن ذلك.
ومن الواضح أن الآيتين السابقتين قد وردتا على نمط واحد من الأسلوب. والفرق الوحيد بينهما هو أن التحدي في الأولى أتى﴿ بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ﴾، وفي الآية الثانية أتى﴿بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ﴾. وما عدا ذلك فكل ما فيهما مماثل للآخر.
وأول ما يلفت النظر- هنا- هو تصدُّر الآيتين الكريمتين بـ﴿ أَمْ، وهي للإضراب الانتقالي من النفي إلى الاستفهام الإنكاري التعجبي. والغرض منه إبطال دعواهم أن يكون هذا القرآن مفترًى من دون الله جل وعلا.
و﴿ أَمْ هذه هي التي تتقدر عند النحاة بـ( همزة الإنكار ) و( بل ). وعليه يكون تقدير الكلام: بل، أيقولون افتراه بعدما تبين لهم من الدلائل على صدقه وبراءته من الافتراء ؟ وقيل: إنكار لقولهم واستبعاد.
والافتراء معناه: الكذب. وأكثر استعماله في اللغة في الإفساد؛ وكذلك استعمل في القرآن في الشرك، والظلم، والكذب عن عمد؛ نحو قوله تعالى:
﴿ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ﴾(النساء: 48)
وقوله تعالى:
﴿ انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُّبِيناً ﴾(النساء: 50)
وواضح أن المراد بقوله تعالى في آية هود:
﴿ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ(هود: 13)
أن يأتوا بعشر سور مثل القرآن مفتريات. ويدل عليه أن ضمير الغائب في قوله تعالى:﴿افْتَرَاهُ ﴾ يعود على قوله:﴿بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ ﴾ من الآية السابقة، وهي قوله تعالى:
﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ﴾(هود: 12)
أما قوله تعالى في آية يونس:
﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ﴾(يونس: 38)
فالمراد به: أن يأتوا بكلام، أو بقرآن مثل القرآن على وجه الافتراء، لا سورة واحدة مثله. والدليل على ذلك:
1- أن الضمير في:﴿مِثْلِهِ ﴾ يعود على:﴿ هَذَا الْقُرْآَن ﴾ في الآية السابقة، لهذه الآية على أرجح الأقوال، وهي قوله تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾(يونس: 37)
2-أن من معاني السُّورة في اللغة: المنزلة الرفيعة؛ ومنه قول النابغة في مدح النعمان بن المنذر:
ألم تر أن الله أعطاك سورة ** ترى كل ملك دونها يتذبذب
3-أن السُّورة- على ما قيل- هي كلٌّ متكامل، وتشتمل على ألوان من العلوم والمعارف والتشريعات والآداب، وغير ذلك، وتطلق في الأكثر على السورة الواحدة من القرآن. وقد تطلق، ويراد بها القرآن كله- كما في هذه الآية الكريمة- ومثله في ذلك لفظ ( قرآن )، فإنه يطلق، ويراد به القرآن كله، وقد يراد به بعضه.
4- أنَّ آية يونس، التي تتحدى البشر أن يأتوا ﴿ بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ﴾ يأتي بعدها مباشرة قول الله تعالى:
﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾(يونس: 39)
أي: كذبوا بالقرآن؛ لأنهم لم يحيطوا بعلمه، الذي أحاط بكل شيء.
ولفظ ( سورة ) يتضمن معنى: السُّمو والرفعة، ومعنى: الإحاطة. ومعنى الإحاطة يتضمن: الاشتمال، والتمييز، وتحديد المعالم.
5-قرأ عمرو بن قائد:﴿بسورةِ مثلِهِ ﴾ على الإضافة. أي: بكلام مثله. أي: مثل القرآن.
6- جاء في كتاب معاني القرآن:وقيل: المعنى: فأتوا بقرآن مثل هذا القرآن. والسورة قرآن، فكنَّى عنها بالتذكير على المعنى. ولو كان على اللفظ ، لقيل مثلها.
7- أنَّ لفظ ( سورة ) لم يذكر في أول خمسين سورة ، نُزِّلت على الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد جاء التحدي ﴿ بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ﴾ في سورة يونس، والتي هي السورة الواحدة والخمسين في ترتيب النزول.
ثم جاء التحدي ﴿ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ ﴾ في سورة هود، والتي هي السّورة الثانية والخمسين في ترتيب النزول. وهذا يعني أنّ العرب، في زمن الوحي، قد أَلِفَت معنى لفظ القرآن قبل أن تألف معنى لفظ السورة. وهناك الكثير من السُّور القصار، التي نزلت قبل أن يُسَمِّيَ القرآنُ الكريم كلَّ قطعة متكاملة باسم: سورة.
خامسًا- ثم احتج سبحانه على صحة القرآن، وأنه ليس بمتقوَّل، فقال:
﴿ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ﴾(الطور: 34)
والفاء هنا للتعقيب. أي: إذا كان القرآن متقوَّلاً كما يدعون، فيجب عليهم أن يأتوا بحديث مثله، إن كانوا صادقين.
وقال تعالى هنا:﴿فَلْيَأْتُوا ﴾، بصيغة المضارع المسبوق بلام الأمر، وبدون وساطة:﴿ قُلْ ﴾، خلافًا للآيتين السابقتين؛ إذ قال فيهما:﴿قُلْ فَأْتُوا ﴾. والسِّرُّ في ذلك:
أولاً: أن التحدي بقوله تعالى:﴿فَلْيَأْتُوا ﴾ تحدٍّ غير مباشر يعمُّ كلَّ من نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم تقوَّل القرآن تارة، وافتراءه على ربه جل وعلا تارة أخرى. أما التحدي بقوله تعالى:﴿قُلْ فَأْتُوا ﴾ فهو تحد مباشر، ويخصُّ كل من نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم افتراء القرآن.
وثانيًا: أن التعبير بصيغة المضارع المسبوق بلام الأمر﴿ فَلْيَأْتُوا ﴾ يفيد تجدد التحدي واستمراره دون انقطاع، بخلاف صيغة الأمر﴿ فَأْتُوا ﴾؛ فإن التعبير بها يفيد احتمال وقوع الفعل مرة واحدة، ووقوعه أكثر من ذلك.
ونحو ذلك قوله تعالى:
﴿ قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَا ﴾(إبراهيم: 31)
أي: يداوموا، ويواظبوا على ذلك دون انقطاع. والتقدير على أحد الأقوال: قل لعبادي الذين آمنوا، ليقيموا الصلاة، ولينفقوا مما رزقناهم.
سادسًا-وواضح مما تقدم أن المثلية المنصوص عليها في قوله تعالى:
﴿ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾(الإسراء: 88) ، وقوله تعالى:
﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (البقرة: 23)
هي غيرها في قوله تعالى:
﴿بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ﴾(يونس: 37) ، وقوله تعالى:
﴿بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ ﴾(هود: 13) ، وقوله تعالى:
﴿ بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ ﴾(الطور: 34)
فتلك يراد بها المثل الموجود للقرآن في اللوح المحفوظ، والكتاب المكنون، لا المثل المفترض، وأما هذه فالمراد بها أن يأتوا: بكلام أو قرآن مثل القرآن، وبعشر سور مفتريات مثل القرآن، وبحديث متقوَّل مثل القرآن. وهذا المثل لا وجود له في واقع الناس، لا على سبيل الافتراض، ولا على سبيل غيره؛ لأن الكلام هو كلام الله جل وعلا، وكلام الله لا يماثله كلام البشر، لاختلافه معه في الحقيقة والماهيَّة والجنس؛ كما أن ذات الله تعالى لا تماثلها ذات من ذوات البشر، للسبب ذاته..
ولكن الذين تحدثوا عن المثلية في آيات التحدي، لم يفرقوا بين مثلية، وأخرى، فهي مثلية واحدة عندهم، ومن ثمَّ زعموا أنها مثلية في البلاغة، أو الفصاحة، أو النظم، أو غير ذلك..
ونعود إلى هذه الآيات الثلاثة، فنجد أن المفسرين قد اتفقوا على أن المراد بالمثلية في آية هود:
﴿ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ﴾
مثلية في البلاغة والفصاحة وحسن النظم.
أما المراد بالمثلية في آية يونس:
﴿ بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ﴾
فاختلفوا فيها- كما اختلفوا في غيرها- على أقوال:
أحدها: أنها مثلية في كثرة العلوم، والأحكام، والوعد والوعيد والإخبار عن الغيب.
والثاني: أنها مثلية في الفصاحة والبلاغة وحسن النظم.
والثالث: أنها مثلية تامة في غيوب القرآن، وعلومه، ونظمه، ووعده ووعيده.
قال الثعالبي عند تفسير آية يونس﴿ بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ﴾:والتحدي في هذه الآية- عند الجمهور- وقع بجهتي الإعجاز، اللتين في القرآن: إحداهما: النظم والرصف والإيجاز والجزالة. والأخرى: المعاني من الغيب لما مضى، ولما يستقبل. وحين تحداهم بعشر مفتريات؛ إنما تحداهم بالنظم وحده .
أما ابن عاشور فقال: وقد وقع التحدي بإتيانهم بسورة تماثل سور القرآن. أي: تشابهه في البلاغة وحسن النظم .
ثم قال: فالمماثلة في قوله:﴿مِثْلِهِ ﴾هي المماثلة في بلاغة الكلام وفصاحته، لا في سداد معانيه. قال علماؤنا: وفي هذا دليل على أن إعجازه في فصاحته بقطع النظر عن علوِّ معانيه، وتصديق بعضه بعضًا .
وكذلك اختلفوا في المراد بالمثلية في قوله تعالى في الطور:
﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ ﴾
فقال أبو حيان: أي: مماثل للقرآن في نظمه ووصفه من البلاغة، وصحة المعاني والأخبار بقصص الأمم السالفة والمغيبات، والحكم .
وقال ابن عاشور: ومعنى المثلية في قوله:﴿مِثْلِهِ ﴾: المثلية في فصاحته وبلاغته .
وذهب الفخر الرازي إلى أنه استدل بهذه الآية على أن إعجاز القرآن بفصاحته، لا باشتماله على المغيبات، وكثرة العلوم؛ إذ لو كان كذلك، لم يكن لقوله سبحانه:﴿ مُفْتَرَيَاتٍ ﴾معنى. أما إذا كان وجه الإعجاز الفصاحة، صح ذلك؛ لأن فصاحة الكلام تظهر، إن صدقًا، وإن كذبًا.
قال الألوسي: واعترض عليه الفاضل الجلبي بما هو مبني على الغفلة عن معنى الافتراء والاختلاق .
ولهذا فسر الألوسي المثلية هنا بقوله: مماثل للقرآن في النعوت، التي استقل بها من حيث النظم، ومن حيث المعنى .
إلى غير ذلك من الأقوال، التي لا طائل من الجري وراءها وتتبعها؛ لأنها لا تفسر أسلوبًا، ولا توضح معنى. وإذا اختلفت الأقوال، لم يكن بعضها أولى من بعض، وبخاصة إذا كانت تقوم على أساس هشٍّ، وفهم غير صحيح.
وهنا أذكر بما نقلته في مقالي ﴿ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ عن صاحب كتاب( أكذوبة الإعجاز العلمي في القرآن ) من قوله:
لقد تحدى القرآن جميع البشر، فلم يستطع أحد أن يقاوم ذلك التحدي. والسؤال هو: ما شروط هذا التحدي ؟ لا يعقل أن تتحدى شخصًا مَّا بأن يأتي ﴿ بِمِثْلِهِ ﴾ دون أن تحدد الشروط، ودون أن تحدد ﴿ بِمِثْلِهِ ﴾ في ماذا ؟ اللغة، الشرائع... إلخ.
وأضاف قائلاً:
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.91 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.61%)]