عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 23-09-2020, 02:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟ ( قراءة في الخطاب المنزل )


ثم تأتي أهمّيّة الرواية الثالثة، رواية أبي هريرة؛ حيث أسقط الحق الذي لقريش - وهي جهة الحاكم -، وهو حق السمع والطاعة، وذلك بحدوث مناط يسوده الظلم الشديد وارتفاع الرحمة وخيانة الأمانة، وهو يُفَسّر في سياق حديث عُبادة الذي سبقه لتطابق الحكم فيهما، هذا المناط الذي في روايتي حديث عبادة، وحديث أبي هريرة مختلفٌ أشد الاختلاف عن المناط الذي أمر فيه بالصبر، كما جاء الروايات التالية:

عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنها ستكون بعدي أثرة، وأمور تنكرونها!»، قالوا: (يا رسول الله، كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟!)، قال: «تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم»، (حديث صحيح، أخرجه مسلم)، فيكون الأمر على الشكل التالي:



وعن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا"؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية، أو في الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم» (إسناده جيد قوي، أخرجه مسلم).



عن عوف بن مالك الأشجعي عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أنه قال: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قالوا قلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولى عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة" (صحيح مسلم).



وبالجمع بين الروايات يكون الأمر على الشكل التالي:

الرواية الأولى: المناط: (أثرة وأمور تنكرونها)، الحكم: (تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم).



الرواية الثانية: المناط: (يسألونا حقّهم، ويمنعونا حقنا)، الحكم: (اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم).



الرواية الثالثة: المناط: (يأتي شيئا من معصية الله)، الحكم: (فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة).



فنجد هذا التناسق المحكم بين هذه الروايات الثلاث، يتجلّى في تطابق المناط - وإن كان بألفاظ مختلفة - مع تطابق الحكم فيه، وهو الصبر على الأثرة والمعاصي الفردية للحاكم، مع عدم نزع اليد من الطاعة، ولا يعني ذلك بطبيعة الحال عدم أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر والأخذ على يده إن اشتدّ انحرافه من خلال أهل الحلّ والعقد كما تدلّ أحاديث صحيحة أخرى، لكنّه أمر هنا بالصبر، ولم يأمر بإسقاط السمع والطاعة أي بإسقاط الشرعية؛ لأنّهم أئمة يقيمون الدين ولكن يأتون شيئًا من المعاصي الفردية وبعض الأثرة سواء في تقسيم الأموال أو غير ذلك.



أمّا الروايات السابقة (روايتي عبادة ورواية ابن مسعود) فقد كان المناط مختلفًا، وبناء عليه كان الحكم مختلفا:

رواية عبادة الأولى: المناط: (يعرّفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون)، الحكم: (فلا طاعة لمن عصى الله، فلا تعتلوا بربكم).



رواية عبادة الثانية: المناط: (يأمرونكم بما لا تعرفون، و يعملون بما تنكرون)، الحكم: (فليس أولئك عليكم بأئمة).



رواية ابن مسعود: المناط: (يطفئون السنة ويحدثون بدعة ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها)، الحكم: (ليس يا ابن أم عبد طاعة لمن عصى الله، قالها ثلاث مرات).



وهكذا يسقط السمع والطاعة في هذا المناط الذي هو درجة من الانحراف توجب إسقاط شرعية الحاكم، يضاف إلى هذه الروايات ما ذكرناه من رواية أم حصين الأحمسية التي جاء فيها الشرط واضحًا حاسمًا: "فاسمعوا له وأطيعوا ما قادكم بكتاب الله"،فاشترط للسمع والطاعة قيادة الأمة بكتاب الله، ففهمنا من ذلك أنّه حين أمرَ بالتزام السمع والطاعة للإمام كان يتحدّث عن أئمة يقودون الأمة بكتاب الله دون أدنى شكّ، رغم ما يأتونه من معاص فرديّة ومنكرات وبعض الأثرة.



وبالإضافة إلى ما ذكرناه من أدلّة على أنّ نزع السمع والطاعة مطلقًا يعني إسقاط الشرعية عن الحاكم، أي: عدم اعتباره إمامًا شرعيّا مع العمل على تغييره، كما دلّ مفهوم النصوص المباشر، والنصوص الأخرى التي أكّدت المعنى، بالإضافة إلى ذلك فإنّ هناك دليلا ثالثا يؤكّد أن "نزع اليد من الطاعة" معناه إسقاط شرعيّة الحاكم ومشروعيّة منابذته، وضرورة العمل لتغييره بمن يقيم الدين ويحقّق الجماعة، وهو ما مرّ معنا قبل قليل من رواية عوف بن مالك الأشجعي عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أنه قال: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قالوا قلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولى عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة" (صحيح مسلم).



فقد سألوا الرسول - صلّى الله عليه وسلّم -: "يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك"؟ قال: "لا، ما أقاموا فيكم الصلاة"، ثم قال: "ألا من ولى عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة"، فهم سألوه عن المنابذة، فبيّن لهم، ثم أمرهم بعدم نزع اليد من الطاعة، فكان مفهومًا أن "المنابذة" تعني "نزع اليد من الطاعة"، وأنه - - صلّى الله عليه وسلّم - - حين يأمر في أحاديث أخرى بنزع اليد من الطاعة، يكون ذلك إسقاطًا واضحًا لشرعيّة الحاكم، وتأكيدًا على ضرورة تغييره!



حقيقة إسقاط الشرعية، واجتيالُ المضلّين:

إنّ إسقاط الشرعية وإن كان مختلفًا عن الخروج على الحاكم بالقوة والسلاح، فهو شيء آخر مختلفٌ عن الصبر والتزام السمع والطاعة، إنّه جهد في سبيل تغيير المؤسّسة الحاكمة من خلال إسقاط شرعيّتها، والعمل على إيجاد شرعيّة بديلة تحقّق مفهوم "الجماعة"، وتقيم دين الله في الأرض، حتّى وإن كان ذلك عملا سلميّا تراكميّا، لا ينزع إلى قوة السلاح، لكن لا يجوز بجميع الأحوال أن تكون صفة "الجماعة" المأمور بها شرعًا معطّلة غائبة، وأن تكون صفة "التفرّق" هي السائدة مكانها، ثم لا يكون للأمة مع ذلك أدنى جهد في العمل لتغيير هذه الأوضاع! لا يوجد شيء في دين الله يسوّغ هذا التنصّل من تكاليف الشرع، ولا يمكن تبرير قول من يقول للأمة: اسمعي وأطيعي للفرق القائمة مكان الجماعة! واصبري ولا تقومي بأي جهد لإقامة دين الله وإقامة شرعية الجماعة! لا يمكن تبرير هذا القول؛ لأنّه مخالف لما أمر به الله عزّ وجلّ في كتابه، ولما ظهر بوضوح في السنّة النبويّة الشريفة.



لقد كان اجتيالُ المضلّين من أصحاب هذه الدعوات المخالفة للسنّة متمثّلا بوضع الأمة بين طرفين لا ثالث لهما: إمّا أن تصبروا وتسمعوا وتطيعوا ولا تفكّروا في شيء اسمه تغيير ولا عمل جماعي إسلامي لإقامة دين الله في الأرض، وإمّا أن تخرجوا بالسلاح، وهذا فيه ما فيه من الدماء والمخاطر على الأمة، فضلا عن كونه مشروطًا بظهور الكفر البواح، ثمّ ضيّقوا دائرة الكفر البواح بحيث لا يظهر عندهم إلا إن صرّح الحاكم بمقولة كفرية صريحة! فحتّى لو حكم النظام بشريعة غير شريعة الله، وبدّل الولاء الإسلامي وأحلّ مكانه الولاء القوميّ الجاهلي، فالكفر البواح عندهم لم يظهر بعد[1]!



وهكذا وضع هؤلاء المضلّون الأمة بين طرفين لا ثالث لهما، مع أن الأمر كما بيّنا ليس محصورًا في هذه الثنائيّة، ولقد ظهر خلال هذه القراءة الوجيزة تهافت قولهم بالصبر والتزام الطاعة لهذه الفرق التي خرجت من الجماعة ولم تُقم الدين، أمّا قولهم باستحالة الخروج بالقوة المسلّحة لِما فيه من مضار ومخاطر على الأمة، فهو وإن كان يحمل الكثير من الصحّة بناء على قواعد أصول الفقه كمعيار المصالح والمفاسد، وحدّ الاستطاعة ووجود القدرة وغير ذلك من الاعتبارات الفقهية،، رغم ذلك فهم يجعلونه – تزييفًا للحقّ - الوجه الآخر الوحيد للصبر والسمع والطاعة!



وكأنّما كان من المحتّم على هذه الأمة أن تخضع للتفرّق المنهيّ عنه شرعًا، وتتنازل عن واجب إقامة الدين وتحقيق شرعيّة الجماعة لمجرّد أنّها لا تستطيع الخروج المسلّح على هذه الفرق! وكأنّ الوسائل لإسقاط شرعيّة الحاكم بجهد يطول أو يقصر قد انعدمت، ووسائل العمل الجماعي لإقامة الدين وتحقيق الجماعة قد انعدمت،، ولكن أنّى لهم ذلك وهذا كتاب الله حاضرٌ وتلك سنّة رسوله - صلّى الله عليه وسلّم - تبيّن لنا معالم الرشاد والهداية؟!



• • •




ثم أخيرًا لا بدّ من التأكيد على الوسائل المشروعة للتغيير - بالإضافة إلى ما مرّ معنا - كما هي في الخطاب المنزّل، فإنكار المنكر بل والعمل لتغييره هو واجب لا يجوز للأمّة أن تنفكّ عنه؛ لكثرة النصوص التي تأمر بذلك، حتى وإنْ كان الحاكم يُقيم الدين ويحقّق مفهوم الجماعة – كما سيأتي معنا - فلا بدّ من أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر حتى يعود إلى الجادة، وحتى لا ينحرف أكثر مما هو عليه، ولا بدّ من اعتزاله في حالات؛ لإظهار عدم الرضى عن حاله كوسيلة للضغط نحو التغيير، ولا بدّ من الأخذ على يده وتقويمه في حالات، وليس الأمر إمّا صبر وسمع وطاعة أو خروج بالسلاح كما يروّج المضلّون!



الأمر بالإنكار عليهم لردّهم عن منكرهم:

قال تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78، 79].



وفي مسند الإمام أحمد بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه خطب فقال: "يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير ما وضعها الله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105] سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إنّ الناس إذا رأوا المنكر بينهم فلم ينكروه يوشك أن يعمّهم الله بعقابه"، (مسند الإمام أحمد، إسناده صحيح، صححه الإمام أحمد شاكر).



عن أم سلمة رضي الله عنها أنّه عليه الصلاة والسلام قال: "إنه سيكون عليكم أئمة تعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، فقيل: يا رسول الله أفلا نقاتلهم ؟ قال: لا ما صلوا" (صحيح الترمذي).



عن جابر بن عبد الله عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أنه قال: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، و رجل قام إلى إمام جائر فأمره و نهاه، فقتله" (صحّحه السيوطي في الجامع الصغير، والألباني في السلسلة الصحيحة).



عن أبي قبيل عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنه صعد المنبر يوم القمامة فقال عند خطبته: "إنما المال مالنا والفيء فيئنا فمن شئنا أعطيناه ومن شئنا منعناه"، فلم يجبه أحد، فلمّا كان في الجمعة الثانية قال مثل ذلك فلم يجبه أحد، فلما كان في الجمعة الثالثة قال مثل مقالته، فقام إليه رجل ممن حضر المسجد فقال: "كلا، إنما المال مالنا والفيء فيئنا فمن حال بيننا وبينه حاكمناه إلى الله بأسيافنا"، فنزل معاوية فأرسل إلى الرجل فأدخله فقال القوم: "هلك الرجل"! ثم دخل الناس فوجدوا الرجل معه على السرير، فقال معاوية للناس: "إن هذا أحياني أحياه الله، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سيكون بعدي أمراء يقولون ولا يردّ عليهم، يتقاحمون في النار كما تتقاحم القردة"، وإني تكلمت أول جمعة فلم يردّ عليّ أحد، فخشيت أن أكون منهم، ثم تكلمت في الجمعة الثانية فلم يردّ عليّ أحد، فقلت في نفسي: إني من القوم! ثم تكلمت في الجمعة الثالثة فقام هذا الرجل فردّ عليّ فأحياني أحياه الله"! (مجمع الزوائد للهيثمي: رجاله ثقات، وصحّحه الألباني في السلسلة الصحيحة)، الشاهد: استدل الصحابي والخليفة معاوية بن أبي سفيان بقوله عليه الصلاة والسلام: "سيكون بعدي أمراء يقولون ولا يردّ عليهم، يتقاحمون في النار كما تتقاحم القردة" على فعل هذا الرجل الذي ردّ عليه ما قال ليردعه عنه، فارتدع معاوية رضي الله عنه واستجاب واعترف بخطئه وهذا من فضائله!



الأمر باعتزالهم كوسيلة للضغط وإظهار عدم الرضى عن حالهم:

عن عبد الله ابن عبّاس رضي الله عنه أنّه عليه الصلاة والسلام قال: "سيكون أمراء تعرفون و تنكرون، فمن نابذهم نجا، و من اعتزلهم سلم، و من خالطهم هلك" (صححه الإمام الألباني في صحيح الجامع).



عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أنّه عليه الصلاة والسلام قال: "ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس، و يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم، فلا يكونن عريفا ولا شرطيا ولا جابيا ولا خازنا" (صحّحه الإمام الألباني في صحيح الترغيب).



عن كعب بن عجرة: "خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن تسعة خمسة وأربعة أحد العددين من العرب والآخر من العجم فقال اسمعوا هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس بوارد علي الحوض ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه، وهو وارد علي الحوض" (سنن الترمذي، صحّحه أحمد شاكر والألباني وغيرهم ممّن سبقهم من المحدثين).



عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: "يهلك أمتي هذا الحي من قريش، قالوا: فما تأمرنا ؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم" (صحيح مسلم، وورد في صحيح البخاري بلفط "يهلك الناس").





والأخذ على أيديهم وتقويمهم لردّهم إلى الجادة ومنعهم من الانحراف أكثر من ذلك واجبٌ في حالات:

عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أنه قال: "إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾ [المائدة: 78] إلى قوله ﴿ فَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 81] ثم قال كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا" (رواه أبو داود وهو صحيح، وصحّحه أحمد شاكر في عمدة التفسير).



عن النعمان بن بشير عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أنه قال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا" (صحيح البخاري).



وفي خطبة أبي بكر من رواية أنس بن مالك: "أما بعد، أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإنْ أحسنت فأعينوني، وإنْ أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذلّ، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله" (ذكره ابن كثير في البداية والنهاية وإسناده صحيح)، الشاهد: "فإنْ أحسنت فأعينوني، وإنْ أسأت فقوموني".



عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أنه قال: "أول من بدأ بالخطبة، يوم العيد قبل الصلاة، مروان، فقام إليه رجل، فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (صحيح مسلم)، الشاهد: أن الصحابي الجليل أبا سعيد الخدري استدلّ بحديث التغيير باليد واللسان والقلب على مشروعية فعل الرجل، والرجل قد قام لمروان، ومروان خليفة يُقيم الدين لكنه أتى شيئًا منكرًا.



وعن عبدالله بن مسعود أنّه قال: "يكون عليكم أمراء يتركون من السنة مثل هذا، وأشار إلى أصل إصبعه، وإن تركتموهم جاؤوا بالطامة الكبرى، وإنها لم تكن أمة إلا كان أول ما يتركون من دينهم السنة، وآخر ما يدَعون الصلاة، ولولا أنّهم يستحيون ما صلّوا" (أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص)، الشاهد قوله: "وإن تركتموهم جاؤوا بالطامة الكبرى"، فهو دليل واضح أن للأمة دور في ردع انحراف الأئمة وردّهم إلى جادة السنّة.



وهكذا، ظهر لنا دجل المحرّفين المموّهين؛ فقد أوهموا الأمة - كما قلنا - أن واجبها تجاه الحكام أيّا كانوا هو مجرّد الصبر والسمع والطاعة، وأن الوجه الآخر لذلك هو الخروج بالسلاح! فتبيّن لنا أن هناك مناطات أخرى بين "الصبر" وبين "الخروج بالسلاح" وهي كما جاء معنا:

إنكار منكرهم والردّ عليهم لردعهم عمّا هم فيه من انحراف.



اعتزالهم وعدم مخالطتهم كوسيلة للضغط عليهم وإظهار عدم الرضى.



الأخذ على أيديهم بتقويمهم وردّهم إلى جادّة السنة والرشاد.



إسقاط شرعيّتهم بإسقاط حقّ السمع والطاعة.



العمل الجماعي للتغيير كتكليف شرعي، وذلك بإنهاء حالة الفرقة وتنحية الشريعة، وإيجاد شرعية الجماعة لإقامة الدين.



فهذه كلّها واجبات ثابتة راسخة في الكتاب والسنّة ولا يمكن النكوص عنها، حتّى وإنْ لم يكن هناك مجال للخروج المسلّح كما ذكرنا، فكيف غفل - أو تغافل - هؤلاء المضلّون عن هذا الخطاب المنزّل الواضح الناصع؟!




لا يسعُنا إلا أن نقول: صدق الله العظيم، وصدق رسوله الكريم - صلّى الله عليه وسلّم -، وكذب الدجّالون المخادعون!





[1] تحدّثنا عن معنى الكفر البواح وظهوره في دراسة بعنوان "المناطات المختلفة لعلاقة المحكومين بالحكام".




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.55%)]