الاعتراض في القرآن الكريم (الجملة المعترضة)
سعيد مصطفى دياب
مِنْ أَسَالِيبِ الْقُرْآنِ الْبَلَاغِيَّةِ: الاعْتِرَاضُ، وَالاعْتِرَاضُ أَنْ يُؤْتَى فِي أَثْنَاءِ الْجُمْلَةِ بكَلَامٍ فَاصِلٍ، يَتِمُّ الْغَرَضُ الْأَصْلِيُّ بِدُونِهِ وَلَا يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ لِنُكْتَةٍ.
وَهو ما يسميه النُّحَاةُ بالْجُمْلَةِ الْمُعْتَرِضَةِ.
أَسْبَابُ الِاعْتِرَاضِ:
للِاعْتِرَاضِ أَسْبَابٌ مِنْهَا:
1- التَقْرِيرُ:
وَمِثَالُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ﴾.[1]
فَجُمْلَةُ: ﴿ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ﴾، اعْتِرَاضٌ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ ﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ ﴾، وَالْمُرَادُ بهذا الاعْتِرَاضِ تَقْرِيرُ إِثْبَاتِ الْبَرَاءَةِ مِنْ تُهْمَةِ السَّرِقَةِ.
وَمِثَالُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾.[2]
فَجُمْلَةُ: ﴿ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾، اعْتِرَاضٌ بَيْنَ قَوْلِهِا: ﴿ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ﴾، وَقَوْلِهِا: ﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾.
وَالْمُرَادُ بهذا الاعْتِرَاضِ: تَقْرِيرُ إِثْبَاتِ أَنْ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً مِنَ الْقُرَى خرّبوا مبانيها، وغيروا مغانيها، وأتلفوا أَمْوَالَهَا، وَفَرَّقُوا شَمْلَ أَهْلِهَا وَأَهَانُوا أَشْرَافَهَا، وَحَطُّوا مَرَاتِبَهُمْ، فَصَارُوا عِنْدَ ذَلِكَ أَذِلَّةً، وَإِنَّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ يَتِمَّ لَهُمُ الْمُلْكُ، وَتُسْتَحْكَمَ لَهُمُ الْوَطْأَةُ، وَتَتَقَرَّرُ لَهُمْ فِي قُلُوبِ الناسِ الْمَهَابَةُ.
2- التَّنْزِيهُ:
وَمِثَالُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ ﴾.[3]
فَجُمْلَةُ: ﴿ سُبْحَانَهُ ﴾، اعْتِرَاضٌ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ ﴾، وقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ ﴾، والغَرَضُ منه التَّنْزِيهُ وَالتَّعْظِيمُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِيهِ الشَّنَاعَةُ عَلَى مَنْ جَعَلَ الْبَنَاتِ لِلَّهِ.
3- التَّبَرُّكُ:
وَمِثَالُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمنين ﴾.[4]
فَجُمْلَةُ: ﴿ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ﴾، اعْتِرَاضٌ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ﴾، وقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ آمنين ﴾.
وفائدة الاعتراض هنا التَّبَرُّكُ.
[1] سورة يُوسُفَ: الآية/ 73.
[2] سورة النَّمْلِ: الآية/ 34، 35.
[3] سورة النَّحْلِ: الآية/ 57.
[4] سورة الْفَتْحِ: الآية/ 27.