عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 13-12-2019, 11:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,014
الدولة : Egypt
افتراضي طرق معرفة المندوب وأهميته

طرق معرفة المندوب وأهميته
د.محمد سعد اليوبي*

المطلب الأول : طرق معرفة المندوب
لمعرفة المندوب طرق كثيرة منها:
أولاً : صيغة الأمر[1] المصروفة عن الوجوب إلى الندب, مثل: الأمر في قوله تعالى: {... وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ... }النور: ٣٣ فالأمر في الآية محمول على الندب عند جماهير العلماء, قال القرطبي[2] ـ رحمه الله ـ :
وتمسك الجمهور بأن الإجماع منعقد على أنه لو سأله أن يبيعه من غيره لم يلزمه ذلك، ولم يجبر عليه, وإن ضوعف له في الثمن.
وكذلك لو قال له: اعتقني أو دبرني أو زوجنى لم يلزمه ذلك بإجماع، فكذلك الكتابة؛ لأنها معاوضة؛ فلا تصح إلا عن تراض [3].
ثانيا: فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد ذكر العلماء سبع حالات يكون فيها فعله ـ صلى الله عليه وسلم ـ محمولاً على الندب , وهي [4]:
1) أن يثبت بقوله ونصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن فعله على سبيل الندبوالاستحباب, ومثاله: حديث أسامة بن زيد[5] قال قلت : يا رسول الله إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر, وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما قال: أي يومين, قلت: يوم الإثنين ويوم الخميس, قال: ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم[6] .
فبين ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه استحب صيام اليومين المذكورين لما ذكره من عرض الأعمال, ولو كان صومهما واجبا لبيّنه.
2) أن يكون الفعل بيانا لقول دال على الندب, أو امتثالا له.
3) أن يسوّي بين الفعل وفعل آخر مندوب, والتخيير تسوية, لأنه لا يخير بين ما هو مندوب وما ليس بمندوب.
4) أن يكون وقوع الفعل مع قرينة قد تقرر في الشريعة أنها أمارة للندب, كصلاة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الوتر على الراحلة[7] , فإنه دليل على أن الوتر ليس بواجب؛ لأن الفرائض لا تصلى على الراحلة.
5) أن يقع الفعل قضاء لمندوب, كالركعتين بعد العصر , صلاهما النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدلا عن الركعتين التي بعد الظهر[8]
6) المواظبة على الفعل في العبادة مع الإخلال به أحيانا لغير عذر ولا نسخ, فالمواظبة تدل على أنه طاعة وقربة, وتركه أحياناً يدل على أنه ليس بواجب.
7) أن يعلم من قصده ـ صلى الله عليه و سلم ـ أنه قصد القربة بذلك الفعل, فيعلم أنه راجح الوجود, ثم نعرف انتفاء الوجوب بحكم الاستصحاب؛ فيثبت الندب .
ثالثاً: التعبير بالندب أو بعض أسمائه كالاستحباب والتطوع والنافلة وما تصرف من ذلك[9]. قال ابن عقيل: أصرح صيغة في الندب: افعل فقد ندبتك, أو ندبتك إلى كذا وكذا, أو أستحب لك أن تفعل كذا, فهذه ألفاظ لا يقع الخلاف فيها؛ لأنها صريحة فيما وضعت له [10], ومن ذلك التعبير بالألفاظ التالية:
1) التعبير بلفظ الندب وما تصرف منه. ومن أمثلة ذلك:
حديث جابر بن عبد الله [11] - رضي الله عنهما - قال ندب النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس - قال صدقة أظنه - يوم الخندق فانتدب الزبير ، ثم ندب فانتدب الزبير ، ثم ندب الناس فانتدب الزبير فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - « إن لكل نبي حواريا ، وإن حواريّ الزبير بن العوام [12] »[13].
2) التعبير بلفظ الاستحباب وما تصرف منه. ومن أمثلة ذلك:
حديث أبي برزة الأسلمي [14] : كان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها[15].
3) التعبير بلفظ التطوع وما تصرف منه, ومن أمثلة ذلك:
- قول الله تعالى : {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }التوبة: ٧٩ أي: يلمزون المتطوعين, وهم المتبرعون بأموالهم.
ـ حديث أم حبيبة [16] زوج النبى -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول « ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة أو إلا بني له بيت في الجنة»[17].
4) التعبير بلفظ النافلة وما تصرف منها.ومن أمثلة ذلك:
- قول الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } الإسراء: ٧٩ .
ـ حديث أبى ذر [18] قال: قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : « كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها ». قال: قلت: فما تأمرني قال: « صل الصلاة لوقتها, فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة»[19].
رابعاً : الترغيب في الفعل بمدح فاعله, وبيان ما يترتب عليه من الأجر والثواب, وما أشبه ذلك, وقد ذكر العز بن عبد السلام[20] ـ رحمه الله ـ عدداً منالأساليب الدالة على طلب الفعل في كتابه الإمام[21], وتبعه في ذلك ابن القيم[22] ـ رحمه الله ـ حيث قال: كل فعل عظمه الله ورسوله, ومدحه أو مدح فاعله لأجله, أو فرح به أو أحبه أو أحب فاعله أو رضي به أو رضي عن فاعله أو وصفه بالطيب أو البركة أو الحسن أو نصبه سببا لمحبته أو لثواب عاجل أو آجل أو نصبه سببا لذكره لعبده أو لشكره له أو لهدايته إياه أو لإرضاء فاعله أو لمغفرة ذنبه وتكفير سيئاته أو لقبوله أو لنصرة فاعله أو بشارة فاعله بالطيب أو وصف الفعل بكونه معروفا أو نفي الحزن والخوف عن فاعله أو وعده بالأمن أو نصبه سببا لولايته أو أخبر عن دعاء الرسل بحصوله أو وصفه بكونه قربة أو أقسم به أو بفاعله, كالقسم بخيل المجاهدين وإغارتها أو ضحك الرب جل جلاله من فاعله أو عجبه به فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب[23].
المطلب الثاني : أهمية المندوب
للمندوب أهمية كبيرة تتجلى من خلال ما يلي :
أن المندوب حمى يحمي الواجب من الضياع , وسياج وحصن منيع يمنع التعدي على الواجبات , فمن حافظ على المندوبات, كان أشد محافظة على الواجبات, ومن تساهل في المندوبات وتركها, ربما أدى به ذلك إلى التساهل في الواجبات, وكان كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه.
أن المندوب خادم للواجب, ومهيئ له سواء تقدمه أم قارنه أم لحقه, وفي ذلك يقول الشاطبي[24] ـ رحمه الله ـ : المندوب إذا اعتبرته اعتباراً أعم من الاعتبار المتقدم وجدته خادما للواجب؛ لأنه إما مقدمة له, أو تذكار به؛ كان من جنس الواجب أولا.
فالذي من جنسه: كنوافل الصلوات مع فرائضها, ونوافل الصيام والصدقة والحج وغير ذلك مع فرائضها.
والذي من غير جنسه: كطهارة الخبث في الجسد والثوب والمصلى, والسواك, وأخذ الزينة, وغير ذلك مع الصلاة, وكتعجيل الإفطار, وتأخير السحور, وكف اللسان عما لا يعنى مع الصيام, وما أشبه ذلك فإذا كان كذلك فهو لاحق بقسم الواجب بالكل وقلما يشذ عنه مندوب يكون مندوبا بالكل والجزء[25].
أن المندوب يجبر ما في الواجب من نقص , وقد وردت النصوص بذلك , منها قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إنَّ أَولَ ما يُحاسَبُ به العبد يوم القيامة من عَمَلِهِ : صلاَتُهُ ، فإن صَلَحتْ ، فقد أفلح وأنجح ، وإن فسدَتْ، فقد خاب وخسر ، فإن انتقص من فريضته شيئا ، قال الربُّ تبارك وتعالى : انظروا ، هلّ لعبدي من تطوع ؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ، ثم يكون سائر عمله على ذلك" [26].أي : وسائر الفرائض مع سننها ونوافلها كذلك يجبر بها نقصها.
أن الله ـ عز وجل ـ يرفع به منزلة العبد ويعطيه عليه الأجر العظيم , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى :« وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه »[27].
حكم المندوب
مما تقدّم يعلم أن المندوب يجوز تركه إلى غير بدل, وأن تاركه لا يأثم ولا يستحق العقاب, وأن ذلك مما يميزه عن الواجب الذي لا يجوز تركه مطلقا, وأن تاركه آثم مستحق للعقاب . لكن ينبغي التنبيه هنا على أمور:
الأمر الأول : أن بعض العلماء شدد في ترك السنة المؤكدة , واعتبرها قريبا من الواجب كما تقدم عند الحنفية[28], وحكمها أنه يندب إلى تحصيلها, ويلام على تركها مع لحوق إثم يسير [29] , وإذا كانت من أعلام الدين، فإن ذلك بمنزلة الواجب في حكم العمل على ما قال مكحول ـ رحمه الله ـ : السنة سنتان: سنة أخذها هدى وتركها ضلالة، وسنة أخذها حسن وتركها لا بأس به، فالأول نحو صلاة العيد والأذان والإقامة والصلاة بالجماعة، ولهذا لو تركها قوم استوجبوا اللوم والعتاب، ولو تركها أهل بلدة وأصروا على ذلك قوتلوا عليها ليأتوا بها [30].
قال في التلويح : وترك السنة المؤكدة قريب من الحرام يستحق حرمان الشفاعة [31]
وقد ذكر بعض الحنابلة أثم من ترك السنة المؤكدة: كالوتر والسنن الرواتب, قال ابن مفلح : ونقل أبو طالب : الوتر سنة سنها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فمن ترك سنة من سننه, فهو رجل سوء ، وأثّمه القاضي، ومراده؛ لأنه لا يسلم من ترك فرض, وإلا فلا يأثم بسنة ، كذا كان ينبغي أن يقول ، لكن ذكر فيمن ترك الصلاة أن من داوم على ترك السنن أثم ، واحتج بقول الإمام أحمد فيمن ترك الوتر : رجل سوء ، مع قوله: إنه سنة [32] .
الأمر الثاني : أنه لا يجوز الإصرار والمداومة على ترك السنة المؤكدة
قال النووي [33] : من ترك السنن الراتبة وتسبيحات الركوع والسجودأحياناً لا ترد شهادته, ومن اعتاد تركها ردت شهادته؛ لتهاونه بالدين هذا بقلة مبالاته بالمهمات[34].
وقال ابن تيمية[35] : من أصر على تركها ـ أي: السنن الرواتب ـ دل ذلك على قلة دينه, ورُدّتْ شهادته في مذهب أحمد والشافعي وغيرهما [36].
وقال ابن مفلح : وقال ـ أي: القاضي ـ في مسألة الوتر عن قول أحمد فيمن تركه عمدا : رجل سوء ، لا ينبغي أن تقبل شهادته ، فإنه لا شهادة له ، ظاهر هذا أنه واجب ، وليس على ظاهره ، وإنما قال هذا فيمن تركه طول عمره أو أكثره؛ فإنه يفسق بذلك ، وكذلك جميع السنن الراتبة إذا داوم على تركها ، لأنه بالمداومة يحصل راغبا عن السنة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من رغب عن سنتي فليس مني"[37]؛ ولأنه بالمداومة تلحقه التهمة بأنه غير معتقد لكونها سنة، وهذا ممنوع منه إلى أن قال: وكذا في الفصول : الإدمان على ترك هذه السنن الراتبة غير جائز، واحتج بقول أحمد في الوتر؛ لأنه يعد راغبا عن السنة . وقال بعد قول أحمد في الوتر : وهذا يقتضي أنه حكم بفسقه [38].
الأمر الثالث: أن المندوب يترك إذا كان في تركه مصلحة.
مثل ترك بعض المندوبات لمصلحة تأليف القلوب.
قال ابن تيمية: فيستحب الجهر بهاـ أي : البسملة في الصلاة الجهرية ـ لمصلحة راجحة حتى إنه نص ـ يعني الإمام أحمد ـ على أن من صلى بالمدينة يجهر بها, فقال بعض أصحابه: لأنهم كانوا ينكرون على من يجهر بها, ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات؛ لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا, كما ترك النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ تغيير بناء البيت, لما في إبقائه من تأليف القلوب, وكما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه متما, وقال: الخلاف شر[39].
الأمر الرابع : أن المندوب لا يترك لكونه صار شعاراً للمبتدعة.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن المندوب يستحب تركه إذا كان شعاراً للمبتدعة.
قال الزركشي في البحر: لا يترك المندوب لكونه صار شعارا للمبتدعة خلافا لابن أبي هريرة[40], ولهذا ترك الترجيع في الأذان, والجهر بالبسملة, والقنوت في الصبح, والتختم في اليمين, وتسطيح القبور محتجا بأنه ـ صلى الله عليه وسلم ترك القيام للجنازة لما أخبر أن اليهود تفعله .
وأجيب بأن له ذلك؛ لأنه مشرع بخلاف غيره لا يترك سنة صحت عنه.
وفصل الغزالي بين السنن المستقلة وبين الهيئات التابعة, فقال: لا يترك القنوت إذا صار شعارا للمبتدعة بخلاف التسطيح والتختم في اليمين ونحوهما فإنها هيئات تابعة فحصل ثلاثة أوجه.والصحيح المنع مطلقا [41].
وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية أن أئمة المذاهب قد عملوا بالسنة مع موافقة عمل بعض المبتدعة بها , ولم يكن عمل المبتدعة بها سبباً في تركها, فقال : الذي عليه أئمة الإسلام أن ما كان مشروعا لم يترك لمجرد فعل أهل البدع, لا الرافضة ولا غيرهم, وأصول الأئمة كلهم توافق هذا [42].
ثم قرر ذلك بكلام طويل مثّل فيه لعمل أئمة المذاهب بالسنة مع عمل المبتدعة بها[43].
وبين في آخره أن العمل بما كان شعاراً للمبتدعة وتركه يرجع إلى تعارض المصلحة والمفسدة, فمتى غلبت المفسدة ترك العمل بذلك درءاً للمفسدة, فقال : فإنه إذا كان في فعل مستحب مفسدة راجحة لم يصر مستحبا, ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعارا لهم, فلا يتميز السني من الرافضي, ومصلحة التميز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة هذا المستحب. وهذا الذي ذهب إليه يحتاج إليه في بعض المواضع إذاكان في الاختلاط والاشتباه مفسدة راجحة على مصلحة فعل ذلك المستحب, لكن هذا أمر عارض لا يقتضي أن يجعل المشروع ليس بمشروع دائما, بل هذا مثل لباس شعار الكفار وإن كان مباحا إذا لم يكن شعارا لهم كلبس العمامة الصفراء, فإنه جائز إذا لم يكن شعارا لليهود, فإذا صار شعارا لهم نهى عن ذلك [44].
الأمر الخامس : أن المندوب قد يترك إذا خُشي من اعتقاد العامة وجوبه
قرر الشاطبي ـ رحمه الله ـ ذلك بما لا مزيد عليه , حيث قال : كذلك إن كان مندوبا مجهول الحكم, فإن كان مندوبا مظنة لاعتقاد الوجوب؛ فبيانه بالترك أو بالقول الذي يجتمع إليه الترك كما فعل في ترك الأضحية, وترك صيام الست من شوال, وأشباه ذلك, وإن كان مظنة لاعتقاد عدم الطلب أو مظنة للترك, فبيانه بالفعل والدوام فيه على وزان المظنة, كما في السنن والمندوبات التي تنوسيت فى هذه الأزمنة [45].
وقال : المندوب من حقيقة استقراره مندوبا أن لا يسوى بينه وبين الواجب, لا في القول ولا في الفعل, كما لا يسوى بينهما في الاعتقاد, فإن سوى بينهما في القول أو الفعل فعلى وجه لا يخل بالاعتقاد [46].
ثم استدل لهذا الأصل بعدة أمور إلى أن قال : والثالث : أن الصحابة عملوا على هذا الاحتياط في الدين لما فهموا هذا الأصل من الشريعة, وكانوا أئمة يقتدى بهم؛ فتركوا أشياء, وأظهروا ذلك؛ ليبينوا أن تركها غير قادح, وإن كانت مطلوبة, فمن ذلك:
ترك عثمان[47] القصر في السفر في خلافته, وقال: إني إمام الناس فنظر إليّ الأعراب وأهل البادية أصلي ركعتين؛ فيقولون : هكذا فرضت[48]. وأكثرالمسلمين على أن القصر مطلوب, وقال حذيفة ابن أسيد[49]: شهدت أبا بكر وعمر وكانا لا يضحيان مخافة أن يرى الناس أنها واجبة[50], وقال بلال[51] : لا أبالي أن أضحي بكبش أو بديك[52], وعن ابن عباس[53]: أنه كان يشتري لحما بدرهمين يوم الأضحى, ويقول لعكرمة[54] من سألك فقل: هذه أضحية ابن عباس[55], وكان غنيا, وقال بعضهم: إني لأترك أضحيتي وإني لمن أيسركم مخافة أن يظن الجيران أنها واجبة[56], وقال أبو أيوب الأنصاري[57] : كنا نضحي عن النساء وأهلينا فلما تباهى الناس بذلك تركناها, ولا خلاف في أن الأضحية مطلوبة [58]
وقال الزركشي : ولا يترك لخوف اعتقاد العامة وجوبه خلافا لمالك, ووافقه من أصحابنا أبو إسحاق المروزي[59] فيما حكاه الدارمي[60]في الاستذكار أنهقال: لا أحب أن يداوم الإمام على مثل أن يقرأ كل يوم جمعة بالجمعة ونحوه؛ لئلا يعتقد العامة وجوبه[61].
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.34 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]